Aperçu des sections

  • التعريف بالمقياس



    مقياس الأدب القديم والنقد الجديد يقوم على   تلك العلاقة االقائمة بين المناهج  النقدية وإمكانية تطبيقها على االأدب القديم  ، شعرا كان أم نثرا لإعطاء قراءات محتلفة ومتعددة للنص القديم ، وتفجير معانيه ودلالاته في قراءة حداثية. 

    المستوى :السنة أولى ماستر أدب قديم 

    الوحدة : وحدة تعليم أساسية 

    المادة :الأدب القديم والنقد الجديد 

    الرصيد 5 

    المعامل 3 

    االحجم الزمني للمقياس :14 أسبوعا

    الحجم الساعي الأسبوعي :1سا و30 د

    استحوذت المناهج الشكلانية والبنيوية لفترة هامة على قراءة النص في وجوده المغلق أو المفتوح ، وبين التركيز على المرجعيات الاجتماعية، والنفسية ،والتاريخية ، أو تقف على أدبيته الأسلوبية ، والتركيبية ،والدلالية بمعزل عن المرجعيات السابقة ، لكن شهد النص النثري القديم إشكالية قراءة وفق المناهج الحداثية و ما بعد حداثة ،وأعطت للنص قراءة جديدة وفق مناهج مغايرة تجاوز ت في تطبيقاتها البنية اللغوية وسياق تكوّنها ، إلى قراءة جديدة يأخذ فيها النقد جانبا لم يُوطأ من قبل، و يتّخذ من الثقافة بشموليتها موضوعا للبحث ، لكونها تعبيرا عن وعي جمعيّ له جبروته في توجيه الخطاب ، ومنه أصبح الخطاب حادثة ثقافية ،وأصبح النسق وفق هذه الرؤى عنصرا مركزيا في المعرفة لميزته في المخاتلة ليمرر مضمراته ، ويتطلب قارئا حذقا و حصيفا ملمّا ، يمتلك ترسانة معرفية من شتى العلوم والنظريات والمناهج والدراسات المختلفة ، لتكون له أدوات أساسية للتحليل والحفر واستجلاء هذه الأنساق وتأويلها بربطها بسياقاتها المتعددة

    • معلومات الاتصال

      الأستاذة : فاطمة قيدوش

      قسم اللغةوالأدب العربي/معهد الآداب واللغات بالمركز الجامعي عبد الحفيظ بوالصوف بميلة 

      البريد الالكتروني

      guidouche.f@centre-univ-mila.dz

      أيام التواجد بالمعهد من الأحد إلى الخميس من الناسعة سباحا إلى الثالثة مساءا

      • أهداف المقياس

        مستوى المعرفة والتذكر

        وفي هذه المرحلة يستعيد الطالب مكتسباته القبلية وما تخزنه الذاكرة من معلومات ومعرفة بالنظريات والمفاهيم التي سبق له أن درسها أو اطلع عليها في سنوات دراسته وتكون لها علاقة بها ، حيث يكون الطالب في مرحلة سابقة قد حفظ التعريفات الخاصة ببعض المناهج المختلفة وفي هذه المرحلة يتم اختبار الطالب على مدى تحصيله العلمي وذلك بإعطائه تمارين مختلفة لمعرفة إمكانيته في التفريق بين المناهج النصانية والسياقية ، وبين المناهج الحداثية ومابعد الحداثة والوقوف من خلال ذلك على مكتسباته القبلية في ما يخص المنهج الثقافي والمنهج الموضوعاتي .

        مستوى الاستيعاب والفهم : 

        وفيها يتمكن الطالب من الوقوف على الخصائص الأساسية والعامة للمفاهيم ،والنظريات ،و تحديد المصطلحات ،والجذور الفلسفية لكل منهج وخصائصه وآلياته وإمكانية تطبيقه على النصوص التراثية القديمة .

        _مستوى التحليل والتفسير:

         وهنا يتمكن الطالب من المادة العلمية الموجودة لديه ويصبح قادرا على تحليليها وتفكيكها ،والتفريق بين المناهج الحداثية ومابعد حداثية ؛بين المناهج التي تهتم بدراسة الموضوع كالمنهج الموضوعاتي ،والنقد الثقافي الذي يهتم بدراسة النسق الثقافي في حد ذاته ،ويقف على الفروق الموجودة بين المناهج من خلال معرفة حركية هذا المصطلح في الحقل المعرفي النقدي وكيف انتقلت المناهج من السياق الى النص ثم إلى أن أصبح النص حادثة ثقافية منع النقد الثقاقي .

           


        • المكتسبات القبلية


          لكـي يسـتطيع الطالـب اسـتيعاب هـذا المقيـاس بسـهولة يجـب أن يكـون علـى درايـة بمفهـوم المناهج السياقية والمناهج النصانية  والمناهج مابعد حداثية   وتكون له دراية عامة  عن الآليات والإجراءات المتبعة وكيفية تطبيقها على النصوص الشعرية كوالنثرية على السواء .كما يكون الطالب له رصيدا معرفيا كافيا عن النص النثري القديم .


        • المقدمة العامة

          استحوذت المناهج الشكلانية والبنيوية لفترة هامة على قراءة النص في وجوده المغلق أو المفتوح ، وبين التركيز على المرجعيات الاجتماعية، والنفسية ،والتاريخية ، أو تقف على أدبيته الأسلوبية ، والتركيبية ،والدلالية بمعزل عن المرجعيات السابقة ، لكن شهد النص النثري القديم إشكالية قراءة وفق المناهج الحداثية و ما بعد حداثة ،وأعطت للنص قراءة جديدة وفق مناهج مغايرة تجاوز ت في تطبيقاتها البنية اللغوية وسياق تكوّنها ، إلى قراءة جديدة يأخذ فيها النقد جانبا لم يُوطأ من قبل، و يتّخذ من الثقافة بشموليتها موضوعا للبحث ، لكونها تعبيرا عن وعي جمعيّ له جبروته في توجيه الخطاب ، ومنه أصبح الخطاب حادثة ثقافية ،وأصبح النسق وفق هذه الرؤى عنصرا مركزيا في المعرفة لميزته في المخاتلة ليمرر مضمراته ، ويتطلب قارئا حذقا و حصيفا ملمّا ، يمتلك ترسانة معرفية من شتى العلوم والنظريات والمناهج والدراسات المختلفة ، لتكون له أدوات أساسية للتحليل والحفر واستجلاء هذه الأنساق وتأويلها بربطها بسياقاتها المتعددة


        • المحور الأول : النقد الثقافي جذوره وإجراءاته



          1-مفهوم النقد الثقافي وعلاقته بالدراسات الثقافية

          يعود ظهور النقد الثقافي إلى القرن الثامن عشر، لكن البوادر الحقيقية كانت مع " مقالة شهيرة للمفكّر الألماني اليهودي تيودور أدورنوTheodor W. Adorno، تعود إلى 1949 عنوانها " النقد الثقافي والمجتمع" والمقالة هجوم على ذلك اللون من النشاط الذي يربطه الكاتب بالثقافة السائدة في القرن التاسع عشر بوصفه نقدا بورجوازيا يمثل مسلّمات الثقافة السائدة"1[1][1][1][1][1][1] حيث ينتقد أدورنو هذا النقد الذي يوجه سهامه نحو الممارسات السياسية الخاطئة في داخل الثقافة السائدة ويعدّه نقدا بورجوازيّا، يخدم الطبقة المسيطرة التي تمتلك وسائل الهيمنة لتمرير وترسيخ ثقافتها .

          فقد كان " نقد أدورنو الذي شاركه فيه عديد من المفكّرين والنقّاد ذوي الانتماء اليهودي في المقام الأول على الثقافة الغربيّة في ألمانيا بوجه خاصّ، بوصفها متسامحة مع النزوع التآمري ضد الأقليّات ، وذوي الاتجاهات الثقافية المختلفة من جماعات وأفراد. في مفتتح مقالته يشير أدورنو إلى توجّه النقد الثقافي إلى نقد الحضارة الغربية" 2[2]،[2] فقد وجه سهام النقد إلى الثقافة الغربية في عمومها ، وإن خصّبه الحضارة الألمانية لأنها متسامحة مع النزعات التآمرية ضد الأقليات ، وضد أصحاب الثقافات المختلفة منطلقا مما عاناه اليهود من إبادة في المجتمع الألماني

          ومن جانب آخر تعدّ الدراسة التي قدّمها " يورغن هابرماسJürgen Habermasفي مدرسة فرانكفورت في النصف الأول من القرن العشرين في كتاب بعنوان " المحافظون الجدد : النقد الثقافي والحوار التاريخي" ذلك أنّ هابرماس لم يعن بتعريف المفهوم واكتفى بدلالة شائعة كتلك التي تضمّنتها مقالة أدورنو، كما أنّ من الأعمال التي تتكئ على دلالة عامّة وغير محدّدة للنقد الثقافي دراسة مهمة للمؤرخ هايدن وايت بعنوان : " بلاغيّات الخطاب: مقالات في النقد الثقافي (1978) " يشير فيه إلى أنّ الخطابات الموظفّة في العلوم الإنسانيّة تقوم على بلاغيّات لا تختلف كثيرا عمّا يعتمد عليه الأدب. وواضح أنّه اعتبر تحليله لذلك التداخل الخطابي نوعا من النقد الثقافي" 3[3][3][3]، فهذه الأعمال المقدمة كانت تكملة لما قاله أدورنو دوHayden Whiteن إعطاء مفهوم أو صياغة للنقد الثقافي ، وحسب المفهوم فالنقد الثقافي في بلاغته وتحليلاته لا يختلف عمّا تقوم به المناهج الأدبية .

          وقد بدأت معالم النقد الثقافي تتضح أكثر ،ويتبلور مفهومه وتُصاغ قواعده على يد فنسنت. ب. ليتش Vincent. B. Leitchالذي كان أول المنظرين في كتابه النقد الأدبي الأمريكي1988 ليستوعب بهذا المصطلح متغيرات ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية و " تتمثل مهمته الأساسية في تمكين النقد المعاصر من الخروج من قوقعة الشكلانية و النقد الشكلاني الذي حصر الممارسات النقدية داخل إطار الأدب ، ومن هذا حتى يتمكن من تناول مختلف أوجه الثقافة ولاسيما التي أهملها النقد الأدبي " 4[4][4]، أيّ أنّ النقد الثقافي جاء متماشيا مع المتغيرات وتجاوز الأدب المؤسساتي وخاض في تجربة نقديّة جديدة انفتح مجالها على فنون أخرى غالبا ما كانت خارج العمليّة النقدية وهيّ الثقافة الهامشيّة .

          ولقد بنى النقد الثقافي صرحه على مرتكزات عديد ة منها ؛الدراسات الثقافية والتاريخانية الجديدة ( Ne[5]w historicisim)،وما بعد الكولونيالية والنقد النسوي. وكانت هذه المشارب المحضن الأم للخلفيات المعرفيّة له ،وبذلك فتح النقد الثقافي آليّاته على ما وراء النص مكتشفا السيّاقات المختلفة التي شكّلت بُناه .

          من المتفق عليه بين الباحثين أنّ للدراسات الثقافية أثرها البالغ في تأسيس مفاهيم النقد الثقافي ،و كانت بداية ذلك من أرضيّة فلسفيّة لمدرسة فرانكفورت ،وما تمثَّله ممثلوها من توجّه نقدي، يرمي لرصد مختلف الأعراض المُرضيّة التي عرفتها الحضارة الغربية الرأسمالية على كل المستويات ، والبرهنة على " عقلانية المشروع الثقافي الغربي في جوانبه الثلاثة (كنتاج نظري علمي ، وكنظم اجتماعيّة تاريخيّة ، وكنسق قيميّ سلوكيّ ، تؤلّف كلّها إيديولوجية شمولية تهدف إلى تبرير التسلّط وجعله عقيدة " 5[5].ثم تبلورت مفاهيم الدراسات الثقافية أكثر ، وتطورت عندما تأسّس "مركز 'برمنجهام" للدراسات الثقافية المعاصرة ( bermingham center for contemporary culturel studies) على يد Hogogart في عام 1964 حيث نشر المركز سنة 1971 صحيفة أوراق عمل في الدراسات الثقافية (working papers in culture studies) ) والتي تناولت وسائل الإعلام ( Media )، والثقافة الشعبية populaire culture ) والثقافات الدنيا ( Sub culture ) والمسائل الأيديولوجية (Idiological matters ) والأدب(Literature) وعلم العلامات ( Semiotics ) والمسائل المرتبطة بالجنوسة ( Gender related issues ) والحركات الاجتماعية ( Social movents ) والحياة اليومية ( Evreyday life ) وموضوعات أخرى متنوعة6[6][6].[6]

          وتناولت هذه المدرسة في طرحها جانبا من ثقافة لطالما غُيّبت عن الدراسات وأولت أهميّة لها من خلال تناولها لمواضيع كالأفلام البوليسية والرقص والغناء والثقافة الشعبية من الحكايا ،والأساطير ،والأمثال الشعبية ، والثقافة الدنيا والمسائل الإيديولوجية ، والأدب وعلم العلامات ، ومسائل الجنوسة وكل ما تعلق بالحياة اليومية .

          ونظرا لما قدمه هؤلاء العلماء وغيرهم تقدّمت الدراسات الثقافيّة العامّة بشكل ملحوظ، وتبلورت عنها الدراسات الثقافيّة الخاصّة بالأدب، و وصلت هذه الأخيرة إلى أكمل وجوه التمثل من خلال أشهر كتب ريموند وليامزRaymond Williams( الثقافة والمجتمع) الذي صدر عام 1958، وهو يقع ضمن تحولات كبيرة في الدرس الأدبي والثقافي وكذا نتاج نورثروب فرايNorthrop Frye ، ورولان بارتRoland Barthes، و جاك لاكانJacques Lacan، ورومان ياكبسونRoman Jakobson، زيادة على ما قدمته البريطانية "ماري دوجلاسMary Douglas".

          فمؤلفات هؤلاء التي كانت في هذا المجال كان هدفها إلقاء الضوء على ثقافة طالما ركنت في مناطق مظلمة ،و وتناولتها بالدراسة والتحليل وفق منهجية قرائية جديدة لعديد النصوص الثقافية الشعبية التي ذاع صيتها من مثل الصحف ،والمجلات ،والموسيقى، والروايات الشعبية ،ومع هذه الدراسات تمت الانطلاقة الفعلية نحو كسر مركزية النص الأدبي الرسمي أولا وبداية لإحلال مفهوم النص الثقافي ثانيا ،الذي كانت وجهته للكتابات الهامشية التي تناولها النقاد بالبحث والدراسة ، مثل كتابات الطبقة العاملة، وكتابات الملونين، وكتابات المرأة وكل ما تنتجه الطبقة المهمشة .

          وقد كان لهذه الدراسات تأثير كبير، تمثل في تقويض الحدود القائمة في الحقول المعرفية المختلفة، وإذابة الفواصل الموجودة إذ اعتمدت الدراسات الثقافية الخاصة بالأدب على قضايا ونظريات ومناهج مستقاة من الدراسات الأدبية والتاريخ وعلم الاجتماع، ودراسات الاتصال والسينما، وهذا بدوره افقد الأدب امتيازه كوعاء للقيم الكونية العامة، وأدى أيضا إلى قراءة النصوص الأدبية إلى جانب أنماط وأنواع الكتابة الأخرى.

          فالدراسات الثقافية جاءت بمهمة مختلفة نظرا لطبيعتها التي تقوم على تقويض الحدود والفواصل القائمة بين الحقول المعرفية ، حينما استعانت بنظريات من مختلف المجالات وكسر ت مركزية النص الأدبي ، و أخذت بما يتحقق فيه وما ينكشف عنه من أنظمة ثقافية ، وسنوجز خصائص الدراسات الثقافية في النقاط التالية 7[7][7][7]:

          -تهدف الدراسات الثقافية إلى تناول موضوعات تتعلق بالممارسات الثقافية وعلاقتها بالسلطة، وتهدف من ذلك إلى اختيار مدى تأثير تلك العلاقات على شكل الممارسات الثقافية.

          - على الرغم من كونها كينونة منفصلة عن السياق الاجتماعي والسياسي فإن الدراسات الثقافية ليست مجرد دراسة للثقافة فالهدف الرئيسي لها هو فهم الثقافة بجميع أشكالها المركبة والمعقدة وتحليل السياق الاجتماعي والسياسي في إطار ماهوّ جليّ في حد ذاته .

          - تهدف الدراسات الثقافية لأن تكون التزاما فكريا وبراغماتيا .

          - تلتزم الدراسات الثقافية بالارتقاء بأخلاقيات المجتمع الحديث وأيضا بالخط الجوهري للعمل السياسي ...و تهدف إلى فهم شكل الهيمنة في كل مكان و تغييره خاصة في المجتمعات الصناعيّة.

          فهدف الدراسات الثقافيّة هو الوقوف على موضوعات لها علاقة بالسلطة ومحاولة فهم العلاقة القائمة بينهما ، والدراسات الثقافيّة لا تأخذ بالثقافة كونها موضوعا للدراسة وإنما هدفها فهم هذه الثقافة في شكليها البسيط والمعقد، والوقوف على السيّاقات المنتجة لهذا الخطاب ، و من خلال ذلك تهدف للوقوف على السياسة المهيمنة وتقويضها للارتقاء بالفرد والمجتمع .

          لقد كانت الدراسات الثقافيّة إحدى الركائز التي بنى عليها النقد الثقافي أسسه، وتشبع من مخزونها الثقافي المعرفي ، واعتمد عليها في استراتيجيته النقدية لقراءة الخطاب.

           2- النقد الثقافي في الحقل النقدي العربي

             

          تعود الريادة في هذا المجال للباحث عبد الله الغذّامي في كتابه : النقد الثقافي " قراءة في الأنساق الثقافية العربية"، وإن سبقته دراسات واجتهادات كانت اللبنة الأساسية لظهور هذا المنجز والتفرّد به تنظيرا وتطبيقا ،فلقد تجاوز ما عهده من الاشتغال على الجانب الأدبي البلاغي والجمالي الذي أخذله متكأ وجانبا هامّا في البحوث .

          يذهب الغذّامي إلى أن النقد الثقافي يسعى إلى الاشتغال على النصّ، و هو وسيلة يتمّ من خلالها كشف ما في النصّ من أنساق ثقافية لاعتباره حادثة ثقافيّة تضمر داخلها ما حواه السيّاق، والاشتغال عليه من خلال النسق الذي يتحقق عبر وظيفته بوصفه نشاطا وليس مجالا معرفيا قائما بذاته ، وله مهمّة متداخلة ومتعدّدة، وأعطاه السلطة في تحليل الخطابات واستثمار المعطيات النظرية والمنهجية التي يغرف بها من حقول معرفيّة متداخلة ، ويعرّفه بأنّه " فرع من فروع النقد النصوصي العام ، ومن ثَمَّ فهو أحد علوم اللغة وحقول " الألسُنية" معنى بنقد الأنساق المضمرة والتي ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه وصيّغه ، ما هوّ غير رسمي وغير مؤسساتي وما هو كذلك سواء بسواء من حيث دور كل منها في حساب المستهلك الثقافي الجمعي ، ولذا فهو بهذا معنيّلا بكشف الجمالي كما هو شأن النقد الأدبي وإنّما همّه كشف المخبوء من تحت أقنعة البلاغي /الجمالي

          فالنقد الثقافي أحد علوم اللغة ، هدفه تحليل النصوص الأدبية والوقوف على الأنساق الثقافيّة المضمرة والمخاتلة القادرة على التواري والتمنّع خلف البُنى اللغوية، المتسرّبة بطرق لا واعيّة إلى وعي المؤلف ، ومن ثَمَّ إلى الخطابات ،و يتمّ الحفر عنها و الوقوف على معانيها بآليات منهجيّة متعدّدة يستعين بها النقد الثقافي في ذلك .

          أمّاجاسم الموسوي فيرى أن هناك وضعا جديدا يتطلب إعادة القراءة والتركيز على الجانب الثقافي منه و عليه صاغ استفهامه "هل يمكن الحديث عن النقد الثقافي بصفته فرع من فروع المعرفة ؟ لا يقبل النقّاد الثقافيّون بذلك . لأنّ النقد الثقافي فعالية تستعين بالنظريّات والمفاهيم والنظم المعرفيّة لبلوغ ما تأنف المناهج الأدبية المحضة المساس به أو الخوض فيه، إذ كيف يتسنى للناقد الأدبي أن يخوض في العادي و المبتذل و الوضيع واليومي ، والسوقي بعد ما تمهّر كثيرا في قراءة النصوص المنتقاة والمنتجة التي يتناقلها نقّاد الأدب ودارسوه على مرّ العصور"9[9] .[9]

          يظهر من هذا القول أنّ جاسم الموسمي يرى بضرورة استحداث مناهج جديدة تتماشى مع التغيرات والتحوّلات الما بعد حداثية لقراءة خطابات تتميز بمحمولاتها ، وتنفتح على ثقافة طالما همشتّها الدراسات النقديّة بعد أن تعودت على أدب راق نخبوي ، ويشير إلى أنّ الناقد الأدبي الذي تعوّد على النصوص البلاغية تأنف ذائقته عن الخوض في السوقيّ والمبتذل لأنه تعوّد الاعتماد في تطبيقاته على المنتوج الأدبي الراقي، وعلى ما هوّ نخبوي، ولهذا كان لزاما استحداث إجراء جديد يتماشى مع التحوّلات المفاهيمية الجديدة ومسايرة الوضع الجديد .

          أمّا عبد القادر الرباعي فيرى أن النقد الثقافي "يعني التوسع في مجالات الاهتمام والتحليل للأنساق ؛ إذ لم يعد الأدب بالمفهوم التقليدي هو السائد غالبا في مجال الدراسة التحليليّة النقديّة وإنّما غدا في بعض الدراسات المعاصرة جزءا من كلٍّ أكبر و أوسع و أشمل ، حتى سميَّ هذا الكلّ : الدراسات الثقافية

          يرى هذا الناقد ضرورة توَسُّع مجالات الدراسة والتحليل من خلال النقد الثقافي، لأنّ الأمر لم يعد مقتصرا على النقد الأدبي الذي يسخّر آلياته لما هو جمالي ، لكن هناك ماهوّ غير ذلك ، إلى حيث يصبح هذا النقد ، أي الأدبي جزءا من نقد شامل هوّ الدراسات الثقافية ،وهوّ بهذا يخوّل للنقد الثقافي الأهميّة الكبرى في التحليل (التحليل والتفسير ).

          . 3- مفهوم النسق الثقافي :

             

          . 1-3-مفهوم النسق:

          3 1-1- النسق لغة :

          ورد مفهوم النسق في معاجم اللغة العربية، ومنها معجم لسان العرب لابن منظور في مادة " نَسَقَ " في قوله : "النسق من كل شيء : ما كان على طريقة نظام واحد، عام في الأشياء ، وقد نسَّقْتُه تنسيقا ، و... نسَّقَالشيء ينسقه نسقاونسقه نظمه على السواء...ونسق الأسنان: انتظامها في النبتة وحسن تركيبها ...والتنسيق:التنظيم .والنسق :ماجاء من الكلام على نظام واحد فالنسق وفق هذا المعنى مرادف للنظام والتنظيم سواء في جانبه المادي ،أو جانب المعنى الذهني المرتبط بالكلام .

           2-1-3اصطلاحا :

          لقد ارتبط مصطلح النسق في البداية بالدراسات البنيوية ، ويعود ذلك إلى مؤسس اللسانيات البنيوية فرديناند دوسوسيرFerdinand de Saussureفي دراسته اللغوية ( نظرية النسق اللغوي) ويكون " تلك العناصر اللسانية التي تكتسب قيمتها بعلاقاتها فيما بينها ، لا مستقلة عن بعضها" 12؛فالعنصر يمتلك قيمته من خلال علاقته ببقية العناصر وليس بوجوده المجرد ، وهذه العناصر تكتسب قيمتها من خلال وظيفتها داخل المجموعة ، وأنّ أيّ خلل في الوظيفة يفقدها قيمتها ودلالتها داخل النسق الذي له قوانينه الخاصة المحايثة، من حيث هو نسق يتصف بالوحدة الداخلية والانتظام الذاتي فالتعريف الذي استخدمه دوسوسير لمصطلحات مثل " النسق" و"النظام" كانت البذرة الأولى للدراسات اللغوية التي نظرت للّغة باعتبارها نظاما أو بنية ، فالانطلاقة الفعلية للتأسيس لهذا المفهوم كانت من حقل لساني .

           2-3-مفهوم الثقافة

          1-2-3- مفهوم الثقافة عند الغرب:

          تعدّدت تعاريف هذا المصطلح لغويا واصطلاحيا وتضاربت ،وقد حصرا ألفراد لويس كرويبرAlfred Louis Kroeber وكلايد كلاكهونClyde Kluckhohn " ما يزيد عن 160 تعريفا في اللغة وتشير الدراسات إلى أن أصل كلمة ثقافة لاتيني وهو cultura ، ويرجع معناه إلى الاهتمام بالأرض وزراعتها واستنباتها وتنمية محصولاتها يعود الفضل للباحث الأنثروبولوجي إدوارد بورنتتايلور Edward Burnett Tylor( 1832-1917)في إعطاء أول تعريف لها في كتابه الثقافة البدائية (primitive culture ) عندما قال : " إنّ "ثقافة" أو "حضارة " هي هذا الكلّ المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق و القانون والعادات وكل القدرات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في مجتمع "

          ب) 3 -2-2 مفهوم الثقافة في النقد العربي المعاصر :

          فقد وردت لفظة الثقافة في القرآن الكريم بمعنى الظفر بالشيء والتفتيش والتنقيب عنه ، فقد جاء في سورة الممتحنة " وإن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء "الممتحنة الآية 2 " ما يدل على قوة الإدراك

          والثقافة في نظر مالك بن نبي فرادة الطابع العلمي وما يتحصّل عليه الفرد من معارف مختلفة من ميادين علميّة شتى، إلى أن تصبح أيضا كل ما يكتسبه الفرد من عادات ، وتقاليد ، وقيّم تحدّد شخصيته في مجتمعه و تعامله مع الآخرين ، و تحتاج في بناءها إلى عناصر أساسية وجوهرية تدخل في تكوينها وتشكّل معا تركيبا متجانسا يمتلك فعالية في التأثير والتغيير ؛ تغيير الوضع القائم بالتخلي عن الأفكار القديمة ومواكبة التحضّر من خلال أفكار جديدة لأجل نهضة عربية إسلامية ، وهذه العناصر هي:

          - التوجيه الأخلاقي .- التوجيه الجمالي.- المنطق العملي.- التوجيه الفنّي.

          3. مفهوم النسق الثقافي

          ارتحل مفهوم النسق إلى المجال الأدبي ولقي اهتماما من لدُن النقّاد المحدثين وبخاصة لدى أعلام النقد الثقافي ، وأصبح النسق الثقافي مفهوما إجرائيّا ومركزياّ وهو في مشروعهم " مجموعة من القيّم المتواريّة خلف النصوص والخطابات والممارسات" هو المضمر المتخفّي خلف البُنى اللغويّة متلبسا بالجميل في ظاهره ، وقد كان للغذّامي السبق في هذا التأسيس ، وأخذ النسق عنده طابعا مغايرا حيث تجاوز طبيعته المجرّدة الممثّلة لبنية النصّ إلى حيث يتحقق وجوده عبر وظيفته، وليس عبر وجوده المجرد ، وحتّى تتحقّق الوظيفة النسقيّة كان لا بد من وسيلة متطورة كفيلة وقادرة على تعريّة علل الخطاب ورصد حركة الأنساق الثقافيّة فيه ،من خلال توظيف الأداة النقديّة الجماليّة لتكون أداة للتأويل في النقد الثقافي .

          وهذا ما كان يتطلّب تحويرا في كثير من المفاهيم والمصطلحات، وكان بداية في تعامله مع نموذج جاكبسون الاتصالي ، فتحرير المصطلح من قيده المؤسّساتي هوّ الشرط الأوّل لتحرير الأداة النقديّة ، وذلك من خلال إجراء تحويلات وتعديلات في المصطلح لكي تكون له القدرة الكافيّة لأداء مهمّته .

          وقد اقترح الغذّامي أدوات إجرائيّة تمكنّه من الكشف عن الأنساق المضمرة مقتديّا بجاكوبسون الذي استعار نموذج الاتّصال الإعلامي ونقله إلى النظريّة الأدبيّة كي يفسر وظائف اللغة وتحديدا وظيفة أدبيّة اللغة

           3 -1النسق المضمر

          لا يتحقّق النسق الثقافي في مجال النقد الثقافي حضوره إلّا ضمن شروط وهي

          يتحدّد النسق عبر وظيفته وليس عبر وجوده المجرد

          يقتضي أن نقرأ النصوص و الأنساق قراءة خاصّة ، من وجهة نظر النقد الثقافي ، أي أنّها حالة ثقافيّة والنصّ هنا ليس نصّا أدبيّا أو جماليّا فحسب ، ولكنه حادثة ثقافيّة كذلك .

          -أن يتمتع النصّ بالجمالية

          - والنسق من حيث هو دلالة مضمرة ، فإنّ هذه الدلالة ليست مصنوعة من مؤلّف ، ولكنها منغرسة ، مؤلّفتها الثقافة

          - والنسق ذو طبيعة سرديّة، يتحرك في حبكة متقنة، ولهذا فهو خفيّ

          - الأنساق الثقافيّة هذه أنساق تاريخيّة وأزليّة وراسخة

          - هناك نوع (من الجبروت الرمزي) ذي طبيعة مجازية كليّة / جماعيّة

          -يتجلى من خلا ل هذه المعطيات أنّ النسق الثقافي نسقان ؛أحدهما ظاهر والآخر خفيّ، ولا يكون النسق ثقافيّا إلّا إذا كان مضمرا يتوارى خلف الجمالية اللغوية ، يتمّ اقتفاء آثاره من خلا ل الحفر في المتون ، وذلك من خلا ل إشارات وإيحاءات يعطيها النصّ حينما يصبح بفعل ما يحققه من مقروئيّة وجماهريّة وجماليّة تؤثر بفعل ديمومتها وأزليّتها مشكّلا في حدّ ذاته حادثة ثقافيّة . وبإضافة العنصر السابع نكون قد تحرّرنا من القراءة الجمالية التي تتوقّف على الأعمال الأدبية، إلى حيث القراءة الثقافية التي نستجلي من ورائها الأنساق الثقافيّة في النصّ/ الخطاب ،وبهذه الإضافة تصبح هناك سبع وظائف (ذاتية ، إخبارية ،مرجعية ،معجمية ، تنبيهية ، شعرية ،نسقية )

          3- 2الدلالة النسقية:

          تتولدّ الدلالة النسقية بعد إضافة العنصر السابع وهي "قيمة نحوية و نصوصيّة، مخبوءة في المضمر النصّي في الخطاب اللغوي ونحن نسلّم بوجود الدلالتين الصريحة والضمنية، وكونهما ضمن حدود الوعي المباشر كما في الصريحة، أو الوعي النقدي كما في الضمنيّة، أما الدلالة النسقيّة في المضمر وليست في الوعي

          ج) 3-3- الجملة الثقافية:

          تحتاج الدلالة النسقيّة إلى جملة ثقافيّة يعرّفها الغذّامي بقوله: " والجملة الثقافيّة هي حصيلة الناتج الدلالي للمعطى النسقيّ، وكشفها يأتي عبر العنصر النسقيّ في الرسالة ثم عبر تصوّر مقولة الدلالة النسقية، وهذه الدلالة سوف تتجلى وتتمثلّ عبر الجملة الثقافية. والجملة الثقافية ليست عددا كميّا. إذ نجد جملة ثقافية واحدة في مقابل آلاف جملة نحويّة، أي أن الجملة الثقافيّة هي دلالة اكتنازيّة وتعبير مكثّف فهيّ إذن الجملة الكاشفة للنسق والمعبرة عنه كمستوى دلالي ثالث للنصّ

          3-4 المجاز الكلّي:

          استعار الغذامي في مشروعه النقدي مفهوم المجاز من حقول البلاغة أين يعني بالمفردة والجملة إلى مجال الاستعمال الثقافي ، و هو المجاز الكلّي الذي يصبح يمتلك قيمة ثقافية ، وتتحول القيمة البلاغيّة التي ستنفرد بها اللفظة الواحدة إلى أن تكون قيمة ثقافيّة يحتويها الخطاب فـ " المجاز الكلّي هو الجانب الذي يمثّل قناعا تتقنع به اللغة لتمرّر أنساقها الثقافيّة دون وعي منّا

          ) 5-3--التوريّة الثقافيّة:

          يقصد بالتوريّة في البلاغة إيراد لفظ له معنيين أحدهما قريب وغير مقصود والثاني بعيد وهوّ المقصود، وهذا ما قصده الغذامي من التورية لاحتوائها على بعدين وتصبح وظيفة التورية الثقافيّة هوّ البحث عن المضمر المتواري خلف جمالية اللغة

          -3--ا 6لمؤلف المزدوج:

          فالمؤلف المزدوج الذي قصده الغدّامي ليس المؤلّف العادي المعهود مهما تعددت أصنافه كالمؤلّف الضمني والنموذجي والفعلي ، إنّما هو المؤلّف/ الثقافة فحينما يكون المبدع في حالة إبداعيّة لإنتاج نّص جمالي ّ تتسرب بالمقابل أنساقا ثقافية متجذّرة في اللاوعي الجمعيّ إلى النص بطريقة لا واعيّة من المؤلف تكون مناقضة لما جاء في الخطاب

              خاتمة :

          -جاء النقد الثقافي كي ينقد المناهج النصوصيّة في شكلانياتها المبنية على شبكة البُنى والعلاقات والنظم المحايثة ، متجاهلة دور السياق ، وهذا ما يراه بعض الدارسين في كون النقد الثقافي جاء ضرورة حتميّة و استجابة منهجيّة طبيعية للتغيّرات التي شهدتها عمليّة الإنتاج الأدبي والثقافي في المجتمعات العربية الحديثة والمعاصرة التي تتطلب قراءة خاصة .

        • المحور الثاني :المنهج الموضوعاتي جذوره و آلياته

          مقدمة :

          ترافق العملية الإبداعية آليات نقدية ومنهجيات تقوّم العمل الأدبي وتدفع به إلى العلن ممتحنة بذلك طرفيه السلبي والإيجابي، وقد ظهرت في الساحة النقدية مناهج سياقية أولت اهتماما بالسياق، وأخرى نسقية غاصت في أغوار النص، ومن بين المناهج التي أثبتت فاعلياتها في هذا الجانب واتخذها النقاد وسيلة لتمحيص النصوص؛ المنهج الموضوعاتي.

          1- المنهج الموضوعاتي في الحقل النقدي الغربي

           1-1-الجذور الفلسفية:

          يعود الامتداد المعرفي لمصطلح "موضوع" إلى جذور فلسفية ونفسية ، وقد حصرها الباحثون في ثلاثة منابع " أولها الأصول الفلسفية والنفسية، ثانيها الأصول الفلسفية الظاهرتية، ثالثها الأصول الفلسفية الوجودية تداخلت هذه المرجعيات الثلاث لتشكل المنطلق الأساس للفهم الموضوعاتي للأدب الذي انبثق عنه تدريجيا ما يسمى بالنقد الموضوعاتي وهوما جعل روجي فايول R. Fayolle يلاحظ أن أغلب نقّاد النقد الجديد la critique nouvelle هم من الفلاسفة أو أنهم أساتذة أدب وليسوا علماء نفس "1لقد قام هذا المنهج على هذه الأسس المختلفة فالفلسفة الظاهراتية منحت هذا المنهج ألية البحث في فكرة الوعي أي وعي الكاتب بذاته وما حوله ، أما المنهج النفسي الفرويدي فقد اعتمده الباحثون في تحليل هذه النصوص من خلال العقد النفسية او الرغبة الدفينة التي تدفع بكاتب ما إلى طرح فكرة معينة تكون في الأساس موضوع العمل الأدبي وذلك في تحليل هذه النصوص أما الفلسفة الوجودية لسارتر فقد كانت وسيلة هي الأخرى لفهم هذه النصوص من خلال عنصر الوعي، الذ ي يحدد الحرية ، وهذه الأخيرة هي التي تدفع الكاتب إلى اختيار الموضوع الأقرب إلى ذاته فهو في الأخير وعي الذات بمسؤوليتها في اختيارها.

          . 2-1- أعلام المنهج الموضوعاتي

          1-2-1- غاستون باشلار Gaston Bachlard).

          تأثر هذا الفيلسوف الفرنسي رائد المنهج الموضوعاتي بدراسات التحليل النفسي لفرويد والنظرية الظاهرتية عند هوسرل ،أدخل الأبستمولوجيا في العلوم الإنسانية ، ويستعين نقده بالتحليل النفسي وذلك بالوصول إلى أبعد نقطة من منطقة الوعي ،وهي مصدر الإبداع لدى أي كاتب، كما اعتمد عنصر الخيال في دراسته والصورة الشعرية التي استخلصها من العناصر الأربعة للطبيعة ( الأرض-الماء-النار- الهواء) والتي تظهر مدى استفادة الأدباء في إبداعاتهم لهذه العناصر من خلال صورهم.

          ب) 1-2-2- جان بيار ريشارد Jean Pierre Richard

          من أبرز من نظروا للمنهج الموضوعاتي ويتميز نقده بأنه قراءة تسعى لفهم النص وقد ارتبط بحثه بالمنهج النفسي ،وتأثر بوجودية سارتر وكذا ظاهرية هوسرل ، والتحليل عنده وصفي بشكل خاص كما أنه نفسي أحيانا أخرى، وينطلق من أن الفكرة الأساسية التي تظهر في النص و تكون موضوع الكاتب في النص هي تلك التي نشأت وتركزت في الطفولة.

          ج) 1-2-3- جورج بولي (George Poulet

          يعدّ هذا الناقد البلجيكي من أبرز أقطاب المنهج الموضوعاتي وقد وجه اهتمامه في البحث نحو وعيّ المبدع، ومن أهم أعماله( دراسة في الزمان الإنساني) وقد حاول الناقد أن يستعين يالتحليل الظاهراتي للمكان والزمان من أجل الوصول إلى التجربة الأولى للكاتب.لأن المكان والزمان عنصران يتحكمان في تشكيل وعي الكاتب ، وهذا الأخير هو الذي يحدد طبيعة النصوص.

          د) 1-2- 4 جان روسيه Jean Roust

          اهتم هذا الناقد ببنية النص ويؤكد على أن النص عنده بنية متكاملة والقراءة كذلك يجب أن تكون متكاملة من خلال ربط أجزاء النص مع بعض ولا يمكن تقسيم كل جزء على حدة وإعطائه معناه الخاص، وعلى القارئ إدراك القيمة المهيمنة على النص للوقوف على أغواره، عندما يدرك النقطة المركزية، كما يدرك أن لكل بنية خيالية بنية شكلية.

             

          ب. 2- المنهج الموضوعاتي في الحقل النقدي العربي.

          . 1-2إشكالية المصطلح:

          تأخر ظهور مصطلح المنهج الموضوعاتي في الحقل النقدي العربي عن قرينه الغربي، مثله مثل باقي المناهج النقدية التي أرست دعائمها في البحث النقدي الغربي، غير أن أولى علامات هذا النقد ظهرت في البحوث الأكاديمية ووضعت على طاولات الدراسة في اطروحات جامعية أشار إليها النقاد.

          تدل الدراسات النقدية على أن المقاربة الموضوعاتية هي ذلك المنهج الذي يبحث عن التيمة الموضوع في النص الأدب ، غير أنه ظه[2]ر إشكالا في الترجمة وذلك لاختلاف المشارب العلمية والعرفية لكل باحث، فادخل المصطلح في عديد الترجمات ، فقد ترجمت كلمة themeإلى مايزيد عن 15 لفظة "تيم ،غرض ، معنى رئيسي ،جذر ، محور ، ساق ، ترجمة ، قضية ،فكرة ، خيط "2[2]وترجمت كلمة thematique إلى 13 مقابلا"التيماتية ، الثيمة ،التيماتيكية ،الغرضية ،الجذرية ، المضمونية ، المنهج المداري الموضوعية ،المنهج الموضوعي ، الموضوعاتية، المواضيعية ، نظرية الموضوعات " وغيرها من المصطلحات كما أشار سعيد علوش في إشكالية المصطلح " 3[2][2][2]إن الانتقال إلى الحقل الثقافي العربي يجعلنا نتردد بين الاحتفاظ بالمصطلح كما هو في لغته: التيم- التيمية- التيماتية theme-thematique-thematism أو اعتماد التعريب الموضوعاتي – الموضوعاتية – الموضوعاتيات وهي تعريفات يدعمها في غالب الأحيان الأصل الأجنبي، كما نجد ذلك في مقاربات عبد الكريم حسن، وجوزيف شاريم، وكيتي سالم ، وكليطو، هذا إذن ما دفعنا إلى اختيار تعريب المصطلح مع التشديد على الأصل المرجعي" 4[4][4][4][3][3][2]فهذه الاختلافات خلقت فجوة في الحقل المفاهيمي وادخلت المصطلح في اللاتحديد والضبابية .

          2. -2 أهم النقاد:

          2-2-   1عبد الكريم حسن

          يشير عبد الكريم حسن في فقرة من كتابه " النقد الموضوعاتي إلى النشأة الأولى لهذا المنهج في الحقل النقدي العربي " أشهرها ثلاث نوقشت منها اثنتان بالسوربون في فترتين متقاربتين، الأولى دكتوراه للسلك الثالث؛ وهي رسالة كيتي سالم أخت الروائي جورج سالم بعنوان موضوعاتية القلق عند كي دي موباسان بإشراف جون بيار ريشار نوقشت عام 1982، والرسالة الثانية دكتوراه دولة هي لعبد الكريم حسن بعنوان الموضوعية البنيوية: دراسة في شعر السياب سنة 1983، وقد كانت بإشراف أندري ميكائيل وغريماس، وهمناك رسالة ثالثة في مجال المقاربة الموضوعاتي بعنوان " موضوعاتية القدر في روايات فرنسوا مورياك نوقشت في جامعة الرباط 1971"5[5] .

          من هذه الانطلاقة ندرك أن عبد الكريم حسن هو المؤسس الفعلي للنقد الموضوعاتي العربي من خلال ما أنتجه في الساحة النقدية تمثلت في كتب مختلفة منها - الموضوعية البنيوية دراسة في شعر السياب- ، كتاب – لغة الشعر في زهرة الكيمياء بين تحولات المعنى ومعنى التحولات- وفي بعض التعريفات يقول عبد الكريم حسن " الموضوعاتية صفة خاصة بموضوع... والنقد الموضوعي هو طريقة في القراءة النقدية الموجهة نحو دراسة الموضوعات الثابتة لدى مؤلف معيّن ، لفكّ الدوافع العميقة لعالم خيالي لكاتب ما أو مدرسة ما" 6[6]

          ب) 2-2-2- سعيد علوش.

          يعد سعيد علوش من الباحثين البارزين في موضوع النقد الموضوعاتي وإن بنوا أفكارهم على من سبقوهم من الباحثين الغربين والعرب على السواء، إلا أنه أعطى حوصلة أو نتيجة توافق تصوّره لهذا المنهج وجاء كتابه " النقد الموضوعاتي " متجليا في أربعة محاور:

          - وضعية النقد الموضوعاتي.

          - إرهاصات النقد الموضوعاتي.

          - النقد الموضوعاتي بين الأصول والامتداد.

          - النقد الموضوعاتي والقصيدة الحديثة.

          فهذه المحاور الأربعة أبانت عن جانب نظري وأخر تطبيقي سعى من خلالها الباحث إلى وضع ركائز جديدة تكون إضافة قيمة، وأول ما بدر إلى طرحه هو . ويوضح سعيد علوش نظرته إلى وحدة الموضوع بقوله " مفهوم الموضوعاتي في الحقلين العربي والغربي هو التردد المستمر لفكرة ما أو صورة ما، في ما يشبه لازمة أساسية وجوهرية تتخذ شكل مبدأ تنظيمي ومحسوس أو ديناميكية داخلية أو شيء ثابت يسمح للعالم المصغر بالتشكل والامتداد" 7[6]فهذا التردد المستمر والتكرار لعنصر ما أو صورة ما هو ما يدفعنا إلى تشكيل لازمة أساسية يتم البناء على أساسها لبنية موضوع ما، فهذه النقاط الحساسة هي التي تجعلنا نلمس تحولاتها وروابطها من تجربة إلى أخرى

          ج) 2-2- 3حميد لحميداني.

          [9]من أهم الكتب التي كانت نتاج أبحاثه ودون فيها ما توصل إليه من إضافات كتابه"سحر الموضوع: عن الموضوعاتي في الرواية والشعر" وركّز في ذلك على الموضوع أو التيمة يقول حميد لحميداني " يتجلى الموضوع في الإبداع الأدبي من خلال سحره الخاص، ذلك أنّ المبدع لا ينقاد إلى موضوعاته بملكاته الواعية وحدها، إنه على الأصح ينجذب نحوها بقوة لا يطول دائما معرفتها الخفية... وفي النص تيمات متنوعة تتناسل وتتقاطع وتتعارض وتظهر وتتوارى" .8 فيرجع الناقد الأمر لسحر الموضوع الخاص والكاتب يكتب بوعيه و أحيانا دون وعيه وهذا مما يتشكل من تيمات في النص.

             

          پ. -3آليات المنهج وإجراءاته:

             

          يتأسس النقد الموضوعاتي على جملة من المفاهيم كم حددها عبد الكريم حسن (الموضوع المعنى ، الحسية ، العلاقة ، التجانس ، الدال والمدلول ، البنية ، العمق ، المشروع ، شكل المضمون ، المحايثة )

          واعتمد جميل الحمداني في كيفية وإجراء للمقاربة الموضوعاتية وقراءة النصوص باعتبارها منهجية نقدية جديدة ظهرت مع تباشير النقد الجديد - على مجموعة من الركائز المنهجية والمكونات الأساسية النظرية التي تتحكم في العمل الأدبي، ويمكن حصر هذه المكونات في المبادئ التنظيمية التالية:9[9]

          * قراءة النص قراءة شاعرية عميقة ومنفتحة.

          *الانتقال من القراءة الصغرى إلى القراءة الكبرى.

          * تحديد مكونات النص المناصية والمرجعية.

          * التأرجح بين القراءة الذاتية والقراءة الموضوعية.

          * البحث عن التيمات الأساسية والبنيات الدلالية المحورية والموضوعات المتكررة والصور المفصلة في النص الإبداعي.

          * جرد هذه التيمات والصور المتواترة في سياقها النصي والذهني والجمالي.

          * تشغيل المستوى الدلالي عن طريق رصد الحقول الدلالية وإحصاء الكلمات المعجمية والمفردات المتواترة.

          * توسيع الشبكة الدلالية لهذه التيمات المرصودة دلاليا فهما وتفسيرا.

          *رصد الأفعال المحركة والمولدة للمعاني في سياقاتها الصوتية والإيقاعية والصرفية والتركيبية والتداولية مع دراسة دلالاتها الحرفية والمجازية واستنطاقها فهما وتأويلا.

          * الانتقال من الداخل النصي إلى التأويل الخارجي والعكس صحيح أيضا.

          * دراسة الموضوع المعطى من أجل البلوغ إلى الجانب الحسي في الأثر الأدبي أو الوصول إلى البنية الموضوعية المهيمنة للعمل الإبداعي؛

          * حصر العناصر التي تتكرر بكثرة وبشكل لافت في نسيج العمل الأدبي.

          * تحليل العناصر التي تم حصرها ورصدها اطرادا وتواترا (الاهتمام بالمعنى السياقي).

          * المقارنة بين الظواهر الدلالية والمعجمية والبلاغية تآلفا واختلافا.

          * تجنب التزيد في التحليل الموضوعاتي واللجوء إلى الإسقاط القسري المتعسف، وعدم تقويل النص ما لم يقله.

          * جمع النتائج التي تم تحليلها لقراءتها تفسيرا وتأويلا واستنتاجا.

          * بناء قالب نموذجي مجرد يستطيع أن يستوعب داخله تفاصيل العمل الأدبي المدروس.

          * ربط الدلالات الواعية وغير الواعية بصورة المبدع الذاتية والموضوعية

          ويعني هذا أن المقاربة الموضوعاتية تعتمد على خطوتين أساسيتين وهما: الفهم الداخلي للنص المقروء عن طريق كشف بنيته المهيمنة الدالة معجميا وتركيبيا ولسانيا وشاعريا، وتأويله خارجيا اعتمادا على مستويات معرفية مرجعية مساعدة من خلال إضاءة الفكرة المحورية وتفسيرها.

        • قائمة المراجع المفيدة





          - ميجان الرويلي: دليل الناقد الأدبي ( إضاءة لأكثر من سبعين تيارا ومصطلحا نقديا معاصرا) ، المركز الثقافي العربي ، ط3، 2002 ،ص 307.

           مسعودة لعريط، مفهوم المنهج الموضوعاتي في المقاربات الغربية الحديث، مجلة التبيين ع 36، الجزائر، يناير 2011،

           عبد القادأر الرباعيتحولات النقد ، دار جرير للنشر ، عمان، ط 2007

          يوسف وغليسي،إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد ، الدار العربية للعلوم  ناشرون ، بيروت ،2008

           أبو الفضل جمال الدين بن مكرم بن منظور لسMان العMرب ، دأار صادر ، بيروت ، لبنان ،ج 1

          يوسف وغليسي،إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ،2008

          عبد العزيز حمودة :المرايا المحدبة ،من البنيوية إلى التفكيك ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والأداب الكويت (دأ.ط)،1998

          سعيد علوش، النقد الموضوعاتي، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع ، الرباط 1989،

           مجموعة من الكتاب : نظرية الثقافة ، تر : علي سيد الصاوي ، عالم المعرفة ، المجلس  الوطني للثقافة والفنون والأداب ، الكويت ، (دأ.ط) 1997

          عبد الكريم حسن، المنهج الموضوعاتي،النظرية والتطبيق ، المؤسسة الجامعية للدراسات والتوزيع ، بيروت ،1990