مخطط الموضوع

  • أستاذ المقياس

    الأستاذ: عبد العزيز بوحلاس

    المركز الجامعي عبد الحفيظ بوالصوف، ميلة

    التخصص: ماستر لسانيات عربية سنة ثانية

    المقياس: ترجمة النصوص

    bouhlas.abdelaziz@gmail.com

    Translation


  • المحاضرة الأولى: الترجمة، تعريفات

    الترجمة في القواميس العربية
    الترجمة على وزن فعلل مصدرها « ترجم » , وجمعها « تراجم » , والتاء والميم أصليتان. وجعل الجوهري التاء زائدة و أورده في كتاب « رجم » و يوافقه في نسخة ما في نسخة من التهذيب من باب « رجم » أيضاً.
    - جاء في معجم الوسيط: ترجم الكلام بيّنه ووضّحه وكلام غيره وعنه: نقله من لغة إلى أخرى ولفلان ذكر ترجمته.
    - وجاء في المصباح المنير: ترجم فلان كلامه إذا بيّنه وأوضحه وترجم كلام غيره إذا عبّر بلغة غير لغة المتكلم. ولسانٌ مترجمٌ إذا كان فصيحا ويُجمعُ تراجم وتراجمة.
    1- الترجمة تعني سيرة الشخص وحياته. فنقول مثلاً  "قرأتُ ترجمة فلان" أي قرأت سيرته ».
    2- الترجمة تعني التحويل, فيقال مثلاً "أرغب أن تُترجم الأقوال إلى أفعال" أي "أرغب أن تتحول الأقوال إلى الأفعال".
    3- الترجمة تعني ألية نقل الكلام من لغة إلى أخرى. فقولنا  "ترجمة النص العربي إلى العبري"، أي  "نقل كلام النص من اللغة العربية إلى اللغة العبرية مثلا".
    4- الترجمة تعني التبيان والتوضيح. و "ترجم فلان كلامه" إذا بيّنه و وضحه.
    5- الترجمة تعني ناتج ألية الترجمة، فنقول هذه الكتاب هو "ترجمة" للكتاب الفلاني.
    واسم الفاعل "ترجمان" ويلفظ بأشكال مختلفة ,فيلفظ كالتالي:
    1-  "تَّرْجُمان" بفتح التاء وضم الجيم وهذا أجودها بقول أغلب اللغويين.
    2- « تّرجُمان" بضمهما معاً بجعل التاء تابعة للجيم.
    3- "تَّرجَمان" بفتحهما معاً بجعل الجيم تابعة للتاء.
    وقال اللحياني : وهو « التَّرجُمان » والتُّرجُمان»,لكنه ذكر الفعل في الرباعي « ترجم » وله وجه فإنه يقال "لسان مترجم" إذا كان فصيحاً قوّالاً.
    لكن الأكثر على أصالة التاء كما هو شائع الآن من قولنا "إنسان مترجم" لمن يعمل في الترجمة.
     اصطلاحًا:
    الترجمة أحد الأنشطة البشرية التي وُجدت منذ القدم، وتهدف إلى تفسير المعاني التي تتضمَّنها النصوص، وتحويلها من إحدى اللُّغات (لُغة المصدر) إلى نصوص بلُغة أخرى (اللُّغة المُستهدفة).
    أصل اللفظ في اللغات الأجنبية
    لم يكن للفظ Traduire (على صيغة الفعل) وجود في اللسان الفرنسي قبل القرن السادس عشر. وهو يعود، في أصله، إلى فعل لاتيني قديم جدا، كانت هيأته في صيغة المصدر المضارع  Transferre، وفي صيغة اسم المفعول Translatus.وكان المترجم يعرف في اللسان اللاتيني باسم Interpres. وكان اسم الترجمان في اللسان الفرنسي Interpète –كما في اللسان الإنجليزي Interpreter- يطلق على من كانت وظيفته “فك” مستغلقات النصوص التي يستعصي فهمها. وكان يطلق، كذلك، على الشخص الذي يرافق الخارجين إلى البلاد الأجنبية. وقد كان هذا الشخص يعرف، في الماضي، باسم دراكومان (في مصر)، أو دروكمان Drogmanno في اللسان الإيطالي، وهو اسم مشتق من الكلمة العربية ترجمان، التي تعود في أصلها، كذلك، إلى الكلمة الأشورية Ragamo – وتعني تكلم. ثم وجدنا موليير قد كتب هذه الكلمة كذا: Truchement  أو Traucheman. ويفيدنا "كاري" أن اسم دروكمان كان يطلق، في القسطنطينية وفي سائر بلاد الشرق، على من يقوم بمهمة الترجمة الرسمية لوفد من الوفود، أو سفارة من السفارات. كما كان يطلق على التراجمة الذين يوكل إليهم، رسميا، مرافقة الديبلوماسيين والقناصلة المعتمدين في بلدان الشرق، وبخاصة منها البلدان المسلمة. (وقد تم التخلي عن لقب دروكمان في عام 1902)، بينما أصبح اسم ترجمان مقصورا على الأعوان العاملين في بلدان الشرق الأقصى. ويرى جورج ستاينر أنّ لكلمة Truchement  في كتاب باسكال Les provinciales إيحاءات قدحيّة، فهي تجعل اسما لوسيط لا يبلغ كل ما يسمع في أمانة تامة! ولقد كانت هذه الكلمات تشير، في المقام الأول، إلى عملية ذهنية، لأن غالبية الناس كانوا أميين، أو لأن اللسان المتداول شفاها كان يعتبر أكثر أصالة من الكتابة. ويعود الفضل إلى روبير إيتيان في إدخال فعل Traduire إلى اللسان الفرنسي (كان ذلك في 1539)، ليحل، فور ذلك، محل فعل Translater. ثم أضاف إليه إتيان دولي كلمتين، هما: Traducteur وtraduction  في 1540.

    وعليه فلفظة الترجمة لها في اللغة خمسة معانٍ:

    والفرق بين المترجم والترجمان هو أنّ الأول يختص بالمكتوب بينما الثاني بالمنطوق "الترجمة الشفاهية".


    • المحاضرة الثانية: أنواع الترجمات

      في ورقة نشرها عام 1959 بعنوان "حول الجوانب اللغوية للترجمة"، قسّم اللساني رومان ياكوبسون الترجمة إلى ثلاثة أقسام هي:

      1. ترجمة داخل اللغة الواحدة Intralingual: ويقصد بها إعادة صياغة الكلام ضمن اللغة الواحدة، مثل الشروحات والتفاسير والمعاجم أحادية اللغة والقواميس. وتكون الترجمة هنا بمعنى "التفسير والتوضيح والشرح" كما مر معنا في المحاضرة الأولى.

      2. ترجمة بين العلامات Intersemiotic: ويقصد بها الانتقال من نمط علاماتي إلى ٱخر مختلف، كترجمة لوحة فنية إلى قطعة نثرية، أو تفسير لغة الإشارة للصم البكم، وهي أكثر أنواع الترجمات ممارسة في حياتنا اليومية؛ قراءة اللوحات الإعلانية، فك الرموز والإشارات، إيماءات الجسد وعلامات الوجوه وتشخيص الأمراض حسب الأعراض، وقراءة إشارات المرور والتخاطب عبر فيسبوك مثلا باستعمال الأيقونات والصور والرموز.

      3. ترجمة بين اللغات Interlingual: وهي ما يقصد به عموما بالترجمة translation.

      وبناء على هذا التقسيم يمكننا أن نقول بأن الترجمة (القسم الثالث) تنقسم إلى:

      - ترجمة أدبية: اللغة فيها تكون غاية في حد ذاتها، كالشعر والنثر والقصة وغيرها.

      و- ترجمة غير أدبية: اللغة فيها ليست سوى أداة، كلغة الصحفيين والمؤرخين والأكاديميين.
      ملاحظة: هناك تقسيمات عديدة للترجمة، حسب المترجم (ٱلية وبشرية)، وحسب موضوع الترجمة (عامة وخاصة) ...إلخ، ونكتفي في محاضرتنا بالتقسيم الذي أحسبه الأمثل لأنه يتكئ على اللغة، مدار تكوينكم كطلبة لسانيات.

      مخطط لأنواع الترجمات

      • المحاضرة الثالثة: العرب والترجمة

        بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية واستقرار نظام الحكم واحتكاك العرب بإمبراطوريتي الفرس      والروم، وقد كانت الدواوين أول ما ترجمه العرب عن جيرانهم في عهد عمر بن الخطاب، ثم اتجهوا نحو ترجمة مختلف العلوم والفنون والٱداب، سعيا لتدارك تأخرهم المعرفي. لقد كان تعطشهم للمعارف كبيرا، وتجلى ذلك في حركة الترجمة التي باشروها في عهد الخليفة هارون الرشيد في بغداد، ثم استمرت قرابة الثلاثة قرون ممتدة إلى الأندلس. لقد حضيت حركة الترجمة بدعم سياسي كبير، وهو ما ساهم في تأسيس مدرستين كان لهما الأثر العظيم في نقل مختلف المعارف والفلسفة والعلوم من اليونانية والسريانية إلى العربية أول الأمر، ومن العربية وإلى اللاتينية والقشتالية لاحقا. عرف العرب مدارس ترجمية عدة ابرزها: بيت الحكمة ببغداد وكلية الإسكندرية وكلية نيسابور ومدرسة طليطلة بالأندلس. 5/ بيت الحكمة ق8 م: يتفق المؤرخون العرب والأجانب على أن الأمير خالد بن يزيد هو أول من أمر بنقل المصنفات الإغريقية والسريانية إلى اللغة العربية، وأهمها في مجالات الطب والفلك والكمياء، كما أن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز يعتبر أول خلفاء بني أمية الذي أبدى اهتماما بالترجمة، حيث كلف الطبيب اليهودي البَصْري ماسرجويه بعدة ترجمات طبية من السريانية إلى العربية. بيت الحكمة أو خزائن الحكمة هيَ أول دار علمية أقيمت في عمر الحضارة الإسلامية، أُسِّسَت في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، واتُّخذَ من بغداد مقراً لها. كان أبو جعفر المنصور مهتماً بعلوم الحكمة، فترجمت له كتب في الطب والنجوم والهندسة والآداب، فقام بتخصيص خزانات للكتب في قصره لحفظها حتى ضاق قصره عنها. عندما تولى هارون الرشيد الحكم أمر بإخراج الكتب والمخطوطات التي كانت تحفظ في جدران قصر الخلافة، لتكون مكتبة عامة مفتوحة أمام الدارسين والعلماء وطلاب العلم وسماها ببيت الحكمة، وأضاف إليها ما اجتمع عنده من الكتب المترجمة والمؤلفة، فتوسعت خزانة الكتب وأصبحت أقسام لكل منها من يقوم بالإشراف عليها، ولها تراجمة يتولون ترجمة الكتب المختلفة من الحضارات المجاورة إلى العربية، وتحولت من مجرد خزانة للكتب القديمة إلى بيت للعلم ومركزاً للبحث العلمي والترجمة والتأليف والنسخ والتجليد، وأصبح لبيت الحكمة دوائر علمية متنوعة لكل منها علماؤها ومترجموها ومشرفون يتولون أمورها المختلفة. في عهد المأمون عاش بيت الحكمة عصره الذهبي، فأتجه لجلب الكتب اليونانية من بلاد الروم وترجمتها، وبرز في عهده أسماء كبيرة في حركة النهضة العلمية في علم الفلك والطب والفلسفة ترجمةً وتأليفاً. كان عهد المأمون أزهى عصور بيت الحكمة، ولم يجد بعده من يمنحه العناية الكافية، وبدأت الحركة العلمية في بيت الحكمة في الجمود والإهمال حتى سقطت بغداد بيد هولاكو عام 656 هـ الموافق 1258م، والذي حول بيت الحكمة وغيره من خزائن الكتب العامة والخاصة لخراب، وألقى بعض كتبها في نهر دجلة، قبل الحصار قام نصير الدين الطوسي بإنقاذ حوالي 400,000 مخطوطة ونقلها إلى مرصد مراغة. وبهذا الخراب يكون بيت الحكمة قد امتد عمره من عهد هارون الرشيد حتى سنة 656 هـ عام سقوط بغداد والدولة العباسية، ومرَّ عليه منذ أن أُنشأ 32 خليفة عباسي. أهم المترجمين العرب يوحنا البطريق وابن ناعمة الحمصي، وقد اشتهرا بالترجمة الحرفية. حنين بن إسحاق وقد ترجم وحده 116 مؤلفا. عاش فترة في اليونان فأخذ لغتهم، وتراس بيت الحكمة وعرف عنه ترجمته للجملة اليونانية بمثيلتها من العربية (ترجمة معنوية). ترجمة كتابا الأخلاق والطبيعة لأرسطو. عبد الله بن المقفع وترجمته لكليلة ودمنة من الفارسية (لغة وسيطة عن السنسكريتية الأصل التي كتب بها الكتاب) عام 750م. 6/مدرسة طليطلة 1200م: أثروا المكتبات الأوروبية بعديد الترجمات إلى اللغة اللاتينية واللهجة القشتالية (يعزى لها الفضل في نشأة اللغة الإسبانية)، وقد رافق هذا تطور علمي هائل عرفته الأندلس، ما اعتبر حجر الأساس للنهضة الأوروبية

         


        • هذا الموضوع

          المحاضرة الرابعة: نظريات الترجمة

          لقد ظل مدار الجدل في الترجمة بين ثنائية الحرفية والحرة (كلمة بكلمة في مقابل معنى بمعنى)، ويسميها بيتر نيومارك Newmark بحقبة "ما قبل اللسانيات في الترجمة"، إلى غاية أوائل القرن 19 أين طرحت الرومانسية قضية إمكانية الترجمة واستحالة الترجمة. لقد طرح الرومانسي الألماني شلايرماخر Schleiermacher عام 1813م إشكالية ترجمية سيكون لها عظيم الأثر على نظريات الترجمة الحديثة. فقد تساءل شلايرماخر عن "كيفية الجمع بين كاتب النص المصدر وقارئ النص الهدف". وكان جوابه أن المترجم (مترجم النص الأدبي طبعا) أمام طريقين لا ثالث لهما: "إما أن يترك المترجم الكاتب مرتاحًا قدر المستطاع وينقل القارئ إليه، أو يترك المترجمُ القارئَ مرتاحًا قدر المستطاع وينقل الكاتبَ إليه". أطلق على الطريقتين مصطلحا الأجنبة (Alienating) والتطبيع أو التدجين (Naturalizing). ويفضل شلايرماخر بالطبع الطريقة الأولى، فمن إيجابياتها: انفتاح القارئ على الٱخر وإثراء اللغة الهدف بالأساليب والتراكيب ‌الجديدة. نجد ٱثار هذه الأفكار الرومانسية في كثير من نظريات الترجمة الحديثة التي سنتطرق إليها لاحقا. نظريات الترجمة: لقد فتح تطور الدرس اللساني ٱفاقا منهجية جديدة في التنظير للترجمة، بدءًا باهتمام العديد من اللسانيين، على رأسهم ياكوبسون، بالترجمة باعتبارها فرعا مهما من فروع اللسانيات التطبيقية، ثم بروز قضايا لغوية أصبحت مدار نقاش البحث الترجمي مثل "المعنى" و"التكافؤ" والأسلوبية المقارنة وغيرها.

          1-   ياكوبسون ونظرية تكافؤ الرسالة:

           ينطلق ياكوبسون من قول سوسير باعتباطية العلاقة بين الدّال والمدلول، إذ ليس هناك حسبه "تطابق في الوحدات الشفرية بوجه عام"، فكلمة "أسد" لا تتطابق مع كلمة "lion"، وعليه فالترجمة بين اللغات هي "تبديل رسائل في لغة معينة برسائل كاملة في لغة أخرى،وليس بوحدات شفرية منفصلة". فرسالة النص الأصل "تكافئ" رسالة النص الهدف رغم اختلاف وحداتهما الشفرية لاختلاف النظام العلاماتي للغتين. ويؤكد ياكوبسون على أن الفوارق بين اللغات تتمحور حول صيغ نحوية ومعجمية إلزامية. أمثلة: - مستوى الجنس: فالقمر مذكر في العربية ومؤنث في الفرنسية ومحايد في الإنجليزية. - مستوى الدلالة: استعمال فعل الكينونة to be في الإنجليزية و être في الفرنسية، بينما هو غير موجود في لغات أخرى مثل العربية.

          2-   يوجين نايدا ونظرية التكافؤ الشكلي والدناميكي:

           تهتم هذه النظرية بالمتلقي والأثر الذي يتركه لديه النص. واتكأ نايدا Nida في بسط نظريته على تحويلية تشومسكي، فكل عبارة هي بنية سطحية متحولة وفق قواعد نحوية وصرفية ودلالية وتركيبية عن بنية عميقة. وٱلية الترجمة حسب نايدا تمر أولا عبر تحليل تشومسكي للعبارات وصولا إلى النواة التي هي ديدن المترجم، فيقوم بتحويلها إلى بنية سطحية باللغة الهدف مستعينا بالقواعد النحوية التي تجعل من العبارة وكأنها كتبت أول مرة باللغة الهدف. يفرق نايدا بين نوعين من المكافئ؛ شكلي وديناميكي. فالشكلي يماثل النص لسانيا (بنيته اللغوية)، بينما الديناميكي يقتفي أثر الرسالة لدى المتلقي. لفهم الفرق بينهما نضرب المثال التالي: روميو وجولييت في النصوص الإنجليزية هما المكافئ الديناميكي لقيس وليلى لدى المتلقي العربي. يلجأ المترجم للمكافى الشكلي عندما يتشارك المتلقيان الأصلي والهدف العبارة أو الكلمة ذاتها في ثقافتيهما، الأفعال (أكل وشرب ونام) والأسماء (قلم وكراس وبحر)، بينما يلجأ البحث عن مكافئ ديناميكي في حالة استحالة فهم الترجمة الحرفية أو المباشرة للعبارة والكلمة، مثل ترجمة الأمثال والحكم والعبارات المسكوكة.

          3-   كاتارينا رايس ونظرية أنماط النصوص:

           Katarina Reiss 1971.  رأت أن التكافؤ يجب أن يكون في وظيفة النص لا في معاني الجمل أو الكلمات. بناء على النظرية الوظيفية لبوهلر قدمت نظريتها في أنماط النصوص وأضافت النص السمبصري. فطبيعة النص تختلف باختلاف وظيفة لغته، فهناك الوظيفة الوصفية (نصوص عامة علمية وقانونية...) والتعبيرية (نصوص الأدب من شعر ونثروالتأثيرية (كالنصوص الإعلانية والتوجيهية). فالمترجم مطالب بأن تمتلك لغة النص الهدف الوظيفة الأصلية ذاتها التي اضطلعت بها لغة النص الأصل. وعليه تكون ترجمة النصوص الإخبارية ترجمة أشبه بالحرفية، وترجمة النصوص الأدبية ترجمة حرة إبداعية، وترجمة النصوص الإعلانية تكيفية حسب لغة وثقافة ومتلقي النص الهدف.

          4-   إيفان زوهار ونظرية الأنساق المتعددة:

          يرى Even Zohar أن المترجم لا يملك حرية اختيار استراتيجية ترجمته للنص، بل هو خاضع لموقع نسق الأدب المترجم ضمن الأنساق الأدبية الأخرى. فإذا كانت الرواية مثلا تتموقع في مركز النسق الأدبي للمجتمع الهدف، فإنّ مترجمي الرّواية مجبرون على الترجمة حسب النّمط السّردي السائد، بينما لو كانت الرواية في المجتمع الهدف تقبع في الهامش، فإن المترجم سينحو نحو التجديد، كون الأنساق الهامشية تتجدد في استمرار بدافع الوصول للمركز.

          • المحاضرة الأخيرة: تقنيات الترجمة


            أوّل من تحدّث عن تقنيات الترجمة كانا “داربيلنيه” و”فيناي” عام 1958 في كتابهما "الأسلوبية المقارنة للغة الفرنسية والانجليزية”. ونلاحظ من خلال عنوان الكتاب تأثير الدرس اللساني في بلورة مناهج ومقاربات الترجمة. تنطبق هذه الأساليب حتى يومنا هذا على جميع اللغات وهي سبعة أساليب شائعة الاستخدام تنقسم إلى جزئين رئيسيين هما:

            الترجمة المباشرة والترجمة غير المباشرة.
            الترجمة المباشرة
            وسميت بهذا الاسم لأن المترجم يأخذ مباشرة من النص الأصلي، فنجد الكلمات والعبارات ذاتها وفق ثلاث تقنيات:
            1- الاقتراض Borrowing: يقضي باستخدام الكلمة كما هي من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف، بالحفاظ على اللفظ كما هو. ويُستخدم هذا النوع من
            الترجمة عند غياب المصطلح المعادل في اللغة المستهدفة، لا سيّما في المجالات المتخصّصة كالتقنية، والطبية الخ… كما يُستخدم هذا النوع
            لأسباب جمالية وإضفاء للنكهة المحلية على النص أو عند افتقار اللغة للمقابلات التي تعبّر عن التقنيات والمفاهيم الجديدة.
            Tsunami تسونامي
            Pizza بيتزا
            Ramadan رمضان
            Zakat زكاة
            Imam إمام
            2- النسخ Calque: أو المحاكاة، ويقضي بالترجمة الحرفية لعبارة أو تعبير من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف. والفرق بين المحاكاة والترجمة الحرفية هو أن
            ناتج الترجمة لا يكونوله معنى في العادة، مثلا: الحرب الباردة هي محاكاة ونسخ لعبارة Cold war. والحرب لا توصف بالباردة أو الدافئة أو الحارة.
            Weekend  نهاية الأسبوع
            Fast food إطعام سريعة
            3- الترجمة الحرفية Literal translation: أسهل أنواع الترجمة إذ تترجم الكلمة بالكلمة المرادفة لها في اللغة المستهدفة، ويكون للعبارة معنى سليم وواضح في الثقافة الهدف. هذه الترجمة هي الأقرب إلى الترجمة الألية التي تحتاج رغم ذلك إلى الكثير من التنقيح. تكثر الترجمة الحرفية بين اللغات المتقاربة في الشجرة اللغوية، بين العربية والعبرية مثلا لأن هناك تشلبها كبيرا في بنية العبارات والضماشر والصفات وتصريف الأفعال، والأمر كذلك بين اللغة الفرنسية والإسبانية، الإالمانية والإنجليزية.
            The kid ate the apple أكل الولد التفاحة
            The house at the top of the mountain المنزل على قمة الجبل
            الترجمة غير المباشرة
            وسميت بهذا الاسم لأننا لا نجد مطلقا المفردات والعبارات  التي وردت في النص الأصلي، بل يحدث تغير كبير فيها عبر أربع تقنيات:
            1- التطويع Modulation: ويقضي بتغيير بؤرة العبارة، فلكل لغة نظرتها الخاصة للعالم، فنقول مثلا:
            Il est devant l'immeuble.
            He is outside the building.
            إنه أمام البناية.


            في المثال التالي لاحظ أن المتكلم الإنجليزي يركز على الأماكن الشاغرة بينما رؤية المتكلم العربي وبؤرة حديثه تنطلق من الاماكن المحجوزة.

            There are no places left
            جميع الأماكن محجوزة
            2- الإبدال Transposition: ويقضي باستبدال فئة نحوية بفئة نحوية أخرى من دون تغيير المعنى.
            * إبدال الفعل بإسم: قبل مغادرته Before he leaves
            * إبدال الحال بالفعل: أجاب بغضب (غاضبا) He answered angrily.
            شبه الجملة عوض الحال.
            * إبدال الإسم والصفة بالفعل والحال: تركض بسرعة She is a fast runner
            3- المعادل أو المكافئ Equivalence: وتقضي باستخدام عبارة مماثلة للعبارة الأصلية، تكون مناسبة في اللغة والثقافة المستهدفة.ينطبق ذلك لا سيّما على الأمثال والحكم الشعبية، والعبارات الاصطلاحية الخ…
            Like father like son من شابه أباه ما ظلم
            Circumstances alter cases لكل مقام مقال
            4- التكييف أو التصرّف: إذ يتغيير مرجع ثقافي بالكامل إن لم يكن له مثيل في اللغة أو الثقافة المستهدفة.
            في الإنجليزية “Romeo and Juliet”، وعند العرب "قيس وليلى
            في الثقافة الفرنسية لديهم "نكت البلجيكيين"، وفي الثقافة البريطانية نجد "نكت الإيرلنديين".
            هذه كانت لمحة سريعة عن مختلف أنواع الترجمة التي وحده المترجم البشري قادر على الاختيار بينها أثناء قيامه بترجمة نصّ ما لينقل المعنى الدقيق من لغة لأخرى وثقافة لأخرى. فالترجمة الآلية تفتقر إلى هذه الخيارات التي تشكّل كل الفرق في النصّ المترجم إلى اللغة المستهدفة.