Topic outline

  • المحاضرات

    النقد الجديد

    (نشأته الأنجلوأمريكية ، مفاهيمه ، أعلامه ، تحولاته في النقد العربي المعاصر)

     

     

    تدل عبارة "النقد الجديد" (New Criticism) على حركة نقدية أنجلوأمريكية شهيرة سادت خلال النصف الأول من القرن العشرين ، وكانت سنة 1941 سنة حاسمة في مسارها ونقطة انعطاف في تاريخ النقد العالمي برمته ، لأنها السنة التي ظهر فيها "إنجيل" هذه الحركة (!)؛ كتاب جون كرو رانسوم John Crowe Ransom (1888-1974) : (The new criticism) الذي صار عنوانه اسما للمدرسة كلها ، مدرسة (النقد الجديد) التي ربما أخفق المرحوم محمد غنيمي هلال[1] ومعه جمع من النقاد المصريين في ترجمتها إلى مدرسة (النقد الحديث) تارة ، و(مدرسة النقد الحديثة) تارة أخرى!.

    على أن هذه التسمية قد تلتبس – أحيانا – بنظيرتها الفرنسية؛ حيث شاع مصطلح "النقد الجديد" بصبغته الفرنسية (Nouvellecritique) خلال الستينيات من القرن الماضي ، أثناء السجالات النقدية الحادة التي دارت بين أنصار النقد الأكاديمي التقليدي وأنصار النقد الحداثي؛ وربما كان كتاب رولان بارث "تاريخ أم أدب – حول راسين" (Histoire ou littérature – sur Racine) عام 1963 ، هو الشرارة الأولى لهذه المعركة الضروس ، أعقبها ريمون بيكار (R.Picard) بتعقيبه الساخر من بارت ونقده الجديد "نقد جديد أم خدعة جديدة ؟" (Nouvelle critique ou nouvelleimposture) عام 1965 ، ثم جاء سارج دوبر فسكي (S.Doubrovsky) لينتقم لبارت وينتصر للنقد الجديد في كتابه "لماذا النقد الجديد؟"(pourquoi la nouvelle critique?) ... ، وهكذا فقد تواتر مصطلح (النقد الجديد) ، بغير دلالته الأنجلوسكسونية ، ليكون عنوانا للمناهج النسقية الجديدة (بنوية ، سيميائية ، موضوعاتية ، ...) التي هيمنت على الساحة النقدية الفرنسية منذ سنوات الستينيات خصوصا. والطريف في الأمر ، أننا رأينا بعد الكتابات النقدية الفرنسية ، رغبة منها في إزالة اللبس بين الخطابين ، تجمع بين التسمية الإنجليزية وأداة التعريف الفرنسية (Le "New Criticism") للدلالة على النقد الجديد في صيغته الأنجلوأمريكية ، بينما تمحض للصيغة الفرنسية عبارة (La nouvelle critique).

    ومع هذا التداخل الاصطلاحي ، فقد لاحظ كثير من الدارسين تشابها مدهشا – على مستوى المفاهيم – بين ( النقد الجديد) و(الشكلانية الروسية) و(البنوية الفرنسية) .

    ظهر النقد الجديد ( الأنجلو أمريكي) في سياق مواجهة بعض الاتجاهات الوجدانية الذاتية (الانطباعية) والوثائقية (التاريخية) التي غطت على النص وغمرته بما ليس منه ، مستلهما أفكار المدرسة التصويرية (Imagism) الشكلية التي أسسها الشاعر الأمريكي الكبير إزرا باوند – Ezra Pound (1885-1972) في بدايات القرن الماضي ، إضافة إلى الأفكار النقدية الحداثية التي جاء بها الشاعر الناقد الأمريكي الأصل الإنجليزي الجنسية ت. س. إليوت Thomas Stearns Eliot (1888-1965) بشأن نظرية (المعادل الموضوعي Objectifcorrelatif)[2] خصوصا ، وأعمال إ.أ. ريتشاردز Ivor Armstrong Richards (1893-1979) صاحب "مبادئ النقد الأدبي" 1924 ، و"العلم والشعر" 1926 ، و"النقد العملي" 1929 ، هذا الكتاب الأخير الذي كان خلاصة تجارب أجراها مع زملائه وطلبته في جامعة كمبريدج؛ حيث كان يطلب منهم تحليلا نقديا لمجموعة من القصائد الغفل ، بعد أن ينزع عنها أسماء أصحابها ويعدل في لغتها ما يدل على عصرها ، منتهيا إلى الحكم القاسي على فشل القارئ العصري في مسايرة متطلبات العصر ، مع التأكيد على المعنى الكامل للقصيدة بعيدا عن أي شرح نثري معادل لها ، وضرورة التدريب القرائي الصارم ، لأن الشعر الجيد في نظره هو الذي يتسم بمفارقته لمرجعيته الخارجية ، وهو يقتضي "قراءة مفصلة" ... .

     


    • محاضرات

      المناهج النسقية

      أبرز المدارس النقدية الحديثة:
      تعدّدت الآراء النقدية الحديثة واختلفت نظرًا لاتّساع توجهها وعالمية الأدب وامتزاج الثقافات؛ إذ ظهر إِثْرَها الكثير من المناهج والمدارس النقدية الحديثة التي تعمل هدف واحد رغم اختلاف نظمها وأنساقها الفكرية، ومن هذه المناهج ما يأتي.

      المنهج البنيوي البنوية لفظة مشتقّة من كلمة "بُنْيَة"، وتشير إلى أنّ أيّ ظاهرة إنسانية كانت أم أدبية تشكّل بنية يمكن دراستها من خلال تحليلها إلى العناصر المكوّنة لها، دون الأخذ في الاعتبار العوامل الخارِجَة عنها، مثل حياة الكاتب ومشاعره، ومن أبرز روّادها من الغرب: رومان ياكبسون، ومن العرب عبد السلام المسدي

      -المنهج البنوي

      تمهيد :

            يعترف جان بياجي , في مطلع كتابه عن (البنوية) , بأنه "من الصعب تمييز البنوية , لأنها تتخذ أشكالا متعددة لتقدم قاسما مشتركا موحدا" ([i]) فضلا على أنها تتجدد باستمرار ([ii]) وأن البنيويين في نظر الآخرين هم "جماعة يؤلف بينها البحث عن علاقات كلية كامنة "([iii]) تستمد روافدها من ألسنية دي سو سير , و أنثروبولوجية  كلود ليفي سترواس , ونفسانية جاك لاكان , وحفريات ميشال فوكو التاريخية والمعرفية و أدبيات رولان بارت .... وقد خصص جان بياجيه الفصل الخامس من كتابه (البنيوية ) للبنيوية الألسنية structuralisme linguistique وانتهى إلى أن * البنيوية  - على العموم- هي منهج وليست مذهبا. ([iv])

      -         تعريف المنهج البنوي : ([v])

           هو دراسة النظام الخطابي الأدبي وعرفه آخرون بأنه : دراسة نظام العلاقات القائمة بين النظام  وعرفه آخرون بأنه نظم العلاقات القائمة بين    النظام الخطابي الأدبي ومن ثم تطبيقها على كل ما له علاقة به من ( إنسان , أو كون , أو حياة).

             وتعد البنوية منهجا وصفيا يرى العمل الأدبي نصا مغلقا على نفسه , له نظامه الذاخلي الذي يكسبه وحدته , هو نظام لا يكمن في ترتيب عناصر النص كما هو شائع و إنما يكمن في تلك الشبكة من العلاقات التي تنشأ بين كلماته وتنتظم بنيته .

      -         مؤسسها :

            تأسست المدارسة السويسرية التي قد تسمى أحيانا (حلقة جنيف) بزعامة العالم اللغوي السويسري فرديناند دي سوسير Ferdinand de Saussure مؤسس اللسانيات الحديثة (linguistique) عبر محاضراته الشهيرة التي كانت عصارة ثلاثة فصول دراسية بجامعة جنيف خلال الفترة الممتدة  بين 1906 و 1911 , ثم نشرت عام 1916 , بعد وفاته برعاية تلميذيه : شار بالي (ch . bally) و ألبير سيشهاي  ( A . sechehaye ) تحت عنوان محاضرات في اللسانيات العامة cours de linguistique générale  وقد شكلت هذه المحاضرات ثورة في الدراسات اللغوية.

      - روافدها : تمثلت في

      الشكلانية الروسية – حلقة موسكو- جماعة الأبوياز – حلقة براغ – جماعة tel quel

      -البنوية في النقد العربي :

            تشتق البنوية وجودها الفكري والمنهجي من مفهوم ( البنية ) أصلا , وعلى ضوء هذا المفهوم فإن الجزء لا قيمة له إلا في سياق الكل الذي ينتظمه , إن" المقولة الأساسية في المنظور البنوي ليست هي مقولة الكينونة , بل مقولة العلاقات و الأطروحة المركزية للبنوية هي توكيد أسبقية العلاقات على الكينونة و أولوية الكل على الأجزاء , فالعنصر لا معنى له ولا قوام إلا بعقد العلاقات المكونة له "([vi])

            وعلى العموم فإن البنوية منهج نقدي داخلي يقارب النصوص مقاربة آنية محايثة , تتمثل النص بنية لغوية متعالقة  و وجودا كليا قائما بذاته مستقلا عن غيره , ومن العرب المتأثرين بالمنهج  البنيوي في النقد حسن البنا عز الدين في تحليل بنية الشعر الجاهلي في كتابه *الكلمات و الأشياء* ومحمد بنيس في كتابه * ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب * وقد تعددت الدراسات حول البنيوية و اتسعت لتشمل دراسة كل ماله علاقة بالعقل البشري , ودراسة البنية الصغيرة التي بنية من العقل البشري مما أدى إلى دراسة العلوم والفيزياء , لارتباطها الوثيق بالعقل البشري .

            وقد تلت هذه المحاولة الرائدة جهود أخرى تشاطرها المنطلق المنهجي البنيوي على اختلاف آلياته واتجاهاته منها : كتاب أبو ديب كمال (في البنية الإيقاعية للشعر العربي) 1974 , ثم كتابه اللاحق (جدلية الخفاء والتجلي) 1979 , وكتاب محمد رشيد ثابت ( البنية القصصية ومدلولها الاجتماعي) في حديث عيسى بن هشام ,1975 وكتاب ابراهيم زكريا ( مشكلة البنية) 1976 , وكتاب صلح فضل (نظرية البنائية في النقد الأدبي) 1978 ([vii])

           وهكذا ازدانت الساحة النقدية العربية المعاصرة , على مدى الفترات المتعاقبة منذ السبعينات , بأسماء بنيوية لامعة تعددت إسهاماتها النقدية , وتنوعت اتجاهاتها المنهجية بين بنوية شكلية وبنوية تكوينية  , وبنوية موضوعاتية.

      -مآخذ على البنيوية :

      1-  تكثر من الرسوم البيانية , على حساب التحليل النمودجي , باحداث مكننة للبنية

      2-  تتجاهل التاريخ وعلاقة المبدع بالنص , وبيئته

      تقلل من الذات والوعي , بالانغلاق ذاخل بنية النص وعزله عن سياقاته الاجتماعية والنفسية والتاريخية التي أنتجته([viii])3

      - البنيوي في مقاربة موضوعه:

      لعل أول خطوة في التحليل هي تحديد البنية أو النظر إلى موضوع البحث كبنية أي موضوع مستقل حيث أن التحليل البنيوي يقف عند حدود اكتشاف هذه البنية في النص الأدبي فحيث يتم التعرف على بنية النص أو نظامه لا يهتم التحليل البنيوي بالعوامل المؤثرة في تشكيله لهذا يرى بارت وتودوروف وهما من أبرز رواد النقد البنيوي أن التعرف على بنية النص مقصود لذاته.   

      فالتحليل النصي يبدأ من البنية الكبرى وهي تتسم بدرجة قصوى من الانسجام والتماسك. والتماسك اللازم للنص ذو طبيعة دلالية وهذا التماسك يتميز بخاصية " خطية " أي أنه يتصل بالعلاقات بين الوحدات التعبيرية المتجاورة داخل المتتالية النصية.

      وتصبح المتتالية متماسكة دلاليا عندما تقبل كل جملة فيها التفسير والتأويل في خط داخلي يعتبر امتدادا بالنسبة لتفسير غيرها من العبارات الماثلة في المتتالية، ومن هنا فإن مفهوم النص تتحدد خصائصه بفكرة التفسير النصي، أي تفسير بعض أجزائه بالنسبة إلى مجموعها المنتظم كليا فالخطوة الهامة في تحليل العلاقة بين الوحدات في المتتالية النصية مرهونة بالكشف عن البنية الكبرى.

       

       

       


      • محاضرات

        المنهج الأسلوبي

        لقد تقدمت المناهج النقدية في عالمنا العربي تقدماً ملحوظاً وإن لم تكن قد وصلت إلى المستوى الذي وصلت إليه أوروبا بيد أن النقاد العرب قد شغفوا بها وأخذوا بلجامها في دراسة وتحليل وتقويم النص الأدبي..

        ومن هذه المناهج التي خدمت النصوص الأدبية وبلورت جمالياتها هي الأسلوبي..

        فماذا يقصد بالمنهج الأسلوبي أو "الأسلوبية"؟

        المنهج

        كما عرفه الجيلالي: (طريقة موضوعية يسلكها الباحث في تتبع ظاهرة، أو استقصاء خبايا مشكلة ما لوصفها أو لمعرفة حقيقتها وأبعادها ليسهل التعرف على أسبابها وتفسير العلاقات التي تربط بين أجزائها ومراحلها وصلتها بغيرها من القضايا، والهدف من وراء ذلك هو الوصول إلى نتائج محددة يمكن تطبيقها وتعميمها في شكل أحكام أو ضوابط وقوانين للإفادة منها فكرياً وفنياً) (1).

         

        أما الأسلوب:

        ففي لسان العرب يقال للسطر من النخيل أسلوب، وكل طريق ممتد فهو أسلوب، والأسلوب الفن يقال أخذ فلان في أساليب من القول: أي أفانين منه.(2)

        وعرف "ريافتير" الأسلوب بأنه: "كل شيء مكتوب وفردي قصد به أن يكون أدباً".(3)

        ويعتبر شارل بالي الفرنسي النمساوي تلميذ دي سوسير "مؤسس المنهج البنيوي" من أوائل المؤسسين لهذا المنهج وتبعه جاكبسون الذي عرف الأسلوبية بأنها "البحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولاً، وعن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانياً".(4)

         

        وقد ألمح عبد القاهر الجرجاني إلى الأسلوب في نظرية النظم، فالنظم عند الجرجاني هو الأسلوب، ومن هذه النظرية بنى الأسلوبيون منهجهم الحديث "الأسلوبية" فأضحت بفضل الكثير من الملاحظات المتراكمة علماً خاصاً بدراسة جماليات الشعر والنثر.

        ولم يعد المنهج الأسلوبي يعتمد على الألفاظ وعلاقاتها بالجمل والتراكيب والقواعد النحوية فحسب بل " توسع مفهوم علم الأسلوب ليشمل كل ما يتعلق باللغة من أصوات و صيغ و كلمات وتراكيب فتداخل مع علم الأصوات و الصرف و الدلالة و التراكيب لتوضيح الغاية منه, و الكشف عن الخواطر و الانفعالات و الصور , وبلوغ أقصى درجة من التأثير الفني , بل توسع أكثر من ذلك أخيرا (5) و اشتمل على علم النفس و الاجتماع و الفلسفة وعلوم أخرى شهدت دقة مناهجها ومدى صلاحيتها في إغناء المنهج الأسلوبي.

        يقول غزوان " وقد أدى الاهتمام بدراسة الأسلوب وتحليله لغويا على وفق معايير لغته أو فنياً على وفق المعايير الفنية , إلى ظهور ما يسمى بالأسلوبية اللغوية التي ترى أن الأسلوب قد يكون انزياخا أو انحرافا, أو عدولا عن السياق اللغوي المألوف في هذه اللغة أو تلك , أو قد يكون تكرارا للمثال , أو النموذج النصي الذي يهتم به الذوق العام أو قد يكون كشفا خاصا لبعض أصول اللغة ومرجعياتها ولا سيما في الوجه الجمالي للتعبير أو ما يسمى بالوجه البلاغي أو البياني"(6)

         

        ومن هنا نستخلص بأن الأسلوبية إنما تعتمد اعتمادا كبيرا على الدراسات اللغوية التي تمهد لدراسة النص الأدبي , لأن الناقد الأدبي -على حد تعبير غزوان- قبل كل شيء يجب أن يكون لغويا جيدا لأنه" لا وجود لأي نص أدبي خارج حدود لغته"(7) وهذا يدفعنا إلى أن الأسلوبية لا تكتفي البتة ببنية النص كما هي البنيوية بل تنظر إلى ما يحيط بها نظرة شمولية تهدف من وراءها إلى خلق جماليات النص الأدبي و تنويره للقارئ.

        هذا بالإضافة إلى علاقتها بالبلاغة العربية و ما يعرف بالانزياح و التكرار و الإيحاءات التي يستشفها الناقد من السياقات المختلفة.

        ويتحدد المنهج الأسلوبي وفق خمسة اتجاهات(8) :

         

        1- الأسلوبية الصوتية:

        وهي التي تهتم بالأصوات و الإيقاع و العلاقة بين الصوت و المعنى.

         

        2-الأسلوبية الوظيفية:

        وتهتم بدراسة العدول أو ما يسمى بالانحراف أو الانزياح.

        وتقوم على مبدأين:

        أ‌-دراسة نصوص كثيرة تمثل أنواعاً أدبية مختلفة وأجناسا متعددة وعصورا بغية الكشف عن الآليات التي تتحكم في تكوين الأسلوب الشعري.

        ب‌- الإفادة من نتائج علم النفس ..فدراسة العمل الأدبي أسلوبياً يتطلب التحرك بمرونة قصوى بين الأطراف و المركز الباطني للنص , والوصول إلى تلك النتائج يتطلب إعادة قراءة النص مرارا.

         

        3-الأسلوبية التعبيرية:

        وكان رائدها بالي الذي شق الطريق للتفريق بين أسلوبين أحدهما ينشد التأثير في القارئ و الآخر لا يعنيه إلا إيصال الأفكار بدقة . وطور تلاميذه هذا الاتجاه عن طريق التوسع في دراسة التعبير الأدبي , فالكاتب لا يفصح عن إحساسه الخاص إلا إذا أتيحت له أدوات ملائمة , وما على الأسلوبي إلا البحث عن هذه الأدوات.

         

        4-الأسلوبية الإحصائية:

        تقوم على دراسة ذات طرفين , أولهما: هو التعبير بالحدث , و الثاني هو التعبير بالوصف , ويعني بالأول الكلمات أو الجمل التي تعبر عن حدث و بالتالي الكلمات التي تعبر عن صفة , ويتم احتساب عدد التراكيب و القيمة العددية الحاصلة تزيد أو تنقص تبعاً لزيادة أو نقص عدد الكلمات الموجودة في هذه التراكيب , وتستخدم هذه القيمة في الدلالة على أدبية الأسلوب و التفريق بين أسلوب كاتب و كاتب .

        فمثلاً كتاب " الأيام" لطه حسين تبين مثلاً أن نسبة الجمل الفعلية إلى الوصفية 39% في حين أن نسبة تكرار هذه الجمل في كتاب " حياة قلم" للعقاد لا تتعدى 18% , ومعنى ذلك أن كتاب الأيام أقرب إلى الأسلوب الانفعالي و الحركي من كتاب العقاد الذي يميل فيه إلى الطابع الذهني العقلاني.

         

        5-الأسلوبية النحوية:

        تهتم بدراسة العلاقات و الترابط و الانسجام الداخلي في النص و تماسكه عن طريق الروابط التركيبية المختلفة , ومن هذه العلاقات : استخدام الضمائر و العطف و التعميم بعد التخصيص... وهذه العلاقات يلجأ إليها الكاتب لتنظيم جملة بعضها إلى جانب بعض مما يؤدي إلى تماسكها و ترابطها ..

         

        وعلى هذا فإن الأسلوبية تواصل تأملها لعالم النص عن طريق القراءة المتعددة الوجوه , وتتحدد هذه الاتجاهات بعضها مع بعض في كيان عضوي يجذب القارئ و يستثير تساؤلاته.

        ---

         

         


        • Topic 3

          المنهج السيميائي

           

          من أبرز المناهج النقدية الأدبي اللسانية المعاصرة المنهج السيميائي الّذي يدرس النّص الأدبيّ باعتباره علامات لغويّة وغير لغويّة تفكيكا وتركيبا .

          وقد تعرّف النّقاد العرب على هذا المنهج نتيجة الاحتكاك الثّقافي مع الغرب ونتيجة الإطلاع على مستجدّات الحقل اللّساني وتمثّل أساسا في ولوج عالم النّص..

          اتّخذت الكثير من الأقلام العلامة اللّغوية أساسا في ولوج عالم النّص ، وفي هذا السياق انكبّ عدد من النّقاد على التلقي النظري الإجرائيّ التطبيقي لمعطيات هذا المنهج الجديد .

          بدأت خلال الثمانينات مجموعة من الأقلام ساهمت في هذا الحقل ومنهم ، محمّد مفتاح ، عبد الفتاح كيلوطو ، سمير المرزوقي ، عبد المالك مرتاض ، عبد الحميد بورايو ، رشيد بن مالك وغيرهم.

                                                                                                         تعريف المصطلح: مصطلح السيميائية حسب صيغته الأجنبيّة اللّايتنيّة من الجذرين سيميو – تيك سيميو يراد

          منه إشارة أو علامة أو ما يسمّى بالفرنسيّة سيني في حين الجذر الثّاني يراد منه علم أمّا في المعاجم العربيّة نجد لسان العرب يرى بأنّ مفرده السمياء ، من الجذر( سوم ) وهي العلامة سوّم الفرس جعل عليه السيمة . وفي القرآن الكريم يقول عزّ جلاله "سيماهم في وجوههم من أثر السّجود " الفتح الآية 29

          وقوله :" حجارة من طين مسوّمة عند ربّك للمسرفين "تعرفهم بسماهم لا يسألون النّاس إلحافا وما تنفقوا من خير فإنّ اللّه به عليم . سورة البقرة الآية273

          يستنتج أنّ مصطلح السيمياء بتعريفه المعجمي عند الغرب وعند العرب يأخذ نفس الدّلالة

          ومنه فإنّ مصطلح السيميائيّة مصطلح لا تيني الأصل مركّب من مفردتين الأولى هي الإشارة او العلامة في حين نجد المفردة الثّانية تعني "علم "وعلى هذا الأساس يقال علم العلامة أو الإشارة.

          روّاد السيميائية الغربيّة:

          _ لعلّ من له الفضل في انتشار هذا العلم هو العالم السويسري فرديناند دي سوسيرفأشار إليه في كتابه " محاضرات في الألسنية العامّة" وقد اقترح تسميته ب سيميولوجيا أو علم الدّلائل. ويعرّف هذا العلم بقوله:" علم يدرس حياة الإشارات ضمن المجتمع ويبحث في القوانين المتحكّمة في الإشارات والّتي سيتم تطبيقها على على الألسنيّة.

          _ الأمريكي شارل سندرس بيرس :فقد ربط هذا العلم بالمنطق حيث يقول : ليس المنطق بمفهومه العام الا اسما آخر للسيميوطيقا نظريّة شكليّة للعلامات".

          لفظة سيميوطيقا إشارة الى علم السيميائيّة الّذي يدرس العلامة.

          _ غريماس: ويذهب الى تعريف السيميائية على أنّها علم جديد مستقل تماما عن الأسلاف وهي مرتبطة بسوسير وبيرس الذان نظّرا إليها مبكّرا ونشأ هذا العلم في فرنسا اعتمادا على جاكوبسون وهيلمسيلف.

          جوليا كريستفا :نرى أنّ هذا العلم يدرس الأنظمة الشفوية وغير الشفويّة ومن ضمنها اللّغات وتعرّفه بعلم السيميوطيقا من الكلمة اليونانية سيميون أي العلامة .

          في حين نجد في السّاحة العربيّة ان هذا المصطلح قد عرف تداولا كبيرا ، فقد أشار إليه الجاحظ في كتابه البيان والتبيين فقال " الدلالة باللّفظ أو بالإشارة فاليد والرّأس والعين والحاجب والمنكب والاشارة واللفظ إذا تباعدا الشخصان وبالثّوب وبالسيف فيكون ذلك جازرا رابعا ويكون وعيدا وتحذيرا والاشارة واللفظ شريكان ونعم العون هي له ونعم التّرجمان هي عنه ، وما أكثرما تنوب عن اللفظ وما تغني عن الخط ."

          فالجاحظ قد لمح في قوله هذا الى مصطلح السيميائية تلميحا غير مباشرا وانّما أشار اليه باستعمال بعض المفردات المرادفة له والّتي تنوب عنه كقوله الإشارة والدّلالة .

          آمّا النقاد العرب المحدثون هم أيضا تحدّثوا عن السيمياء ويشتركون كلّهم في معناها على انّها تحيل الى العلامة ، يعرفها صلاح فضل بقوله : هي العلم الّذي يدرس الأنظمة الرمزية في كلّ الإشارات الدّالة وكيفية هذه الدّلالة " فصلاح فضل يشترط ان تكون السيميائية مرتبطة بالدلالة وتسعى الى دراسة الإشارات والأنظمة الرّامزة الدالة والبحث عنها .

          أمّا سعيد علوش يعرّفها على أنّها : دراسة لكلّ مظاهر الثّقافة كما لو كانت أنظمة للعلامة اعتمادا على افتراض مظاهر الثقافة كانظمة عامة في الواقع ،

          فالناقد هنا يربط السيميائية بالثقافة ومظاهرها على اعتبار انها علامة تصف ماوقع.

          أمّا سعيد بنكران : فيرى أن الموضوع الرّئيسي للسيميائيات هو الصيرورة المؤدية إلى انتاج  الدّلالة وهو ما يطلق عليه "السيميوز" يربط بنكران بين السيمياء والدّلالة وأنّ تشكل الدلالة وانتاجها يكون عن طريق الدّلالة.

          فسواء تعلّق الامر بالنقاد الغربيين أو العرب نخلص الى انهم جميعا قد اتفقوا على ان مصطلح السيمياء يحيل الى معنى العلامة والإشارة .

          وقد اتخذت السيميائيّة في مجال النقد الادبيّ عدّة اتّجاهات نتيجة تطوّرها وتشعّب الأبحاث عنها.ومن أهم اتجاهاتها،سيميائيّة التواصل وسيميائية الدلالة ، سيميائية الثقافة ، سيميائية السردية .ولكلّ اتّجاه منطلقات يستند إليها وخصائص ومفاهيم يبنى عليها ، ويسعى الى اكتساب الريادة في مجال الدّراسة .

           

          سيميائية التواصل: اتجاه قويّ فرض نفسه على النّقد المعاصر خاصّة اقطاب المدرسة الفرنسيّة أمثال بويسنس وبريطو ، مونان ، وأوستن وهو اتجاه استمدّ الكثير من مفاهيمه من أفكار اللّسانيات حيث لا نكاد نجد اختلافا بينه وبين ما جاء به دو سوسير .

          ويذهب أنصار هذا الإتّجاه إلى أنّ العلامة تتكوّن من وحدة ثلاثية المبنى ، الدّال والمدلول والقصد وهم يركّزون في أبحاثهم  على الوظيفة التّواصليّة أو الإتّصاليّة ولم تختص هذه الوظيفة بالرّسالة اللّسانيّة وإنّما توجد أيضا في البنيات السيميائيّة الّتي تمثّلها الحقول غير اللّسانيّة غير أنّ هذا التّواصل مشروط بالقصديّة وبإرادة المرسل في التّأثير على الغير إذ لا يمكن للعلامة أن تكون أداة التّواصليّة القصديّة ما لم تشترط التواصلية الواعية.

          فهذه الوظيفة لا ترتكز فقط على ما هو لساني وإنّما تهتمّ أيضا بالأنظمة غير اللّسانيّة  كالدّعايات الإعلاميّة والإشهارات أو كلّ شيء غير اللّسان .كما تهتمّ السيميائيّة عند

          أصحاب هذا الإتّجاه تتمثّل في البحث عن طرق التّواصل أو البحث عن الوسائل المستخدمة للتّأثير على الغير والمعترف بها بتلك الصّفة من قبل الشّخص الّذي تتوخّى التّاثير فيه"

          أن الوظيفة الّتي قد تهتم بها السيميائية عند أصحاب هذا الإتّجاه هي محاولة الكشف عن آليات وطرق التّواصل الّتي يستطيع الفرد من خلالها التّأثير في الآخرين وهذا ما ذهب اليه "بويسنس" وسيميائيّة التواصل تركز على محورين رئيسين هما : التواصل، والعلامة وكلّ منهما تندرج تحت تفريعات هي :

          محور التواصل الّذي يمكن تقسيمه إلى فرعين :1 -  التواصل اللّساني و يتحقق بوجود جماعة او شخصين على الأقل.أي تتمّ عمليّة التواصل بوجود عمليّة كلامية يتمّ تبادلها بين طرفين أو أكثر لتتحقّق العمليّة التواصلية.

           2 – التواصل غير اللّساني صنّفه بويسنس الى معايير ثلاثة

          معيار الإشارة النسقية ، حيث تكون العلامات ثابتة ودائمة ، معيار الإشارة اللّانسقيّة حين تكون العلامات غير ثابتة كالملصقات الدعائيّة ثم معيار الإشارات الّتي لها معنى كالإشعارات الصىّغيرة.

          محور العلامة : يرى بريتو أن الدّال مع المد لول يشكّلان معا ما يسمّى بالعلامة ويصنّف اتجاه العلامة إلى أربعة أصناف وهي : 1 – الإشارة ، المؤشّر- الأيقونة ، الرّمز

          يجعل روّاد هذا الإتّجاه محور العلامة ينحصر في أربعة أصناف كما ذكرنا وأن كلّ صنف يؤدّي وظيفته فالإشارة تسعى الى لفت  وإثارة انتباه المتلقّي أمّا المؤشر فهو يعبّر عن معنى متعلّق به، في حين نجد الإيقونة هي علامة لها مرادف يماثلها أمّا الرّمز فمن خلاله يصير للعلامة مدلول آخر يقابلها .

          إن اعتبار السيميائية كمنهج نقدي يدرس العلامة والإشارة ، وتبحث عن المعنى الّذي يتشكّل منه أي نص ادبي فهي تقوم وتستند على مبادئ ومرتكزات أهمّها ، التحليل المحايث ، التحليل البنيوي ، تحليل الخطاب.

          1 - التحليل المحايث يهتمّ التحليل المحايث بالبحث عن الشروط الدّاخلية المتحكّمة في تكوين الدّلالة وإقصاء المحيل الخارجي وعليه فالمعنى يجب ان ينظر إليه على أنه أثر ناتج عن شبكة من العلاقات الرّابطة بين العناصر ،أي أن هذا المبدأ يهتمّ بدراسة  كلّ ما هو داخل النّص ، وعزله عن السياقات الخارجيّة كالظّروف المحيطة به ، فالمعنى ينتج من خلال ترابط العناصر فيم بينها.

          2 - التحليل البنيوي : يرتبط ارتباطا منهجيا مع التحليل السيميلئي فإدراك معنى الأقوال والنّصوص يفترض وجود نظاب مبني من العلاقات فعناصر النّص لا دلالة له إلا عبر شبكة من العلاقات القائمة بينها ولهذا فإن الاهتمام بالعناصر لا يكون الّا من منطلق دخولها في نظام الإختلاف تقييما وبناءا.

          ومنه فإن السيميائيّة تعتمد على هذا المبدأ الّذي يسعى إلى الدّراسة الدّلالية للنّص وهو بذلك يرى أنّه ينبغي الاهتمام بالعناصر الّتي تخلق اختلافات وتشكلات ويهتمّ بالدّراسة الدّاخليّة الوصفية للنّص ويعدّ من أكثر المبادئ الّتي يعتمد عليها النّقاد في تحليل نصوصهم .

          تحليل الخطاب :إنّ منحى التحليل السيميائي الأوّل هو مساءلة الخطاب في شتّى تجليّياته ، الأمر الّذي أفرز قطبين أحدهما إجرائي للنّظريّة السيميائيّة يجسد النص ويمثّل الثّاني السياق  كما جاءت الإجراءات التّحليليّة السيميائيّة للجمع بين القطبين ومن ثم يكون النص مرتبطا بالسياق لتحصيل التفاعلات المولودة للخطاب ضمن المحيط الاجتماعي والثقافي ومنه فإنّ السيميائيّة تهتمّ بالخطاب وكيفيّة تنظيمه والكشف عن دلالات والإشارات بما أنّ السيميائية تتجوز دراسة الجملة الى دراسة تحليل الخطاب.

          نستخلص أن السيميائية تعتبر منهجا دقيقا مصطلحاته مختلفة وهي تهتمّ بتشكيل المعاني وتوليد الدلالة من خلال فك الشفراةت والإشارات ممّا يسهّل على النّاقد التّفاعل مع النصوص الأدبيّة وذلك من خلال ارتكازها على مجموعة من القواعد والمبادئ لعل أهمها : التحليل المحايث الّذي يسعى إلى البحث عن المعنى الدّاخلي للنّص ، والتحليل البنيوي الذي يهتمّ بالدّراسة الوصفيّة الدّاخلية للنّص ، أما تحليل الخطاب فهو يسعى إلى انتاج الخطاب وتنظيمه ليكون نصّا متكاملا


          • Topic 4

            المنهج التفكيكي

            المنهج التفكيكي ظهرت التفكيكية على يد جاك ديريدا كردّة فعل على المنهج البنيوي، وهيمنة السيميوطيقا على الحقل الثقافي الغربي، وتعدّ التفكيكية فلسفة التقويض الهادف والبناء الإيجابي، وقد جاءت لتعيد النظر في فلسفة الثوابت، كالعقل والدين واللغة والأصل والصّوت، ومن أبرز روادها من الغرب جاك ديريدا ومن العرب أدونيس.

            ظهرت التفكيكية مع جاك ديريدا كرد فعل على البنيوية اللسانية، وهيمنة السيميوطيقا على الحقل الثقافي الغربي، ويعني هذا أن التفكيكية – حسب جاك ديريدا – فلسفة التقويض الهادف، والبناء الإيجابي، جاءت لتعيد النظر في فلسفات البنيات والثوابت، كالعقل، واللغة، والهوية، والأصل، والصوت، وغيرها من المفاهيم التي هيمنت على التفكير الفلسفي الغربي، أو جاءت لتنتقد المقولات المركزية التي ورثها الفكر الغربي من عهد أفلاطون إلى الستينيات من القرن العشرين، فترة ظهور التفكيكية مع جاك ديريدا[1].

            هذا وإذا كانت التفكيكية قد اتخذت منحى فلسفيا في الغرب مع جاك ديريدا، ومع مجموعة من الفلاسفة الأوروبيين، فإن التفكيكية قد اتخذت منحى أدبيا في القراءة والتأويل في الثقافة الأنجلوسكسونية، حيث سخرت كل أدواتها من أجل تفكيك النقد الجديد (New Criticism).

                    وقد استعمل جاك دريدا (Jack derrida) مصطلح (التفكيك/déconstruction ) لأول مرة في كتابه (علم الكتابةالغراماتولوجيا/ De la grammatologie)، مـتأثرا في ذلك بمصطلح التفكيك لدى مارتن هايدجر (Heidegger) الذي شغله في كتابهالكينونة والزمان)، وليس التفكيك عند جاك ديريدا بالمفهوم السلبي للكلمة، حيث ترد كلمة التفكيك في القواميس الفرنسية بمعنى الهدم والتخريب، لكن ترد في كتابات جاك ديريدا بالمعنى الإيجابي للكلمة بالمفهوم الهيدجري.أي: ترد كلمة التفكيك من أجل إعادة البناء والتركيب، وتصحيح المفاهيم، وتقويض المقولات المركزية، وتعرية الفلسفة الغربية التي مجدت لقرون طوال مفاهيم مركزية، كالعقل، والوعي، والبنية، والمركز، والنظام، والصوت، والانسجام… في حين، إن الواقع قائم على الاختلاف، والتلاشي، والتقويض، والتفكك، وتشعب المعاني، وتعدد المتناقضات، وكثرة الصراعات التراتبية والطبقية. ويعني هذا أن دريدا يعيد النظر، عبر مصطلح التفكيك، في مجموعة من المفاهيم التي قامت عليها الأنطولوجيا والميتافيزيقا الغربية تثويرا وتقويضا وتفجيرا. وهكذا، فمصطلح التفكيك ليس بمعنى الهدم السلبي، وليس بمعنى النفي أو الرفض أو التقويض والإنكار كما في فلسفة نيتشه، بل بمعنى إعادة البناء والتركيب، وتصحيح الأخطاء، وفضح الأوهام السائدة.

            وهنا، لابد من الاشارة الى ان التفكيكية في البنيوية والسيميائية، ليس بمعنى التفكيك في فلسفة ديريدا، فلا يراد من التفكيك البنيوي والسيميائي  سوى تشريح النص، وتحديد بنياته العميقة، واستخلاص القواعد المجردة والثنائيات المنطقية التي تتحكم في توليد النصوص اللامتناهية العدد بالاحتكام إلى العقل والمنطق واللغة. بيد أن تفكيك ديريدا هو تشريح للنصوص من أجل هدم المقولات الثابتة، وتقويض البنيات الثنائية، والتشكيك في فعاليتها الفلسفية والإجرائية. بمعنى أن التفكيك البنيوي والسيميائي تفكيك إيجابي ومنهجي ومجد في قراءة النصوص الفلسفية والأدبية، وطريقة عامة لفهم الخطاب وتفسيره علميا، بينما تفكيك ديريدا تفكيك سلبي يقوم على التضاد والاختلاف، وهدم تلك الثوابت البنيوية تشكيكا وفضحا وتعرية لأوهامها الإيديولوجية بالمفهوم السلبي والعدمي للتقويض والتفكيك. ومن ثم، ففلسفة جاك ديريدا في مجال التفكيك قريبة جدا، بشكل من الأشكال، من فلسفة النفي لدى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه(Friedrich Wilhelm Nietzsch).

            ومن المعلوم أن التفكيكية تيار فلسفي وأدبي ظهر في ستينيات القرن العشرين، وهي منهجية لمقاربة الظواهر الفلسفية والتاريخية والأدبية تشريحا وتفكيكا وتقويضا. وقد ارتبطت التفكيكية بالفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا(Jacques Derrida)[2] الذي تأثر بهايدجر(Heidegger)، وهوسرل(Edmund Husserl )، ونيتشه(Neitsze). كما اقترنت التفكيكية بتشريح اللغة والفلسفة والنصوص الأدبية. بمعنى أن جاك ديريدا قد تسلح بالتفكيكية لتقويض المقولات المركزية للسانيين، وإعادة النظر في ثنائياتهم المزدوجة كالدال والمدلول، والصوت والكتابة، والسانكرونية والدياكرونية، واللغة والكلام، والتضمين والتعيين، والمحور الاستبدالي والمحور التركيبي

            هذا، ومن أهم الكتب التي ألفها جاك ديريدا لعرض نظريته التفكيكية، نذكر منهاعلم الكتابة)، و( الكتابة والاختلاف)، و(الصوت والظاهر (الفينومين، وقد صدرت هذه الكتب الثلاثة سنة 1967م، وقد أعقبها كتاب آخر ألف سنة 1969م، وهو(التشتيت) (La dissemination)، وعليه، فقد قوض جاك دريدا فلسفة الدال الصوتي الذي هيمن لسانيا على الثقافة الغربية لقرون عدة،  منذ أفلاطون إلى فرديناند دي سوسير، ليعوض بالدال الكتابي، وآثاره الباقية، وأطراسه الناسخة. ويعني هذا كله أن فلسفة الدال التي هيمنت على ثقافة الغرب كانت بمثابة ميتافيزيقا مثالية ليس إلا. ومن هنا، يشكل الصوت الحضور والوجود والكينونة الأنطولوجية.أي: رمز تواجد الجسد، وحضور المتكلمين في الزمان والمكان، وعلامة على حضور الوظيفة التواصلية، والمقصدية التداولية، وتعبير عن الوعي والتفكير والروح. وبتعبير آخر، الصوت إشارة إلى  حضور الذات، والغير، والمادة، والمعنى، والوعي. بينما الكتابة ليست أداة للتعبير عن الفكر، لكنها علامة العلامة، ويتموقع خارج الكلام الحي المرتبط بالمتكلم والسامع. علاوة على ذلك، فقد قوض جاك دريدا الصوت والدال الكلامي، وأعطى الأسبقية للكتابة على الصوت. إنها مقاربة منطقية جديدة للإضافة. ومن ثم، تحيل الكتابة على مؤسسة، ونظام مستمر الذي يعد شبكة من الاختلافات. وبهذا، يكون المدلول جماع مجموعة من الاختلافات، وهلم جرا. بمعنى ليس هناك مدلول واحد، بل مدلولات متعددة ومختلفة. أي: ليست هناك دلالة أحادية، بل هناك اختلافات الاختلافات، وآثار الكتابة، وبصماتها الباقية.

            ولقد انتقد ديريدا فكرة الكتاب التي تحيلنا على فكرة الانسجام، وفكرة الكلية العضوية المحددة، وأحادية المدلول البنيوي. ويعني هذا أن ديريدا يرفض فكرة التأويليين كبول ريكور(Paul Ricoeur) مثلا، فيعتبر أن الكتاب الحقيقي هو الذي لايرتبط بمبدعه أو مؤلفه أو كاتبه، أو لايحمل هويته الفردية أو الإبداعية، بل الكتاب الحقيقي هو الذي تنعدم فيه الكلية، وتغيب فيه الدلالة، وتكثر فيه الاختلافات وعلامات العلامات.

            فالتفكيكية إذن ظهرت في إطار خطاب ما بعد حداثي متشكك إزاء التاريخ الكوني، ونقصد بذلك التاريخ الذي اكتشف وجود شعوب بلا تاريخ، كما يبدي تشككاً إزاء الحكايات الغربية التي خدمت الإمبريالية، كما يميل إلى ثقافات الأطراف التي أخرسها المركز حين أخرس تواريخ تطرح رؤية للعالم لا تتطابق مع رؤية الغرب[3].

            بناءً على ما تقدم، فقد يبدو للعالم بأسره أن التفكيك يحمل رسالة إنسانية من خلال النظرية النقدية التي تبناها، ودعا فيها إلى محاربة المفاهيم القمعية ، وكلنا يدرك أهمية نجاح الأطراف في حيازة خطاب ثقافي وطني على صعيد عالمي. من هنا يأتي الحديث عن التفكيكية باعتبارها مكتسباً نقدياً يعكس بشكل مباشر حق الإنسان في الاختلاف، وفي التعبير الحر عن هذا الاختلاف، في ما يمكن أن يسمى (تعددية التأويل) وفق بول ريكور[4].

            إلا أن هذا الانفتاح اللانهائي المنكر للحد والحدود، والذي يجعل النص قابلاً للتأويل المستمر قد لا يجد له مناخاً مناسباً في المزاج العربي، فالبعض يتصدى للتفكيكية باعتبارها دعوة إلى السيولة والتسيب الفكري[5] يعكسان رغبة في نفي التعميمات والقوانين العامة وإثارة الشك في المعتقدات، وآنئذ يصبح القول بتعدد التفسيرات بصورة لا نهائية معضلة أمام بعض النصوص الثقافية العربية الدينية، ذلك أن التفكيكي” يحرق ويسلم لرياح النقد السوداء الكثير مما يعتبر عادة مقدساً، ويخلف وراءه قدراً كبيراً من كنوز الماضي، وقد لحق بهما سوء السمعة[6].

            من هنا نصل إلى القول: إن التفكيك يقتضي رغبة ملحة في التعددية الفكرية والمذهبية. فمن وجهة نظر معينة ضمن مزاج تاريخي وثقافي معين ينظر إلى التفكيك باعتباره رسالة إنسانية تحارب المفاهيم القمعية وتتصدى لها، ومن وجهة نظر أخرى فقد ينظر إليه باعتباره مدمراً للتقاليد وثورة عليها.

            عموماً يأتي التفكيك – بما يحمله من مفهوم الاختلاف الجامع بين الاختلاف والإرجاء – أداة منهجية لتقويض التمركز المنطقي في الفلسفة الأوروبية منذ اليونانيين[7]، في وقت نجد فيه من يقول: “إن التاريخ العقلاني للحضارة الغربية يجعلها مهيأة لما يسميه بالغزو التقويضي[8]. فللتفكيكية بعد سياسي في التاريخ الأوروبي الحديث يتماشى مع توجهات شمولية جديدة ضد الفاشية والنازية، وهي توجهات وجدت قبولاً لدى مناهضي المحرقة اليهودية المزعومة، الذين سعوا إلى تأصيل الاختلاف، أو جعله الأصل أو المتن، بدلاً من أن يكون الهامش[9].

            ولعل تأملات سعد البازعي في الصلة اليهودية بالتقويضية، تدعم إلى حد كبير مقولة الخصوصية الحضارية للنظرية النقدية، وهي تأملات ذهبت به إلى القول إن التقويض هو محصلة نقدية فلسفية للتراث التفسيري للتوراة، أو هو رؤية دينية عقلانية أو لا دينية للعالم، تنتهي إلى ما يسميه دريدا (لعب التفسير) أو عدم ثباته في مرجعية الحقيقة أو المعنى المتفق عليه.

            الأمر الذي يستند فيه البازعي إلى دراسات بعض المتخصصين في الدراسات العبرية، ومنهم سوزان هاندلمان التي تؤكد صلة الموروث العبري بالتقويض من خلال موت الإله، بمعنى أن الإله اليهودي منسحب وغائب عكس آلهة الإغريق الحاضرة، وبالتالي يتحول شعب الله إلى شعب الكتاب أثناء المدة الفاصلة بين النفي وعودة المسيح[10].

            قد تشكل هذه المسألة عائقاً نفسياً بيننا وبين التفكيك[11]، لكن هذا لا يمنع من القول إن التفكيكية – في بعض نواحيها – مكتسب نقدي لا يلتقي مع غايات الغرب في جانبه القمعي الاستعماري، أو نظامه الذي تأسس على محو صورة الإنسان العادي، وعلى حساب الإنسان الفقير المهمش.

            وقد يبدو مصطلح التفكيكية Deconstruction مضلّلاً في دلالته المباشرة، حتى إن دريدا نفسه شكا من ترجمته إلى اللغات الأخرى ، إلا أنه ثرّ في دلالته الفكرية ، لأنه يدل في مستواه الدلالي العميق على تفكيك الخطابات والنظم الفكرية، وإعادة قراءتها بحسب عناصرها ، والاستغراق فيها وصولاً إلى الإلمام بالبؤر الأساسية المطمورة فيها([12])، وتسعى التفكيكية إلى تعويم المدلول المقترن بنمط ما من القراءة واستحضار المغيب بحثاً عن تخصيب مستمر للمدلول على وفق تعدّد قراءات الدال ، مما يفضي إلى متوالية لا نهائية من الدلالات . ومثلما أكّد الناقد التفكيكي الأمريكي بول دي مان Paul de man على انتهاء عصر تسلط العمل الأدبي ، وبدْء عصر جديد هو عصر سلطة القارىء، فقد نظرت التفكيكية إلى الخطاب بوصفه نظاماً غير منجز إلا في مستواه الملفوظ ، أي في التمظهر الخطي الذي قوامه الدوال ، لتعني بذلك أن الخطاب يُنتج باستمرار ولا يتوقف بموت كاتبه . ولهذا دعت التفكيكية إلى الكتابة بدل الكلام ، لانطواء الأولى على صيرورة البقاء بغياب المنتج الأول ، في حين يتعذر ذلك بالنسبة للكلام ، إلا في نطاق محدود جداً. لقد خلص ديريدا بعد دراسته التفكيكية لمحاورة أفلاطـون فـي ” فيدروس” إلى أنه إذا كان الكلام إطاراً للحضور والهوية والوحدة والبداهة ، فإن الكتابة إطار للغياب والاختلاف والتعدد والتباين([13]).



            أبرز الدراسات النقدية الحديثة تعدّدت الدراسات النقدية العربية الحديثة على اختلاف مدارس النقد الأدبي التي ظهرت لدى الغرب ومناهجها، وقد اشتملت في معظمها على الجانبَيْن التطبيقي والنظري، بينما اكتفى بعضها بالوقوف على جانبها النظري الذي أشير إليه خلال تعريف النقد الأدبي الحديث، ومن أبرز هذه الدراسات ما يأتي:

            صيدلية أفلاطون مؤلفه جاك ديريدا، وقد ترجم هذا الكتاب إلى العربية، وقد احتل هذا الكتاب مكانًا أساسيًا في العمل الفكري للفيلسوف الجزائري الأصل جاك ديريدا، الذي عمل من خلاله على تفكيك الفكر الغربي منذ الميتافيزيقا اليونانية التي تشكل لهذا الفكر أصله وأساسه.

            الرمز والرمزية في الشعر المعاصر مؤلفه محمد فتوح أحمد، وقد جعله في بابين كبيرين تناول في أولهما الرمزية باعتبارها مذهبًا نقديًا أدبيًا، وتناول في الباب الثاني المنهج الرمزي كما تعكسها نماذج الشعر العربي المعاصر، ويسبق هذَيْن البابَيْن تمهيدٌ عن الرمزية وموقفه من المناهج النقدية الأخرى.

             مناهج النقد المعاصر لمؤلّفِهِ صلاح فضل، وهو عبارة عن مجموعة من المحاضرات التي تراعي الشرح وتبسيط التفاصيل كما تجري على الطريقة الشفاهية، وقد تناول فيها المؤلف النقد الأدبي بأسلوب عام غير موجه للمختصين وقد عكف من خلال هذا الكتاب على تناول المصطلحات النقدية الأساسية المتداولة في عالم النقد الحداثي.