المنهج السيميائي
من أبرز المناهج
النقدية الأدبي اللسانية المعاصرة المنهج السيميائي الّذي يدرس النّص الأدبيّ
باعتباره علامات لغويّة وغير لغويّة تفكيكا وتركيبا .
وقد تعرّف النّقاد
العرب على هذا المنهج نتيجة الاحتكاك الثّقافي مع الغرب ونتيجة الإطلاع على
مستجدّات الحقل اللّساني وتمثّل أساسا في ولوج عالم النّص..
اتّخذت الكثير من
الأقلام العلامة اللّغوية أساسا في ولوج عالم النّص ، وفي هذا السياق انكبّ عدد من
النّقاد على التلقي النظري الإجرائيّ التطبيقي لمعطيات هذا المنهج الجديد .
بدأت خلال
الثمانينات مجموعة من الأقلام ساهمت في هذا الحقل ومنهم ، محمّد مفتاح ، عبد
الفتاح كيلوطو ، سمير المرزوقي ، عبد المالك مرتاض ، عبد الحميد بورايو ، رشيد بن
مالك وغيرهم.
تعريف المصطلح: مصطلح السيميائية حسب صيغته الأجنبيّة اللّايتنيّة من الجذرين سيميو
– تيك سيميو يراد
منه إشارة أو علامة أو ما يسمّى بالفرنسيّة سيني في حين الجذر الثّاني
يراد منه علم أمّا في المعاجم العربيّة نجد لسان العرب يرى بأنّ مفرده السمياء ،
من الجذر( سوم ) وهي العلامة سوّم الفرس جعل عليه السيمة . وفي القرآن الكريم يقول
عزّ جلاله "سيماهم في وجوههم من أثر السّجود " الفتح الآية 29
وقوله :" حجارة من طين مسوّمة عند ربّك للمسرفين "تعرفهم
بسماهم لا يسألون النّاس إلحافا وما تنفقوا من خير فإنّ اللّه به عليم . سورة
البقرة الآية273
يستنتج أنّ مصطلح السيمياء بتعريفه المعجمي عند الغرب وعند العرب يأخذ
نفس الدّلالة
ومنه
فإنّ مصطلح السيميائيّة مصطلح لا تيني الأصل مركّب من مفردتين الأولى هي الإشارة
او العلامة في حين نجد المفردة الثّانية تعني "علم "وعلى هذا الأساس
يقال علم العلامة أو الإشارة.
روّاد
السيميائية الغربيّة:
_ لعلّ
من له الفضل في انتشار هذا العلم هو العالم السويسري فرديناند دي سوسيرفأشار إليه
في كتابه " محاضرات في الألسنية العامّة" وقد اقترح تسميته ب سيميولوجيا
أو علم الدّلائل. ويعرّف هذا العلم بقوله:" علم يدرس حياة الإشارات ضمن
المجتمع ويبحث في القوانين المتحكّمة في الإشارات والّتي سيتم تطبيقها على على
الألسنيّة.
_ الأمريكي
شارل سندرس بيرس :فقد ربط هذا العلم بالمنطق حيث يقول : ليس المنطق بمفهومه العام
الا اسما آخر للسيميوطيقا نظريّة شكليّة للعلامات".
لفظة سيميوطيقا
إشارة الى علم السيميائيّة الّذي يدرس العلامة.
_
غريماس: ويذهب الى تعريف السيميائية على أنّها علم جديد مستقل تماما عن
الأسلاف وهي مرتبطة بسوسير وبيرس الذان نظّرا إليها مبكّرا ونشأ هذا العلم في
فرنسا اعتمادا على جاكوبسون وهيلمسيلف.
جوليا
كريستفا :نرى أنّ هذا العلم يدرس الأنظمة الشفوية وغير الشفويّة ومن ضمنها اللّغات
وتعرّفه بعلم السيميوطيقا من الكلمة اليونانية سيميون أي العلامة .
في حين نجد في السّاحة العربيّة ان هذا المصطلح قد عرف
تداولا كبيرا ، فقد أشار إليه الجاحظ في كتابه البيان والتبيين فقال "
الدلالة باللّفظ أو بالإشارة فاليد والرّأس والعين والحاجب والمنكب والاشارة
واللفظ إذا تباعدا الشخصان وبالثّوب وبالسيف فيكون ذلك جازرا رابعا ويكون وعيدا
وتحذيرا والاشارة واللفظ شريكان ونعم العون هي له ونعم التّرجمان هي عنه ، وما
أكثرما تنوب عن اللفظ وما تغني عن الخط ."
فالجاحظ قد لمح في قوله هذا الى مصطلح السيميائية تلميحا
غير مباشرا وانّما أشار اليه باستعمال بعض المفردات المرادفة له والّتي تنوب عنه
كقوله الإشارة والدّلالة .
آمّا النقاد العرب المحدثون هم أيضا تحدّثوا عن السيمياء
ويشتركون كلّهم في معناها على انّها تحيل الى العلامة ، يعرفها صلاح فضل بقوله :
هي العلم الّذي يدرس الأنظمة الرمزية في كلّ الإشارات الدّالة وكيفية هذه الدّلالة
" فصلاح فضل يشترط ان تكون السيميائية مرتبطة بالدلالة وتسعى الى دراسة
الإشارات والأنظمة الرّامزة الدالة والبحث عنها .
أمّا سعيد علوش يعرّفها على أنّها : دراسة لكلّ مظاهر
الثّقافة كما لو كانت أنظمة للعلامة اعتمادا على افتراض مظاهر الثقافة كانظمة عامة
في الواقع ،
فالناقد هنا يربط السيميائية بالثقافة ومظاهرها على
اعتبار انها علامة تصف ماوقع.
أمّا سعيد بنكران : فيرى أن الموضوع الرّئيسي
للسيميائيات هو الصيرورة المؤدية إلى انتاج
الدّلالة وهو ما يطلق عليه "السيميوز" يربط بنكران بين السيمياء
والدّلالة وأنّ تشكل الدلالة وانتاجها يكون عن طريق الدّلالة.
فسواء تعلّق الامر بالنقاد الغربيين أو العرب نخلص الى
انهم جميعا قد اتفقوا على ان مصطلح السيمياء يحيل الى معنى العلامة والإشارة .
وقد اتخذت السيميائيّة في مجال النقد الادبيّ عدّة
اتّجاهات نتيجة تطوّرها وتشعّب الأبحاث عنها.ومن أهم اتجاهاتها،سيميائيّة التواصل
وسيميائية الدلالة ، سيميائية الثقافة ، سيميائية السردية .ولكلّ اتّجاه منطلقات يستند
إليها وخصائص ومفاهيم يبنى عليها ، ويسعى الى اكتساب الريادة في مجال الدّراسة .
سيميائية التواصل: اتجاه قويّ فرض نفسه على النّقد المعاصر
خاصّة اقطاب المدرسة الفرنسيّة أمثال بويسنس وبريطو ، مونان ، وأوستن وهو اتجاه
استمدّ الكثير من مفاهيمه من أفكار اللّسانيات حيث لا نكاد نجد اختلافا بينه وبين
ما جاء به دو سوسير .
ويذهب أنصار هذا الإتّجاه إلى أنّ العلامة تتكوّن من
وحدة ثلاثية المبنى ، الدّال والمدلول والقصد وهم يركّزون في أبحاثهم على الوظيفة التّواصليّة أو الإتّصاليّة ولم
تختص هذه الوظيفة بالرّسالة اللّسانيّة وإنّما توجد أيضا في البنيات السيميائيّة
الّتي تمثّلها الحقول غير اللّسانيّة غير أنّ هذا التّواصل مشروط بالقصديّة
وبإرادة المرسل في التّأثير على الغير إذ لا يمكن للعلامة أن تكون أداة
التّواصليّة القصديّة ما لم تشترط التواصلية الواعية.
فهذه الوظيفة لا ترتكز فقط على ما هو لساني وإنّما تهتمّ
أيضا بالأنظمة غير اللّسانيّة كالدّعايات
الإعلاميّة والإشهارات أو كلّ شيء غير اللّسان .كما تهتمّ السيميائيّة عند
أصحاب هذا الإتّجاه تتمثّل في البحث عن طرق التّواصل أو
البحث عن الوسائل المستخدمة للتّأثير على الغير والمعترف بها بتلك الصّفة من قبل
الشّخص الّذي تتوخّى التّاثير فيه"
أن الوظيفة الّتي قد تهتم بها السيميائية عند أصحاب هذا
الإتّجاه هي محاولة الكشف عن آليات وطرق التّواصل الّتي يستطيع الفرد من خلالها
التّأثير في الآخرين وهذا ما ذهب اليه "بويسنس" وسيميائيّة التواصل تركز
على محورين رئيسين هما : التواصل، والعلامة وكلّ منهما تندرج تحت تفريعات هي :
محور التواصل الّذي يمكن تقسيمه إلى فرعين :1 - التواصل اللّساني و يتحقق بوجود جماعة او شخصين
على الأقل.أي تتمّ عمليّة التواصل بوجود عمليّة كلامية يتمّ تبادلها بين طرفين أو
أكثر لتتحقّق العمليّة التواصلية.
2 – التواصل غير
اللّساني صنّفه بويسنس الى معايير ثلاثة
معيار الإشارة النسقية ، حيث تكون العلامات ثابتة ودائمة
، معيار الإشارة اللّانسقيّة حين تكون العلامات غير ثابتة كالملصقات الدعائيّة ثم
معيار الإشارات الّتي لها معنى كالإشعارات الصىّغيرة.
محور العلامة : يرى بريتو أن الدّال مع المد لول يشكّلان
معا ما يسمّى بالعلامة ويصنّف اتجاه العلامة إلى أربعة أصناف وهي : 1 – الإشارة ،
المؤشّر- الأيقونة ، الرّمز
يجعل روّاد هذا الإتّجاه محور العلامة ينحصر في أربعة
أصناف كما ذكرنا وأن كلّ صنف يؤدّي وظيفته فالإشارة تسعى الى لفت وإثارة انتباه المتلقّي أمّا المؤشر فهو يعبّر
عن معنى متعلّق به، في حين نجد الإيقونة هي علامة لها مرادف يماثلها أمّا الرّمز
فمن خلاله يصير للعلامة مدلول آخر يقابلها .
إن اعتبار السيميائية كمنهج نقدي يدرس العلامة والإشارة
، وتبحث عن المعنى الّذي يتشكّل منه أي نص ادبي فهي تقوم وتستند على مبادئ
ومرتكزات أهمّها ، التحليل المحايث ، التحليل البنيوي ، تحليل الخطاب.
1 - التحليل المحايث يهتمّ التحليل المحايث بالبحث عن
الشروط الدّاخلية المتحكّمة في تكوين الدّلالة وإقصاء المحيل الخارجي وعليه
فالمعنى يجب ان ينظر إليه على أنه أثر ناتج عن شبكة من العلاقات الرّابطة بين
العناصر ،أي أن هذا المبدأ يهتمّ بدراسة
كلّ ما هو داخل النّص ، وعزله عن السياقات الخارجيّة كالظّروف المحيطة به ،
فالمعنى ينتج من خلال ترابط العناصر فيم بينها.
2 - التحليل البنيوي :
يرتبط ارتباطا منهجيا مع التحليل السيميلئي فإدراك معنى الأقوال والنّصوص يفترض
وجود نظاب مبني من العلاقات فعناصر النّص لا دلالة له إلا عبر شبكة من العلاقات
القائمة بينها ولهذا فإن الاهتمام بالعناصر لا يكون الّا من منطلق دخولها في نظام
الإختلاف تقييما وبناءا.
ومنه فإن السيميائيّة تعتمد على هذا المبدأ الّذي يسعى
إلى الدّراسة الدّلالية للنّص وهو بذلك يرى أنّه ينبغي الاهتمام بالعناصر الّتي
تخلق اختلافات وتشكلات ويهتمّ بالدّراسة الدّاخليّة الوصفية للنّص ويعدّ من أكثر
المبادئ الّتي يعتمد عليها النّقاد في تحليل نصوصهم .
تحليل الخطاب :إنّ منحى التحليل السيميائي الأوّل هو
مساءلة الخطاب في شتّى تجليّياته ، الأمر الّذي أفرز قطبين أحدهما إجرائي
للنّظريّة السيميائيّة يجسد النص ويمثّل الثّاني السياق كما جاءت الإجراءات التّحليليّة السيميائيّة للجمع
بين القطبين ومن ثم يكون النص مرتبطا بالسياق لتحصيل التفاعلات المولودة للخطاب
ضمن المحيط الاجتماعي والثقافي ومنه فإنّ السيميائيّة تهتمّ بالخطاب وكيفيّة
تنظيمه والكشف عن دلالات والإشارات بما أنّ السيميائية تتجوز دراسة الجملة الى
دراسة تحليل الخطاب.
نستخلص أن السيميائية تعتبر منهجا دقيقا مصطلحاته مختلفة
وهي تهتمّ بتشكيل المعاني وتوليد الدلالة من خلال فك الشفراةت والإشارات ممّا
يسهّل على النّاقد التّفاعل مع النصوص الأدبيّة وذلك من خلال ارتكازها على مجموعة
من القواعد والمبادئ لعل أهمها : التحليل المحايث الّذي يسعى إلى البحث عن المعنى
الدّاخلي للنّص ، والتحليل البنيوي الذي يهتمّ بالدّراسة الوصفيّة الدّاخلية للنّص
، أما تحليل الخطاب فهو يسعى إلى انتاج الخطاب وتنظيمه ليكون نصّا متكاملا