المبحث الثاني: أركان القرارات الإدارية

حتى يكون القرار الإداري له الصفة القانونية ويكون صحيحا، يجب على الإدارة عند إعدادها للقرار الإداري احترام بعض الشروط أو الأركان. وهذه الأركان وضعها الفقه استنادا إلى القضاء.

المطلب الأول: أركان المشروعية الخارجية للقرارات الإدارية

يقصد بالأركان الخارجية للقرارات الإدارية العناصر التي يتضمنها القرار من خلال مظهره وشكله الخارجي وهي تتكون من ركن: الاختصاص، الشكل والإجراءات.

الفرع الأول: ركن الاختصاص

الاختصاص معناه: صلاحية سلطة إدارية، لاتخاذ قرار معين كما يحدده القانون من حيث المكان والزمان والموضوع. وكذلك يقصد بالإختصاص الصفة القانونية أو القدرة القانونية التي تعطيها القواعد القانونية المنظمة للإختصاص في الدولة، لشخص معين ليتصرف ويتخذ قرارات إدارية بإسم ولحساب الوظيفة الإدارية في الدولة، على نحو يعتد به قانونا.

ويتخذ الاختصاص أربع عناصر أو صور متفق عليها من طرف الفقه وهي:

- العنصر الشخصي:

يعتبر الاختصاص شخصيا في القرار الإداري، بمعنى أنه لا يحق لغير صاحب الاختصاص ممارسته. وهذا هو الأصل في كل الأعمال الإدارية بحيث لا يجوز لمن هو مكلف بعمل معين أيا كان مستواه في السلم الإداري أن يعين من يخلفه في عمله لأي سبب أو أي شخص كان، سواء كان من أقاربه أو من زملائه أو من أشخاص آخرين أجانب عليه.

فالقاعدة هي أن العمل شخصي، يقوم به صاحبه لا غير، لكن ونظرا إلى أنه كثيرا ما يتعذر على صاحب الاختصاص ممارسة اختصاصه بنفسه لأسباب مشروعة ومقبولة عقلا، فقد رتب القانون لهذه القاعدة استثناءات من بينها: نظرية الموظف الفعلي، التفويض الإنابة والحلول.

- العنصر المادي (الموضوعي):

نقصد بالعنصر المادي في الاختصاص الإداري، الجانب الموضوعي فيه أو الموضوع الذي يختص فيه الشخص الإداري.

فالإدارة لا تتدخل في اختصاص لم يحدده لها القانون، النص الذي أنشأ الشخص المعنوي وعينه هو الذي يحدد اختصاصاته، مثلا مؤسسة رئاسة الجمهورية الدستور هو الذي أنشأها وحدد صلاحيات رئيس الجمهورية، مثلا قانون البلدية رقم:10/11 يحدد في مواده اختصاصات رئيس المجلس الشعبي البلدي سواء بصفته ممثلا للدولة أو ممثلا للبلدية. وبالتالي القانون هو من يمنح الإختصاص لجهة معينة وهو من يسحبه منها.

- العنصر المكاني:

ويتحدد بالنطاق الجغرافي أو الإقليمي الذي تعمل في دائرة اختصاصه هذه السلطة الإدارية، فالوالي في حدود ولايته ورئيس المجلس الشعبي البلدي في حدود البلدية، في حين السلطة الإدارية المركزية تمارس اختصاصاتها على كافة التراب الوطني.

ويقصد به صدور القرار في نطاق جغرافي معين وتنفيذه فيه، ولا يحق لصاحب الاختصاص أن يتجاوز حدود اختصاصه الإقليمي تحت طائلة البطلان لعمله.

- العنصر الزماني:

لكل مسؤول إداري نطاق زمني يكتسب من خلاله صفة تؤهله لمباشرة صلاحيات تنتهي مدتها بانتهاء هذه الصفة، فبداية الحياة الوظيفية تكون بقرار التعيين وتنتهي بالتقاعد أو الوفاة أو الاستقالة أو العزل...إلخ.

ويحكم النطاق الزمني لإصدار القرارات الإدارية ضابطين لازمين لصحة تلك القرارات، فيما يتعلق بإختصاص إصدارها، أولهما ضرورة صدورها خلال مدة تقلد الموظف لأعمال الوظيفة، وثانيهما صدور تلك القرارات خلال الميعاد الذي أوجب القانون صدورها فيه.

الفرع الثاني: ركن الشكل

ويقصد به إفصاح الإدارة عن إرادتها وفقا للأشكال أو التدابير التي حددها القانون والأصل أن الإدارة غير ملزمة بشكل معين ما لم يقيدها القانون بذلك.

ويتمثل في مجموع الأشكال والإجراءات التي يشترطها المشرع في قرار إداري معين بحيث تتخذ إرادة السلطة الإدارية مظهرا معينا وطريقا محددا، يوصلها إلى إنتاج الآثار القانونية المتوخاة من قراراتها.

حيث يلزم المشرع السلطة الإدارية على إتباع إجراءات وأشكال معينة، ومقررة في القوانين واللوائح الإدارية والأحكام القضائية، قبل وأثناء وبعد إتخاذ القرارات الإدارية، حماية للمصلحة العامة، وتدعيما لمبدأ الشرعية في الدولة ومن أهم الشكليات التي تفرضها القوانين واللوائح على سبيل المثال: شكلية كتابة القرارات الإدارية في وثيقة معينة، وشكلية توقيع القرارات وتأريخها وشكلية تسبيب القرارات الإدارية، وشكلية نشر وتبليغ القرارات وشكلية احترام توازي الأشكال... إلى غيرها من الشكليات التي لا حصر لها، مما يدفع القاضي إلى التمييز بين الشكليات الجوهرية والشكليات الثانوية، فيرتب حكمه بالإلغاء على القرارات التي تختلف فيها شكلية جوهرية، ويتجاوز ذلك بالنسبة للشكليات البسيطة أو الثانوية.

(الذي يميز الشكليات الجوهرية عن الثانوية هو الإجازة اللاحقة أي التصحيح، إذا كنا نستطيع تصحيح هذه الشكلية فهي شكلية ليست جوهرية، أما إذا إستحال القيام بالتصحيح فهذه عبارة عن شكلية جوهرية).

الفرع الثالث: ركن الإجراءات

أما القواعد الإجرائية فكثيرة هي الأخرى، وهي تتميز عن الأشكال أو الشكليات القانونية، بخاصية أساسية فيها، هي كونها تشكل مرحلة من مراحل القرار الإداري، في حين أن الشكلية ليست سوى مظهر يظهر فيه هذا القرار. أو هي كما يعرفها رجال القانون بمثابة التعبير أو الإعلان الخارجي للإدارة.

ونذكر من هذه الإجراءات على سبيل المثال ما يلي:

  1. إجراء إحترام المدة القانونية أو المواعيد.

  2. إجراء القيام بالتحقيقات اللازمة قبل إتخاذ القرار.

  3. إجراء التصويت.

  4. نظام المداولة.

  5. الإجراء الاستشاري (طلب الاستشارة).

  6. إجراء إحترام حقوق الدفاع.

المطلب الثاني: أركان المشروعية الداخلية للقرار الإداري

نقصد بالأركان الداخلية في القرارات الإدارية العناصر التي يتضمنها القرار في طياته، وداخله، والمندمجة فيه، وهي على ثلاثة أنواع وهي: المحل، السبب، الغاية .

الفرع الأول: ركن السبب

هو الحافز أو الدافع الخارج عن نطاق وإرادة المسؤول على اتخاذ القرار الإداري، والذي يدفعه إلى هذا التصرف، هو إستناده إلى القاعدة القانونية أو إلى حالة واقعية.

وعلى هذا يكون للسب شروط يجب أن تتوفر فيه هي:

7- أن يكون قائما وموجودا، أي أن يكون سبب القرار صحيح من الناحية المادية والقانونية.

8- أن لا يكون وهميا أو صوريا، أي يكون ثابت الوجود.

9- أن تكون الحالة القانونية أو الواقعية موجودة فعلا وليست مصطنعة.

10- إستمرارية الحالة إلى حين إصدار القرار الإداري.

11- بالإضافة إلى وجوب مشروعية السبب فحتى يعتد بالحالة القانونية أو الواقعية يجب أن لا تخالف القوانين والتنظيمات.

الفرع الثاني: ركن المحل

يتمثل المحل في الأثر القانوني المباشر والهدف القريب المترتب على نفاذ القرار الإداري، سواء تمثل هذا الأثر في إنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني. فالمحل في تعيين موظف مثلا، هو ربط العلاقة بين الموظف الجديد والإدارة التي وظفته أما المحل في قرار طرد موظف، فهو قطع الصلة بينه وبين الإدارة التي وظفته.

ويشترط المشرع جملة من الشروط يتعين توافرها في محل القرار الإداري وهي:

  • أن يكون محل القرار الإداري مشروعا، أي أن يكون الأثر الذي يستهدفه القرار الإداري جائز قانونا ومشروع (مثاله: تعيين موظف لم يستوفي شروط التوظيف.)

  • أن يكون محل القرار الإداري ممكنا وليس مستحيلا، ويقصد بالإمكانية هنا الإمكانية الواقعية والقانونية، )ومثاله ترقية موظف متقاعد، أو متوفي ).

الفرع الثالث: شرط الغاية

الغاية هي الهدف والأثر البعيد والنهائي وغير المباشر الذي تستهدفه الإدارة من تصرفاتها القانونية وقراراتها الإدارية، فالغاية من جميع القرارات الإدارية تتمحور حول فكرة واحدة أساسية هي فكرة تحقيق المنفعة العامة . (l'intérêt général) وهذه قاعدة عامة تحكم جميع أعمال السلطة الإدارية وتلتزم بها الإدارة العمومية في كل أعمالها. بحيث أن القانون لم يمنح الإدارة العمومية السلطات والامتيازات (أي امتيازات السلطة العامة) التي تتمتع بها إلا باعتبارها وسائل تساعدها على تحقيق الغاية الأساسية التي تسعى إليها وهي تحقيق الصالح العام.

إذن فهدف القرار الإداري هو الغاية التي تبتغيها الإدارة من وراء إصدارها لقراراتها على الوجه المشروع، وهو تحقيق المصلحة العامة، وما تأثيرها في المراكز القانونية للمخاطبين بقراراتها إلا سعيا منها لتحقيق أهداف النشاط الإداري وهو تحقيق الصالح العام.