اللغة والتجربة الروحية للمتصوف

لا شك أن اللغة مجموعة من الرموز يعبر بها الصوفي عما في نفسه من مكنونات، وهي "تصبح أكثر حساسية كلما تعلقت بشعور جوهري لدى الإنسان"؛ وهذا ما يعبر عنه في التجربة الشعرية الصوفية باللغة الشعرية. وقد حدد الدكتور خناثة بن هاشم تطور انفعالات الصوفية وعلاقتها ببلاغة اللغة الشعرية في ثلاثة مستويات هي:[1]

أ- اللغة ففي طور الحب والحلم والتمني

ب- اللغة في طور الحب والجمع والتجلي.

ج- اللغة بين جدلية الصحو والسكر.

وفي هذا الإطار، فإن علاقة وطيدة تنشأ بين عاطفة الحب وبين اللغة كأداة تواصل، يقيم من خلالها علاقات متبادلة، وهذا ما يؤكده الأستاذ خناثة بن هاشم، بقوله: "والشاعر الصوفي إذ تهيمن عاطفة الحب على مجال الرؤية لديه فإن حساسية اللغة تتكاثف بشكل ملحوظ فيقيم علاقة متبادلة بين مشاعره وبين ما ينتمي إلى لغة الحب وانفعالاته"؛ فاللغة هي ترجمان العواطف في الشعر الصوفي، فهو يوظف معجم متعلق بألفاظ الحب والغزل والخمرة والطبيعة، لا لشيء سوى لتحقيق التوازن بين متطلبات الروح ومتطلبات البدن.

وفي بيان هذا التوازن يقول الأستاذ خناثة بن هاشم عن الشاعر الصوفي: "فهو يستعمل لغة الحب والغزل والخمر والطبيعة، ويحاول بذلك أن يصنع معادلة التوازن بين التطلع للقيم الروحية بين طاقات المتصوف ونزواته الأرضية".

إنها لغة ذوق وأحوال لا لغة عقل وجدال؛ فالحب يذاق ولا يعقل، واللغة عن قول هذا الحب قاصرة، أعني لغة العبارة؛ ذلك أن السر الصوفي ليس معنى ماثلا، أو فكرة ذهنية يمكن أن تحملها وتقولها لغة العبارة، المعنى الصوفي كشف إذا عبر خفي. من هنا يبدو أن اللغة الصوفية الإشارية، بما هي لغة حب وسر، ليست وسيلة تواصل وتبليغ، فهي ليست تدوينا لفكرة، أو وعاء لمعنى، أو جسرا لعبور دلالة؛ لأنها كفت عن أن تكون عبارة، إنها إيماء وتمليح وليست لغة بلاغة وتوضيح، بل ربما كانت لغة للحجب والتغليط والتلبيس والتعمية؛ لغة تمجد الغموض؛ أعني الغموض بما هو استغلاق نابع عن خروج هذه اللغة عن المعايير السائدة والأليفة في القول والتعبير؛ فارتباط الإشارة هنا بالغيب والباطن يجعلها لا مرجعية وغامضة، بهذا المعنى تكون اللغة الصوفية لغة ليلية [2].[3]

اللغة والعلاقة مع المتصوف