Aperçu des sections

  • التعريف بالمقياس:

    عنوان السنة: ليسانس سنة ثانية أدب عربي

    السداسي: الرابع

    اسم الوحدة: الوحدة التعليمية المنهجية

    اسم المقياس: مقاربات نقدية معاصرة 

    نوع المقياس: محاضرة

    الرصيد: 03

    المعامل: 02

    التوقيت: 1:30سا أسبوعيا

    الأستاذة المكلفة بالمقياس: قادري آسيا

    طريقة التقييم: اختبار كتابي للسداسي


    • الأهداف التعليمية:

      يهدف هذا المقياس إلى طرح مقاربات منهجية من حيث مقاربة المفاهيم والمصطلحات النقدية المعاصرة، التي تتيح للطالب التعرف عليها من حيث ابدالاتها المعرفية من اتجاه نقدي لآخر، ومن حيث وتطبيقها بذلك يتمكن  من التعرف على طرق تحليل وقراءة النصوص الإبداعية

      • معلومات الاتصال:

        الأستاذة: قادري آسيا

        قسم اللغة والأدب العربي

        المركز الجامعي عبد الحفيظ بوالصوف ميلة

        رقم الهاتف:0796320271

        البريد الالكتروني: 

        kadri.a@centre-univ-mila.dz

        أيام التواجد في المعهد: الثلاثاء و الأربعاء.


        • البرنامج المفصل للمقياس:

          1أصول النقد

          2 النقد الشكلاني

          3النقد البنيوي

          4 النقد التكويني

          5 النقد النفسي

          6النقد الأنثروبولوجي

          7النقد الأسلوبي

          8 النقد السيميائي

          9 النقد التفكيكي

          10 جماليات التلقي

          11 النقد الموضوعاتي

          12 النقد السوسيولوجي

          13 النقد التداولي

          • المحاضرة الأولى: أصول النقد المعاصر

            أصبح الحديث عن النقد المعاصر من أهم المواضيع التي تلفت انتباه الباحثين في مجال الدراسات الأدبية والنقدية؛ على اعتبار أن الإبداع الأدبي هو موضوع النقد عامة ، حيث يسهم النقد في فهم وتحليل الإبداع الأدبي وتفسيره. فهو يعنى بتناول النصوص الأدبية من زوايا متعددة للكشف عن الأساليب الأدبية والبحث في الدلالات الخفية. والمتتبع لسيرورة تطور المناهج النقدية المعاصرة يجد أن الأخيرة في ردة دائمة ومستمرة تغذيها تراكمات ثقافية، وتيارات فكرية مختلفة أفرزت عدة نظريات ومناهج متنوعة "اتخذت مسارين في توجهها حيث قسمها الباحثون -من خلال تعاملها مع العمل الأدبي- إلى قسمين: مناهج سياقية وأخرى نسقية؛ وقبل التطرق إلى الفروقات بين المسارين يجدر بنا أولا التعرف على بعض المصطلحات المرتبطة بالنقد المعاصر.


            1-  مفهوم النقد الأدبي:

            النقد الأدبي، في أبسط تعريفاته، هو عملية الكشف عن الجمال والقبح في الأعمال الأدبية. يهدف النقد إلى دراسة النصوص الأدبية والفنون وتحليلها، مع مقارنتها بأعمال أخرى للكشف عن مواطن القوة والضعف فيها وتقييم قيمتها الجمالية. ( ينظر  الزهرة سهايلية جامعة حسيبة بن بوعلي شلف)

            النقد هو أيضًا نوع من التذوق والإدراك الدقيق للعمل الأدبي، حيث يُسلط الضوء على الجمال الخفي في النصوص التي قد تكون مخفية عن القارئ العادي، ومن ثم يُقيم النص بناءً على ملاحظات خاصة وفلسفة مبنية على اتجاه فكري معين . لا يعتمد النقد الأدبي على النصوص الأدبية فقط، بل يتكامل مع معارف من مجالات أخرى، مثل علم الاجتماع لفهم السياقات الاجتماعية، والفلسفة لفهم الأفكار والقيم، وعلم النفس لدراسة الشخصيات، وعلم الجمال لفهم التذوق الفني، إلى جانب العلوم الإنسانية الأخرى التي تُساهم في إثراء التحليل النقدي.

            وبمعنى كثر تفصيلا يتأسس النقد الأدبي استنادا إلى مناهجه عبر "عملية وصفية تبدأ من عملية الإبداع مباشرة، وتستهدف قراءة الأثر الأدبي ومقاربته قصد تبيان مواطن الجودة والرداءة. ويسمى الذي يمارس وظيفة مدرسة الإبداع ومحاكمته الناقد، لأنه يكشف ما هو صحيح وأصيل في النص الأدبي، ويميزه عما هو زائف ومصطنع"(جميل حمداوي: مناهج النقد العربي الحديث والمعاصر)

            2مفهوم المنهج:

            المنهج لغة هو الطريقة التي يسلكها المرء بغية الوصول إلى غاية معينة، وهو السبيل الذي يتدرج عبره للوصول إلى الهدف والبغية. أما اصطلاحا فالمنهج يرتبط كما نعلم بالطريقة العلمية- العقلية التي يسلكها الدارس أثناء تحليل ظاهرة أو مجتمع أو نص.

            والمنهج في النقد الأدبي وليد مرحلة الحداثة التي أصرت على التفسير العلمي لكل الظواهر بما فيها الظاهرة الأدبية؛ إنه مجموعة الإجراءات والآليات التي تحاول تفهم النص الأدبي ومكوناته باتباع مجموعة من الخطوات الموضوعية التي تختلف باختلاف المناهج. غير أن هذا لا يعني في النهاية أن المنهج " مجرد وسيلة للبحث عن المعرفة وفحصها، أي مجرد خطة مضبوطة بمقاييس وقواعد، وطرق تساعد على الوصول إلى الحقيقة، وتقديم الدليل عليها. هذه مجرد أدوات إجرائية وهي لا تمثل إلا جانبا واحدا من المنهج، الجانب المرئي من المنهج" (عباس الجراري: خطاب المنهج).

            إن المنهج أبعد من هذا هو "منظومة تبدأ بالوعي والرؤيا المشكلتين لروح المنهج وكنهه اللامرئي" ولهذا تختلف القراءات التطبيقية للنصوص من قارئ إلى آخر حتى وهما يطبقان المنهج نفسه.

            على سبيل المثال، عندما يطبق باحثان نفس المنهج لتحليل نص أدبي، قد يختلف تفسيرهما أو قراءتهما لهذا النص بناءً على خلفياتهما الفكرية، الثقافية، أو حتى الشخصية. هذا الاختلاف في القراءة لا يعني أن أحدهما أخطأ أو لم يتبع المنهج بشكل صحيح، بل يعني أن المنهج يتأثر بشكل كبير بالفرد الذي يطبقه وكيفية رؤيته للمعرفة وطرق الوصول إليها.

            لذلك، المنهج ليس مجرد أداة ثابتة أو طريقة جامدة، بل هو شيء حي ومتغير يتشكل بحسب الأبعاد الداخلية للباحث، مثل رؤيته للعالم وطريقته في التفكير.(فتيحة كحلوش المناهج النسقية).

            3مفهوم الحداثة:

            الحداثة لغويا في المعجم العربي من " الحديث نقيض القديم، والحُدوث: نقيض القُدمة. حدَث الشيءُ حدوثًا وحداثةً وأحدَثَه فهو مُحدثٌ وحديث وكذلك استحداثه" (لسان العرب ابن منظور) و" شاب حَدَثُ السن. والحديث الجديد من الأشياء" (التهذيب الأزهري).؛ والملاحظ من هذا التحديد المعجمي ارتباط الحداثة بالجدة المناقضة للقدم.

            أما اصطلاحا فترتبط الحداثة بحركات القطيعة والمفارقة وابتداع النمط "الخاص" في التفكير والكتابة والعيش. يقول جون بودريار Jean Baudrillard "ليست الحداثة مفهوما سوسيولوجيا أو مفهوما تاريخيا بحصر المعنى، وإنما هي صيغة مميزة للحضارة تعارض صيغة التقليد" وتشمل هذه المعارضة الجانب التقني، والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والفلسفي والأدبي...الخ. وبمعنى آخر يقترن مفهوم الحداثة بفعل الرِدّة (الحداثة ردة متحولة)، والتفلت من السائد والتمرد الدائم على كل ما هو آني؛ لأنها ذلك السؤال المتجدد في كل حين، الذي يرفض الانصياع والخضوع لأي جواب، فهو -دائما- مهاجر لا يكاد يحط الرحال بمكان حتى ينتقل إلى غيره في رحلة دائمة، فهو فلوت يأبى أن يمسك به، لأن في إمساكه قتلا له  وقضاء على حريته، هو الحاضر/ الغائب" عبد الغني بارة إشكالية تأصيل الحداثة ص 15

            الحداثة ترفض الاستقرار في فكرة واحدة أو جواب محدد، فهي دائمًا تسعى نحو التغيير والبحث عن الجديد، مثل مهاجر لا يستقر في مكان واحد، بل يظل في حالة حركة مستمرة. هذا التمرد والتفلت من المألوف يجعل الحداثة غير قابلة لأن تُمسك أو تُحدد بوضوح، لأن محاولة تحديدها أو تقيدها يؤدي إلى قتل روحها وحرية تفكيرها.

            في النهاية، الحداثة هي "الحاضر/ الغائب"، فهي موجودة دائمًا في الوقت الراهن ولكنها دائمًا تسعى إلى الانتقال والتجديد، لا تترك نفسها تنحصر في أي شكل ثابت.

            النقد الحداثي تولد عن مشروع الحداثة الأوربية التي مجّدت العقل؛ وبمعنى آخر أفرزته الحداثة الأوربية عندما ثارت على الأجوبة الإنشائية التي صنعتها السلطة الدينية لفرض مصالحها السياسية، الحداثة جاءت للقضاء على تلك السلطة عندما قرأت المسكوت عنه في هذه السلطة.

            4المقاربة السياقية:

            هي مقاربة يحتل فيها السياق مكانة مهمة، فالسياق هو الذي يحال إليه المتلقي كي يتمكن من إدراك مادة القول؛ ومن هذا المنطلق تصبح  معرفة السياق ضرورية لتذوق النص وتفسيره؛ وبمعنى آخر هي مقاربة تعتمد الإسقاطات السياقية والأحكام التذوقية والملابسات الخارجية في تحديد مقاصد النص ودلالاته" (عبد الله خضر محمد: مناهج النقد الأدبي السياقية والنسقية)

            فتربط المناهج السياقية الأدب دائما بخارجه مكرسة منطق المنفعة الأدبية على حساب مبدأ الجمال؛ لأن النص لا يُعتبر وحدة معزولة عن العالم الخارجي، بل يجب أن يُنقد في سياق متصل بالأحوال النفسية، الظواهر الاجتماعية، والأحداث التاريخية التي تحيط به؛ معنى ذلك أن عملية نقد النص لا تقتصر على التذوق أو التحليل الأدبي البحت، بل تتطلب فهم النص في ضوء العوامل الخارجية التي أثرت في تشكيله منذ لحظة إبداعه وحتى تلقيه من قبل الجمهور. فالنقد هنا يتجاوز النص ذاته ليشمل السياقات التي نشأ فيها، سواء كانت تلك السياقات نفسية (كحالة الكاتب النفسية وأهدافه) ونقصد هنا المنهج النفسي، اجتماعية (كالأيديولوجيات والظروف الاجتماعية التي تؤثر على النص) ونقصد هنا المنهج الاجتماعي، أو تاريخية (كالأحداث الكبرى التي يمكن أن تبرز في النص) ونقصد هنا المنهج التاريخي.

            من خلال هذا المنظور، يصبح النص انعكاسًا للظروف والعوامل الخارجية التي ساعدت في تشكيله، سواء على مستوى اللغة أو الأفكار. فالنقد هنا لا يعزل النص عن مبدعه أو عن البيئة التي نشأ فيها، بل يسعى إلى فهم العلاقة المتشابكة بين النص ومحيطه.

            5المقاربة النسقية (النصانية):

            بعد تراجع سؤال الغاية الأخلاقية، والوظيفة الاجتماعية، أو النفسية للأدب انتعش سؤال القيمة الجمالية المنادي باستقلال الأدب عن مجالات الحياة الأخرى، اكتفاء الأديب بالبحث عما يجعل من كلامه بنية جمالية، وعما يجعل خطابه متمايزا عن الخطابات السياسية، والأخلاقية، والدينية (...) وفي سياق هذا الفصل بين الأدبي من جهة وبين السياسي والاجتماعي والأخلاقي من جهة أخرى نشأت التيارات النقدية التي تهتم بجوهر النص، وجوهر الفن بشكل عام متزامنة حينا، ومتعاقبة حينا آخر، متداخلة في بعض مقولاتها، متباعدة في بعضها الآخر. (فتيحة كحلوش: المناهج النسقية...

             (عندما نقول تيار النقد الجديد لا نقصد  بذلك مصطلح النقد الجديد La nouvelle critique  الفرنسي بزعامة بارت وفوكو الذي ظهر في خمسينيات القرن الماضي بل نقصد فترة زمنية سابقة تعود إلى سنة 1911 ظهرت مدرسة أمريكية تحمل اسم النقد الجديد New criticism وللتمييز بين المدرستين أضاف النقاد أداة التعريف Le للمدرسة الأمريكية. حيث تجاوز رواد هذه المدرسة السؤال التقليدي ماذا يقول الأدب؟ إلى سؤال جديد كيف يقول النص؟ من أبرزمقولاتها: المغالطة القصدية والمغالطة التأثيرية والمقصود هنا التخلص من فكرة قصد المبدع، ونفسية المتلقي).

            ويمكن القول إن بدايات ملامح النقد الحداثي بدأت مع مدرسة النقد الجديد الأمريكية التي شكلت أرضية لانطلاق النقد في عهد جديد.

            تشتغل المقاربة النسقية على النص الأدبي من الداخل، بمعزل عن العوامل الخارجية مثل سيرة الكاتب أو السياق التاريخي أو الاجتماعي. فالهدف منها هو كشف الأبنية النصية الداخلية، أي الأنماط والأنساق التي يشيدها النص وكيفية قيامها بوظائفها داخل النص ذاته. هذه الأنساق تشمل العناصر اللغوية، الأسلوبية، والبنائية التي تشكل بنية النص وتجعله يحمل طابع الأدب.

            باختصار، المقاربة النسقية تهتم بتفسير كيفية عمل النص على المستوى البنائي واللغوي، مؤكدة أن الأدبية لا تأتي من الموضوعات التي يعالجها النص، بل من طريقة تشكيله واستخدامه للعناصر الأدبية داخليًا.

            بعد الحداثة نجد ما بعد الحداثة Post Moderneté (الحداثة البعدية) مرحلة زمنية مغايرة أو بالأحرى مرحلة جديدة وهي في النهاية تجاوز وردة ؛ حداثة مضاعفة تراجع ذاتها؛ ما بعد مرحلة تالية لمرحلة منتهية على مستوى المعرفة.

            الحداثة ردة متحولة عندنا ما بعد الحداثة وبعد ما بعد الحداثة؛ سيرورة نتيجة الارتداد كل حداثة تختلف عن الأخرى وتتمرد عليها فتفرز معرفة ومصطلحات جديدة.

            التفكير الأوربي يقوم على الحلقية؛ الغرب في ردة على ذاته على الدوام كل شيء مرتبط باللايقين، واللامطلق في العلم

            مشروع البنيوية حاولت علمنة الأدب بغلقها للنسق، وقتلها للمؤلف، فاصطدموا بحقيقة، أن الأدب لا يمكن أن يكون علما بل هو فن.

            غياب الحقيقة التي تريد البنيوية إثباتها ومعانقتها؛ فلسفة نيتشه (الشك) هي الخلفية المعرفية لما بعد الحداثة لاتوجد حقيقة بل هناك منظورات للحقيقة.


            • المحاضرة الثانية: النقد الشكلاني

               

                                النقد الشكلاني

              شهد النصف الأول من القرن العشرين أشبه بثورة منهجية على الصعيد الأدبي والنقدي؛ حيث سعى الشكلانيون الروس إلى تأسيس علم أدبي مستقل يعنى بالخصائص الجوهرية للأدب،ويشتغل على بنية النص الأدبي وكيفية تحرك عناصره؛  فأحدثوا بين عامي 1915 و1930تحولًا كبيرًا في نظرية الأدب، حين جعلوا من النص الأدبي نفسه محور دراستهم واهتمامهم النقدي، متجاهلين كل ما يتعلق بحياة المؤلف وبيئته.

              ويمكن القول إن ظهور الشكلانية قد تزامن مع فترة أصبح فيها الأدب يعاني من "أزمة منهجية"، تسببت فيها هيمنة النقد السياقي آنذاك، وهو نوع من النقد الذي يركز على الظروف الاجتماعية والسياسية والنفسية.. للكتّاب، على اعتبار أن الأدب مجرد آداة لتوصيل رسالة معينة.

              كان النقد السوسيولوجي يتأثر بالأيديولوجيات والسياسات السائدة في المجتمع، ويعطي الأولوية لسيرة المؤلف ومواقفه الاجتماعية (مثل انتمائه الطبقي) بدلاً من التركيز على النص الأدبي بحد ذاته. مما أدى إلى إغفال الجوانب الفنية واللغوية المهمة في النصوص الأدبية.

              وكنتيجة لهذه الهيمنة، طغت الواقعية على الأدب بأشكالها المختلفة، وركزت على تصوير الواقع الاجتماعي والسياسي، مع الاهتمام بالطبقات العاملة والمشكلات الاجتماعية.

              لكن الشكلانيين الروس اعترضوا على هذا الاتجاه،  ورأو "أن الفن الصحيح منفصل تماما عن الأفعال والموضوعات التي تتألف منها التجربة العملية في الحياة، فالإبداع الأدبي والفني عالم قائم بذاته وهو ليس مكلفا بتقديم صورة مكررة للحياة بصفتها الأصل (...) فالفن ينبغي أن يكون مستقلا مكتفيا بذاته، إذا أراد أن يكون فنا وأن يقوم بوظيفته النابعة من طبيعته" نبيل راغب موسوعة النظريات الأدبية ص 391. وفي هذا الصدد يقول بوريس إيخنباوم: " إننا في دراستنا لا نتناول القضايا البيوغرافية أو النفسية المتعلقة بالإبداع مؤكدين على أن هذه القضايا التي تبقى جدّ مهمة ومعقدة في الآن نفسه ، يجب أن نبحث عن مكانها في العلوم الأخرى " .

               حاول الشكلانيون  تقديم بديل نقدي يركز على الشكل الفني للأدب، مثل الأساليب اللغوية والتركيب الفني للنصوص، بعيدا عن التأثيرات الأيديولوجية والسياسية.

              وبمعنى أدق دعى الشكلانيون الروس إلى ضرورة تحليل الأدب بشكل مستقل عن الخلفيات الاجتماعية والسياسية، مع التركيز على تقنيات الأدب وشكله الفني، بدلًا من الانشغال بالمضمون الاجتماعي أو الأيديولوجي.

              وعملوا على تأسيس نظرية جمالية تهدف إلى خلق علم أدبي مستقل يستند إلى الخصائص الفنية للنصوص الأدبية. ويقارب النص الأدبي كـ "بنية فنية مغلقة" لا ترتبط بالواقع الخارجي أو سياق إنتاجه.

               فانطلقوا في طروحاتهم من فكرة أن قوام النص الأدبي وجوهره الأساس إنما يكمن في الكلمات وليس في الأفكار ، فليس معنى النص أو مضمونه ولا مؤثراته الخارجية ما يمنح الأدب هويته ، وإنما صياغته وطريقة تركيبه ودور اللغة فيه هو ما يجعل من الأدب أدباً . وهذا هو الذي قادهم إلى المناداة بـ " أدبية الأدب مؤكدين أهمية بروز الشكل ليميزوا الأدب من سائر الأنظمة الاجتماعية والفكرية الأخرى . ومركزين على صفة الأدبية أي مجموع المواصفات التي تتحقق في النص لتجعل منه أدباً ، يقول ياكبسون : " إنّ موضوع العلم الأدبي ليس هو الأدب وإنما الأدبية ) أي ما يجعل من عملٍ ما عملاً أدبياً".

              والجدير بالذكر إن الشكلانية الروسية قد حوربت أمدا طويلا لأنها نشأت في فترة كان فيها الدور الاشتراكي واليساري للأدب متعاظما وصعب جدا تقبل هذا النوع من التمرد الذي يتعارض مع فلسفة البلاد انذاك ففي سنة 1927 (أثار ستالين الشكوك حول أهداف الشكلية الروسية  التي تحمل في طياتها ميولا أرستقراطية وتتنافى مع الواقعية الاشتراكية  وشهد العام نفسه تفكك  جماعة الشكلية الروسية ونهاية نظريتهم في الاتحاد السوفياتي) نبيل راغب ص401،

               والأفكار الشكلانية لم تنتشر وتنجح إلا بعد أن اطلع عليها الأوربيين وبالأخص الفرنسيين وذلك حوالي سنة 1960م فطوروا تصوراتها النظرية والتطبيقية وانطلقوا من مبادئها الفكرية بالضبط في مجال اللسانيات والسيميوطيقا ونظرية الأدب.

              بدأت الشكلانية الروسية مع نشر "فكتور شكلوفسكي" مقاله عن الشعر المستقبلي في عام 1914 بعنوان "انبعاث الكلمة". لكن الانطلاق الفعلي لهذه الحركة كان عبر اجتماعات ونقاشات "حلقة موسكو اللغوية" التي تأسست عام 1915، وكان تركيزها الأساسي على اللسانيات وتوسيع نطاقها لتشمل اللغة الشعرية، وكان رومان جاكبسون أحد أبرز منظريها. هدف الشكلانيين كان تأسيس دراسة أدبية مستقلة تركز على النصوص نفسها، بدلاً من الاهتمام بشخصية المؤلف أو سياقه الاجتماعي، فكانوا يتساءلون ليس عن كيفية دراسة الأدب، بل عن جوهر موضوعه الفعلي.

              وقد مثل هذا الاتجاه نقدي عدد من النقاد والدارسين منهم: ميخائيل باختين ، ورومان ياكبسون ، فلاديمير بروب ، مكاروفسكي ، شكلوفسكي ، بوريس إيخانباوم، يوري تينيانوف... من خلال الالتفاف حول حلقتين أو تجمعين يعود الفضل لهما في إرساء دعائم الشكلانية هما:

              1-حلقة موسكو اللسانية التي تكونت سنة 1915م ، وهي حلقة استقطبت مجموعة من الشباب الذين كانوا يدرسون بجامعة موسكو، من أهم ممثليها رومان ياكبسون الذي أثرى اللسانيات بأبحاثه الصوتية والفنولوجية،  كانت تهدف إلى إنجاز دراسات لسانية وشعرية وعروضية وفولكلورية.

              2- حلقة أبوياز (opoiaz) ) أو ما يدعى "جمعية دراسة اللغة الشعرية "بزعامة كل من "بوريس ايخنباوم" و"يوري تينيانوف" لقد شكّل عمل هؤلاء في النقد والتحليل والأدب والشعر ظاهرة كادت تتحول إلى نظرية دعيت بالنظرية الشائعة ، وكانوا يفضلون أن يسموا حلقتهم بـ " مدرسة المستقبليين " ، ولكن خصومهم هم الذين أطلقوا عليهم تسمية "الشكلانيين "، لاعتقادهم أنهم أولوا جلّ عنايتهم إلى الشكل أكثر من اهتمامهم بالمضمون ، علماً بأن الشكلانيين يرفضون التصوّر الشائع والقائل بأن الشكل مناقض للمضمون.

              تسمية الشكلانية كانت بمثابة انتقاد على اعتبار أنهم يهمتمون بالشكل على حساب المضمون

              والمطلع على ما قدمته الحلقتان يلمح اهتمامهما بالتمييز بين اللغة الشعرية واللغة اليومية، حيث قدم جاكبسون الفرق بين اللغتين الشعرية واليومية "وصاغ الفرق بينهما على النحو التالي : إن الظواهر اللسانية ينبغي أن تصنف من وجهة نظر الهدف الذي تتوخاه الذات المتكلمة في كل حالة على حدة. فإذا كانت الذات تستعمل تلك الظواهر لهدف عملي صرف ، أي للتوصيل فإن المسألة تكون متعلقة بنظام اللغة اليومية (بنظام الفكر الشفوي)؛ حيث لا يكون للمكونات اللسانية (الأصوات، عناصر الصرف)؛ أي قيمة مستقلة، ولا تكون هذه المكونات سوى أداة توصيل " 1 ، وهو ما يجعل مفهوم اللغة الشعرية واليومية مختلفا نسبة إلى اختلاف استعمالهما؛ خاصة أن اللغة اليومية ما هي إلا نظام كلامي غير مؤسس على فكر معرفي دقيق ومنتقى؛ بل هو بناء لغوي لا قيمة له اعتاد المتكلم على استعماله بشكل عفوي بهدف توصيل معلومة أو فكرة معينة. (مطبوعة أحلام العلمي).

              ش/ جاكبسون يوضح الفرق بين اللغة الشعرية واللغة اليومية من خلال الهدف الذي تسعى الذات المتكلمة لتحقيقه في كل حالة. الفكرة الأساسية هي أن اللغة لا تُستخدم بنفس الطريقة في كل الحالات، بل وفقًا للغرض الذي تهدف إليه.

              1.   اللغة اليومية: تُستخدم لأغراض عملية وتوصيلية بحتة. في هذه الحالة، يُعتبر أن مكونات اللغة مثل الأصوات والعناصر الصرفية ليس لها قيمة مستقلة، بل هي مجرد أدوات لتمرير الأفكار والمعلومات بين المتكلمين بشكل عفوي. إنها تركز على الفائدة العملية فقط ولا تعتمد على أي بنية فكرية معقدة أو اختيار دقيق للكلمات.

              2.   اللغة الشعرية: على النقيض، ترتبط بالجانب الجمالي والفني للغة. هنا، تكون مكونات اللغة (الأصوات، التراكيب، المعاني) محملة بقيمة جمالية وفكرية. الهدف ليس فقط التواصل، بل أيضًا استثارة الإحساس والتأمل، مما يخلق لغة غنية وذات دلالة تتجاوز التواصل العادي.

              بالتالي، الفرق بين اللغتين يكمن في أن اللغة اليومية تتعلق بالأمور العملية والوظيفية بينما اللغة الشعرية تتسم بالتركيز على الجمال والمعنى العميق.

              ولعل اهم مبدأين في اللغة الشعرية سعى الشكلانيون الروس الى تحقيقهما :

              1- المبدأ القائل بأنّ موضوع الأدب هو الأدبية كما عند منظرهم ياكبسون أي التركيز على الخصائص الجوهرية لكل جنس أدبي على حدة.

              والمقصود هنا العناية بما يميز النص الأدبي على باقي النصوص الأخرى أو ما يسمى بالوظيفة الجمالية أو الشعرية عند رومان جاكبسونذ، فكل جنس أدبي له وظيفته الخاصة حيث تمتاز القصة بالوظيفة القصصية، والرواية بالوظيفة الروائية والمسرح بالتمسرح ، مع باقي الأجناس الأدبية الأخرى ...وترتكز الوظيفة الجمالية على إسقاط المحور الاستبدالي على المحور الأفقي ، ونعني بالمحور الاستبدالي المعنى أو الترادف أو الدلالة ، في حين يقصد بالمحور الأفقي علاقات المجاورة أو علاقات التركيب النحوي، ويعني هذا كله أن الوظيفة الجمالية تتضمن الدلالة والنحو معا .

              2- شكلنة المضمون (دراسة الشكل قصد فهم المضمون):  ويعني ذلك رفض ثنائية الشكل والمضمون وتمييز الخطاب الأدبي بأنه خطاب يختلف عن غيره من الخطابات ببروز شكله ، وليس معنى ذلك أنهم يهملون المضمون ، بل على العكس من ذلك يرون أن المضمون لا يتحقق إلا من خلال شكل فني ، وأنّ الشعر هو الفكر بواسطة الصور . بل يذهب بعضهم إلى أن الصورة الفنية تشكل وحدة الفن وجوهر المضمون والشكل، وأنّ المضمون هو الذي يحدّد الشكل ويتجلى من خلال الشكل.

               وبمعنى آخر، المضمون لا يتحقق ولا يُفهم إلا من خلال الشكل الفني المستخدم. في الشعر مثلًا، الأفكار لا تُعبّر عن نفسها بطريقة مجردة، بل تتجسد من خلال الصور الفنية. وتُعتبر الصورة هنا وحدة مركزية تُجمع بين المضمون والشكل، فهي التي تعكس الفكرة وتُعبّر عنها بشكل فني، ما يجعل المضمون في جوهره غير قابل للفصل عن الشكل الذي يعبر عنه.

               أهم مقولات الشكلانية الروسية:

              1-التغريب:

              أو كسر الألفة وهو ما يقصد به تقديم ما لم يألفه القارئ ليشكل الجديد بالنسبة له، والمختلف الذي يؤسس مفهوما مغايرا للنص عكس ما اعتاد عليه من خلال التقنيات اللغوية أو عبر تغيير طريقة سرد وتقديم الاحداث.

              مراد الفن هو تغيير طريقة التلقي لدى البشر بمعنى تقديم صيغ عسيرة غير واضحة وغير معتادة، قد يكون الرمز أحد هذه التقنيات لما يحدثه في المتلقي من غرابة ودهشة وإثارة.

              ويعتقد شكلوفيسكي أن ما يمنح الفن معناه هو قدرته على أن يسقط الألفة عن الأشياء ويقوم بتغريبها ليرينا إياها بطريقة جديدة وغير متوقعة . وإن هدف الفن هو نقل الإحساس بالأشياء ليس كما نعرفها ، وإنما كما ندركها ، فعملية الإدراك هي غاية جمالية بحد ذاتها ، ولابد من إطالة أمدها . وقد قام شكلوفسكي بتطبيق مفهومه عن التغريب في دراسته لرواية لورنس شتيرين الموسومة بـ " ترسترام شاندي " ، وتناول الطرائق التي يتم بها تغريب الأحداث المألوفة باستخدام تقنيات الإبطاء والإطالة والقطع . وهي تقنيات تقوم بإرجاء الأحداث وتطويلها وتدفعنا لأن نوليها انتباهاً عالياً فنكف عن إدراك المشاهد والحركات المألوفة إدراكا آليا ، وبذلك نسقط عنها الألفة.

              2- القص

              يميز الشكلانيون بين " الحبكة " و " الحكاية " حيث يؤكدون أن (الحبكة) هي التي تنفرد وحدها بالخاصية الأدبية أما القصة أو " الحكاية " فهي مجرد مادّة خام تنتظر يد الكاتب البارع الذي ينظمها .

              وتكشف لنا دراسة شكلوفسكي عن رواية (ترسترام شاندي ( أن الحبكة فيها ليست مجرد ترتيب لأحداث القصة ، بل هي أيضاً كل " الوسائل " المستخدمة

              للتدخل في مجرى القص وإبطائه ، فالاستطرادات والحيل الطباعية وإحلال أجزاء من الكتاب محل غيرها ( التقديم الإهداء ، الخ ) والأوصاف المسهبة - كلها وسائل تركز انتباهنا على شكل الرواية .

              3-التحفيز:

              وهو مفهوم وضعه الشكلانيون من أجل إمكانية الاقتراب من البناء الفني للقصة او الرواية ليقودوا القارئ لمختلف الانساق التي فرضها النص الادبي والمساهمة في بناء الرواية خاصة ((العناصر التي تشكل مادته: المتن الحكائي، اختيار الدافع، الشخصيات،....الهخ)) ،

              وتنقسم الحوافز الى حوافز مشتركة وحوافز حرة، ولكن بالمقابل قدم توما تشفسكي  تفسيرا لهما على انهما المتن الحكائي والمبنى الحكائي ((وبعبارة أخرى: إن المتن الحكائي هو المتعلق بالقصة كما يفترض أنها جرت في الواقع، والمبنى الحكائي هو القصة نفسها،  ولكن بالطريقة التي تعرض علينا على المستوى الفني. ذلك أن القاص أو الروائي ليس من الضروري أن يتقيد بالترتيب الزمني والحدثي للقصة كما جرت في الواقع ... فهو يعمد الى التقديم والتاخير والتلاعب بالمشاهد وهذلا ما يسمى بالمبنى الحكائي))

              لتكون الحوافز المشتركة تلك الحوافز التي يستقيم بها المعنى داخل النص، أي تلك الحوافز الأساسية التي في حالة ما سقطت من النص يختل معناها، في حين تمثل الحوافز الحرة تلك الحوافز التي لا يختل معناها أو معنى النص من خلالها حتى في حالة سقوط بعضها.

              4-العنصر المهيمن: حسب ياكبسون هو العنصر الذي يحتل البؤرة من العمل الفني، فهو الذي يحكم غيره من العناصر والمكونات ويحدّدها ويحوّرها " فالعنصر المهيمن هو الذي يمنح العمل بؤرة تبلوره ، وييسر وحدته أو نظامه الكلي

               ويقصد بهذا المفهوم ذلك العنصر البؤري للأثر الأدبي: إنها تحكم، وتحدد وتغير العناصر الأخرى، كما أنها تتضمن تلاحم البنية.”[4]، ومعنى هذا أن العنصر المسيطر يتحكم في المكونات الأخرى، ويبت فيها، ويغيرها، كما أنه يضطلع بدور ضمان كمال النظام والبنية، فالقيمة المهيمنة هي التي تحدد العمل الأدبي (الجنس الأدبي)  مهما كان شكله وتكسبه خاصية النوعية.

              إن العمل الفني يتشكل من مجموعة من العناصر تحكم بناءه لتعطيه ماهيته وخصائصه النوعية، وضمن هذه العناصر هناك عنصر لساني نوعي يسيطر على البنية الكلية للأثر الأدبي؛ إنه يعمل بوصفه مقوما إجباريا وغير قابل للتحويل يتحكم بالعناصر الباقية جميعا ممارِسا بصورة مباشرة تأثيره فيها[5]. وبالتالي يصبح هو الموجه الأول لحركة النص الداخلية والمحدد الأساس لمعالمه.

               

               





              • المحاضرة الثالثة: النقد البنيوي

                                 النقد البنيوي

                المنهج البنيوي منهج حداثي يمثل أقصى ما وصل إليه العقل من إيمان بسلطة العلم ،حيث كان هدف الحداثة الأوروبية دائما زرع بذور العلمية في كل شيء ، و دراسة كل الظواهر دراسة علمية موضوعية بغرض تجاوز التفسيرات الغيبية التي آلت بالإنسان في أغلب مراحل تاريخه إلى الانحطاط.

                تعد البنيوية من المناهج النقدية والفكرية التي ظهرت في القرن العشرين وتنوعت تنوعا مختلفا سواء على مستوى أشكالها أو على مستوى مجالاتها حتى أضحى من الصعب تمييزها، وفي هذا السياق يقول جان بياجيه <<إنه من الصعب إيجاد ميزة للبنيوية، ذلك أنها ارتدت أشكالا كثيرة ومتنوعة > > وقد عرض في كتابه البنيوية عددا من البنيويات مثل: البنيوية النفسية واللغوية وغيرهما كثيرة... (أم البواقي)

                والبنيوية بمفهومها الواسع هي " القيام بدراسة ظواهر مختلفة كالمجتمعات و والعقول واللغات و الأساطير بوصف كل منها نظاما تاما ، أو كلا مترابطا ، أي بوصفها بنى ، فتتم دراستها من حيث أنساق ترابطها الداخلية لا من حيث هي مجموعات من الوحدات أو العناصر المنعزلة و لا من حيث تعاقبها التاريخي"  (مناهج النسقية كحلوش)

                وبمعنى آخر تسعى البنيوية ربط العناصر داخل نظام واحد ودراسة العلاقة بينها من أجل بناء نظام كلي متكامل ومتناسق، وهي من هذا المنطلق " محاولة منهجية للكشف عن الأبنية العقلية الكلية العميقة>> تهدف إلى القبض على البنى الكلية وطريقة ترابطها وتفاعلها فيما بينها. (أم البواقي حمزة بوساحية)

                ظهرت البنيوية كمنهج ومذهب فكري على أنّها ردة فعل على الوضع الذي ساد العالم الغربي في بداية القرن العشرين (20م). وهو وضع تغذى من ما كان سائدا آنذاك وانعكس على تشظي المعرفة وتفرعها إلى تخصصات دقيقة متعددة ثم عزلها عن بعضها عن بعض، لذلك ظهرت الأصوات التي تنادي بالنظام الكلي المتكامل والمتناسق الذي يوحد ويربط العلوم بعضها ببعض>> لذلك ارتبط ظهور هذا المنهج بالبحث عن الشمولية والكلية بعد تشظي المعارف إلى قضايا دقيقة، وهو ما سعت البنيوية للم شمله. (أم البواقي)

                ويمكن القول إن البنيوية على الصعيدين الأدبي والنقدي قد أحدثت ثورة فكرية ومنهجية خالفت المعتقدات السابقة، وسلطت الضوء على النص في حد ذاته (دواخل النص الأدبي) بعدما كانت أولوية الاهتمام منصبة على السياقات الخارجية.

                ·      روافدها: (الخلفيات المعرفية)

                نهضت البنيوية بوصفها منهج بحث على تطبيق النموذج اللغوي على المادة قيد الدراسة وعمقت أفكار القطيعة مع المؤثرات الخارجية تلك التي أقصتها الشكلانية الروسية واللسانيات السوسيرية ليظهر جليا اتكاء البنيوية كمنهج نقدي على تلك الأفكار والمبادئ اللسانية والشكلانية لترسم لنفسها آليات مستقلة تستثمرها في مقاربة النص داخليا، وعليه وجب التعرف أولا على تلك الاتجاهات النقدية واللسانية السابقة عن ظهور البنيوية والتي شكلت الخلفيات المعرفية لها. (أم البواقي)

                1- الدراسات اللسانية:

                 تعد الأبحاث اللسانية التي قدمها فرديناند دي سوسير في النصف الأول من القرن العشرين من أهم الدراسات التي أسهمت في تأسيس وتبلور البنيوية. حيث كان سوسير من أوائل من دعوا إلى دراسة اللغة في جوهرها وهدفها، من خلال منهج وصفّي يعنى بنظامها وقوانينها، متجنبًا الانشغال بجوانبها التاريخية أو التطورية عبر الزمن. انطلاقا من أن التحليلات التي تعتمد على البُعد الزمني والتاريخي تؤدي إلى نتائج غير دقيقة

                وعلى غرار الأبحاث اللسانية والتحليلات السوسيرية، تبنت البنيوية المنهج الوصفي السكوني للغة متجنبة جميع التفسيرات الخارجية، خاصة التاريخية. لذلك يمكن اعتبار علم اللسانيات الأساس الذي انطلقت منه البنيوية، حيث استمدت منها العديد من خصائصها. فنظرت البنيوية إلى النص ككيان لغوي مغلق على نفسه، تحدده العلاقات الداخلية المنتظمة في بنيته الكبرى، متجاهلة أي تأثيرات خارجية.

                2- الشكلانية الروسية:

                سبق وتطرقنا إلى الشكلانية الروسية في الحصة السابقة لا داعي لأن نكرر الكتابة كنا قد عرفنا أن الشكلانيين الروس قد عمدوا إلى تأسيس علم أدبي أو منهج يخالف ما سبقه من المناهج و يهتم بالنص في حد ذاته فأسست بذلك ووضعت مرتكزات استندت عليها البنيوية فيما بعد.

                 في هذا السياق، ترى البنيوية أن النص هو "بنية" مغلقة على نفسها، لا يمكن تفسيرها إلا من خلال التحليل الداخلي للعلاقات بين الكلمات والرموز المكونة لها.

                مقولات ومبادئ البنيوية:

                -        موت المؤلف :

                إن فكرة موت المؤلف ترتد إلى جذور فلسفية غربية وذلك حين أعلن نيتشه موت الإله لتلاقي هذه الفكرة ترحيبا كبيرا في مجال الدراسات الأدبية والنقدية والفكرية التي عدتها تعبيرا عن اللحظة التاريخية في أوروبا آنذاك. فقد أعلن الأدباء موت الشخصية في المجال الأدبي وموت المؤلف في المجال النقدي.

                    أول مقولة تجسد فكرة "موت المؤلف" هي مقولة الناقد الفرنسي رولان بارت، الذي أعلن أن "الكتابة قضاء على كل صوت، وعلى كل أصل. الكتابة هي هذا الحياد، هذا التأليف واللف الذي تتيه فيه ذاتيتنا الفاعلة. إنها السواد - البياض الذي تضيع فيه كل هوية، ابتداءً من هوية الجسد الذي يكتب">>. من خلال هذه المقولة، يطرح بارت فكرة أن الكتابة تتسبب في "موت المؤلف"، إذ أن المؤلف يموت حرفًا حرفًا وكلمةً كلمة، إلى أن تنتهي عملية الكتابة فتختفي تلك الذات الفاعلة. وبالتالي، لا يبقى من المؤلف شيء سوى النص ذاته الذي يمثل نسقًا مغلقًا قائمًا على علاقات لغوية وتنظيم داخلي بعيدًا عن أي تأثير شخصي أو تاريخي للمؤلف.

                -        مقولة الآنية:

                ورفض التاريخ عرف الدرس اللساني مقولتي "الآنية" (التزامنية) و"التاريخية" (التعاقبية)، حيث تعني الأولى دراسة اللغة في لحظتها الراهنة دون الاهتمام بتطورها الزمني، بينما تشير الثانية إلى دراسة تطور اللغة عبر الزمن وكيفية تغيرها؛  فأعطت الدرس اللسانيات الأولوية لمقولة الآنية على حساب المقولة التاريخية، على اعتبار أن الدراسة اللحظية للغة أكثر نجاعة وفائدة لفهم بنيتها الأساسية وعلاقاتها الداخلية.

                من هذا المنطلق، كان للدرس اللساني تأثير كبير على البنيوية التي تبنت هذا المبدأ، واعتبرت القطيعة مع السياق الخارجي جزءًا أساسيًا من منهجها.

                -        الأدب بنية مستقلة بذاتها:

                ركز النقد البنيوي على الجوهر الداخلي للنص الأدبي وأكد على ضرورة التعامل مع النص دون افترتضات مسبقة مثل علاقته بالمجتمع أو بالحقائق الفكرية او بالأديب وأحواله النفسية والاجتماعية.

                -        البنية في النقد البنيوي هي التي تجعل من الأدب أدبا:

                يعتبر البحث عن بنية النص من أهم أهداف النقد البنيوي.

                ·      مفهوم البنية وخصائصها:

                يتحدد معنى البنية على التصور الوظيفي للبنية ، بوصفها عنصرا جزئيا مندمجا في جزء أعم ، فهي "نسق "من العلاقات الباطنة ...له قوانينه الخاصة المحايثة  من حيث هو نسق يتصف بالوحدة الداخلية والانتظام الذاتي ، على نحو يفضي فيه أي تغيير في العلاقات إلى تغير النسق نفسه، وعلى نحو ينطوي معه المجموع الكلي للعلاقات على دلالة يغدو معها النسق دالا على معنى ، يعرفها جان بياجي بقوله :" أن البنية هي نسق من التحولات له قوانينه الخاصة باعتباره نسقا في مقابل الخصائص المميزة للعناصر، علما بأن من شأن هذا النسق أن يظل قائما ويزداد ثراء بفضل الدور الذي تقوم به تلك التحولات نفسها، دون أن يكون من شأن هذه التحولات أن تخرج عن حدود ذلك النسق أو أن تهيب بأية عناصر أخرى تكون خارجة عنه"، (مريم بغيبغ).

                 ومن هذا المنطلق يمكن عد النسق نظاما تخضع له العناصر الداخلية الخاضعة للتحولات دون الخضوع للتحولات الخارجية وهذا عبر ثلاث قوانين تمثل خصائص البنية وهي:

                -        الكلية: ويعنى بها الشمولية، أي أن النص لا يحتاج إضافة من الخارج وهذا لتوافر على الكمال الذاتي بداخله

                -        التحولات: وهي تلك التغيرات الباطنية الحاصلة في كل بنية وهذا بغية آداء وظيفتها.

                -        التنظيم الذاتي: وهو ذلك النظام الذي يضمن أن تكون العناصر المقترنة في نظام داخلي؛ أي ارتباط الفردية بالكل، كل جزء او بنية مرتبطة بالآخر بمعنى أنه لا يمكن للجزئية الاشتغال بمعزل عن الجزئيات الأخرى. (أحلام العلمي)

                ·      الإجراءات النقدية للتحليل البنيوي (مستويات التحليل):

                يعتبر المنهج البنيوي النص جملة ضخمة و ينظر إليه من مستويات عدة يمكن اختصارها كالآتي :

                -        المستوى الصوتي : يهتم الناقد في هذا المستوى بدراسة الحروف و طبيعتها الموسيقية و دورها في الإيقاع و التنغيم.

                -        المستوى الصرفي : يدرس الناقد في هذا المستوى الوحدات الصرفية و وظيفتها في التكوين اللغوي و الأدبي بشكل خاص للنص.

                -        المستوى المعجمي : و تدرس فيه الكلمات و حقولها و تأثيراتها الجمالية على البنية الكلية

                -        المستوى النحوي : تدرس فيه الجمل و كيفيات تركيبها وخصائصها الجمالية .

                -         مستوى القول : تحلل فيه تراكيب الجمل الكبرى و يتعرف إلى خصائصها الأساسية و الثانوية. (الجمل التي تؤسس فيما ينها الوحدات الدلالية الأساسية قد تكون مجموع رعة من الصور في الشعر قد تكون مجموعة من الأفعال في السرد)

                      - المستوى الدلالي : و ينشغل الناقد عبره بدراسة المعاني و الصور التي تتجاوز حدود اللغة لترتبط بعلوم النفس والاجتماع و تمارس دورا هاما في الشعر خاصة.

                   -   المستوى الرمزي : في هذا المستوى تتحول المستويات السابقة كلها دالا سينتج بتضافر عناصره المدلول الأدبي أو المعنى الثاني.(4) ولعل هذه المستويات المتعلقة بالجانب الدلالي تتصل بالاتجاهات البنيوية الأكثر انفتاحا من البنيوية اللسانية ، و نعني بها البنيوية التكوينية و البنيوية النفسية... إلخ. (فتيحة كحلوش).

                 

                 


                • المحاضرة الرابعة: النقد السيميائي

                              النقد السيميائي

                  تعد المقاربة السيميائية منعرجا هاما في تاريخ النظرية النقدية، وقد أولى النقاد والباحثون اهتمامهم بالدراسات السيميائية على الصعيدين النظري والتطبيقي، فأسهم ذلك الاهتمام في تطورها واتساع آفاقها. وظهرت لها اتجاهات كثيرة يصعب حصرها في زاوية معينة؛ اتجاهات أسست لها طبيعة السيمياء المتشعبة، التي لا تتوقف عند حدود الدراسات الأدبية فحسب بل تخترق عديد المجالات العلمية والثقافية.

                  يستمد التيار السيميائي أصوله ومرجعياته من خلال تقاطعه مع شتى الحقول المعرفية كالأدب، الطب، الفلسفة، الأنثروبولوجيا، السوسيولوجيا، التحليل النفسي، اللغويات، الاتصال البصري وغيرها من الميادين العلمية والفنية؛ لذلك يميل كثير من النقاد إلى عدّه "محاولة جادة لربط المعرفة الإنسانية بعد أن أدى الإفراط في التخصص إلى عزل حقولها الواحد عن الآخر"

                  ولقد كان التعدد والاختلاف سببا في ازدهار السيمياء منذ نشأتها وبروزها كعلم يدرس العلامات، ويعالج الظواهر الفكرية والإنسانية من خلال التعامل مع أبعاد المعاني، والتعاطي مع الدلالات المتعددة القابلة للتفسير والتأويل؛ فالعلامات تعبر عن مختلف السلوكيات والأنشطة الحياتية " ذلك لأنه من منظور افتراضي كل ما يقدمه لنا الواقع قابل لأن ينظر إليه بوصفه علامة، سواء تعلق الأمر بشيء واقعي أم بأمر مجرد"

                  وبمعنى آخر تخترق العلامة كل مناحي الحياة فكل ما يحيط بنا يمكن عدّه علامة شرط أن يحيل إلى شيء آخر؛ والعلامة بذلك تمثل كل الظواهر والأفعال الصادرة عن الكائنات الحية إضافة إلى الأشياء الجامدة.

                  مفهوم العلامة:

                  رغم اختلاف الباحثين في تحديد مفهوم العلامة ومكوناتها إلا أنها "ظلت راسخة كشيء مادي يظهر أو يدل على شيء آخر ذهني، وهي مرتبطة بقصد إنساني للاتصال، وتتكون من نسيج مركب من المعاني والدلالات والتصورات التي يمكن رصد أنظمتها وقواعدها لتحليلها وتفسيرها" ويشترط أثناء عملية الاتصال الاتفاق بين باث العلامة ومستقبلها على القواعد والشفرات، بحيث يكون الطرفان ملمين بالسياق الثقافي والنظام اللغوي/ غير اللغوي الذي تستند إليه العلامة.                                 

                  وقد أشار الباحث الإيطالي أمبرتو ايكو (Eco Umberto) إلى ذلك بقوله إن "المجتمع رهين في وجوده بوجود تجارة للعلامة، فالمجتمع لا يمكن أن تقوم له قائمة إذا لم يخلق سننه وشفراته الخاصة التي يعتمدها الأفراد المنتمون إليه للتواصل فيما بينهم وهي التي تسمح لهم بتبادل الدلالات واستهلاكها" فلا يمكن الاستغناء عن تلك السنن والشفرات؛ لأنها السبيل الوحيد لفهم العلامة، والنسق الذي يعبر عنها، وبالتالي هي الأسس التي ينبني عليها المجتمع. وتتحول العلامة -حسب ايكو- إلى "شيفرة عندما تتجاور مع علامات أخرى داخل النص، لكن البنية التأويلية للشيفرة لا تنتهي بتأويلها؛ لأنها تتحول إلى علامة مفسرة تتجاور مع علامة مجاورة أخرى، وتتحول بذلك العلامة إلى تأويلات لا نهائية" تمنحها امتياز التجدد والدينامية.                             

                  لا تقتصر العلامة على الجانب اللغوي فحسب، بل تمثل أيضا الجانب غير اللغوي لذلك يمكن الحديث عن نوعين من العلامات:

                  1-  العلامات اللغوية: تتمثل في النصوص اللغوية كالأدب بمختلف أجناسه؛ رواية،

                  قصة شعر، مسرحية .... الخ.

                  2-  العلامات غير اللغوية: تندرج ضمنها النصوص البصرية والفنون الحركية، الرسوم، الأزياء الأطعمة، إشارات المرور..... إلخ. 

                  النشأة والتطور:

                  يؤرخ لمرحلة ظهور ونشأة علم العلامات بإرجاعها إلى النصف الثاني من القرن العشرين؛ حيث شهدت تلك الفترة علما يبحث "في أنظمة العلامة أيا كان مصدرها لغويا كان أو سننيا أو مؤشريا". وقد بشر به كل من عالم اللغة الفرنسي فردينان دي سوسير F.de) soussure) (1913- 1957)، والفيلسوف الأمريكي شارل سندرس بيرس (C.S peirce)   (1914-1839) في مرحلة زمنية متقاربة نسبيا. فعدّ عملهما "الإطار المرجعي الأساسي لعلم العلامات".

                  تزعّم كل من دي سوسير وبيرس مدرستين مختلفتين في المنطلقات والأسس:

                  1-           المدرسة الفرنسية:

                  التي تتبنى مصطلح السيميولوجيا Sémiologie بزعامة سوسير، الذي أعلن عن هذا العلم في كتابه "محاضرات في الألسنية العامة Cours de Linguistique Générale" قائلا: "يمكننا تصور علم يدرس حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية، وهو يشكل جانبا من علم النفس الاجتماعي، وبالتالي من علم النفس العام، اننا ندعوه بالأعراضية Sémiologie (...) وما اللسانيات إلا جزء من هذا العلم العام ". وقد جعل سوسير

                  العلامة ذات "كيان ثنائي يتكون من وجهين" هما:

                  -                الدال Signifiant

                  -                المدلول Signifié

                  حسب رأي سوسير لا يمكن تصور علامة دون هذين الطرفين، لأن مثل العلامة "مثل الورقة التي لا يمكن قطع إحدى صفحتيها دون قطع الأخرى". وقد حصر -عالم اللغة- اهتمامه على العلامة اللغوية فقط، حيث رأى بأن اللسانيات جزء من علم العلامات.

                  وهي رؤية قلبها الباحث الفرنسي رولان بارتBarthes   R.؛ حين قال بأنه "يجب منذ الآن تقبل إمكانية قلب الاقتراح الصوسيري: ليست اللسنيات جزءا، ولو مفضلا، من علم الأدلة العام، ولكن الجزء هو علم الأدلة، باعتباره، فرعا من اللسنيات: وبالضبط ذلك القسم الذي سيتحمل على عاتقه كبريات الوحدات الخطابية الدالة؛ وبهذه الكيفية تبرز وحدة البحوث الجارية اليوم في علم الإناسة، والاجتماع، والتحليل النفسي، والأسلوبية، حول مفهوم الدلالة". حيث يوضح المقطع رؤية بارت التي تنفي إمكانية التعبير عن العلامات غير اللغوية خارج إطار اللغة.

                  ورغم أنه يمكننا النظر من الوجهة المنطقية "إلى اللسانيات بوصفها جزءا من علم العلامات العام، فالعلامة اللغوية ليست سوى جزء بسيط من مجموع العلامات المختلفة والمتنوعة التي تقترب منها السيميولوجيا، فثمة أنماط أخرى من العلامات التي تكون أنظمة من التواصل مثل: العلامات الشمّية والعلامات اللمسية والذوقية والإشارية أو الإيمائية وكذلك العلامات الإيقونية، والعلامات السمعية والسمعية-البصرية (التلفزيون= حضارة الصورة)، غير أن هذه العلامات تلوذ بالصمت ما لم تغذها العلامة اللغوية بالكلام. فالعلامة الأيقونية لا تتحقق من مستوى الإمكان إلى مستوى الفعل إلا عبر اللغة".

                  ويمكن القول إن القلب الذي مارسه بارت على الطرح السوسيري لا يعني أبدا خروجه عن اللسانيات البنيوية؛ لأن الأخيرة كانت مصدرا أساسيا تغذت عليه أبحاثه السيميائية.

                   

                  2-          المدرسة الأمريكية:

                   تتبنى المدرسة الأمريكية مصطلح السيميوطيقا Sémiotics بزعامة بيرس الذي كانت نظرته أوسع مجالا، فرأى بـأن المنطق بمفهومه العام ليس " إلا اسما آخر للسيميوطيقا". وقد جعل الفيلسوف الأمريكي نظام العلامة ثلاثيا مكونا من ثلاثة أركان:

                  1-           العلامة بحد ذاتها/ المصورة Representamen.

                  2-           الموضوع Objet .

                  3-           التعبير/ المفسرة Interprétant.

                  فالعلامة –حسب رأيه- "شيء ما يحل محل شيء ما بالنسبة لشخص ما من زاوية ما، أي أنها تخلق في ذهن هذا الشخص علامة معادلة أو علامة أكثر تطورا". كما حدد ثلاثة أنواع لها (العلامة):

                  1-           العلامة الأيقونية Icon: تقوم على مبدأ المشابهة.

                  2-           العلامة المؤشرية Index: تقوم على مبدأ السببية.

                  3-           العلامة الرمزية Symbole: تقوم على مبدأ "المجاورة المتواضع عليها" (العرفية

                  غير المعللة).

                  لم يقف بيرس عند حدود العلامة اللغوية بل تجاوزها إلى العلامة غير اللغوية، وبذلك كانت نظرته

                  للعلامة أكثر شمولية؛ حيث وسع مجالها لتشمل "كافة مناحي الحياة".

                  وقبل طي صفحات نشأة السيمياء وتطورها، تجدر الإشارة إلى أن كلا المصطلحين الفرنسي Sémiologie ، والأمريكي Semiotics "مهما كان بينهما من اختلافات دلالية" قد استخدما كمترادفين يحملان المعنى نفسه، ورغم اتحادهما في مصطلح واحد (Sémiotique) الذي استقرت عليه الجمعية الدولية السيميائية المنعقدة في فرنسا سنة 1969، إلا أن بعض الباحثين استمر في استخدام المصطلحين على اعتبار ترادفهما في المعنى؛ حيث تهتم السيميولوجيا بالمجال النظري، والسيميوطيقا بالجانب التطبيقي.  

                  أهم الأعلام:

                  ورغم اختلاف المنطلقات الفكرية عند كل من سوسير وبيرس، إلا أن جهودهما قد فتحت المجال لبروز العديد من الاتجاهات التي وسعت وطورت البحث السيميائي؛ فكان المحوران السيميائيان المنطقي الفلسفي، والنحوي اللساني "أساسا متينا قامت عليه السيميائية الحديثة". فظهرت في الساحة النقدية عدة أسماء لفلاسفة، ونقاد تناولوا الدرس السيميائي برؤى مختلفة، فأسهموا في بلورته، وإثراء إجراءاته منهم:

                  رولان بارت R. Barthes، جورج مونان G. Mounin، أندري مارتيني A. Martini، يوري لوتمان Y. Lotman، أمبرتو إيكو U. Ico، بنفنيستBenveniste ، قريماص Greimas، جوليا كريستيفا J. Kristiva، ريفاتير Riffatere... وغيرهم كثيرون –لا يتسع المقام لذكر جميع أسمائهم- أسهموا في تشكيل "تيارات سيميائية متمايزة، ومتعايشة ضمن هذه الإمبراطورية العلامية".

                  اتجاهات السيميائية:

                  ويمكن اختزال أبرز الجهود السيميائية في ثلاث اتجاهات (سيمياء التواصل، سيمياء الدلالة، سيمياء الثقافة):

                  1-          سيمياء التواصل: (جورج مونان، أندري مارتيني، بريتو J.prieto...)

                  يقوم هذا الاتجاه على مبدأ التواصل سواء كان لسانيا (لغوي)، أو غير لساني (غير

                  لغوي)؛ حيث يرى رواده أن للعلامة ثلاث مكونات:

                          دال + مدلول + وظيفة قصدية.

                  2-          سيمياء الدلالة:

                  تجاوز رواد هذا الاتجاه، وعلى رأسهم بارت ما زعمه أصحاب اتجاه سيمياء التواصل من ضرورة توفر القصدية في العلامة؛ فاهتموا بالبعد الدلالي للعلامات غير المقصودة بحيث لم تعد القصدية عنصرا مهما في إنتاج الدلالة، وحافظوا على الكيان الثنائي للعلامة:

                          دال + مدلول.

                  3-          سيمياء الثقافة: (يوري لوتمان، أمبرتو إيكو، إيفانوف Ivanov...)

                  يقوم هذا الاتجاه على مبدأ دراسة العلامة من خلال وضعها في إطارها الاجتماعي، ودراستها وفق اعتبارات ثقافية، وذلك " من منطلق أن اللغة نتاج عملية تواصل بين أفراد المجتمع، وهي جزء من وحدة كلية هي الثقافة "، وعلى هذا الأساس تتكون العلامة من:

                          دال + مدلول + مرجع ثقافي.

                  آليات القراءة السيميائية:   

                  إن انتشار السيمياء في شتى المعارف، واختراقها لكافة الحقول – كما سبق الذكر- جعل منها مجالا واسعا "لا تملك أي معالجة له أن تكون شاملة" فهي اتجاه نقدي يمتلك العديد من الآليات التي تجعله مؤهلا لمقاربة مختلف النصوص.

                  ش/  كما أنها من "أكثر مناهج الفكر النقدي قابلية لأن تنتشر في دوائر الأدب والفن والثقافة في إطارها الكلي الشامل"، فلم تنحصر القراءة السيميائية في مقاربة الأدب بمختلف أجناسه فحسب؛ بل عنيت أيضا بالاشتغال على الثقافة، والفنون، والحياة.

                   والنص بطبيعته بنية مشفرة –تحمل بين ثناياها معاني كثيرة عصية على الفهم- يستفز القارئ، ويدعوه للحفر في دلالاته، وفك شفراته عن طريق ممارسة القراءة السيميائية التي تعتمد على "إجراءات نقدية محكمة لها خصائصها المعينة في التأويل، لكشف البنيات العميقة، وربط صريح النص بباطنه"، وهي إجراءات جعلت النقاد السيميائيين يطلقون "العنان لحرية القراءة بحثا عن النسق المتخفي وراء الإشارات أو الأنظمة الدلالية للشفرات والعلامات ". ويمكن القول إن حرية القراءة – التي تميزت بها السيمياء المعاصرة – قد فتحت مجال الإبداع للقراء.

                        وبمعنى آخر أصبحت القراءة السيميائية تمثل إضافة وإثراء للنص المبدع، وذلك من خلال تفجير المعاني، والكشف عن الدلالات المستورة؛ حيث يتأسس مبدأ القراءة فيها على "إطلاق الإشارات كدوال حرة، لا تقيدها حدود المعاني المعجمية، ويصير للنص قرائية إبداعية تعتمد الطاقة التخيلية للإشارة في تلاقي بواعثها مع بواعث ذهن المتلقي، ويصير القارئ المدرب هو صانع النص"، ومن هذا المنطلق يشتغل القارئ على دال حاضر، ومدلول غائب فيقوم بفك "الرموز التي يتلقاها بواسطة الرموز التي يمتلكها في ذهنه"، ويتعامل معها وفق ما يمتلكه من مكتسبات ومخزون ثقافي، واجتماعي، وديني، وسياسي...الخ.

                  وهنا تبرز كفاءة القارئ، وتظهر براعته، ومدى قدرته على إنتاج إبداع ثان يعادل، أو يفوق الإبداع الأول؛ لأن القراءة من هذا المنطلق تعتبر "نشاط سيميائي باني لدلالة النص" بحيث يلعب القارئ دورا رئيسيا في إعادة إنتاجه.

                  وتجدر الإشارة – في هذا السياق- إلى أن حرية المؤول السيميائي لا تكمن في تشكيل المعنى، وصنعه بل في العثور عليه من خلال الاعتماد على الطرق المتاحة له (النحوية، الدلالية ...الخ)؛ فهو لا يستطيع أن يضفي أي دلالة يشاء على النص، ولكنه يستطيع إضفاء كل الدلالات المرتبطة بالنص، ومن ثم عليه أن يكون قادرا على التعامل مع الدلالات ليستطيع مقاربة العمل الإبداعي.

                  وقد وضع شولز Scholes شرطان لقراءة النص:

                  1-           الشرط الأول يتعلق بوجوب معرفة التقاليد الجنسية، أي مراعاة السياق الفني داخل الجنس الأدبي.

                  2-           أما الثاني فيكون من خلال الاعتماد على عوامل ثقافية (مهارات) لأن "القارئ مطالب بقراءة باطن النص مثلما يقرأ ظاهره وذلك كي يتمكن من تخيله، ومن ثم

                  تفسيره تفسيرا سيميولوجيا إبداعيا" بحيث تمكنه تلك العوامل الثقافية من استحضار العناصر الغائبة.

                          أما أوتين (Otten) في دراسته المعنونة بـــ "سيميولوجيا القراءة" – حسب ما ورد في كتاب "السيمياء العامة وسيمياء الأدب" "لعبد الواحد المرابط" -، فيرى بأن القراءة تتم انطلاقا من ثلاثة عناصر هي:

                  1-          النص: على اعتبار أنه موضوع للقراءة يحمل دلالات ينبغي تأويلها، بحيث يرصد أوتين نوعين من المواقع في النص هما:

                  1-1-            مواقع اليقين: ويعتبرها مرتكزات لبناء التأويل.

                  1-2-            مواقع اللايقين (الشك): وتشمل الرموز الغامضة التي ينتج عنها تعدد التأويلات.

                  2-          القارئ: حيث " ينطلق القارئ (بصفته نصا) من معارفه وشفراته ورغباته ليقوم برد فعل اتجاه النص الموضوع للقراءة، وتكون رد الفعل هذا هي "التأويل النهائي" "

                  3-          العلاقة الناتجة عن لقاء النص والقارئ: وهو أهم عنصر بالنسبة إليه حيث يحدده من خلال مرحلتين:

                  3-1-          مرحلة "اختيار أرضية دلالية" والربط بينها، وبين ما يرد في النص.

                  3-2-          مرحلة "عمليات تحويل النص في اتجاه الفرضية والأرضية الدلاليتين".  

                  من خلال أطروحة أوتين يتبين لنا أنه ركز على عملية القراءة، وارتباطها بالتأويل من خلال

                  فرضيات أولية يطرحها القارئ إما يقر بها، أو يتراجع عنها؛ وذلك حسب استجابة النص لها.

                  يتضح لنا – من كل ما سبق ذكره- أن هذا النوع من القراءة النقدية يعمل على إعادة إنتاج النص الإبداعي وبنائه؛ من خلال البحث في الدلالات الممكنة. كما أنه يسعى "إلى تشتيت الرؤى وتفجير المرجعيات محاولا استنطاق المعطيات من خلال قراءة أو عدد من القراءات" التي تعمل على فك شفرات النص محاولة الوصول إلى الدلالات الخفية التي لم يصرح بها. فيعتمد القارئ على آليات تمكنه من مقاربة مختلف النصوص، على اعتبار أنها علامات (لغوية/ غير لغوية) حبلى دلاليا بحيث تتوالد الدلالات، وتتنامى كلما تعددت القراءات.

                   


                  • المحاضرة الخامسة: نظرية التلقي

                    نظرية التلقي:

                    إن مفهوم "جمالية التلقي" لا يحيل على نظرية موحدة، بل تندرج ضمنه نظريتان مختلفتان يمكن التمييز بينهما بوضوح رغم تداخلهما وتكاملهما، هما:

                    "نظرية التلقي" و"نظرية التأثير" أو الاستقبال

                    تهتم نظرية التلقي بالكيفية التي يمر بها تلقي النص الأدبي في لحظة تاريخية معينة.

                    أما نظرية التأثير أو الاستقبال، فإنها تعتقد أن النص يبنى بكيفية مسبقة لاستجابات قرائه المفترضين، ويحدد بكيفية قبلية سيرورات تلقيه الممكنة، ويثير ويراقب كل واحدة منها بفضل قدرات التأثير التي تحركها بنياته الداخلية، ومن هنا راحت تركز على النص في حد ذاته من حيث التأثيرات التي يمارسها مستند في ذلك على المناهج النظرية والنصية.

                    وتبلغ "جمالية التلقي" كامل تطورها وشموليتها وخصوصيتها عندما تؤلف بين هذين الاتجاهين المتكاملين والمتداخلين.

                    وسوف يكشف لنا عن الانتقاءات والميولات والشروط الاجتماعية والتاريخية التي شكلت مواقف المتلقي وأحكامه فيسمح لنا بالإمساك بالاختلافات الملموسة التي يعرفها تحقق السمات النصية في كل استجابة فعلية.

                    ومن هنا ينجم هذا التعالق المتداخل بين التأثير باعتباره بنية تستدعي الاستجابة، وبين التلقي باعتباره عملية انتقائية ينجزها القارئ الفعلي.

                    وإذا أردنا أن نميز بين اتجاهي "جمالية التلقي" بصيغ أخرى قلنا أن اتجاه التأثير يدرس فعل النص أو تأثيره ويهتم بالتفاعل الجمالي المباشر الذي يعكس التأثير المبدئي الذي يحدثه النص في كل قارئ.

                    أما اتجاه التلقي فيحاول أن يستوعب هذا التأثير ويبرره من خلال ودود الأفعال التي تظهر لدى المتلقي، ثم يعمل بعد ذلك على بلورة تلق تاريخي ممتد عبر الزمن يكون كفيلا بالكشف عن تأثيرات النص الكاملة التي ظلت مجهولة أو غامضة بالنسبة للقراء السابقيين.

                    وهكذا يتبين لنا أن "جمالية التلقي" بسبب ازدواجية مفهومها المحوري، تكز جل اهتمامها على "العلاقة الجدلية" بين التأثير والتلقي" أو بين النص والمتلقي، دون أن تختزل هذه العلاقة في أحد طرفيها على حساب الطرف الآخر، كما تفعل جل المقاربات الأخرى.

                    إن "جمالية التلقي" تنظر إلى هذه العلاقة باعتبا رها علاقة تحاورية ومتبادلة بين التأثير الذي يمارسه النص والتلقي الذي يمارسه المتلقي.

                    وبالتالي سوف تبقى مشروطة في الوقت نفسه ببنيات النص التأثيرية والتوجيهية، وبالاستعدادات الفردية الذهنية والنفسية لدى كل قارئ وبالشفرة السوسيوثقافية التي يخضع لها والتي توجه في كل مرة تلقيه أو قراءته للنص الأدبي، بل والتي تلعب دورا أساسيا في تحديد طبيعة فعل القراءة وإنتاج التأثير.

                    ولعل في نظرة السلبية للقارئ وإيبعاده عن القراءة والاكتفاء بما هو لغوي، ما جعل النقد يدخل في أزمة منهجية قتلت الجانب الإنساني في النص الادبي.

                    وهذا ما دفع بكل من آيزر وياوس إلى إعادة النظر في المفاهيم والنظريات السابقة من خلال جمالية التلقي، ومن أجل الوصول إلى المعنى قدم هؤلاء جملة من المفاهيم أبرزها القارئ الضمني، والمسافة الجمالية، وأفق الانتظار.....وغيرها

                    وهنا نحاول أن ندرج بعض مفاهيمها بدءا من نظرية ياوس:

                    طروحات هانس روبارت ياوس:

                    اهتم ياوس بجماليات الاستقبال، له كتاب "من أجل جمالية الاستقبال" وله كتاب آخر "من أجل هرمنيوطيقا أدبية" نظريته شرحها أكثر في كتابه الأول، أراد أن يعيد للمجال التاريخي قيمته الذي أهمله كلا من الشكلانية والماريكسية.

                    الشكلانية الروسية اهملت المحور التعاقبي، والماركسية اهملت المحور التزامني

                    وكذلك البنيوية أهملت الدراسات التاريخية فكانت دراسة بنيوية محضة، حيث اهتموا بالمحور السانكروني الآني أو التزامني، وهذا ما يلغي تماما وجود القارئ في دراسة النص الأدبي، مهناه أن القارئ يعتمد هذه الالية دون أن يسهم في إنتاج المعنى.

                    ياوس بدأ كتابه بانتقاده للمنظومة التعليمية في الجامعة الألمانية التي من خلالها تقدم مادة التاريخ، انتقد المنظومة من حيث أن التاريخ الألماني لم يعد التاريخ العام الذي يستقبل الحقب التاريخية لحظة بلحظة، بل أصبح يتمثل في الأعمال الخالدة أو ما يسمى بروائع الأدب، هذه الروائع اقتصرت على مجموعة من الكتاب دون غيرهم وعلى حقب تاريخية معينة دون غيرها.

                    ياوس يرى أهن ذلك ليس تاريخا للأدب بل هو جزء من التاريخ العام.

                    فالظاهرة الأدبية هي ظاهرة ثقافية تنتج في إطار الممارسة التاريخية والمجتمع، فالإنسان هو الذي ينتج ويسهم في صناعة التاريخ، فهو يسهم في إنتاج الثقافة.

                    وبالتالي يلغي مجموعة من الأعمال الراقية ويظلمها التاريخ، لم تنتشر لظروف ما وهناك أع8مال لا تستحق النشر ولكن لظروف ما جعلتها تنشر وتصبح عالمية,

                    فالظروف أحيانا ويعض المعطيات تعمل على الاعلاء والاحاطة في اطار نظرية التلقي. في عصرنا دور النشر تساهم في ذلك فهي أول من يصدر الحكم على العمل الأدبي لاعتبارات تجارية...

                    ياوس: يرى أن تاريخ الأدب بم يعد ذلحك التاريخ العام الذي يستدرك فيه الإنسانية، نظرا لأنه أصبح مقصورا ومحصورا لدى الطبقات البرجوازية التي تعلي من كتب وتتخلى عن الباقي...وفق أهوائها.

                    أراد ياوس أن يرجع لتاريخ الأدبي قيمته من حيث المنظومة التعليمية ومن خيث قيمته الأدبية ضمن إطار النظريات المعاصرة.

                    لأن الشكلانية الروسية اهتمت بالمحور السانكروني واهملت المحور الدياكروني أي التاريخي، فأراد ياوس أن يعيد للتاريخ الأدبي قيمته ولكن ليس على حساب المحور التزامني السانكروني.فأراد هنا أن يجمع بين المحورين: المنظور الشكلاني والمنظور الماركسي

                    فجاء بطروحات الشكلانيين التي تعتمد الدراسة التزامنية والطرح الماركسي الذي يعتمد على الدراسة التاريخية، فأراد ياوس أن يوفق بينهما من خلال نقده للشكلانية التي استبعدت القارئ ونقد الماركسية التي اهملت النص.

                    فأفاد ياوس من الطرحين و|أراد أن يجمع بين النظريتين ليصل إلى أفق التوقع.

                    مفهوم أفق التوقع عند ياوس:

                    هل نقول أفق التوقع أم أفق الانتظار:\

                    هناك في الخطاب النقدي العربي من يترجمها بـأفق التوقع وهناك من يترجمها بأفق الانتظار

                    مناقشة المصطلحين:

                    من حيث المنطق النقاد العرب عندما رجعوا إلى كتاب ياوس لم يرجعوا الى النسخة الاصلية بالغة الألمانية بل أخذوا من الكتاب المترجم من اللغة الألمانية الى اللغة الفرنسية، فمصطلح التوقع نقل من الألمانية الى الفرنسية بمصطلح "الانتظار" فترجم الى العربية بالانتظار

                    أفق التوقع: لما نقول النص له أفق أي مخزون من اللغة والصوت والبلاغة والمرجعيات ىوالمقصديات الدلالة......فهو ليس صفحة بيضاء نكتب عليها ما نشاء حتى تنحن كقراء لا ندخل الى النص من فراغ

                    فالقراءة نتيجة عملية لقاء أفق النص مع أفق القارئ وهو ما يسمى بالانصهار الآفاق.

                    إن مفهوم الانتظار لا يعني التوقع، فالانتظار: هو أن تضع نفسك في حالة من التهيء النفسي يكون فيه الزمان والمكان معروفين

                    التوقع: أتوقع شيا قد يتحقق وقد لا يتحقق لكن ياوس كان يريد من جماليات التلقي التوقع وليس الانتظار، لماذا؟

                    لأن مفهوم جمالية الاستقبال المتعة. ما الذي يمتعنا المنتظر أم المتوقع؟ بطبيعة الحال المتوقع لماذا؟

                    لأنه يثير فينا ردة فعل جمالية .

                    أما المنتظر دخل في المستهلك والمعروف، فهو لن يستقطب فينا ردة فعل جمالية أو إمتاعية

                    وأفق التوقع هو: نظام المرجعيات التي ألف في إطاره نص ما.

                    ما معنى نظام المرجعيات؟

                    النظام المرجعي:

                    كا نص مهما كانت نوعيته نص فني، أدبي، صحفي.....كل نص إلا وله مرجعية ينطلق منها ويحيل عليها، فالنص لا ينشأ من فراغ بل ينطلق من منظومة معرفية ما

                    انت تستجيب للنص وتنظبط داخل منظومة معرفية التي تكتب فيها لذل يجب أن تنظبط بها

                    اهتم ياوس بأعمال التراث وكيف نتلقاها ونقرأها في عصرنا الحالي:

                    يرى ياوس أن أفضل آلية لقراءة النصوص الموروثة ليس أن نسقط عليها آلياتنا ومنظوراتنا المعاصرة، فالمنظومات التي وجد فيها النص الموروث تختلف عن المنظومات المعاصرة.

                    علينا أن نعود الى المنظومة المرجعية التي صدر فيها النص المدروس، أي إعادة قراءة النص وافق التوقع كيف تلقى النص جمهوره.

                    هناك ثلاثة حالات للتوقع:

                    1/ إرضاء التوقع: تحقيق ما كنا نتوقعه

                    2/ تعديل التوقع: لم يرضينا ولم يسلم بتوقعنا

                    3/ كسر التوقع: لم يستجب إلى توقعنا

                    عندما نريد أن نتعرف على على مرجعية النص وجب علينا من منظور ياوس أن نراجع ثلاث نقاط في نظام الرجعيات وهي:

                    1/ المرجعية الأولى: معرفة الجمهور بالجنس الأدبي الذي ينتمي إليه النص، مثلا: الجمهور الذي تلقى أبو تمام، يجب أن يكون على معرفة بالشعر.

                    2/ المرجعية الثانية: معرفة الجمهور بالأعمال الأدبية المساندة للنص، مثلا: أعمال أخرى لشعراء الذين عايشوا عصر أبي تمام، والحكم عليه بالجودة أو الرداءة من خلال الاعمال التي كانت في عصره، فابو تمام خرج عن المنظومة المتفق عليها.

                    ملاحظة: أفق التوقع هو مفهوما إجرائيا يولد مع النص ويتطور معه.

                    3/ المرجعية الثالثة: معرفة الجمهور بالتعارض الحاصل بين الأدبية ولغة الواقع اليومي

                    مفهوم التاريخانية في الأدب:

                    الفرق بين التاريخ العام والتاريخانية

                    التاريخ العام: يعتمد على تسجيل الوقائع والأحداث

                    التاريخانية: هي نقطة التقاء المحور التزامني مع المحور التعاقبي

                    حاول ياوس التوفيق بين آراء الشكلانيين والماركسيين من خلال الجمع بين محورين التزامني والتعاقبي

                    التاريخانية لا تعني المفهوم التعاقبي وليست تلك العملية التي تؤرخ للتاريخ أو التي تؤرخ للأعمال في الزمان والمكان

                    حتى نحقق دراسة للتاريخ الأدب وجب أن نعتمد على الدراسة التزامنية لأنها وصفية، بمعنى نبدأ نتعرف على الظاهرة بالاعتماد على المقاطع التزامنية ثم نتتبع تطورها التاريخي.

                    يقول ياوس: يجب أن نجري ما يسمى بالمقاطع السانكرونية أو التزامنيةـ، يجب أن نعرف أفق التوقع الذي حصل ووقع وتشكل في الماضي، ولكي نعرف أفق التوقع يجب أن نعرف سلسلة التبلقيات وهو ما يسمى بتاريخ التأثيرات

                    يجيب أن نعود للجمهور السابق، ونعاين كيف تلقى النص الأدبي، ونجري مقطعا سانكرونيا لكل جيل,

                    مثال: نبدأ من الفترة التي عاشها أبو تمام وجمهور أبو تمامنجري مقطعا سانكرونيا من خلال مراجعة العناصر التي تشكل منها أفق التوقع، حينا ننهي العمل أي التقطيع ينتج لدينا حكما ما.

                    ثم نأتي للجيل الثاني ثم الجيل الثالث ....وهكذا وصولا إلى العصر الحالي، كل جيل ينتج حكما ما بواسطة المقطع التزامني وفي النهاية نحصل على أحكام متعاقبة.

                    حكم أول زائد حكم ثاني زائد حكم ..............وهكذا وهو مايسميه ياوس "حكم الأجيال"

                    فالذي يقيّم النص هو حكم الأجيال يكون التقييم بالجيد أو الرداءة، هذا ما يعطي تنوعا في الأحكام، وهذا التنوع بين الـأحكام يكون من خلال الطريقة الدياكرونية التاريخ

                    والتاريخانية: قلنا هي نقطة التقاطع المحور التزامني مع المحور التعاقبي

                    وهي عملية إجرائية على العصر من خلال مراجعة المنظومة التاريخية

                    منطق السؤال والجواب:

                    من السؤال والجواب عند ياوس، فهذا المفهوم ينسب إلى غادمير، فهو صاحب هذا المفهوم ويقصد به: لكي نحكم على النصوص حكما سليما وجاداونعطيها أحقيتها يجب أن نحدد السؤال الذي جاء النص ليجيب عليه

                    ياوس قال: يجب معرفة السؤال الذي وجد النص للإجابة عنه، نرجع هنا للبحث عن السؤال هو البحث عن مرجعية النص

                    مثال: لماذا ألف كتاب الوساطة، لأن الزمن هو زمن الخصومات