الخيال والصور الفنية

يمكن القول إن الخيال[1] من أهم عناصر التشكيل الفني في النص الشعري وإليه يرجع الفضل في نقل الأفكار والمعاني من عالم الروح والفكر إلى عالم الحس والمشاهدة. وبها يحصل التمثيل الخيالي. وفي هذا يقول ابن الفارض:[2]

فيا مهجتي ذوبي جوًى وصبابة

ويا لوعتي كوني كذاك مذيبتي

ويا نار أحشائي أقيمي من الجوى

حنايا ضلوعي فهي غير قويمة

ويا حسن صبري في رضا من أحبّها

تجمّل وكن للدّهر بي غير مشّمت

ويا جلدي في جنب طاعة حبها

تحمّل عداك الكلّ كلّ عظيمة

إلى قوله:

تجمعت الأهواء فيها فما ترى

بها غير صبّ، لا يرى غير صبوة

إذا سفرت في يوم عيد تزاحمت

على حسنها أبصار كلّ قبيلة

فأرواحهم تصبو لمعنى جمالها

وأحداقهم من حسنها في حديقة

وعندي عيد كل يوم أرى به

جمال محياها بعين قريرة

وكل الليالي ليلة القدر إن دنت

كما كل أيام اللقا يوم جمعة

إلى قوله:

ولا سعت الأيام في شت شملنا

ولا حكمت فينا الليالي بجفوة

ولا شنّع الواشي بصد وهجرة

ولا أرجف اللّاحي ببين وسلوة

ولا استيقظت عين الرقيب ولم تزل

عليّ لها في الحب عيني رقيبتي

فالمتأمل في هذه الأبيات الشعرية يجد أن ابن الفارض يمتع بلغة شعرية ذات طابع غنائي غزلي المشرب وجداني الروح، يحاول من خلاله أن يعبر عن حبه الإلهي باستخدام الصور الخيالية ذات البعد الحسي، ويوضح هذا الأستاذ خناثة بن هاشم: "فنحن نظفر بشعر صوفي تزدحم خلاله الصور الحسية. لكن المتعة الحسية التي تحققها لنا هذه الحسية في الصورة لا تعدو أن تكون مطيّة فنية متميزة، توصلنا إلى بؤرة التجربة الخيالية في صميمها، كأن يصف حبه الإلهي في لغة غزلية رقيقة مهيبا بمكونات التلويح الصوفي إلى المرأة"( )؛ فشعرية الصورة تتأتّى ليس من كونها حسية مشخصة، وإنما تأتي من كونها عبارة عن تمثيل خيالي. ويوضح خناثة بن هاشم هذا التمثيل بقوله: "يلجأ الشاعر هنا إلى الطابع الغنائي يلوح من خلاله إلى طبيعة انفعالاته التي ترتفع على العادي المألوف، ويمارس لغته على لغة الغزل، والحب، يفتّت بناها يخترق نمطيتها ويحيلها بلاغة خاصة، صالحة لقول ما لا يقال أو ما يصعب قوله من تمثلات خيالية على مستوى التجربة، ما هو أمسّ بالذاتي، والنفسي الباطني في تفاعلهما خيالية على مستوى التجربة، ما هو أمسّ بالذاتي والنفسي الباطني في تفاعلهما مع الآخر الظاهر والاجتماعي والثقافي" ( ). فلغة الشعر الصوفي تتخذ من لغة الحب والغزل ما يسمح له بتخطي التجربة العاطفية الإنسانية إلى بلوغ تجربة العشق الالهي. ومن هنا تتحول اللغة العادية إلى لغة رمزية إشارية.

لمزيد من الاطلاع اضغط هنا

تداخل الخيال واللغة الصوفية