Aperçu des sections
- Généralités
- التعريف بالمقياس
التعريف بالمقياس
يعتبر مقياس النظرية العامة للجريمة و العقوبة حجر الأساس في البناء القانوني المعرفي والعلمي الذي يحتاجه الطالب في كلية الحقوق، ويشكل دعامة أساسية تمكنه من التدرج في العلوم القانونية المختلفة يتناول المقياس موضوع نظرية الجريمة والجزاء، أي القانون الجنائي في قسمه العام، وهو أحد الفروع الهامة للقانون العام، والذي يحتوي دراسة القواعد الأساسية التي يقوم عليها التجريم والعقاب، ويعد المقياس وحدة تعليمية أساسية لطلبة السنة ثانية حقوق، جذع مشترك.
هذا المقياس هام لمختلف الفروع الأخرى من القانون، كالقانون الجنائي الدولي والقانون الجنائي الخاص، والقانون الجنائي للأعمال، وفهم تطور الجرائم بصفة عامة، فضلا على أنه يشكل نطاق تطبيق قانون الاجراءات الجزائية، الذي يتناوله الطالب في السداسي الرابع من دراسة ليسانسا
- معلومات الإتصال
معلومات الإتصال
الأستاذة : منصور نورة
- كلية الحقوق . جامعة محمد خيضر بسكرة
- رقم الهاتف : 0794.89.85.07
- البريد الالكتروني : nora.mansour@univ-biskra.dz
- أوقات التواصل في قاعة الأساتذة الإثنين من 8.00 سا إلى 12.00 سا
- مساحة التواصل
- أهداف المقياس
أهداف المقياس
سيكون الطالب ملما بأهداف المقياس بناء على مستويات بلوم المعرفية :
1. مستوى المعرفة والتذكر
تحفيز الطالب على استعادة مكتسباته القبلية التي تحصل عليها سابقا من خلال الاختبارات الأولية
2. مستوى الفهم والاستعاب
* تمكين الطالب على فهم مسألة التجريم والعقاب، وكشف تطور الجريمة والشرعية الجنائية.
* يفهم الطالب مقتضيات مبدأ "شرعية الجرائم والعقوبات"، ويتعرف على أهميته الدستورية ويدرك أمثلة واقعية عنه.
3. مستوى التحليل
*القدرة على التمييز بين الجرائم والتفريق بينهاعلى أساس معايير محددة.
التمييز بين موانع المسؤولية الجزائية و أسباب الإباحة.
4- مستوى التقويم
-القدرة على اجتياز الاختبارات النهائية
- المكتسبات القبيلة
المكتسبات القبيلة
لكي يستطيع الطالب إستيعاب هذا المقياس يجب عليه أن يكون على دراية بمقياس مدخل للعلوم القانونية المدروس فيالسنة أولى جذع مشترك و عليه التحكم في المصطلحات التالية: القاعدة القانونية ، مكملة ، أمرة ، نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان و المكان :
- الهدف من تحديد خصائص القاعدة القانونية.
- ما هي مصادر القانون
- الوسائل القانونية المخولة لصاحب الحق لحماية حقه.
- خطة الدرس
- المقدمة العامة
المقدمة العامة
يعتبر القانون الجزائي من بين القوانين التي تكتسي أهمية كبيرة لما يحققه من عدالة إجتماعية عن طريق تحديد السوكات الغير مشروعة و المعاقب عليها قانونا و كذا وضع و فرض العقوبات و الجزاءات المقابلة لها ، و ذلك بغاية تعزيز حماية حريات الأشخاص و حقوقهم ، كالحق في الحياة ، الحق في صيانة الشرف و العرض ، ...
يشتمل القانون الجزائي على قانون العقوبات الذي يتميز عن قانون الإجراءات الجزائية في كون الأون يتضمن تحديد المبادئ الأساسية التي تبنى علها نصوص التجريم و العقاب و يبين أنواع العقوبات و تدابير الأمن وشروط المسؤولية الجزائية و أحكامها. - المحور الأول : مفهوم القانون الجزائي
المحور الأول : مفهوم القانون الجزائي
المحور الأول : مفهوم القانون الجزائي
القانون الجزائي أو قانون العقوبات هو فرع من فروع علم القانون التي لها صلة بالجريمة و يمكن تعرفها بأنها مجموعة القوانين التي تضعها الدولة إزاء سلوك مجرم يهدد أمن و سلامة المجتمع و مصلحتها و يعرضها للخطر ، و تسن العقوبات من أجلها على منهكي هذه القوانين .
أولا : التعريف بالقانون الجزائي
القانون الجزائي بصفة عامة هو مجموعة القواعد القانونية التي تحدد الجريمة و العقوبة المقررة لها ، و إجراءات التحقيق و المحاكمة ، و للتعرف أكثر على هذا القانون لابد أن نقدم بعض المفاهيم العامة عنه .
يعرف القانون الجزائي بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تسنها الدولة لتبين الأفعال التي تشكل جريمة.
كما يعرف بأنه تلك القواعد القانونية التي تحدد سياسة التجريم و الجزاء و كيفية إقتضاء حق الدولة في العقاب
إحتلف الفقهاء بشأن تسمية هذا القانون ، فهناك من يسميه بالقانون الجنائي نسبة للجناية ، و إنتقد هذا الإتجاه لقصر القانون الجنائي على الجنايات و إستبعاد الجنح و المخالفات، و هناك إتجاه أخر يسميه بالقانون الجزائي نسبة للعقوبة و ما يعاب عليه إستبعاده للتدابير الإحترازية.
و المشرع الجزائري أخد بالتسمية الثانية و أطلق عليه قانون العقوبات.
يقوم قانون الجزائي على شقين أحدهما موضوعي يتمثل في قانون العقوبات ، و الأخر شكلي يتجسد في قانون الإجراءات الجزائية
يشمل هذا الشق القواعد القانونية التي تحدد الأفعال التي تعتبر جرائم و معاقب عليها مع الإشارة إلى المبادئ العامة للمسؤولية الجزائية ، الأركان العامة للجريمة ، موانع المسؤولية ، العقوبات المقررة للجرائم يتجسد في قانون العقوبات .
و تشتمل على تنظيم تدخل القاضي لقمع الجرائم عبر مراحل دعوى القضائية ، ، الإجراءات التي تنظم سير الدعوى الجزائية ، تحريكها ، سريانها ، إنقضائها ، الطعن في الأحكام ، القرارات القضائية يتجسد في قانون الإجراءات الجزائية .
هذا و يرى الفقهاء أن قانون العقوبات يشتمل أيضا على قواعد تهدف لحماية الفرد و مصلحته كظروف التخفيف من العقوبة ، و موانع المسؤولية ، كما يشتمل قانون الإجراءات الجزائية على قواعد تضر بمصلحة الفرد كالحبس الإحتياطي.
ثانيا : خصائص القانون الجزائي
يتميز القانون الجزائي بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن غيره من القوانين الأخرى تتمثل في :
تتمثل هذه الخاصية في كون القانون الجزائي يتجاوز تطبيقه إقليم الدولة الجزائرية على بعض الجرائم التي ترتكب في دول أجنبية إذا كانت ماسة بسيادة الدولة مثل الجرائم التي ترتكب على متن السفن و الطائرات الجزائرية الحربية مهما كانت الدولة التي تتواجد فيها هذه ال سفن و الطائرات و مهما كانت جنسية الجاني و المجني عليه ، كما ينطبق القانون الجزائي على الجرائم الماسة بسيادة الدولة و لو إرتكبت حارج إقليمها و مهما كانت جنسية مرتكبها.
بمعنى نظرا للطبيعة الخاصة التي يتميز بها القانون الجزائي التي تقوم على مبدأ فريد من نوعه يتمثل في مبدأ الشرعية الجزائية الذي يقضي بأن لا جريمة و لا عقوبة بدون نص صريح في القانون .
بالنسبة للقانون المدني لعمصادر منها ، مبادئ الشريعة الإسلامية ، مالم يجد العرف ، إذا لم يجد القانون الطبيعي و قواعد العدالة .
و عليه قانون العقوبات له مصدر واحد يتمثل في القانون المكتوب.
إن مسألة التجريم و العقاب هي مسألة تتطلب وقتا معينا ، حتى يخلق المشرع قاعدة قانونية جديدة يجب التأكد أولا من مدى خطورتها على المجتمع ، الأمر الذي يستوجب مرور مدة زمنية معينة .
فقانون العقوبات يتميز بإتباع إجراءات و شكليات معقدة مقارنة بغيره من القوانين على غرار قانون الإجراءات المدنية ، وتبرز هذه الخاصية من خلال وجود جهات قضاءية خاصة كالتحقيق و المتابعة
د- علاقة قانون االجزائي بالقوانين الأخرى
-القانون الدستوري
قد تحتوي نصوص الدساتير المعاصرة على بعض الأحكام الجنائية، فتنص على تشكيل محكمة عليا لمحاكمة رئيس الدولة والوزراء كما ان النظام السياسي والاقتصادي الذي ينشئه الدستور غالبا ما يترتب عليه تعديل في التشريع الجنائي يتفق والأهداف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يحددها الدستور للدولة، كما يحمي قانون العقوبات حق الدولة في الاحتفاظ بشكل الحكم الذي يحدده دستورها.
- القانون الإداري
يهدف القانون الإداري إلى ضمان اشباع حاجيات الدولة وإلى تنظيم ممارستها لوظائفها العديدة، ويرى الاتجاه الحديث في التّشريع الجنائي ضرورة تنظيم أحكام وقائية تمنع من ارتكاب الجريمة، والقانون الإداري يلعب دورا هاما في تنظيم هذه الأحكام، خصوصا فيما يتعلق برعاية الصّحة العامة، وخلق المساعدات الاجتماعية في حالات العود والبطالة مما يساعد على خلق ظروف اجتماعية تحد من انتشار الجريمة.
كما يتدخل قانون العقوبات من أجل حماية الملكية العامة التي تقرها أحكام القانون الإداري، ويتدخل أيضا لحماية حق الدولة في نزاهة الوظيفة العامة بعقابه على الرشوة مثلا، وعلى اختلاس المال العام، كما يتدخل لحماية حق الدولة في أن يتمتع موظفوها بالاستقلال والطمأنينة
ثالثا : نطاق تطبيق القانون الجنائي
أ- تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان
القاعدة أن القانون الجزائي لا يسري إلا على الوقائع التي تحدث في ظل سريانه ، أي لا يطبق على الوقائع التي ترتكب في الماضي و ما يطلق على هذه القاعدة بعدم رجعية القانو ن حيث كرس المشرع الجزائري هذا المبدأ في نص المادة 2 من قانون العقوبات الجزائري حيث تنص على : { لا يسري قانون العقوبات على الماضي ...}
كما جاء على هذا المبدأ أيضا في الدستور بموجب المادة 46 حيث تنص على : { لا إدانة إلا بمقتضى قانون صادر قبل إرتكاب الفعل المجرم }
وعليه فالقانون الجزائي طبقا للنصوص السابقة الذكر لا يسري على الأفعال التي إرتكبت في الماضي
فالنّص الواجب التّطبيق على الجريمة هو النّص المعمول به لحظة ارتكابها وليس النّص المعمول به وقت المحاكمة وتستند هذه القاعدة لنص المادة 2 من قانون العقوبات الجزائري.
ويستتبع لذلك القول بأنّه لا يجوز أن يطبق نص التّجريم على فعل ارتكب قبل العمل به وكان مباحا في ذلك الوقت، كما أنّه لا يجوز أن يطبق نص التّجريم على فعل ارتكب قبل العمل به وكان معاقبا عليه بعقوبة أشد ممّا يقضي به النّص الجديد.
وهذه القاعدة مستمدة من مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ذلك لأنّ هذا المبدأ لا يتطلب نصا يجرم الفعل المرتكب، فإذا طبق على الفعل نص لم يكن ساريا وقت ارتكاب الفعل فمعنى ذلك تقرير عقاب على فعل بمقتضى نص لم يكن ساريا وقت ارتكابه وهو إخلال بمبدأ شرعية الجرائم. على أنّ قاعدة عدم رجعية النّصوص القانونية ليست مطلقة فالنّصوص الأصلح للمتهم لا تخضع لها كما أنّ النّصوص التّفسيرية لتّشريع لا تخضع لها أيضا، والنّصوص التّفسيرية للتشريع هي النّصوص التي لا يستهدف بها المشرع إضافة لأحكام جديدة أو تعديل أحكام قائمة وإنّما يستهدف بها مجرد توضيح نصوص سابقة والنصوص التّفسيرية تلحق بالنّصوص السابقة التي صدر تفسيرا لها وتندمج فيها، ويترتب على ذلك سريانها على كل ما تسري عليه هذه النّصوص.
ولا يحول ذلك كون النّصوص التّفسيرية تقرر تفسيرا أشد على المتهم ممّا كان يذهب إليه القضاء ولو كان من نتائج التّفسير الجديد أن يتسع نطاق النّص إلى ما لم يكن يتسع له طبقا للتّفسير القديم، ولا يعتبر ذلك استثناءًا طالما أنّ القانون التّفسيري لا يضيف قواعد تجريم ولا يشدد العقاب الذي كانت تقرره القواعد السابقة.
-تطبيق القاعدة: إنّ تطبيق القاعدة يقتضي تحديد وقت العمل بالقانون وتحديد وقت ارتكاب الجريمة، فبالنّسبة لتحديد وقت العمل بالقانون فإنّه لا يثير أي مشكلة لأنّه كما سبق وأن أشرنا فإنّ الدستور هو الذي يحدده، أمّا وقت ارتكاب الجريمة، فهو وقت ارتكاب الفعل المكون لها وليس وقت تحقيق النتيجة.
-الاستثناء من قاعدة عدم رجعية النّص الجنائي: ونقصد بها رجعية النّص الأصلح للمتهم واستثناء من قاعدة عدم رجعية النّص الجنائي فقد نصت المادة 2 من قانون العقوبات الجزائري على أنّه: "لا يسري قانون العقوبات على الماضي إلا ما كان منه أقل شدّة".
"لا يسري قانون العقوبات على الما إلا ما كان منه أقل شدة وبذلك فإنّ قاعدة عدم رجعية النّص الجنائي يقتصر تطبيقها على النّص الذي يجعل من فعل مباحا جريمة أو الذي يشدد من عقاب فعل كان معاقبا عليه من قبل بعقوبة أخف.
وتطبيقا لذلك فإذا ارتكب شخصا فعلا يعاقب عليه وقت ارتكابه ثم صدر قانون أخر نفى الصّفة الإجر...... الفعل أو قرر عقوبة أخف طبق القانون الجديد على المتهم.
وإذا كان أساس قاعدة عدم رجعية النّص الجنائي يكمن في مبدأ الشرعية باعتبار أنّ الفعل يعتبر جريمة أو غير جريمة طبقا للقانون النافذ وقت ارتكابه وعلى ذلك فإنّ نصوص التّجريم لا تسري إلا على الأفعال التي وقعت بعد نفاذها.
*شروط تطبيق مبدأ رجعية القانون الأصلح للمتهم:
- التّحقق من صلاحية القانون الجديد للمتهم.
-ألا يصدر القانون الجديد قبل صدور حكم نهائي على المتهم.
- ألا يكون القانون القديم من القوانين المحددة الفترة
ب- تطبيق القانون الجزائي من حيث المكان
ترتكز مبادئ تطبيق النّص الجنائي من حيث المكان على أربعة قواعد أساسية: - المحور الثاني : نظرية الجريمة
المحور الثاني : نظرية الجريمة
تعد الجريمة سلوكا إنسانيا و إجتماعيا ، وجدت بوجود الإنسان الإجتماعي بطبعه و المتفرد بنوازغ الخير و الشر بذاته العميقة ، التي يعبر الإنسان عتها بفعل الخير أو إرتكاب الجرائم التي تنتهك العرف الإجتماعي و النص القانوني العقابي في الوقت ذاته.
إهتم العلماء بتعريف الجريمة لتحديد من ينطبق عليه وصف المجرم إختلفوا في التعريف بإختلاف تخصصهم و للجريمة مفهومان أحدهما قانوني ، و أخر إجتماعي .
الملاحظ على أغلب التشريعات الجزائية خلوها من تعريف الجريمة ، و هو أمر إيجابي إذ أن وضع تعريف عام للجريمة أمر لا فائدة منه ، لكون المشرع طبقا لمبدأ قانونية الجرائم و العقوبات ، يضع لكل جريمة نص خاصا في القانون يحدد فيه أركان الجريمة و العقوبة المحدة لها ، لكون أن التعريف لن يأتي جامع لكل المعاني المطلوبة .
و عليه تعرف الجريمة بأنها : " كل تصرف جرمه القانون سواء كان إيجابيا أو سلبيا كالترك و الإمتناع ما لم يرد على خلاف ذلك" ،
كما تعرف الجريمة بأنها : " كل فعل غير مشروع سواء كان سلبيا أم إيجابيا يصدر عن إرادة معتبرة قانونا " مدركة و مختارة " يفرض له القانون جزاء جزائيا ".
فالمشرع الجزائري على غرار باقي التشريعات لم يعرف الجريمة ، و يختلف التجريم من بلد إلى أخر بحسب السياسة الجزائية و التشريعية المتبعة في كل بلد و إعتبارا لمؤثرات البيئة و المعتقدات و المبادئ الأخلاقية والنظم السياسية و الإقتصادية السائدة بها .
يقوم هذا الإتجاه على أساس إعتبارها خطيئة إجتماعية ، هذا و برزت إتجاهات عديدة ،فالأول يرى أن الجريمة هي جميع أنماط السلوك المضاد للمجتمع أي الضرر بالمصلحة الإجتماعية ، أما الثاني فيركز على الضبط الإجتماعي و ما يتضمنه من معايير تحكم السلوك ، أما الثالث فيتمثل في محاولة إيجاد صياغة لتعريف الجريمة و يشمل جميع الأفعال الإجرامية و الأفعال الخارجة عن المعايير الإجتماعية التي تخضع للعقاب .
و لكي تأخد الجريمة الصفة الإجرامية فلابد أن تتضمن بعض الخصائص التي توضحها عن المشكلات الإجتماعية الأخرى ، و من بين هذه الخصائص أنه يجب أن يحدث سلوك الجريمة أو السلوك المرتكب ضررا للصالح العام و بصورة فعلية ، لكن التفكير في إرتكاب الضرر لا يكفي وحده ، لأنه يشكل جريمة فالنية في إرتكاب الجريمة و التفكير بها دون إرتكاب الفعل الحقيقي لا يؤخد به من الناحية القانونية.
أما الخاصية الثانية فتتمثل في وجوب أن يكون الضرر فعل مجرم قانونا و معاقب عليه في القانون ، يشترط توافر القصد الجزائي بمعنى أن يكون المجرم إرتكب الجريمة و هو غير مكره عليها ، إضافة إلى وجود رابطة سببية بين السلوك الإجرامي المرتكب و و النتيجة المترتبة عليه .
ثانيا : تقسيماتها
يمكن تصنيف الجرائم حسب عدة معايير أهمها:
أ-تقسيم الجرائم من حيث خطورتها
تختلف أهمية الجريمة بصفتها إعتداء على الفرد و المجتمع بقدر الضرر الذي يلحق بهما أو بقدر الخطر الذي يشكله الفاعل على المجتمع و الذي من شأنه تهديد كيانه ونظامه و الأسس التي تقوم عليها مؤسساته ، و بقدر أهمية الإعتداء بقدر شدة العقوبة.
و إسنادا إلى ماسبق تعتبر الجرائم التي تمس بحياة الإنسان من أخطر الجرائم التي عرفتها البشرية ، لتليها جرائم الماسة بالشرف ، ثم جرائم المال.
هذا و قسم المشرع الجزائري حسب نص المادة 27 من قانون العقوبات الجزائري الجرائم إلى ثلاث أصناف : الجناية، الجنحة، المخالفة، معتمدا على العقوبة المقررة لها كمعيار للتصنيف.
يعد تطبيق قواعد قانون العقوبات للتقسييم الثلاثي أهمية في أكثر من مجال يتوقف فيه نطاق تطبيق القاعدة على تكييف الجريمة سلفا و تحديد موضعها في التقسييم الثلاثي .
-سريان قانون العقوبات من حيث المكان: لسريان قانون العقوبات الجزائري في الخارج طبقا لمبأ الشخصية يجب أن يكيف الفعل المرتكب جناية أو جنحة في قانون العقوبات الجزائري .
-الشروع : الأصل أنه يعاقب على الشروع في الجناية حسب نص المادة 30 قانون العقوبات الجزائري ، و لا عقاب على الشروع في الجنح ما لم ينص القانون صراحة على ذلك حسب نص المادة 31 قانون العقوبات الجزائري ، أما المخالفات فلا عقاب على الشروع فيها طبقا للمادة 31 من قانون العقوبات الجزائري.
-توزيع الإختصاص بين المحاكم : تختص محكمة الجنايات بالنظر في الدعاوى الناشئة عن الجناية ، أما المحكمة فتنظر في دعاوى الجنح و المخالفات .
-التحقيق : يكون التحقيق إلزامي في الجنايات و جوازي في الجنح و إستثنائيا في المخالفات حسب نص المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري .
-المحاكمة : تكون المحكمة في جلسات الجنايات و الجنح علنية وجوبا ، ما لم يقرر القاضي خلاف ذلك لأسباب تخص النظام العام أو الأداب العامة ، أما في المخالفات حسب نص المادة 392 مكرر من قانون إجراءات جزائية تنص على حالات يبث فيها القاضي بأمر جزائي يصدره دون مرافعة مسبقة .
-الإستعانة بمحامي: يكون حضور المحامي وجوبي في الجناية إذا لم يختر محامي عين له القاضي محامي من تلقاء نفسه 392 قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، أما المخالفات فحضور المحامي غير إلزامي.
-الطعن: يكون الإستئناف جائز في الجنح ، و غير جائز في الجنايات ، و أيضا في بعض المخالفات كالأوامر الجزائية المادة 392 مكرر 3 قانون الإجراءات الجزائية الجزائري و المخالفات التي لا تتجاوز 5 أيام.
-تقادم الدعوى العمومية: تتقادم الدعوى العمومية في الجاية بمضي 10 سنوات مادة 8 قانون الإجراءات الجزائية الجزائية ، و في الجنح بمضي 3 سنوات المادة 8 قانون الإجراءات الجزائية الجزائري ، و بمضي سنتين الماداة 9 قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
-الإستفادة من الظروف المخففة : بوجه عام تخفض العقوبة إلى 10 سنوات إذا كانت العقوبة هي الإعدام ، و3 سنوات إذا كانت العقوبة هي السجن المؤقت ، أما بالنسبة للجنح و المخالفات يجوز تخفيض المدة إلى يوم الغرامة 5 دنانير المادة 53 قانون العقوبات الجزائري.
ب-تقسيم الجرائم من حيث الطبيعة
تنقسم الجريمة من حيث طبيعتها إلى عدة أنواع :
-الجريمة السياسية : ترتكب الجرائم السياسية
بدافع سياسي و يعتدى فيها على النظام السياسي للدولة كالجرائم الواقعة على الدستور و على السلطة السياسية و جرائم المظاهرات السياسية و الصحافة و النشر الموجهة ضد النظام السياسي .
-الجريمة العسكرية: هي كل سلوك فيه إعتداء على المصلحة العسكرية و هي أنواع : جرائم عسكرية محظة ، و مخالفة الواجبات العسكرية كالفرار و جرائم عسكرية مختلطة كالإعتداء على أنظمة الجيش من قبل عسكري ، أو وقوعها على عسكري أو أشياء عسكرية.
-الجرائم الإقتصادية : و هي كل فعل من شأنه إلحاق ضرر بالأموال العامة و بعمليات الإنتاج و توزيع و تداول و إستهلاك السلع و الخدمات ، و تعاقب عليها القوانين التي تهدف إلى حماية الأموال العامة و الإقتصاد القومي و السياسة الإقتصادية.
ثالثا : البنيان القانوني للجريمة
أ-الركن الشرعي
قانون العقوبات هو الذي يحدد الجرائم أي الأفعال غير المشروعة ويضع لها عقابا، فلا وجود لجريمة بدون نص تشريعي المادة 1 من قانون العقوبات الجزائري ويقصد بالرّكن الشّرعي للجريمة الصّفة الغير مشروعة للفعل بشرط ألا يكون هناك سبب من أسباب الإباحة.
ويقصد بنص التّجريم النّص القانوني الوارد في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له، ومن البديهي أنّ القانون يتضمن نص تجريم عام تخضع له كل الأفعال المحظورة، وإنّما يتضمن عددا من نصوص التّجريم بقدر عدد الأفعال التي يحظرها، كما يحدد المشرع الشروط التي يتطلبها الفعل حتى يخضع لهذا النّص ويصبح فعلا مشروعا.
واشتراط خضوع الفعل لنص التّجريم يعني حصر مصادر التّجريم والعقاب في النّصوص التّشريعية وبهذا الحصر ينشأ مبدأ أساسي والذي يطلق عليه " مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات" وهو المبدأ المرادف لتعبير "لا جريمة ولا عقوبة أو تدبير أمن بغير نص قانوني" المادة 1 من قانون العقوبات.
- عدم خضوع الفعل لسبب من أسباب الإباحة
تنص المادة 39 من قانون العقوبات على أنّه: "لا جريمة: إذا كان الفعل قد أمر أو إذن به القانون.إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدّفاع المشروع عن النّفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشّخص أو للغير بشرط أن يكون الدّفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء"
تنص المادة 39 من قانون العقوبات الجزائري على أنّه: "لا جريمة إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون، ولم يحدد النّص الأفعال التي تدخل في نطاق الإباحة لذلك فإنّ النّص له مدلول عام ومطلق على جميع الأفعال سواء كانت هذه الأفعال من قبيل القتل أو الضرب أو غيرها من الأفعال.
إذ أنّ المشرع الجزائري لم يحدد الأفعال التي يبيحها أمر القانون ولم يحصرها في أفعال معينة طبقا
ويبدو من ظاهر النّص أنّ الشرط الوحيد لاعتبار الفعل مباحا أن يأمر أو يأذن به القانون ولكن تحت هذا الشرط تندرج شروط وتطبيقات متعددة.
*أمر القانون:
تنفيذ أمر القانون يتخذ بشكل التّنفيذ المباشر لأمر القانون، كما يتخذ شكل استعمال سلطة شرعية لاختصاصها الذي حدده القانون، وتعتبر الأفعال التي أمر بها القانون سواء مباشرة أو تنفيذ لأوامر السّلطة أفعالا مباحة لا يعاقب عليها، فأمر القانون يكفي بمفرده عندما يوجه هذا الأمر إلى فرد معين سواء أكان هذا الفرد موظفا أو شخصا عاديا.
كما هو الحال في حالة قيام شخص بالقبض على الجاني في حالة تلبس بجناية أو جنحة أو اقتياده إلى أقرب مركز للشرطة وهو ما تنص عليه المادة 61 من قانون الإجراءات الجزائية.
كما يمكن أن يندرج تحت أمر القانون قيام الطّبيب تطبيقا لقوانين الصّحة العامة بالتّبليغ عن حالة مرض معدي يجب الإبلاغ عنه، ولا يعتبر في هذه الحالة مرتكبا لجريمة إفشاء السّر المهني المعاقب عليها بنص المادة 301 من قانون العقوبات، ففي هذه الحالة هناك أمر مبرر صدر عن قاعدة قانونية ويجب على الكافة احترام هذا الأمر وتنفيذه وتعتبر الأفعال التي تقع لهذا الأمر أفعالا مباحة.
*إذن القانون:
استعمل المشرع لفظ إذن القانون ويقصد من هذا التّعبير أنّ بإذن القانون لصاحب الحق
في استعمال حق، فلاشك إذا قرّر القانون حقا اقتضى ذلك بالضرورة إبادة الوسيلة إلى استعمال هذا الحق، أي إباحة الأفعال التي تستهدف الاستعمال المشروع للحق، سواء للحصول على ما يتضمنه من مزايا أو لمباشرة ما يخوله من سلطات وأساس اعتبار استعمال الحق مسببا للإباحة وجود تحقيق الإنسان بين قواعد القانون، إذ أنّه من غير المعقول أن يقدر القانون حقا ثم يعاقب على الأفعال التي تستهدف استعمال هذا الحق.
ومثال على ذلك العقاب التأديبي الذي يكون للأب والوصي والأم وهو كذلك للولي عند عدم وجود الأب والذي يقصد التّهذيب والتأديب، فإذا خرج من مضمونه استوجب الفعل المساءلة وأن يكون من حيث وسيلته محدودا أي ان يكون خفيفا بغير تعب.
*حق مباشرة الأعمال الطّيبة:
فالعمل الطّبي هو نشاط يتفق في كيفيته وظروف مباشرته مع القواعد المقررة في علم الطّبيب ويهدف إلى شفاء المريض وعلاجه وتخليصه من آلامه أو التّحقيق من حدّتها وحتى يأذن به القانون يجب أن يقوم بالعمل شخص رخص له القانون بمزاولة هذا العمل، وأن يكون أيضا رضاء المريض، فالقانون يرخص للطّبيب علاج المريض إذا دعاه إلى ذلك فرضاء المريض لسبب الإباحة، وإنّما سبب الإباحة إذن القانون للطّبيب بمباشرة مهنة الطّب.
* حق ممارسة الألعاب الرّياضية:
والتي تفترض ممارسة العنف والمساس بسلامة جسم اللاعب كما هو عليه الحال في الملاكمة
أو المصارعة ولا تعتبر الأفعال التي تمس بسلامة جسم اللاعب في ممارسة الرّياضة أفعال غير مشروعة ولا يسأل مرتكبها مسؤولية جنائية وإباحة هذه الألعاب يجب توافر شروط وهي:
- أن تكون اللّعبة من الألعاب التي يعترف بها العرف الرّياضي؛
- أن يكون العنف أو الأفعال التي أفضت بسلامة الجسم قد ارتكبت أثناء المباراة الرّياضية؛
- أن يكون هناك اتساق بين الفعل الذي مس بسلامة جسم اللاعب وبين قواعد اللّعبة المتعارف عليها فإذا خرج اللاعب عن هذه القواعد متعمد إيذاء اللاعب الآخر كان مسؤولا عن جريمة عمدية، وإن كان خروجه عليها نتيجة خطأ غير عمدي فهو مسؤول عما يترتب على فعله مسؤولية غير عمدية
* الدّفاع الشّرعي
الدّفاع الشّرعي هو استعمال القوة اللازمة لصد خطر اعتداء حال وغير مشروع، وهو يعتبر حقا عاما تقرره القوانين في مواجهة الكافة ويقابله التزام النّاس باحترامه وعدم مقاومة استعماله، لذلك يعدّ غير مشروع كل فعل يفوق استعمال الدّفاع الشّرعي، بل أنّ المعتدي لو قاوم أفعال الدّفاع تعتبر مقاومته غير مشروعة لأنّها مقاومة لاستعمال حق مشروع قرّره القانون.
ولقد اقتبس المشرع الجزائري نصوص المواد 327 و328 من قانون العقوبات الفرنسي القديم
في المادة المادة 39 -2 والمادة 40 من قانون العقوبات الجزائري، ولكي يتحقق الدّفاع الشّرعي لابد من توافر شروط والتي تتمثل في:
الشروط الواجب توفرها في الخطر:الخطر هو اعتداء محتمل أي أنّه اعتداء لم يقع بعد ويستهدف الدّفاع الحيلولة دون تحققه بتحويل الخطر ويستوي ألا يتحقق الاعتداء على الإطلاق أو أنّ يتحقق في جزء منه، فالخطر قائم في حالتين والدّفاع المتصور، أمّا إذا تحقق الاعتداء كله فلا محل للدّفاع كما أنّه إذا لم يكن ثمة خطر على الإطلاق، لأنّه لم يرتكب فعل أو ارتكب فعله ولكنه لا يهدد بخطر فلا محل للدّفاع، وقد اشترط القضاء الفقه في فرنسا شروطا معينة في الخطر وهي شروط يتضمنها أيضا نص قانون العقوبات الجزائري وهذه الشروط:
* أن يهدد الخطر النّفس أو المال
توسع المشرع الجزائري في تحديد الخطر الذي يقوم به الدّفاع الشّرعي فنص على أنّ الدّفاع قد يكون عن النّفس أو عن نفس الغير كما قد يكون عن المال، سواء مال المدافع أو مال الغير ولم يتطلب أية صلّة تربط بين صاحب الحق المعتدى عليه.
* أن يكون الخطر حالا
وهو ما يعبر عنه النّص بلفظ "الضرورة الحالة" للدّفاع المشروع، فإذا زال الخطر أو تحقق الاعتداء فلا محل للدّفاع ويسأل المعتدى عليه جنائيا عن العنف الذي استعمله ضد المعتدي بعد وقوع الاعتداء، لأنّ القانون يعتبر استعمال العنف في هذه الحالة من قبيل الانتقام الفردي والذي يعاقب عليه ومع ذلك فإنّ المعتدى عليه يستفيد في هذه الحالة من الظروف المخففة بسبب الاعتداء الذي وقع عليه.
كذلك إذا كان الخطر ليس إلا محتملا أو مستقبلا أو كان لدى المعتدى عليه فسحة من الوقت الكافي لإبلاغ السّلطات العامة ووضع نفسه تحت حمايتها فلا محل للدّفاع لأنّ الخطر ليس حالا.
الخطر الوهمي: على أنّ الخطر قد يكون وهميا أو تصوريا، فقد يعتقد شخص أنّه مهدد بخطر حال فيقوم بأعمال الدّفاع ثم تبين أنّ هذا الخطر لم يكن له وجود إلا في مخيلته
* أن يكون الخطر غير مشروع
يعتبر الخطر غير مشروع إذا كان يهدد باعتداء على حق يحميه القانون الجنائي، بمعنى يهدد بتحقق نتيجة إجرامية معينة، فمن يهدد شخص بسلاح في يده ينشأ بفعله هذا خطرا يهدد حق المعتدى عليه في الحياة، وهو حق يحميه القانون الجنائي يتحقق الوفاة وهي نتيجة إجرامية تقوم بها جريمة القتل التي يعاقب عليها القانون الجنائي، ولذلك يعدّ الخطر الذي بنشاط هذا الفعل خطرا غير مشروع.
ويترتب على اعتبار الصّفة غير المشروعة للخطر شرطا من شروط الدّفاع نتيجتان:
النّتيجة الأولى:
أنّ لا محل لقيام الدّفاع الشّرعي إذا كان الخطر الذي يهدد الشّخص هو خطر مشروع ويترتب على هذه النتيجة أنّه لا محل للدّفاع الشرعي إذا كان الفعل المنشأ خاضعا لسبب إباحة فالخطر يكون مشروعا في هذه الحالة.
الحالة الثانية: أنّ الدّفاع الشّرعي جائز ضد كل خطر غير مشروع ويترتب على إساءة استعمال السّلطة ضد الأفراد.
*الشروط المتطلبة في فعل الدّفاع:
يفترض الدّفاع الشرعي قيام المعتدى عليه بأفعال من شأنها صد عدوان المعتدي ودرء الخطر الذي يتهدده من هذا الاعتداء.
- أن يكون فعل الدّفاع لازما لدرء الخطر
يشترط في فعل الدّفاع أن يكون لازما لدرء الخطر فإذا كان المدافع يستطيع التّخلص من الخطر الذي يهدده عن طريق فعل لا يعد جريمة ولا يستطيع الاحتجاج بالدّفاع الشّرعي إلا إذا توفر شرطين:
الشرط الأول: أن يثبت المدافع أنّه لم يكن يستطيع التّخلص من الخطر بغير الفعل الذي ارتكبه.
الشرط الثاني: ثبوت عدم إمكان تخلص المدافع من الخطر بغير فعل الدّفاع ولكن هذا الشرط يثير مشكلين:
-هل استطاع المدافع الالتجاء إلى السّلطات العامة تحول دون احتجاجه بالدّفاع الشّرعي؟
- هل استطاع المدافع الهروب من المعتدي تحول دون إباحة فعل الدّفاع؟.
بالنّسبة للمشكلة الأولى فإنّ نص المادة 39-2 من قانون العقوبات يقضي بأن تكون هناك حالة ضرورة الدّفاع الشّرعي.
أمّا بالنّسبة للمشكلة الثانية فالقاعدة أنّ للمهدد بلا خطر الصمود ومواجهة الخطر بأفعال الدّفاع الملائمة، فالدفاع حق والهرب مشين ولا يجبر صاحب الحق على النزول عن حقه والالتجاء إلى مسلك يشينه.
الشرط الثاني: من شروط لزوم فعل الدّفاع فهو أن يثبت اتجاه فعل الدّفاع إلى مصدر الخطر
فلا محل لإباحة الدّفاع إذا وجه إلى غير مصدر الخطر، فإذا نزل المعتدى عليه مصدر خطر يهدده ووجه فعله إلى شخص آخر لا يصدر عنه خطر، فلا محل لاحتجاجه بالدّفاع الشرعي، فمن يهاجمه شخص لا يجوز له أن يوجه فعل دفاعه إلى غيره، ومن يهاجمه حيوان فلا يجوز له أن يترك الحيوان ويطلق النار على مالكه.
* أن يتناسب فعل الدّفاع مع جسامة الخطأ
لقد أباح القانون الدّفاع الشّرعي ولكن في القدر الضروري لدرء الخطر، أمّا إذا تجاوز فعل الدّفاع القدر الضروري أصبح الدّفاع غير ضروري ولا مبرر لإباحته.
وشرط تناسب فعل الدّفاع مع جسامة الخطر هو الشرط الوحيد الذي جاء بنص المادة 39-2 والتي تنص على ما يلي: "بشرط أن يكون الدّفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء".
والصّعوبة التي تثار هنا تتعلق بتحديد معيار هذا التناسب، إذ أنّ تحديده يحتاج إلى دقة بالغة نظرا لتنوع الاعتبارات والظروف التي قد تحيط بكل حالة.
فمثلا:
- قد لا تكون تحت تصرف المعتدى عليه أداة تماثل ما يستعمله المعتدي.
- قد يتفاوت المعتدي والمعتدى عليه في القوة البدنية تفاوتا كبيرا.
- قد يسبب الاعتداء فزعا للمعتدى عليه فلا يحسن التّصرف ويخطئ في تقدير جسامة الفعل الذي يقوم به لدرء الخطر.
ووضع معيار التناسب بين فعل الدّفاع والخطر يقتضي منا توضيح الاعتبارات التي قد تساعد على وصفه.
يعد فعل الدّفاع متناسبا مع جسامة الخطر إذا انطوى على استخدام قدر من العنف لا يجاوز القدر الذي كان يستخدمه شخص معتاد أحاطت به نفس الظروف التي أحاطت بالمدافع
ب- الركن المعنوي
يشترط توافر إرادة جنائية صدر عنها الفعل غير المشروع ويقصد بالإرادة الجنائية، إرادة الإنسان المدرك المميز واختياره الحر للقيام بالفعل غير المشروع، لذلك يتعين أن تكون إرادة الجاني معتبرة قانونا حتى تعدّ عنصرا في الجريمة.
فإذا انتفت هذه الإرادة فلا تقوم المسؤولية الجنائية ويطلق على الأسباب التي تجرد الإرادة من قيمتها القانونية، بمواقع المسؤولية الجنائية، وهي الأسباب التي تجرد الإرادة من القيمة القانونية، فقد حصر المشرع موانع المسؤولية
في الجنون بنص المادة 47 من قانون العقوبات والتي تنص على أنّه: "لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة..."، والإكراه: تنص المادة 48 من قانون العقوبات على ما يلي: "لا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها".
وصغر السّن والذي تنص عليه المادة 49 (القانون رقم 14-01، المؤرخ في 04 فبراير سنة 2014) لا يكون محلا للمتابعة الجزائية القاصر الذي لم يكمل عشر (10) سنوات، بما يلي: "لا توقع على القاصر الذي يتراوح سنه من 10 إلى أقل من13 سنة إلا تدابير الحماية أوالتّهذيب.
ومع ذلك فإنّه في مواد المخالفة لا يكون محلا إلا للتّوبيخ.
ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 سنة إمّا لتدابير الحماية أو التّهذيب أو لعقوبات مخففة".
فإذا اثبت أن الإرادة كانت معتبرة قانونا فهي توصف بأنّها إرادة جنائية، أمّا صور الإرادة الجنائية فهي القصد الجنائي أو الخطأ الغير العمدي والقصد الجنائي يقصد به اتجاه الإرادة إلى الفعل ونتيجته.
أمّا الخطأ غير العمدي فيقصد به اتجاه الإرادة إلى الفعل دون النتيجة على الرّغم من أنّه في وسع الجاني ومن واجبه أن يتوقع النتيجة وأن يحول دون حدوثها، أو أنّ الجاني توقع النتيجة وأراد أن يحول دون حدوثها ولكن اعتمد على احتياط غير كاف فحدثت على الرّغم من ذلك.
ج- الركن المادي
الرّكن المادي للجريمة هو الفعل أو الامتناع الذي بواسطته تنكشف الجريمة ويكتمل جسمها، ولا توجد جريمة بدون ركن مادي إذ يغير ماديتها لا تصاب حقوق الأفراد أو الجماعة بأي اعتداء، تنقسم عناصر الرّكن المادي إلى ثلاثة عناصر :
يشمل الفعل السّلوك الإيجابي أو الحركة العضوية الصادرة من عضو في جسم الجاني، كمل يشمل الفعل أيضا الامتناع باعتباره صورة من السّلوك السّلبي والذي يطلق عليه الفعل السّلبي، والفعل عنصر من عناصر الرّكن المادي سواء كانت الجريمة عمدية أم كانت غير عمدية، والفعل له قيمة قانونية ذاتية فهو الذي يرسم حدود سلطات المشرع الجنائي وهو الذي يوصف بأنّه غير مشروع ويقرر له القانون عقوبة حالة ارتكابه، وتقتضي الدّراسة التّمييز بين الفعل الإيجابي والفعل السّلبي أو الامتناع.
يعرف الفعل الإيجابي بأنّه حركة عضوية إرادية.
فالفعل الإيجابي كيان مادي يتمثل فيما يصدر عن مرتكبه من حركات انتفاء تحقيق آثار مادية معينة، فالجاني يريد إحداث وفاة إنسان ويتصور الوسيلة إلى ذلك في إطلاق عيار ناري فيحرك يده للضغط على السّلاح.
ويترتب على اعتبار الحركة العضوية عنصرا في الفعل الإيجابي نتائج هامة، فالفعل الإيجابي لا يقوم بفكرة حيسية في نفس صاحبها، ولا يقوم حتى بالعزم أو التّصميم إذ تنقصه الحركة العضوية.
والحركة العضوية لا تعني دائما الحركة اليدوية، ففي جرائم القذف أو السّب بعد القول هو الفعل، وبذلك فإنّ الحركة العضوية هي حركة اللّسان بالنّطق بألفاظ القذف أو السّب...
ويشترط في الحركة العضوية أن تكون إرادية بمعنى أنّ تصدر عن إرادة، وأهمية الصّفة الإرادية في كيان الفعل الإيجابي واضحة، إذ تؤدي إلى استبعاد كل حركة غير إرادية، فمثلا من يصاب بإغماء مفاجئ أثناء سيرة فيقع على طفل ويصيبه بجراح لا يعد مرتكبا لفعل إصابة تماما.
إنّ المكرة لا يرتكب فعلا في اصطلاح القانون وإنّما يعد الفعل صادرا عن الشّخص الذي سيطر على حركات المكرة واتخذه أداة لا إرادة لها.
وفي هذا تكمن التّفرقة بين الإكراه المادي والإكراه المعنوي الذي سبق أن تعرضنا لها في دراسة حالة الضرورة، فالإكراه المادي يعدم الإرادة فيسلب الحركة العضوية صفتها الإرادية فينهار به الرّكن المادي للجريمة ولكن الإكراه المعنوي يفترض مخاطبه الإرادة والتأثير عليها وتوجيهها إلى الغاية التي يريدها من صور الإكراه المعنوي عنه، فالإرادة لا تنعدم ولكن حريتها في الاختيار تضعف، لذلك فإنّ الإكراه المعنوي لا يسلب الحركة صفتها الإرادية ولا تأثير للإكراه المعنوي على الرّكن المادي وإنّما يعدّ مانع من موانع المسؤولية ويقتصر تأثيره على الرّكن المعنوي.
الامتناع هو إحجام شخص عن إتيان فعل إيجابي معين كان المشرع ينتظره في ظروف معينة وذلك بشرط وجود واجب قانوني يلزمه بهذا الفعل ويشترط أن يكون في استطاعة الممتنع القيام به، ومن هذا التّعريف نستخلص العناصر الآتية:
1. الإحجام عن فعل إيجابي معين:
الامتناع ليس إحجاما مجردًا وإنّما هو موقف سلبي بالقياس إلى فعل إيجابي معين، ومن هذا الفعل الإيجابي يستمد الامتناع كيانه والقانون هو الذي يحدد هذا الفعل، فجريمة امتناع القاضي عن الحكم
في الدعوى تفترض إحجامه عن القيام بالإجراءات التي يحددها القانون للنظر في الدعوى والفصل فيها، وجريمة امتناع الأم عن إرضاع طفلها تفترض احجامها عن القيام بفعل الإرضاع ذاته.
-الواجب القانوني:
يستمد الامتناع أهميته القانونية من الأهمية التي يسبقها القانون على الفعل الإيجابي، فلا وجود للامتناع إلا إذا كان الفعل الإيجابي قد فرض فرضا قانونيا على من امتنع عنه.
- الصّفة الإرادية للامتناع:
يقتضي ذلك أن تكون الإرادة مصدر الامتناع، فإذا انعدمت الإرادة لا يمكن أن ينسب إليه فعل الامتناع، فمن أصيب بإغماء أو تعرض لإكراه مادي بينه وبين القيام بالفعل الإيجابي (أي الواجب القانوني) لا ينسب إليه خلال فترة الإغماء أو الإكراه أي امتناع.
النّتيجة هي التّغيير الذي يحدث كأثر للسّلوك الإجرامي، ففي جريمة القتل كان المجني عليه حيا قبل أن يرتكب الجاني فعله ثم أصبح ميتا على أثر هذا الفعل، فالوفاة هي النّتيجة في القتل وفي السّرقة كان المال في حيازة المجني عليه قبل أن يرتكب الجاني فعله، ثم أصبح في حيازة أخرى بعد ارتكاب الفعل، ومن ثم كان انتقال الحيازة هو النّتيجة في السّرقة وبالتالي فإنّ التغيير الذي يحدث كأثر للسّلوك الإجرامي يطلق عليه المدلول المادي للنّتيجة.
وهذا المدلول المادي لنتيجة له تكييف قانوني، فإنّ الآثار المادية التي أنتجها السّلوك الإجرامي تفسر قانونيا على أنّها تشكل في النّهاية اعتداء على حق يحميه القانون.
فالاعتداء على الحق الذي يضع له القانون حماية هو التّكييف القانوني للنتيجة المادية التي خلقها السّلوك الإجرامي، فجريمة القتل أو نتيجتها وهي وفاة المجني عليه ترتب عليها آثار متعددة منها تشويه الجثة أو دفنها أو حرمان عائلة المجني عليه من مورد رزقها.
كل هذه الآثار ليست موضوع اهتمام القانون بالنّسبة لجريمة القتل، وإنّما موضع اهتمام القانون هو الاعتداء على الحق الذي يحميه وهو الحق في الحياة وهذا الاعتداء والذي نجم عنه وفاة المجني عليه.
النتيجة عنصر في الرّكن المادي لكل جريمة:
إنّ النّتيجة بمدلولها القانوني أي تحقق الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون هي شرط ضروري لتوفر الرّكن المادي في كل جريمة، ولكن إذا نظرنا إلى النّتيجة في مدلولها المادي وهو التّغيير الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للسّلوك الإجرامي، فإنّنا نجد أنّ هناك بعض الجرائم لا يتوفر فيها التّغيير الذي يحدث كسلوك إجرامي، فمثلا جرائم الامتناع لا تحدث النّتيجة فيها أي تغيير فامتناع القاضي عن الحكم في الدعوى مطروحة عليه سلوك إجرامي ولكنه لم يحدث أي تغيير في العالم الخارجي وذلك بعكس جرائم القتل والجرح والضرب مثلا التي تحدث تغييرا في العالم الخارجي.
وللتّغلب على هذه الصّعوبة فقد فرّق الفقه بين نوعين من الجرائم وبالرّغم من وجوب توفر النتيجة في كلا النّوعين، إلا أنّ صور هذه النّتيجة قد تختلف من نوع إلى آخر وهذان النّوعان هما جرائم الخطر وجرائم الضرر.
ونخلص من ذلك إلى القول بأنّ تحقق النّتيجة شرط ضروري لتوافر الرّكن المادي، فإذا كانت الجريمة عمدية وتخلفت النّتيجة فالمسؤولية تقتصر على الشروع، أمّا إذا كانت الجريمة غير عمدية فلا قيام لها ما لم تتحقق نتيجتها إذ لا شروع في الجرائم غير العمدية.
علاقة السّببية هي الصّلة التي تربط بين الفعل والنتيجة وتثبت أنّ ارتكاب الفعل هو الذي أدى
إلى حدوث النتيجة، وعلاقة السّببية ليست فكرة قاصرة على علم القانون، وإنّما يتسع نطاقها لكافة فروع العلم فكل علم يجتهد في تحديد الصّلات السّببية بين الظواهر التي يدرسها.
والأهمية القانونية لعلاقة السّببية في غنى عن البيان فهي التي تربط الرّكن المادي وكيانه فعلاقة السّببية تسند النّتيجة إلى الفعل فتقرر بذلك توافر شرط أساسي لمسؤولية مرتكب الفعل عن النتيجة وهي بذلك تساهم في تحديد نطاق المسؤولية الجنائية باستبعاد هذه المسؤولية إذا لم ترتبط النتيجة بالفعل ارتباطا سببيا، فمثلا من أعطى لأخر سما وتعاطه الآخر فمات بتأثير هذا السّم، فلا جدال في أنّ النتيجة وهي الوفاة ترتبط ارتباطا سببيا بالفعل أي أنّ الفعل هو إعطاء السّم هو السّبب المباشر للنتيجة وهي الوفاة.
أمّا إذا تعاطى الشّخص السّم ولكنه قبل أن يبدأ مفعوله انتابته نوبة قلبية قضت عليه فلا جدال في أنّ النتيجة لا علاقة لها بالفعل، ولم يكن للفعل أي تأثير على حدوث النتيجة.
لذلك انتفت علاقة السّببية فإنّ مسؤولية مرتكب الفعل تقتصر على الشروع إذا كانت جريمته عمدية، فإذا كانت غير عمدية فلا مسؤولية عنها، إذ لا شروع في الجرائم غير العمدية وعلى هذا النّحو كانت علاقة السّببية عنصرا من عناصر الرّكن المادي وشرطا لقيام المسؤولية الجنائية
قلنا أنّ علاقة السّببية هي صلة بين ظاهرتين ماديتين الفعل والنتيجة، ودورها هو بيان أثر الفعل في إحداث النتيجة، ويتحديد علاقة السّببية لا يثير صعوبة إذا لم تشترك عوامل أخرى مع فعل الجاني
في إحداث النتيجة.
فمثلا أطلق شخص على آخر عيارا ناريا أرداه قتيلا، فلا جدال في أنّ فعل الجاني هو السّبب الوحيد لحدوث النتيجة فعلاقة السّببية قائمة وواضحة، ولكن الصّعوبة تثور في حالة ما إذا فعل الجاني واحد من عوامل متعددة ساهمت في إحداث النتيجة أم هل يجب أن يكون للفعل أهمية خاصة.
وقد يصعب أحيانا تحديد علاقة الفعل بالنتيجة بعد تدخل عوامل متعددة أدت إلى حدوث النتيجة.
*نظرية التعادل بين الأسباب (Equivalence des conditions) : تقرر هذه النّظرية المساواة بين جميع العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة ويقتضي ذلك القول بأنّ علاقة السّببية تقوم بين فعل الجاني والنتيجة إذا ثبت أنّ أحد الأفعال ساهم في إحداث النتيجة بالرّغم من أنّ العوامل الأخرى التي ساهمت في إحداث النتيجة تفوقه أهمية.
تقود هذه النّظرية إلى القول بقيام علاقة السّببية بين الفعل والنتيجة إذا ساهمت مع فعل الجاني عوامل طبيعية أو ضعف صحي أو مرض سابقا كذلك تقوم علاقة السّببية إذا ساهم مع فعل الجاني عوامل غير طبيعية.
وحجة أنصار هذه النّظرية بأنّه إذا كانت النّتيجة قد حدثت على أثر تعاقب مجموعة من العوامل ساهمت في إحداثها وكان فعل الجاني واحدًا من هذه العوامل وبدون هذا الفعل، فإنّ العوامل الأخرى كانت عاجزة عن إحداث النتيجة فمعنى ذلك أنّ فعل الجاني هو الذي أعطى هذه العوامل الأخر الصلاحية لإحداث النتيجة وهو الذي أمدها بقوة السّببية.
لذلك فمعيار السّببية لدى أنصار هذه المدرسة "يعد الفعل سببا للنتيجة إذا كان يترتب على تخلفه انتفاء هذه النتيجة"، أسس "فون بوري" (Von Buri) هذه النّظرية وأخذ بها القضاء الجنائي في ألمانيا.
نقد النّظرية:تبدو عيوب هذه النّظرية إذا افترضنا أنّ فعل الجاني وإن كان لا يحول دون تحقق النتيجة، إنّما يؤدي إلى حدوثها في وقت آخر فالمجني عليه في هذه الأمثلة كان ميتا في جميع الأحوال أي أن تخلف فعل الجاني ما كان يؤثر في النتيجة التي كانت ولا محال ولكنّه عجل بهذه النتيجة، وتطبيقا لهذه النّظرية فإنّ علاقة السّببية لا تتوافر في هذه الأمثلة، وهو قول يؤدي إلى انتفاء مسؤولية الجناة وهو ما لا يمكن قبوله.
ولكن بالرّغم من هذا التعديل فإنّ نظرية تبادل الأسباب تعتمد على المنطق المجرد وتنظر إلى النتيجة الإجرامية باعتبارها مجرد ظاهرة مادية وإنّ حدوثها كان ثمرة مجموعة من العوامل التي لا تنتج أثرها ما لم تتضافر من أجل ذلك مجموعة عديدة من العوامل.
يعني أنّ هذه النّظرية تضع في اعتبارها جميع العوامل التي ساهمت مع فعل الجاني في إحداث النتيجة وبذلك يتسع نطاق المسؤولية الجنائية للجاني بتحقق علاقة السّببية بين فعله وبين النتيجة ولو كانت بعيدة. في حين أنّه من العدالة الاقتصار على العوامل ذات الأهمية القانونية التي ساهمت مع فعل الجاني في إحداث النتيجة واستبعاد العوامل الأخرى وبذلك يمكن حصر آثار فعل الجاني في نطاق محدود والبحث عن علاقة السّببية في المجال القانوني.
*نظرية السّببية الكافية:(السبب المباشر (Causalité adéquate)) : تذهب هذه النّظرية إلى التّفرقة بين العوامل المختلفة التي تعاقبت حتى حدوث النتيجة والاعتداد ببعضها دون البعض، فهناك عوامل تتضمن اتجاها إلى النّتيجة وميلا نحوها وتكمن في هذه العوامل الإمكانيات الموضوعية التي من شأنها إحداثها، إنّ علاقة السّببية تقوم –في نظر أصحاب هذه النّظرية- بين هذه العوامل والنتيجة وعلى ذلك يجب استبعاد بعض العوامل في التّسلسل السّببي الذي قاد إلى النّتيجة، فطبقا لهذه النّظرية يتم هذه الاستبعاد على مرحلتين[:
المرحلة الأولى: استبعاد العوامل الشاذة غير المألوفة فيجب الاقتصار على العوامل المألوفة.
المرحلة الثانية: استبعاد بعض الظروف من النتيجة واعتبار النتيجة سببا للعوامل المألوفة التي قادت إليها، ومثال ذلك: أصاب شخص آخر بجراح ونقل المصاب إلى المستشفى حيث نشب حريق فمات المصاب محترقا.
فطبقا لمذهب السّببية الكافية يجب استبعاد حريق المستشفى من التّسلسل السّببي الذي ابتداءً من فعل الجاني وقاد إلى وفاة المصاب.
كما أنّه يجب استبعاد فعل الجاني من النتيجة التي حدثت، فتعتبر النتيجة أنّها "وفاة إنسان عن طريق الحريق".
وعلى ذلك يمكن إيجاز خصائص نظرية السّببية الكافية على النّحو التالي:
- تنظر نظرية السّببية الكافية إلى النّتيجة باعتبارها نوعا معينا من النّتائج الإجرامية بعد تجريد التّسلسل السّببي من تفاصليه واستبعاد بعض العوامل التي ساهمت فعلا في إحداثها.
تحصر هذه النّظرية نطاق علاقة السّببية في أضيق نطاق لأنّها لا تضيف إلى الفعل غير محدود من العوامل فتنحصر آثاره في نطاق ضيق، بعكس نظرية التّعادل بين الأسباب إلى تضخم من آثار الفعل إلى مدى بعيد، كما في مثل احتراق المستشفى ووفاة المجني عليه المصاب.
- تتصف هذه النّظرية بالموضوعية، فهي لا تعتمد على توقع الجاني للنّتيجة ولا تبحث عن ظروف الجاني لمعرفة عما إذا كان في استطاعته توقيع النتيجة من عدمه، فهي تعتمد على ما يكمن
في الفعل من إمكانيات موضوعية تقود إلى النتيجة سواء كان الجاني في وسعه العلم بالعوامل أم لم يكن في وسعه ذلك ما دام الشّخص الذي يتمتع بأوسع الإمكانيات الذّهنية كان في وسعه العلم بها، كما في حالة وفاة المجني عليه المصاب بعد تلوث جراحه أو بسبب ضعفه الصّحي أو لإصابته بمرض سابق... إلى آخره.
- لا تعتمد هذه النّظرية في بحثها عن علاقة السّببية في التّحقق من التّسلسل السّببي الذي قاد من الفعل إلى النتيجة، ولكنّها تتناول الفعل في ذاته ويقدر الإمكانيات التي تنطوي عليها ويكون من شأنها إحداث النّتيجة التي وقعت مثلا في حالة من أشعل النّار في منزله وجاء أحد وأضاف كمية من الوقود فازدادت النيران اشتعالا وتسببت في هلاك صاحب المنزل.
فإنّ هذا المثل طبقا لنظرية التبادل بين الأسباب لا تقوم علاقة السّببية بين فعل كل من الشّخصين والنتيجة التي وقعت، ولكن طبقا لنظرية السّببية الكافية فإنّنا إذا تناولنا أي من الفعلين في ذاته سواء إشعال النّار أو إضافة كمية من الوقود لوجدنا أنّ الإمكانيات الموضوعية لأي من الفعلين كان من شأنها إحداث النتيجة وهي وفاة صاحب المنزل محترقا وبذلك تقوم علاقة السّببية بين النتيجة وأي الفعلين.
عيوب نظرية السّببية الكافية: يؤخذ على هذه النّظرية أنّها ركزت على الإمكانيات الموضوعية للفعل وجعلت منها جوهر النّظرية باعتبار هذه الإمكانيات من عناصر السّببية أي العناصر التي قادت من الفعل إلى النّتيجة فهذه الإمكانيات تربطها بين الفعل والنّتيجة على أنّ الإمكانيات الموضوعية للفعل هي من خصائص الفعل وصفاته، فربّما تتوفر الإمكانيات الموضوعية لقتل شخص في فعل إطلاق النّار ولكنّه قد لا يؤدي ذلك بالضرورة إلى إحداث الوفاة.
*نظرية السّبب الأقوى: قال بهذه النّظرية "بيركميير" "Birkmeyer" وتتلخص في أنّه إذا كانت العوامل التي ساهمت مع الفعل تتفاوت من حيث قوتها ومقدار مساهمتها في إحداث النتيجة، فإنّه لاشك أنّ هناك عملا أقوى من غيره من العوامل ويجب اعتبار هذا العامل سببا للنتيجة، أمّا إذا ساهمت في إحداث النتيجة مجموعة من الأفعال، فكل منها على حده سبب لها طالما أنّ مساهمته أقوى من مساهمة العوامل الأخرى، وقد انتهت هذه النّظرية بذلك إلى أنّ جميع العوامل الهامة تصبح أسبابا للنّتيجة فيما عدا أقلها شأنا وبذلك لم يعد هناك سبب أقوى من غيره.
وهذه النّظرية غير صالحة للتّطبيق على القانون إذ أنّها لم تضع مقياسا يحدد مقدار مساهمة كل عامل في إحداث النتيجة ويبين أقواها مساهمة، كما أنكرت هذه النّظرية على فعل الإنسان صفته الإرادية فجمعت بينه وبين العوامل الطبيعية التي تساهم في إحداث النتيجة وأغفلت أنّ الفعل الإنساني ليست له طبيعة محادية فحسب ولكن له أيضا طبيعته الإرادية الواعية التي تتيح له أن يسيطر على العوامل الأخرى، لقد أغفلت هذه النّظرية طبيعة الفعل الإنساني من بين العوامل التي تساهم في النتيجة وطبقت عليه معيارا لا يصلح لغير القوى الطّبيعية - المحور الثالث : المسؤولية الجزائية
المحور الثالث : المسؤولية الجزائية
لا يعاقب الفاعل بمجرد إكتمال عناصر الجريمة ، فإظافة لذلك لابد من توفر أهلية عند الشخص لتحمل مسؤولية فعله ، لذلك المسؤولية الجزائية تشكل حجر الأساس التي تربط بين الجريمة و العقوبة ، فالأهلية الجزائية شرط ضروري و أساسي لتحمل الشخص نتائج فعله ، و عليه كل من إرتكب فعل مجرم و كان لديه أهلية يعاقب .
أولا : التعريف بها
تعتبر الأهلية الجزائية صلاحية مرتكب الجريمة لأن يسأل عليها ، فهي وصف قانوني لإمكانيات شخص يحتما أن يكون مسؤولا .
أما المسؤولية الجزائية فهي أهلية الإنسان العاقل الواعي لأن يتحمل الجزاء العقابي نتيجة اقترانه جريمة نص عليها قانون العقوبات.
ثانيا : أنواعها
أ-المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
الأشحاص المعنوية هي عبارة عن مجموعة من الأموال و الأشخاص التي ترمي لتحقيق غرض معين ، فيمنحها القانون الشخصية القانونية بالقدر اللازم لتحقيق هذا الغرض ، هذا و أخذ مفهوم الشخص المعنوي عدة إتجاهات لكل منطلقاته و بفضلها إنقسم الفقه العقابي حول المساءلة الجزائية للشحص المعنوي إلى إتجاهين :
-إنكار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
يرى أصحاب هذا الإتجاه إلى أن الشخص المعنوي إفتراض قانوني ، عديم الإرادة لايستطيع أن يصدر منه نشاط ذاتي ، و لا يمكن نسبة الجريمة إليه ، فهو يتصرف بواسطة ممثله القانوني و عليه لا يمكن أن يكون أهلا للمسؤولية ، بل يمكن الإداء مدنيا عليه في شخص ممثله القانوني.
كما أن طبيعة الشخص المعنوي تتعارض و العقوبات الجزائية التي يقرها القانون ، فضلا على تعارضه مع مبدأ شخصية العقوبة.
إظافة إلى أن لا يحقق الغرض من العقوبة و إصلاح الجاني و إعادة تأهيله .
-إقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
يرى أنصار هذا الإتجاه بأن الشخص المعنوي يمكن تطبيق العقوبة عليه حسب طبيعته كالحل و المراقبة ، الغرامة ، تضييق نطاق نشاطه .
فالشخص المعوي حقيقة واقعية وله وجود قانوني و ذمة مالية ، كما له إرادة قانونية التي يمثلها أراء أعضائه و المساهمين فيه.
-شروط تطبيق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
لقيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لابد من توافر مجموعة من الشروط تتمثل في :
إرتكاب الجريمة من قبل شخص معنوي خاص كالشركة مثلا بمعنى أن المشرع أخرج أشخاص المعنوية العامة من دائرة المساءلة القانونية.
إرتكاب الجريمة من قبل ممثله القانوني
إرتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي بمعنى أن الغاية و المصلحة المرجوة من وراء هذا النمشاط الإجرامي يعوذ للشخص المعنوي و ليس ممثله ، و إذا كان العكس في هذه الحالة لا تقوم المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي.
ب-المسؤولية الجزائية عن فعل الغير
لقيام المسؤولية الجزائية عن فعل الغير يشترط توافر مجموعة من الضوابط القانونية التي تتمثل في أركان قيامها ، قواعد قيام المسؤولية الجزائية عن فعل الغير ، نطاق هذه المسؤولية و حالات الإعفاء منها
-أركان قيام المسؤولية الجزائية عن فعل الغير
يشترط للأخد بالمسؤولية الجنائية عن فعل الغير مجموعة من الأركان الأتية :
--الركن الأول : إرتكاب جريمة من قبل التابعين
يتمثل الأساسي الموضوعي للمسؤولية الجزائية عن فعل الغير ، في التنفيذ المادي من قبل تابعيه ، فالمسؤولية الجزائية عن فعل الغير مبدئيا لا تقوم إلا فيما يتعلق بضمان إحترام بعض الأنظمة ، و القوانين .
سواء تعلق الأمر بجريمة عمدية أو غير عمدية فالمسؤولية الجزائية للتابع لا تمنع من قيام مسؤولية تابعيه في إرتكاب جريمة بصفتهم فاعلين مادين لهذه الأخيرة ، حيث تتم متابعتهما معا ، لاسيما عند إرتكابهما لأخطاء مختلفة .
أما إذا كان التابع عبارة عن أداة غير واعية في يد المتبوع في هذه الحالة تقوم المسؤولية الجزائية للمتبوع دون التابع ، لاسيما إذا كان مثلا يجهل الوضع السيء مثلا للمركبة ، التي وضعت تحت تصرفه ، أو مارس عليه إكراه لا قبل له بدفعه .
-- الركن الثاني : خطأ المتبوع
لقيام المسؤولية الجزائية للمتبوع عن جريمة المرتكبة من طرف تابعيه لابد أن تكون هذه الأخيرة وقعت نتيجة خطأ المتبوع الذي يكون نتيجة إهمال يستنج من مخالفة التابع للأنظمة القانونية أو التنظيمية ، و في جميع الحالات يشترط أن يكون الخطأ الشخصي لمتبوع ، و الذي يتمثل في عدم مراعاة الأنظمة و القوانين ، فخطأ المتبوع في هذه الجريمة مفترض ، فالنيابة العامة تستغني عن تقديم البينة في هذه الحالة ، فالأمر متعلق قرينة مطلقة لا تزول أمام إقامة الدليل على إنعدام الخطأ الحراسة و الرقابة ، أو أمام دليل الإكراه أو القوة القاهرة ، حتى في حالة إرتكاب جريمة من قبل التابع .
-- الركن الثالث : أن يكون خطأ المتبوع هو المتسبب في إرتكاب الجريمة من قبل التابع
يسأل المتبوع عن أفعال تابعيه في حالة إرتكابه لخطأ شخصي مفترض يتعارض مع القوانين المعمول بها في مجال البيئة ، يترتب عن إهماله و عدم مراعاته و إلتزامه الذي أذى بتابعيه إلى مخالفة القوانين و اللوائح المعمول بها التي تفترض إرتكابها من قبل التابع نتيجة عدم الإحتياط المتبوع ، و بالتالي إرتكاب التابع للجريمة نتيجة عدم رقابة المتبوع ، الأمر الذي يرتب المسؤولية الجنائية لهذا الأخير .
-قواعد قيام المسؤولية الجزائية عن غعل الغير
-إختلف الفقه حول مسألة أساس المسؤولية الجزائية عن فعل الغير و أسسها على ثلاث قواعد تتمثل في :
--مسؤولية المتبوع على الخطر المسلم به
يرى بعض الفقهاء في المسؤولية الجزائية عن فعل الغير طبقا لنظرية الخطر المسلم به ، فالمتبوع الخاضع للواجبات القانونية لمهنته ، بخضوعه لها قد قبل بخطر عدم تنفيدها .
إلا أن أصحاب هذا الأساس قد تعرضوا للنقد فتأسيس المسؤولية الجزائية عن فعل الغير على أس الخطر المسلم به أمر غير مقبول لكونه يتعاض مع المبادئ العامة التي يقوم عليها القانون الجزائي .
-- مسؤولية المتبوع عن الخطأ الشخصي
أسس أصحاب هذه النظرية مسؤولية الجزائية عن فعل الغير على فكرة الخطأ الشخصي ، مبررين ذلك بأن المسؤولية الجزائية عن فعل الغير لا تتعارض مع أحكام المسؤولية العادية ، و بالتالي لا تتعارض مع مبدأ شخصية العقوبات ، فهي مسؤولية شخصية قوامها إهمال المتبوع في منع تابعيه عن إرتكاب الجريمة ، فالمسؤولية الجزائية عن فعل الغير ليست سوى تطبيق لمبدأ لا وجود لمسؤولية دون خطأ ، و ليست كذلك سوى تطبيق لمبدأ شخصية العقوبة ، حيث تؤدي إلى عقاب الشخص الذي كان السبب في الجريمة .
كما يؤسس أصحاب هذا الرأي تفسيرهم للمسؤولية الجزائية عن فعل الغير على المتبوع بمثابة فاعل أصلي في الجريمة التي يسأل عليها ، فالمسؤولية هنا لا تستند إلى الفعل الصادر من الغير ، و إنما ترجع إلى المسلك الشخصي للمتبوع المتمثل في إخلاله للإلتزامات.
-- مسؤولية المتبوع كفاعل معنوي
هناك من يرى بأن أساس المسؤولية الجزائية للمتبوع كفاعل معنوي في الجريمة المرتكبة من قبل تابعيه في غياب و خارج أي تنظيم خاص ، و طبقا لذلك تضاف مسؤولية المتبوع لمسؤولية الفاعل المادي الذي تسند إليه الجريمة .
و حسب هذا الإتجاه لا يكفي لإقامة المسؤولية أن يرتكب المتبوع خطأ و أن يكون هذا الخطأ سببا بالواسطة أو سبب غير مباشر للجريمة .
و قد علق الفقهاء على هذه الأراء بقولهم سواء أسسنا المسؤولية الجزائية للمتبوع على خطأ شخصي أو على صفته فاعلا معنويا ، ففي كلاتا الحالتين لا يتعلق الأمر في الحقيقة بمسؤولية جزائية عن فعل الغير ، و إنما مسؤولية شخصية بسبب فعل إجرامي مرتكب من قبل الغير.
ليخصوا إلى أن خروج المسؤولية الجزائية للمتبوع على المبادئ التي بموجبها لا يعاقب أحد إلا بسبب فعله الشخصي و لا توقع العقوبة الجنائية إلا على مرتكب الجريمة ، هو ظاهري أكثر مما هو حقيقي .
-نطاق المسؤولية الجزائية للمتبوع و حالات إعفائه منها
يتسع نطاق المسؤولية الجزائية للمتبوع ليشمل مجال قيام هذه الأخيرة ، و كذلك الحالات التي لا تقوم فيها هذه المسؤولية
--مجال قيام المسؤولية الجزائية عن فعل الغير
تتمثل الحالات التي تقوم فيها المسؤولية الجزائية عن فعل الغير عن الجريمة المرتكبة من طرف تابعيه في :
---المسؤولية الجزائية للمتبوع مسؤولية غير مباشرة
تتمثل هذه الحالة في تحميل المشرع للمتبوع الإلتزام بأداء الغرامة الجزائية المحكوم بها على التابع دون تحميله المسؤولية الجزائية ذاتها ، و تعتبر المسؤولية هنا مسؤولية جزائية أكثر منها مدنية ، فهي تنطوي على الإلتزام بدفع عقوبات جزائية لفائدة الخزينة العمومية و ليس تعويض للمجني عليه.
-المسؤولية الجزائية للمتبوع مسؤولية مباشرة
و يتعلق الأمر هنا بحالات يرتكب فيها التابع جريمة و يعاقب عليها جزائيا المتبوع ، و هذه الحالات تشكل لا محالة إستثناءات لمبدأ شخصية المسؤولية الجزائية الشخصية .
و من تطبيقاتها في المجال البيئي ما نصت عليه المادة 36 فقرة 2 من القانون رقم 88-07 التي نصت على أنه : " عندما تنسبب المخالفات إلى العمال فإنها تعتبر من فعل المسيير إذا لم يتخذ الإجراءات الضرورية ، لغرض إحترام التعليمات القانونية في مجال الوقاية الصحية و الأمن و طب العمل و لم يتخذ العقوبات التأدبية على مرتكبي هذه المخالفات عمذا من طرف العمال ".
-- حالات إعفاء المتبوع من المسؤولية الجزائية عن الجريمة المرتكبة من قبل تابعيه
تقوم مسؤولية عن فعل الغير من مجرد عدم إحترامه للألتزامات التي تفرضها عليه القوانين و الأنظمة ، الأمر الذي يتطلب القيام شخصيا بالإشراف و المراقبة و هو أمر يستحيل عليه ماديا القيام به بنفسه.
هذا الوضع بالإظافة للمتطلبات الفنية حمل ربان السفينة على تفويض المديرين الفنين و رؤساء المصالح ببيعض الصلاحيات ، على ما تظهره التنظمات الداخلية في السفن بحيث يتحمل كل شخص المسؤولية المباشرة و الشخصية في إذارة ما أوكل إليه.
فالمشرع الفرنسي مثلا في جرائم التلوث البيئي أعفى ربان السفن من المسؤولية الجزائية الملقاة على عاتقهم متى فوضوا أحد مستخدميهم حراسة السير المادي و الفني للسفن ، إثارة هذا الدفع و لو لأول مرة أمام محكمة الإستئناف ، و لهم تقديره .، هذا و ستنتج أن التفويض جائز في مخالفات بالأنظمة المتعلقة بالصحة و سلامة العمل و ما يترتب عليها .
فالتفويض لا يجوز عندما يتعلق الأمر بالوظائف التي جعلها ربان السفينة من صلاحياته وحده دون غيره ، هذا و يشترط حتى يتم إعفاء ربان السفينة من المسؤولية الجزائية توافر مجموعة من الشروط التالية :
-إقامة الدليل على أنه وضع على رأس السفينة مستخدم يتمتع بالكفاءة و السلطة و الوسائل الضرورية للسهر على مراعاة التنظيم.
-أن يكون التفويض واضح و محدد و سابق على معاينة الجريمة و ينطبق على موضوع الدعوى .
-و لا يشترط شكل معين أو صيغة معينة و أن لا يكون مكتوبا ، إلا أن من مصلحة الجميع أن يكون مكتوبا و ذلك دفعا لأي إلتباس في تحديد مهام و الصلاحيات و إحتياطيا لكل ما قد يثار حول صحة التفويض و مداه الزمني .
و عليه يترتب على التفويض في حالة إستوفائه لجميع الشروط إعفاء ربان السفينة من المسؤولية الجزائية عن جريمة التلوث البحري المرتكبة من قبل تابعيه .
ثالثا : موانع المسؤولية الجزائية
وهي الأسباب التي تجرد الإرادة من القيمة القانونية، فقد حصر المشرع موانع المسؤولية
في الجنون بنص المادة 47 من قانون العقوبات والتي تنص على أنّه: "لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة..."، والإكراه: تنص المادة 48 من قانون العقوبات على ما يلي: "لا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها".
وصغر السّن والذي تنص عليه المادة 49 (القانون رقم 14-01، المؤرخ في 04 فبراير سنة 2014) لا يكون محلا للمتابعة الجزائية القاصر الذي لم يكمل عشر (10) سنوات، بما يلي: "لا توقع على القاصر الذي يتراوح سنه من 10 إلى أقل من13 سنة إلا تدابير الحماية أوالتّهذيب.
ومع ذلك فإنّه في مواد المخالفة لا يكون محلا إلا للتّوبيخ.
ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 سنة إمّا لتدابير الحماية أو التّهذيب أو لعقوبات مخففة".
فإذا اثبت أن الإرادة كانت معتبرة قانونا فهي توصف بأنّها إرادة جنائية، أمّا صور الإرادة الجزائية فهي القصد الجزائي أو الخطأ الغير العمدي والقصد الجزائي يقصد به اتجاه الإرادة إلى الفعل ونتيجته.
أمّا الخطأ غير العمدي فيقصد به اتجاه الإرادة إلى الفعل دون النتيجة على الرّغم من أنّه في وسع الجاني ومن واجبه أن يتوقع النتيجة وأن يحول دون حدوثها، أو أنّ الجاني توقع النتيجة وأراد أن يحول دون حدوثها ولكن اعتمد على احتياط غير كاف فحدثت على الرّغم من ذلك.
المجنون: ليس له إرادة ولا علم وأصبح مجنون وقت ارتكاب الجريمة مثلا شخص يكون في نوبات فهو لا يسأل عن المسؤولية الجنائية ( لا يطبق عليه السجن أو الإعدام) وإنما يسأل مدنيا ( مثلا يؤخذ إلى المصحة ).
السكر: الشخص السكران باختياره فهو يسأل مسؤولية جنائية
أما الاضطراري، لا يسأل يشرب دواء مثلا فيصبح سكران فيفقد إرادته ووعيه.
- المكره: هو يظهر في ثلاث حالات:
الإكراه المادي:
أن الشخص الذي يرتكب الجريمة معدوم الإرادة لا علم له ولا إرادة مثلا شخص يدفع شخص فيموت.
الإكراه المعنوي:
تؤثر على إرادة الشخص وإرادته غير سليمة مثلا بأن يخطف للشخص أبناءه ويرغمه على ارتكاب الجريمة. هنا إرادته غير سليمة وليست حرة فإرادته محل ضغط.
حالة الضرورة: غالبا ما تكون سببها الطبيعة حالة فيضانات، حالة حريق فيخرج من المسكن في ذلك الوقت ويرتكب جريمة ضد شخص بريء لا علاقة له بالجريمة.
- المحور الرابع : نظرية الجزاء الجنائي
المحور الرابع : نظرية الجزاء الجنائي
يأخذ الجزاء الجنائي صورتين العقوبة ، و تدبير الأمن، و إلى وقت غير بعيد كانت العقوبة هي الصورة الوحيدة للجزاء الجنائي ، إذ يعود ظهور تدبير الأمن إلى منتصف القرن التاسع عشر فقط ، و يرجع الفضل في ذلك إلى المدرسة الوضعية التي بفكرة تدابير الأمن لمواجهة الخطورة الكامنة في شخص الجاني .
أولا : العقوبة
أ-تعرف العقوبة
هي جزاء تقويمي يحدده القانون ، ينطوي على إهدار أو نقص لحق أو مصلحة من حقوق مرتكب الجريمة أو مصالحه ، و تتولى أصلا سلطة قضائية مختصة الحكم به محددا سواء من حيث الكيف أو من حيث الكم .
ب-خصائصها
تتميز العقوبة بمجموعة من الخصائص تتمثل في :
-شخصية العقوبة
يشترط في توقيع العقوبة أن تكون خاصة بالجاني وحده دون سواه ، و هو ما يعبر عن مبدأ شخصية العقوبة التي تتبناه التشريعات الجزائية المعاصرة على غرار المشرع الجزائري ، فمسؤولية تحمل الجزاء طبقا لهذا المبدأ شخصية بمعنى أنه لا يعاقب شخص على فعل إرتكبه شخص أخر ، فكل شخص مسؤول عن أفعاله و يوقع عليه عقوبة فعله .
-شرعية العقوبة
طبقا لمادة الأولى من قانون العقوبات الجزائري فلا جريمة و لا عقوبة إلا بنص ، و عليه فلا يعتبر أي فعل مجرم إلا ورد بشأنه نص قانوني يجرمه و إلا إعتبر هذا الفعل مباح ، و الأمر كذلك بالنسبة للعقوبة فالمشرع يحدد دائرة الأفعال التي تشكل جرائم و يححد مقدار عقوبة المححدة لكل فعل من تلك الأفعال .
-قضائية العقوبة
يعتبر مبدأ قضائية العقوبة ضمانة أساسية للمتهم بمعنى أن هذا الأخير لا توقع عليه أية عقوبة إلا بعد مجموعة من الإجراءات الجزائية و التي تعتبر في نفس الوقت قانونية ، حيث يتيح للمتهم من خلالها المثول أمم قاضي محايد ، كما يمكن له من تحضير دفاعه و الإستعانة بمحامي ، إظافة لفنيد أدلة الإتهام المجهة له ، الأمر الذي يجنبه مخاطر جمع سلطة النيابة العامة في جمع سلطتين في أن واحد الإتهام و الحكم.
ثانيا : تقسيمات العقوبة في التشريع الجزائري
تنقسم العقوبة في التشريع الجزائري إلى :
أ-عقوبات أصلية :
نصت المادة 5 من قانون العقوبات الجزائري على أنه تنقسم الجرائم حسب وصفها القانوني إلى :
-الجنايات :
و يعاقب عليها بالإعدام ، السجن المؤبد ، ، السجن المؤقت من 5 سنوات إلى 20سنة
-الجنح:
و يعاقب عليها بالحبس من شهرين إلى 5 سنوات و بغرامة تتجاوز 20.000 دج
المخالفة:
يعاقب عليها بالحبس من يوم إلى شهرين و غرامة من 2000 ألى 20.000 دج.
ب- عقوبات تكميلية
و قد نصت عليها المواد 9 من قانون العقوبات الجزائري و تتمثل في: الحجر القانوني ، الحرمان من الحقوق الوطنية، تحديد الإقامة ، المنع من الإقامة ، المصادرة الجزئية للأموال ، المنع المؤقت من ممارسة مهنة أو نشاط ، إغلاق المؤسسة ، الإقصاء من الصفقات العمومية ، الحظر من إصدار شيكات و / أو إستعمال بطاقات الدفع ، تعليق أو سحب رخصة السياقة أو إلغائها مع المنع من إصدار رخصة جديدة ، سحب جواز السفر ، نشر أو تعليق حكم أو إدانة هذا بالنسبة للشخص الطبيعي .
أما بالنسبة للشخص المعنوي فتتمثل العقوبات التكميلية حسب نص المادة 18 مكرر 2 من قانون العقوبات الجزائري في : حل الشخص المعنوي ، غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز 5 سنوات ، الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز 5 سنوات ، المنع من زوالة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو إجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر نهائيا أو لمدة لا تتجاوز 5 سنوات ، مصادرة الشيء الذي إستعمل في إرتكاب الجريمة أو نتج عنها ، نشر و تعليق حكم الإدانة ، الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز 5 سنوات في النشاط الذي أدي لإرتكاب الجريمة أو بمنساسبته.
ثالثا : تدابير الأمن
أ-تعريفه
يعرف تدبير الأمن بأنه : إجراء شرعي يطبقه القاضي كجزاء جنائي على المجرم ، إلى جانب العقوبة أو كبديل عنها لمواجهة الخطورة الكامنة في المجرم. بناء على هذا التعريف تتميز تدابير الأمن بمجموعة من الخصائص تتمثل في :
-شرعية تدابير الأمن
فطبقا لمادة 1 من قانون العقوبات الجزائري لا جريمة و لا عقوبة أو تدبير أمن بغير نص فالمشرع حسب هذه المادة يحدد نوع التدبير و نوع الجريمة التي يوقع من أجلها و ذلك حماية للحريات الفردية مت تعسف السلطة القضائية.
-محدد المدة
يتعين على القاضي تحديد مدة التدبير الإحترازي مثله مثل العقوبة التي يحكم بها على الجاني
-شخصي
فالتدبير الإحترازي يتميز بأنه شخصي كالعقوبة فهو لا يطبق إلا على الشخص مرتكب الفعل المجرم .
-قضائي
فالتدبير الإحترازي هو صورة من صور الجزاء لا يطبق إلا بموجب حكم قضائي صادر عن المحكمة .
ب-شروط تطبيقه
حتى يمكن تطبيق التدبير الإحترازي لابد من توافر شروط معينة تتمثل في :
-وقوع جريمة
-توافر الخطورة الإجرامية في الجاني
ج- أنواعها
نصت المادة 21 و 22 من قانون العقوبات الجزائري على تدابير الأمن الخاصة بالبالغين و تتمثل في : الحجز القضائي في مؤسسة إستشفائية للأمراض العقلية ، الوضع في مؤسسة علاجية .
أما بالنسبة للأحداث فقد نصت عليها المادة 40 و 41 من قانون حماية الطفل الجزائري.
رابعا : العقوبات البديلة " المراقبة الإلكترونية نموذجا "
نأخذ نظام المراقبة الإلكترونية كنموذج للعقوبات البديلة في التشريع الجزائري ، يعتبر نظام الوضع تحت المراقبة الالكترونية من الوسائل المستحدثة في مجال السياسة العقابية المعاصرة ،حيث اغلي الدول اخدت بهذه الوسيلة ، لان التجربة اثبت الدور الفعال الذي تحققه في درء مساوئ العقوبات السالبة للحرية و ما ترتبه من اثار جانبية على المحكوم عليه و اسرته ، باعتباره يساهم في اضفاء البعد الانساني و المرونة في السياسة العقابية المعتمدة ، و هو بذلك يعالج ظاهرة الاجرام بطرق تحد من تفاقم ظاهرة العود و مشكل الاكتظاظ في السجون ،كما تحافظ على الروابط الاسرية و الاجتماعية للمحكوم عليه .
و الأمر الذي دفع بالمشرع الجزائري الى الأخذ بهذا النظام و ذلك بموجب المادة 125 مكرر 1 من الامر 15-02 المعدل و المتمم لقانون الاجراءات الجزائية ، و قد تطور هذا الاجراء سنة 2018 ليشمل مرحلة تنفيد العقوبة من خلال القانون رقم 18-01 المؤرخ في 30يناير 2018 المتمم لقانون رقم 05-04 المؤرخ في 6 فبراير 2005 المتضمن قانون تنظيم السجون و اعادة الادماج الاجتماعي للمحبوسين الفصل الرابع تحت عنوان الوضع تحت المراقبة الالكترونية المواد من 150مكرر الى 150 مكرر 16 .
و بذلك تعد الجزائر الدولة الاولى عربيا و الثانية ا فريقيا في تطبيق نظام الوضع تحت المراقبة الالكترونية كإجراء بديل للعقوبات السالبة لاسيما للحرية قصيرة المدة منها، و ذلك بجعل المحكوم عليه يضع سوار الكتروني في معصمه او في كاحله ، و خضوعه لالتزامات تفرض عليه خلال قضاء مدة عقوبته .
تكمن أهمية الموضوع في كون نظام الوضع تحت المراقبة الإلكترونية يعتبر من البدائل العقابية الحديثة في مجال القانون الجنائي كونه يساهم في تجنيب المحكوم عليه مساوئ العقوبة السالبة للحرية ، فضلا إلى سعيه لإصلاح و إعادة إدماجه في المجتمع في ظل غياب الأليات لإصلاحه و تأهيله إجتماعيا.
يستلزم نظام الوضع تحت المراقبة الالكترونية توافر جملة من الأحكام الإجرائية التي تتيح للمحكوم عليه الاستفادة من مزاياه ، فيتوجب توافر مجموعة من الضوابط القانونية التي يستلزم توافرها للاستفادة من هذا النظام هذا و يترتب على هذا النظام مجموعة من النتائج المترتبة على وضع المحكوم عليه تحت نظام المراقبة الإلكترونية .
أ-الضوابط القانونية لتطبيق نظام المراقبة الإلكترونية
اشترط المشرع الجزائري لتطبيق نظم الوضع تحت المراقبة الالكترونية توافر جملة من الضوابط القانونية تتمثل في : ضوابط متعلقة بالمتهم الخاضع لنظام المراقبة الإلكترونية ، و ضوابط متعلقة بالعقوبة محل المراقبة الإلكترونية ، و ضوابط تتعلق بالجهة مصدرة قرار الوضع تحت المراقبة الإلكترونية
-ضوابط متعلقة بالمتهم الخاضع لنظام المراقبة الإلكترونية
إشترط كل من المشرع الجزائري و الفرنسي أنه حتى يستفيد المحكوم عليه من نظام المراقبة الإلكترونية أن يكون هذا الأخير بالغا لسن الرشد الجزائي ، غير أنه يجوز للقاصر الذي لم يبلغ بعد سن 18 سنة كاملة الإستفادة من هذا النظام على أن يحصل مسبقا على موافقة ممثله القانوني طبقا لنص المادة 450 مكرر 2 من قانون رقم
18-01 ، هذا و لم يميز القانون بين جنس المحكوم عليه سواء كانو رجال أو نساء فكل من توفرت الشروط القانونية الواجبة لتطبيق نظام المراقبة الإلكترونية يستفيد من هذا النظام و التي تتمثل في :
-إثبات المعني مقر سكن أو إقامة ثابت .
-ألا يضر السوار بصحة المعني.
-تسديد المعني مبلغ الغرامات المحكوم بها عليه.
كما تؤخذ بعين الاعتبار الوضعية العائلية للمحكوم عليه ، او متابعته لعلاج طبي او نشاط مهني او دراسي أو تكوين .
إظافة لإشتراط الموافقة المسبقة من المحكوم عليه ، ذلك حتى و إن كان هذا النظام يفترض تقييد حرية المحكوم عليه عوض عن سلبها، إلا أنه أقل جسامة و ذلك لعدم مساسه بالحقوق الشخصية للمحكوم عليه و تأكيد لحماية و ضمان هذه الحقوق ألزم القانون الجهة المختصة بإصدار مقرر الوضع تحت نظام المراقبة الإلكترونية أن يكون بحضور محامي المحكوم عليه سواء كان معينا ، أو يتم إختياره من نقابة المحامين.
-ضوابط متعلقة بالعقوبة محل المراقبة الإلكترونية
نص كل من المشرع الجزائري و الفرنسي على أن تكون العقوبة المحكوم بها على المستفيد من نظام المراقبة الإلكترونية عقوبة سالبة للحرية، و إستبعد عقوبة الغرامة ، أو العمل للمنعة العامة و ذلك لأن الهدف من هذا النظام هو تجنيب المحكوم عليه الأثار السلبية التي تترتب على عقوبة الحبس ، إلا أن المشرع الجزائري إشترط أن تكون مقدار العقوبة المحكوم بها لا تزيد عن 3 سنوات إذا كان المحكوم عليه غير محبوس ، أما إذا كان محبوس فإشترط أن لا تكون العقوبة تتجاوز هذه المدة ، إظافة لإشتراط أن يكون منطوق الحكم الصادر بشأن العقوبة المحكوم بها حكم نهائي.
على خلاف المشرع الفرنسي الذي إشترط أن تكون العقوبة المحكوم بها لاتتجاوز مدتها أو مجموعها ، أو ما تبقى منها مدة سنة ، كما أجاز المشرع تطبيق هذه الألية في حالة كون الشخص حكم عليه بعقوبة سالبة للحرية و شرع في تنفيذها ، و لكن المدة المتبقية منها لا تتجاوز سنة ، غير أنه توسع في ذلك طبقا لنص المادة 132-26-1 قانون العقوبات الفرنسي للإستفادة من نظام المراقبة الإلكترونية و إشترط أن تكون العقوبة المحكوم بها مساوية أو تقل عن سنتين إذا كان المحكوم عليه مبتدئ ، في حين إشترط أن تكون مدة العقوبة لا تقل أو ما تبقى منها عن سنة واحدة إذا كان المحكوم عليه عائد .
- ضوابط تتعلق بالجهة مصدرة قرار الوضع تحت المراقبة الإلكترونية
منح المشرع الجزائري طبقا لنص المادة 150 مكرر 2 من القانون رقم 18-01 لقاضي تطبيق العقوبات سلطة وضع المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية تحت نظام المراقبة الإلكترونية ، إما بناء على طلب المحكوم عليه أو وكيل الجمهورية ، أو بصفة تلقائية بإعتباره المشرف على العقابي
هذا و يتوجب على قاضي تطبيق العقوبات في حالة لجوئه لنظام المراقبة الإلكترونية الحصول مسبقا على موافقة المحكوم عليه بإعتبار أن هذا النظام يمس بالحقوق الشخصية للمحكوم عليه، إظافة لطلب الإيداع المقدم إما من قبل المحكوم عليه شخصيا أو محاميه.
على خلاف المشرع الجزائري ، فالمشرع الفرنسي منح صلاحية إصدار قرار الوضع تحت نظام المراقبة الإلكترونية لقاضي الحكم مهمة ذلك طبقا لنص المادة 132-26-1 قانون العقوبات الفرنسي ، على إعتبار أن المراقبة الإلكترونية حتى و إن كانت ليس عقوبة أصلية ، و إنما بديل لعقوبة و تحل محلها و بما أن قاضي الحكم من إختصاصه النطق بالأحكام فيمكنه الحكم بها تلقائيا طبقا لنص المادة السالفة الذكر، غير أنه منح لقاضي تطبيق العقوبات سلطة الإشراف و متابعة تنفيذ المراقبة الإلكترونية ، و ذلك بإعتباره المختص بتحديد المبادئ الأساسية لتنفيذ العقوبة ، هذا و يكمن لهذا الأخير أن يمارس نوعين من الإشراف يتمثل الأول في الإشراف المباشر و يتمثل في الحصول على شهادة طبية للمحكوم عليه الخاضع للمراقبة الإلكترونية، التأكد من موافقة مالك العقار على إجراء المراقبة في منزله ، إخضاع المستفيد من المراقبة لإلتزامات المقررة قانون
أما الإشراف الغير مباشر فيتمثل في الإشراف الثانوي من خلال مراقبة سير عملية إخضاع المحكوم عليه للمراقبة ، و تركيب الأجهزة و الزيارات، حيث يعتمد نظام المراقبة الإلكترونية في طريقة تنفيذه على مجموعة من الوسائل الفنية ، كتثبيت السوار الالكتروني على معصم يد او اسفل ساق الخاضع للمراقبة ، حيث يقوم هذا السوار بأرسال اشارات لاسلكية كل ثلاثين ثانية في المحيط الجغرافي المحدد للمراقب ، كما يوضع جهاز اخرفي المكان للمراقبة تكون مهمة استقبال اشارات المرسلة من السوار الالكتروني اعادة ارساله عبر خط التيلفون الذي يتصل به الاشارات جهاز مركزي ، و قد تكون اشارات تحذيرية عند محاولة و اتلاف جهاز الاستقبال و اعادة الارسال
و يشرف على هذه العملية جهاز مركزي يتيح عادة المؤسسة العقابية ،حيث يقوم هذا الجهاز باستقبال الاشارات الواردة من اماكن المراقبة ،و يحدد طبيعتها متخذا في ذلك الاجراءات الازمة ، و التي من بينها الاتصال بالخاضعين للمراقبة لتحديرهم من عواقب سلوكهم
ب-النتائج المترتبة على وضع المحكوم عليه تحت نظام المراقبة الإلكترونية
يفترض نظام الوضع تحت المراقبة الالكترونية تنفيد المحكوم عليه للالتزامات المفروضة عليه ما يؤدي لنجاح فترة المراقبة الإلكترونية) ، غير أنه في حالة عدم القيام بذلك يترتب عليه الغاء مقرر الوضع و بالتالي فشل فترة المراقبة الإلكترونية فضلا على فرض جزاءات عليه)
-حالة نجاح فترة المراقبة الإلكترونية
بعد إستنفاد المحكوم عليه الخاضع لنظام المراقبة الإلكترونية للمدة المحكوم بها عليه ، تنتهي المراقبة الإلكترونية على أن لا تقل مدة تنفيذ هذه الأخيرة عن المدة المحكوم به كعقوبة ، إلا أنه تحتسب المدة التي يستفيذ منها المحكوم عليه من إجراءات العفو عن العقوبة الفردية أو العفو الشامل ، و بمجرد إنتهاء مدة المراقبة الإلكترونية بنجاح يتوجب على المحكوم عليه الخاضع لها بإعادة أجهزتها إلى الجهات المعنية بعد التأكد من إنتهائها ، كما تقوم هذه الأخيرة بفك جهاز الإستقبال المركب في مكان الإقامة و إرجاعه إلى مركز المراقبة للإدارة العقابية ، ليتم فحصه و التأكد من سلامته ، و يتم نزع السوار الإلكتروني من جسم المحكوم عليه الخاضع للمراقبة ليغادر المؤسسة بعد ذلك
-حالة فشل فترة المراقبة الإلكترونية
إن إخضاع المحكوم عليه تحت نظام المراقبة الإلكترونية بموجب قرار من قاضي تطبيق العقوبات لا يعتبر قرار نهائي لا رجعة فيه ، و إنما مرتبط بما مدى إمكانية تحقيق الأهداف المرجوة من هذا القرار ، من خلال تنفيذ المحكوم عليه للإلتزامات و التدابير التي أخضع لها ، غير أنه في حالة مخالفة هذا الأخير لهذه الإلتزامات فالمشرع أعطى لقاضي تطبيق العقوبات صلاحية إلغاء مقرر الوضع تحت نظام المراقبة الإلكترونية ، و ذلك في حالات محددة تتمثل في :
-إذا طلب المحكوم عليه بإلغاء هذا القرار ، و ذلك متى تبين له أن هذا الوضع فيه مساس بحياته الشخصية ، أو الأسرية ، أو المهنية.
-كذلك في حالة مخالفة المحكوم عليه لقرار الوضع المتضمن الإلتزامات المفروضة عليه ، أو حكم بعقوبات سالبة للحرية في قضايا أخرى متابع فيها.
-في حالة معارضة المحكوم عليه للتعديلات التي يفرضها عليه قاضي تطبيق العقوبات و يرى أنها ضرورية.
الغاء مقرر الوضع تحت المراقبة الالكترونية بناءا على طلب النائب العام اذا راى ان مقرر الوضع يمس بالامن و النظام العام امام لجنة تكييف العقوبات التي يتعين عليها الفصل في الطلب بمقرر غير قابل للطعن في اجل اقصاه 10 ايام من تاريخ إخطارها.
و ما تجد الإشارة إليه أن قرار قاضي تطبيق العقوبات بوضع المحكوم عليه تحت المراقبة الإلكترونية لا يلغى إلا بعد سماع أقوال المحكوم عليه ، و ذلك بحضور محاميه ، و يصدر قرار الإلغاء بعد إجراء مدولات بحضور النائب العام الذي يبدي طلباته ، و كذلك ملاحظات المحكوم عليه ، و يمكن السماع للمحامي عند الإقتضاء ، غير ان تنفيد القرار يكون بصورة مؤقتة ، و يكون قابل للطعن فيه بالإستئناف خلال مدة 10 أيام في التشريع الفرنسي.
و في حالة صدر قرار إلغاء قرار وضع المحكوم عليه تحت المراقبة الإلكترونية ينفذ هذا الأخير مدة العقوبة المتبقية ، و يتم إحتساب مدة الخضوع للمراقبة.
هذا و نص المشرع الجزائري على توقيع عقوبات جزائية على المحكوم عليه الذي يتملص من المراقبة الإلكترونية سواء عن طريق نزع أو تعطيل ألية المراقبة الإلكترونية إلى العقوبة التي توقع على كل من يرتكب جنحة الهروب.
على غرار المشرع الجزائري فالمشرع الفرنسي هو الأخر إعتبر كل من يقوم بنزع الجهاز أو إتلاف جهاز الإرسال أو الإستقبال مرتكب جريمة الهروب طبقا لنص المادة 434 – 29 قانون العقوبات الفرنسي و التي تتمثل عقوبتها في الحبس لمدة 3 سنوات و غرامة مالية قيمتها 45.000 أورو.
و عليه كان على كل من المشرع الجزائري و الفرنسي عدم فتح باب الطعن أمام المحكوم عليه في قرار الوضع تحت المراقبة الإلكترونية ، و ذلك لأن هذه الأخيرة يتم تطبيقها بعد الحصول المسبق على رضا المحكوم عليه
- خاتمة
خاتمة
القانون الجزائي هو مجموعة قواعد قانونية تحدد لنا مبادئ التجريم و العقاب التي تحكم السلوكات التي تشكل جرائم ، هذا يأخخد القانون الجزائي عدة تسميات منها ما هو منسوب إلى الجناية فسمي بالقانون الجنائي و هناك ما يسميه بالقانون الجزائي، هذا و يتميز بعدة خصائص تتمثل في كونه قانون سيادي ، و أحادي المصدر ، و يتميز كظلك بالتعقيد و الجمود ، هذا تقسم الجرائم على أساس معيار الخطورة إلى جناية ، جنحة ، مخالفة ، أما على أساس معيار الطبيعة فتصنف إلى جرائم ساسية ، و جرائم عسكرية، و إقتصادية
- الإختبار النهائي
- قائمة المراجع
قائمة المراجع
قانون العقوبات الجزائري
-قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
- أحسن بوسقسعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، الطبعة العاشرة ،دار هومة ، الجزائر ، 2011.
سليم صمودي ، المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ، دار الهدى ، الجزائر ، 2006.
عبد الفتاح مصطفى الصيفي ، حق الدولة في الإنقضاء ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 2010.-7
-فواز عبابنة ، وقف تنفيد في القانون الجنائي ،مركز الكتاب الأكاديمي ،دون ذكر بلد النشر / 2016.
-محمد حسني أبو ملحم ، مدخل إلى علم الجريمة ، الطبعة الأولى ، دار البيروني للنشر و التوزيع ، الأردن ، 2015.5
-معتصم تركي الضلاعين ،علم الجريمة ،الطبعة الأولى ، دار الخليج للنشر و التوزيع ، الأردن ، 202
نصيرة تواتي ، محاضرات في القانون الجنائي العام ألقيت على السنة الثانية حقوق ل م د ، السنة الجامعية 2014-2015 ، كلية الحقوق و العلوم السياسية ، جامعة عبد الرحمان ميرة بجاية
- مساحة الممتحنين