المبحث الأول: نفاذ وتنفيذ القرارات الإدارية
يختلف النفاذ عن التنفيذ في القرار الإداري، فالنفاذ خاصية داخلية في القرار الإداري وتعني إستكمال القرار لكل عناصره الداخلية والخارجية وخصائصه بحيث يكون قابلا للتنفيذ"، أما التنفيذ فهو خاصية خارجية تعني إحداث الأثر القانوني المطلوب من القرار، وهذا ما تعنيه قاعدة النفاذ شرط التنفيذ.
المطلب الأول: نفاذ القرارات الإدارية
يفترض في القرارات الصادرة عن الإدارة، أن تكون قابلة للتنفيذ في اللحظة التي تصدر فيها في مواجهة الأفراد وتعتبر هذه اللحظة نقطة إنطلاق لحساب مواعيد الدعاوى والطعون ضد هذه القرارات، فيكون بذلك تاريخ دخول هذه القرارات حيز التطبيق هاما من الناحية القانونية، غير أن هذا الأمر يتطلب أيضا أن يعلم بهذا القرار أولائك الذين يستهدفهم، ولذلك فقد إشترط المشرع على الإدارة أن تحيط المواطنين علما بوجود القرار الإداري انطلاقا من تاريخ صدوره من خلال إجراء إعلامي يختلف بحسب ما إذا كان القرار الإداري تنظيميا أو فرديا (وذلك عن طريق النشر أو التبليغ). كما يكون القرار الإداري نافذا في مواجهة الإدارة، ثم يكون نافذا في مواجهة الأفراد.
الفرع الأول: نفاذ القرار الإداري في مواجهة الإدارة
الأصل أن القرار الإداري يعد صحيحا ونافذا من تاريخ صدوره، ومن ثم فإنه يسري في حق الإدارة من هذا التاريخ، ويستطيع كل ذي مصلحة أن يحتج بهذا التاريخ في مواجهتها، غير أن هذا القرار لا يكون نافذا بحق الأفراد إلا من تاريخ علمهم به.
إلا أن هذه القاعدة ترد عليها بعض الإستثناءات من ذلك أن هناك من القرارات ما يلزم لنفاذها إجراءات أخرى من قبيل:
التصديق.
أو وجود إعتماد مالي، فلا ينفذ القرار إلا من تاريخ إستيفاء هذه الإجراءات اللاحقة.
كما قد تعمد الإدارة إلى إرجاء أثار القرار إلى تاريخ لاحق لتاريخ صدوره وهو ما يعرف بإرجاء أثار القرار الإداري.
الفرع الثاني : نفاذ القرار الإداري في مواجهة الأفراد
يصبح القرار نافذا بمجرد صدوره من السلطة الإدارية المختصة ومن تاريخ هذا الصدور، لكنه لا يسري بحق الأفراد للذين يطبق عليهم إلا من تاريخ علمهم به عن طريق النشر (بالنسبة للقرارات التنظيمية) أو التبليغ الفردي ( بالنسبة للقرارات الفردية)، وقد يلزم القانون الجمع بين النشر والتبليغ الفردي في بعض الحالات الخاصة.
-نفاذ القرار الإداري الفردي عن طريق التبليغ:
يشكل تبليغ القرارت الفردية وسيلة هامة ومباشرة لإعلام الأشخاص بصدور قرارات إدارية في حقهم، والتبليغ هو إخطار الشخص المعني بنسخة من القرار وفقا للكيفيات المحددة قانونا.
ويمكن للإدارة العامة تبليغ قراراتها الفردية إلى الأفراد المعنيين بجميع وسائل التبليغ سواء تم ذلك عن طريق محضر قضائي أو عن طريق البريد برسالة مصحوبة بعلم الوصول أو بالطريق الإداري البريد الداخلي)، كما يمكن أن يكون التبليغ مكتوبا أو شفويا، التبليغ بالطرق الإلكترونية الحديثة البريد الإلكتروني أو التبليغ عن طريق مكالمة هاتفية، أو رسالة هاتفية، كلها وسائل من شأنها إلحاق العلم للمخاطب بالقرار حتى يكون حجة عليه ويصبح نافذا في حقه.
- نفاذ القرارات الإدارية عن طريق النشر
هناك نوع آخر من القرارات لا يبلغ بل يتم نشره في الأماكن المخصصة لذلك بهدف إعلام المواطنين بها، يتعلق الأمر بالقرارات التنظيمية كأصل عام، فنظرا لإتساع الفئات المخاطبة بها يستحيل الأمر معها تبليغ كل شخص منهم والبحث عنه شخصيا، كما قد يتعذر حصرهم الأمر الذي قد يعرقل أو يعطل سريان القرارات الإدارية، لذا نص القانون على وجوب نشرها حتى يتوافق ذلك مع سير المرفق بإنتظام وتحقيقا للمصلحة العامة.
ويعد نشر القرار وفق الأسلوب المحدد قانونا قرينة غير قابلة لإثبات العكس على علم المخاطبين به وبأحكامه ومن تاريخ هذا النشر يرتب القرار الإداري أثاره.
المطلب الثاني: تنفيذ القرار الإداري
يفترض في المواطنين الذين تم إخطارهم بالقرارات الإدارية بواسطة وسائل الإعلام السابقة (النشر والتبليغ) أن ينفذوا هذه القرارات طوعا ودون تهرب من واجب الطاعة وعن طيب خاطر، تعبيرا عن مدنيتهم وتحضرهم وقبولهم لقرارات إدارتهم. وهذا ما يسمى بالتنفيذ الاختياري، أو تنفذ جبرا في الحالات الإستثنائية، أو التنفيذ عن طريق القضاء.
الفرع الأول: التنفيذ التلقائي أو الإختياري للقرارات الإدارية.
يشكل التنفيذ التلقائي للقرارات الإدارية إمتيازا في حد ذاته للإدارة مصدرة القرار وإلى تمتع القرارات بالقوة التنفيذية يلجأ الأفراد بمجرد علمهم بصدورها في حقهم إلى التنفيذ التلقائي لها والإمتثال لأحكامها، أين نجد أغلب الأشخاص الذين ينفذون قرارات الإدارة تلقائيا يضعونها في مرتبة مساوية للقانون من حيث الإلتزام.
كما أن وجود فكرة الإمتثال الطوعي لدى الأفراد يفرضه أيضا النظام السائد في الدولة، فالمبادئ العامة في أي مجتمع من عدالة ومساواة وأمن.... تمنح لهم روح لقبول أي أوامر أو نواهي، أي حقوق وأي التزامات فرضتها الدولة في مواجهتهم، فالأصل في تنفيذ القرارات الإدارية أنه يتم طوعا وبطريقة حرة وإختيارية من الإدارة ومن المخاطبين بها، دون أن يستدعي الأمر تدخلا من جانب الإدارة على إعتبار أنه إمتياز وأولوية تحسب لها بوصفها سلطة عامة، تعمل في إطار مبدأ المشروعية وتحقيق الصالح العام.
الفرع الثاني: التنفيذ الجبري والمباشر للقرارات الإدارية
التنفيذ الجبري هو قدرة الإدارة، عندما تتخذ قرارا إداريا أن تطبقه مباشرة بنفسها عن طريق الإكراه مستعملة في ذلك القوة العمومية ضد الأفراد الرافضين لهذا القرار بدون أن تلجأ للقضاء للحصول منه على إذن بالتنفيذ.
إن إمتياز التنفيذ المباشر للقرارات الإدارية ليس حقا للإدارة أو سلطة مخولة لها بلا حدود، بل هو رخصة إستثنائية منحها إياها القانون متى توافرت موجباتها و لا يتم إلا وفقا لضوابط وشروط حددها التشريع والقضاء تجنبا لإحتمال تعسف الإدارة في إستعماله، وتتمثل في حالتين:
حالة وجود نص قانوني يسمح بإستخدام التنفيذ الجبري: كالنصوص القانونية التي تمنح للإدارة حق إغلاق المحلات العامة التي تمارس نشاطات دون ترخيص أو مخالفة للقانون، والنصوص القانونية التي تجيز أن تحجز الإدارة على أموال الأفراد المنقولة أو العقارية وبيعها بعد إنذارهم.
حالة الضرورة أو الإستعجال: حيث تجد الإدارة نفسها أمام خطر داهم يقتضي منها أن تتدخل فورا للمحافظة على الأمن العام أو السكينة أو الصحة العامة بحيث لو إنتظرت حكم القضاء لترتب على ذلك أخطار جسيمة وفي هذه الحالة يجوز للإدارة أن تلجأ إلى التنفيذ المباشر حتى ولوكان المشرع صراحة يمنعها من الإلتجاء إليه.
الفرع الثالث: التنفيذ عن طريق القضاء
إذا لم ينفذ الأشخاص القرارات الصادرة عن الجهات الإدارية طوعا واختيارا، ولم تتمكن الإدارة من تنفيذها قسرا عن
طريق التنفيذ المباشر نتيجة عدم توافر الحالات أو الشروط المناسبة لذلك، أجاز القانون أن تلجأ الإدارة إلى القضاء نظرا لما يتمتع به من وسائل القهر والإذعان، وذلك عن طريق رفع دعوى جزائية على كل من يرفض تنفيذ قراراتها أو يعرقل تنفيذها متى تم تجريم ذلك صراحة بموجب النصوص الجزائية.
أما عن العقوبات الجزائية فإنه ووفقا للقاعدة العامة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، فلا يجوز مساءلة الأشخاص قانونا عن عدم إمتثالهم لقرارات السلطات الإدارية ما لم يكن هناك قانون ينص بصفة سابقة عن تجريم هذا التصرف، ومتى ألزمت الإدارة الأفراد بقراراتها يتعين عليهم الإمتثال لأوامرها وعدم مخالفتها وإلا تعرضو لعقوبات جزائية كما هو محدد قانونا.