رمز الخمرة
للخمرة حضور رمزي في الشعر الصوفي له دوره الفني والتّعبيري غير أن الصوفية لم يكن يهمهم الجانب الحسي والشهواني فيه، "ولكنهم كانوا كمن ينشئ رمزه الخاص برغم استخدامهم لنفس الصور والتشبيهات والمعاني والألفاظ، فشعر أبي نواس وغيره من شعراء الخمر كان ينشد للتعبير عن المواجيد والهيام"[1]، وهذا يشبه كثيرا قول القشيري: "فإذا كوشف العبد بنعت الجمال، حصل السكر، وطاب لروح، وهام القلب"، وقد أنشدوا:
فصحوك من لفظي وهو الوصل كله
وسكرك من لحظي يبيح لك الشربا
فما حلّ ساقيها وما ملّ شارب
عقار لحاظ كأسه يسكر اللُّبا
ومنه أيضا:
لي سكرتان وللندمان واحدة
شيء خصصت به من بينهم وحدي
فكلّ شخص بدا لي أنه قدحي
وكلّ لحظ أراه فهو لي ساقي
ويهذا الطرح الرمزي فإن الخمر الصوفية مجازية عن السكر العادي، الذي نعرفه، ولكنها سكر من خمر المحبة الإلهية، حتى حصول النشوة الرحبة التي لا يدركها إلا الصوفية، فقد شكّلت رمزيّة الخمر عند المتصوّفة ورجالات العرفان حالةً تجريديّة تؤدّي المفارقة الكبرى عن معناها الحسّي القائم في الفكر العام، لتكون المعادل الرمزي لحالة النشوة الروحية، فالخمر بوصفه طقساً روحانياً لم يكن وليد زمنٍ مبكرٍ، إنّما له امتدادٌ تاريخيٌّ عميق، يصل حتّى تخوم الأساطير الموغلة في القدم.
