المبحث الأول: مفهوم القرار ات الإدارية
يتعرض القرار الإداري إلى صعوبات في تعريفه. وقد حاول كل من القضاء والفقه تعريف القرار الإداري، غير أنه يمكننا أن نتساءل عن وجود تعريف للقرار الإداري ورد في النصوص القانونية.
المطلب الأول: تعريف وخصائص القرار ات الإدارية وتمييزها عما يشابهها
الفرع الأول: تعريف القرار الإداري
هناك محاولات عديدة من بعض الفقهاء في القانون الإداري لتعريف القرارات الإدارية نذكر منها:
تعريف فؤاد مهنا: "عمل قانوني من جانب واحد، يصدر بإرادة إحدى السلطات الإدارية في الدولة، ويحدث آثار قانونية بإنشاء وضع قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء وضع قانون قائم".(1)[1]
تعريف الأستاذ هوريوHOURIOU: "تصريح وحيد الطرف عن الإرادة صادر عن السلطة الإدارية المختصة، بصيغة النفاذ وبقصد إحداث أثر قانوني". (2)[2]
تعريف الأستاذ ناصر لباد: "القرار الإداري عمل قانوني صادر بصفة انفرادية من سلطة إدارية، الهدف منه هو إنشاء بالنسبة للغير حقوق والتزامات".
من خلال هذه التعاريف السابقة يمكن أن نستنتج خصائص تميز القرار الإداري، وأن للقرار الإداري عدة عناصر.
الفرع الثاني: خصائص القرار الإداري
تجمع القرارات الإدارية أربعة خصائص هي:
- القرار الإداري عمل قانوني:
العمل القانوني، هو العمل الذي يصدر بقصد ترتيب آثار قانونية. وهذه الآثار يمكن أن تتجسد سواء في إحداث قاعدة ذات طابع عام أو خلق وضع قانوني فردي. لأن العمل القانوني يخلق دائما حقوق وواجبات، ويغير النظام القانوني القائم.
وتتخذ عملية التغيير في النظام القانوني، الصور الثلاثة الآتية: إنشاء أو إلغاء أو تعديل المراكز القانونية.
وتتمثل الصورة الأولى مثلا في تعيين عون إداري في منصب ما، أما الصورة الثانية فتتجسد على سبيل المثال في تسريح موظف من منصب عمله، أما الصورة الثالثة، فتتجلى من خلال ترقية موظف.
- القرار الإداري يصدر عن سلطة إدارية:
إن السلطات الإدارية ليست هي السلطات العمومية الوحيدة. فحسب المبدأ التقليدي لفصل السلطات، هناك السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وكل واحد من هذه السلطات يعبر عن نفسه بأعمال قانونية من طبيعة مختلفة، فيكتسي القرار الإداري طابعه الإداري لارتباطه بالإدارة، أي الإدارة العمومية سواء كانت مركزية أو محلية. وتعد الإدارة العمومية أداة السلطة التنفيذية، تتكفل بالمحافظة وخدمة الصالح العام.
- القرار الإداري قرار إنفرادي:
بمعنى أنه يصدر عن الإدارة بإرادتها المنفردة، فالمهم في القرار الإداري أن يصدر ويعبر عن إرادة جهة واحدة بصفة انفرادية، حتى وإن اشترك في اتخاذ هذا القرار عدد غير محدود من الأفراد، كالقرار الوزاري المشترك، الذي يتعدد المشاركون في اتخاذه (وزيرين فأكثر) ورغم ذلك فهؤلاء مهما كان عددهم لا يعبرون في الواقع سوى عن إرادة شخص واحد هو إرادة شخصية الدولة، وهذا معنى القرار الانفرادي.
والأستاذ "موريس هوريو" قال أن القرار الإداري هو ترجمة لنظرية السلطة العامة، لأن الإدارة تخاطب الشخص بمضمون القرار ولا تستشيره في عملية إتخاذ القرار فالإدارة تتصرف بإرادة منفردة.
- القرار الإداري عمل يتمتع بالطابع التنفيذي:
يتمثل الجانب التنفيذي للقرار الإداري، في الإمتياز المعترف به للإدارة في اتخاذ قرارات إجبارية تنفذ بدون اللجوء إلى القاضي. ويسمى هذا الإمتياز "إمتياز الأسبقية" "le privilège du préalable ". والنافذية في القرار الإداري تعني إمكانية تنفيذ القرار الإداري بصفة آنية، لا تحتاج إلى تعطيل أو انتظار ذلك لأنه يتمتع بمبدأ أو امتياز الأولوية.
الفرع الثالث: تمييز القرار الإداري عما يشابهه
- تمييز القرار الإداري عن العمل التشريعي: لأجل ذلك لدينا معيارين
المعيار الأول: المعيار الشكلي (العضوي): يركز على الهيئة أو الجهة التي يصدر عنها العمل، فالعمل التشريعي صادر عن السلطة التشريعية والعمل الإداري صادر عن السلطة التنفيذية.
المعيار الثاني: المعيار الموضوعي (الوظيفي أو المادي): يركز أساسا على محتوى وموضوع العمل، فإن اعتبار عمل ما عمل تشريعي أو عمل إداري يستند أساسا لما يتضمنه محتواه من مواضيع تدخل ضمن نطاق اختصاص السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية.
-تمييز القرار الإداري عن العمل القضائي: يتم الاعتماد على معيارين
المعيار الأول: المعيار الشكلي: العمل القضائي يصدر عن الهيئات القضائية والعمل الإداري يصدر عن الهيئات الإدارية.
المعيار الثاني: المعيار الموضوعي: النشاط الإداري يهدف إلى تنفيذ القوانين وإعداد وتنفيذ القرارات الإدارية أما النشاط القضائي فيهدف إلى إيجاد حلول للمنازعات.
Remarque :
للتمييز بين القرار الإداري وغيره من أعمال السلطات الأخرى في بعض الحالات نحتاج إلى الدمج بين المعيارين لأن معيار واحد لا يكفي أن يبين لنا إذا كنا أمام قرار إداري أو في عمل من أعمال السلطات الأخرى.
إذن نحتاج إلى وجود المعيار المختلط، هذا المعيار ننظر فيه أولا إلى المعيار العضوي ثم نتأكد بالمعيار الموضوعي (والمعيار المختلط هو المعيار الراجح).
المطلب الثاني: أنواع القرارات الإدارية
هناك العديد من القرارات الإدارية، وهي تصدر في أشكال عديدة ومتنوعة كما تتضمن موضوعات غير محددة، ولقد قسم الفقهاء القرارات الإدارية إلى عدة أنواع، وهذا بتعدد الزوايا التي تنظر منها إلى القرارات الإدارية.
الفرع الأول: القرارات الإدارية من حيث التكوين
وتنقسم إلى
- القرارات البسيطة:
وهي التي تصدر بصفة مستقلة وتكون قائمة بذاتها غير مرتبطة بعمل آخر. فهي لا ترتبط بغيرها من القرارات أو الأعمال القانونية، ولا تدخل في تكوين أي عمل من الأعمال القانونية الأخرى، ويلاحظ أن أغلب القرارات الإدارية تدخل في هذه الطائفة من القرارات، كقرارات التعيين في الوظيفة العامة، أو الطرد منها أو الترقية فيها، وكمنح رخصة أو سحبها من أصحابها أو كمنع إقامة مظاهرة أو تجمع ...إلخ.
- القرارات المركبة
هي قرارات تدخل في تكوينها أعمال قانونية أخرى، وترتبط بها ولا تستقل بنفسها، مثل قرارات نزع الملكية للمنفعة العامة التي تتكون من عدة قرارات تتداخل فيما بينها فقرار نزع الملكية لا يتم إلا بعد إجراء تحقيق ميداني ثم التصريح بالمنفعة العامة وكذلك الشأن بالنسبة لقرارات إرساء صفقة معينة، فهي أعمال مركبة من عدة أعمال قانونية تتخذ وفق قانون الصفقات العمومية، وكذلك مثل قرار عزل موظف من منصبه إذ يستند إلى قرار اللجنة المتساوية الأعضاء...إلخ.
الفرع الثاني: القرارات الإدارية من حيث مداها
تنقسم إلى قرارات إدارية تنظيمية أو لائحية وقرارات إدارية فردية.
- القرارات الإدارية التنظيمية أو اللوائح:
القرار الإداري التنظيمي، هو طائفة من القرارات الإدارية التي تتضمن قواعد عامة ومجردة تنطبق على عدد من الحالات غير محددة بذاتها، وموجهة لعدد غير محدد من الأشخاص ويعرف كذلك بأنه العمل الصادر من السلطة الإدارية ويتضمن قواعد عامة.
ومن أمثلة هذا النوع من القرارات قرار الوالي المنظم للمرور داخل المدينة، وبهذه الصفة فإنه يخص كل سائقي السيارات وكل الراجلين.
فالقرارات الإدارية التنظيمية تعتبر قريبة جدا من القانون أو التشريع لأن التشريع يصدر هو الآخر في شكل قواعد عامة ومجردة لا تتعلق بشخص باسمه أو صفاته. وللتمييز بينهما يتم اللجوء للمعيار العضوي فالتنظيم يصدر عن الإدارة العامة بينما التشريع يصدر عن البرلمان أو السلطة التشريعية.
- القرارات الإدارية الفردية:
هي قرارات تخاطب شخص أو أشخاص بذواتهم بأسمائهم أو بصفاتهم وهي أنواع
القرارات الشخصية: وهي قرارات تخص شخص محدد مثل قرار تعيين موظف معين، أو قرار إعطاء ترخيص لشخص معين.
القرارات الجماعية: وهي قرارات فردية غير تنظيمية، تخص عددا معينا وغير محدد من الأشخاص بأسمائهم وذواتهم وصفاتهم، مثل القرار الذي يحمل نتيجة مسابقة من المسابقات أو امتحان من الامتحانات، وأبرز مثال لها القرارات التي تحمل الإعلان عن نتائج البكلوريا.
الفرع الثالث: القرارات الإدارية من حيث تأثيرها على المراكز القانونية
وتنقسم إلى:
- قرارات منشئة:
وهي القرارات التي تنشأ مراكز قانونية لم يكن موجود من قبل إنشاءً، تعديلاً، وإلغاءً.
وأغلب القرارات الإدارية قرارات منشئة لمراكز قانونية، مثل قرارات التعيين في الوظيفة العامة وقرارات الطرد منها أو القرارات القاضية بمنح رخصة أو سحبها ...إلخ.
- قرارات كاشفة:
هي قرارات لا تنشئ مراكز قانونية جديدة، مثل القرارات المفسرة، فهي لا تنشئ وإنما تؤكد على وضع قانوني قديم مثل إصدار الإدارة قرار تسوية الوضعية المالية لموظف فهي بذلك تؤكد حقا قديما ووضعا قائما.
إذن القرارات الكاشفة ينحصر دورها كما قلنا في كشف وتأييد مركز قانوني كان موجودا مسبقا، ومن أمثلتها كذلك القرارات الصادرة لطرد موظف صدر في حقه حكم قضائي في جريمة مخلة بالشرف، فالقرار الإداري هنا لا يضيف شيئا وإنما يكتفي بتأكيد ما جاء على لسان القاضي، والقرار الذي يرفض تظلم قدمه موظف في قرار إداري مشروع يعتبر قرارا كاشفا لأنه لا ينشئ أي مركز قانوني ولا يضيف أي أثر جديد فالقرار الرافض للتظلم يكتفي بكشف حقيقة واحدة هي سلامة ومشروعية القرار الإداري المتظلم فيه.
الفرع الرابع: القرارات الإدارية من حيث خضوعها لرقابة القضاء
وتنقسم إلى:
- قرارات خاضعة لرقابة القضاء:
وفقا لمبدأ المشروعية أو مبدأ سيادة القانون، مبدئيا جميع القرارات الإدارية تخضع لرقابة القضاء سواء بإلغاء هذه القرارات أو التعويض عنها.
- قرارات غير خاضعة لرقابة القضاء:
استثناء على مبدأ المشروعية، تم استبعاد بعض القرارات الإدارية من الخضوع لرقابة القضاء، يتمثل هذا الاستثناء أساسا فيما يسمى بأعمال السيادة أو الأعمال الحكومية (les actes de gouvernement)، وتعرف أعمال السيادة أو أعمال الحكومة، بأنها قرارات إدارية تتمتع بالحصانة القضائية وتجعل هذه القرارات غير قابلة أن تكون محل دعوى قضائية.
وتشمل على الأرجح أربع أنواع تتمثل في: الأعمال المتصلة بعلاقة السلطة التنفيذية بالبرلمان، والأعمال المتصلة بالعلاقات الخارجية للدولة، والأعمال المتصلة بالحرب وأخيرا الأعمال التي لها صلة بتدابير أمن الدولة الداخلية، هذه الأعمال جميعها لا تخضع لرقابة القاضي الإداري.