الردع (الأحكام العقابية المتبعة في جرائم الفساد)
العقوبات الأصلية المقررة لجرائم الفساد
تقسم العقوبة التي توقع على المجرم إلى أصلية أو تبعية أو تكميلية، أما عن العقوبة الأصلية هي العقوبة التي نص الشارع عليها بصفة أصلية جزاء للجريمة [1] وهي كالسجن والحبس والغرامة.
العقوبات المقررة لجرائم الفساد في الصفقات العمومية
عقوبة جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميين للحصول على امتيازات غير مبررة
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميين للحصول على امتيازات غير مبررة تقدر بـالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي، فنصت المادة 53 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على مسؤوليته الجزائية على كل جريمة من جرائم الفساد المذكورة في القانون أعلاه، وذلك وفقا لأحكام وقواعد قانون العقوبات، والذي جاء في هذا الأخير من خلال نص المادة 18 مكرر منه أن يطبق على الشخص المعنوي عقوبة الغرامة التي تساوي من مرة واحدة إلى خمس مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي، وعليه تصبح عقوبة الشخص المعنوي في جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميين للحصول على امتيازات غير مبررة الغرامة من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج.
عقوبة جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية تقدر بـالحبس من عشر سنوات إلى عشرين سنة وبغرامة من 1.000.000 دج إلى 2.000.000 دج، وتعد الأشد في العقوبات المقررة لجريمة الرشوة سواء بالنسبة لرشوة الموظف العمومي أو الموظف العمومي الأجنبي.
أما عقوبة الشخص المعنوي في جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية من 5.000.000 دج إلى 10.000.000 دج.
عقوبة جريمة المحاباة
علما أن جريمة المحاباة مرة بعدة مراحل من تجريمها في قانون العقوبات وصولا إلى تجريمها في قانون الوقاية من الفساد وأخيرا إلى التعديل بموجب القانون رقم 11/15 المؤرخ في 02/08/2011، ففي حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة المحاباة تقدر بـالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج ، وهي العقوبة المنصوص عليها كذلك لجريمة استغلال نفوذ الأعوان العمومين للحصول على امتيازات غير مبررة.
أما عقوبة الشخص المعنوي في جريمة المحاباة من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج.
عقوبة جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية تقدر بـالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج.
أما عقوبة الشخص المعنوي في جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج.
العقوبات المقررة لجرائم الفساد في القطاع العام
حدد المشرع الجزائري في إطار مكافحته لجرائم الفساد عقوبات ردعية لكل جريمة تتفاوت في مدتها بحسب تفاوت خطورتها وهو ما سنحاول بيانه فيما يلي.
عقوبة جريمة رشوة الموظفين العموميين
في قانون العقوبات سابقا كانت تكيف جريمة الرشوة جناية، وأما في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته حاليا هي جنحة، وفي حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة رشوة الموظفين العموميين تقدر بـالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في جريمة رشوة الموظفين العموميين من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج.
عقوبة جريمة رشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية العمومية
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة رشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية العمومية تقدر بـالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في جريمة رشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية العمومية من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج.
عقوبة اختلاس الممتلكات من قبل موظف عمومي أو استعمالها على نحو غير شرعي
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة اختلاس الممتلكات من قبل موظف عمومي أو استعمالها على نحو غير شرعي تقدر بـالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج.
وفي حال إذا كان الجاني رئيسا أو عضو مجلس إدارة أو مديرا عاما لبنك أو مؤسسة مالية يطبق عليه القانون المتعلق بالنقد والقرض الصادر بموجب الأمر رقم 03/ 11، والذي يشدد العقوبة أكثر منه في قانون مكافحة الفساد:
أ. بحسب المادة 132 من الأمر رقم 03/11الحبس من خمس إلى عشر سنوات وغرامة من 5.000.000 دج إلى 10.000.000 دج إذا كانت قيمة الأموال، محل الجريمة، أقل من 10.000.000 دج.
ب. بحسب المادة 133 من الأمر 03/11 السجن المؤبد وغرامة من 20.000.000 دج إلى 50.000.000 دج إذا كانت قيمة الأموال، محل الجريمة، تعادل 10.000.000 دج أو تفوقها.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في جريمة اختلاس الممتلكات من قبل موظف عمومي أو استعمالها على نحو غير شرعي من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج.
عقوبة جريمة الغدر
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة الغدر تقدر بـالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج.
أما عقوبة الشخص المعنوي في جريمة الغدر من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج.
عقوبة جريمة الإعفاء والتخفيض غير القانوني في الضريبة والرسم
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة الإعفاء والتخفيض غير القانوني في الضريبة والرسم تقدر بـالحبس من خمس سنوات إلى عشر سنوات وبغرامة من 500.000 دج إلى 1.000.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في جريمة الإعفاء والتخفيض غير القانوني في الضريبة والرسم من 2.500.000 دج إلى 5.000.000 دج.
عقوبة جريمة استغلال النفوذ
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة استغلال النفوذ تقدر بـالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في جريمة استغلال النفوذ من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج.
عقوبة جريمة إساءة استغلال الوظيفة
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة إساءة استغلال الوظيفة تقدر بـالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في جريمة إساءة استغلال الوظيفة من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج.
عقوبة جريمة عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات تقدر بـالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 دج إلى 500.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في هذا النطاق فلا يمكن متابعة الشخص المعنوي جزائيا على أساس جنحة عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات، حيث لا يمكن توقع ارتكابها إلا بالنسبة للشخص الطبيعي.
عقوبة جريمة الإثراء غير المشروع
جاء تجريم هذا التصرف غير القانوني تكريسا لمبدأ "من أين لك هذا؟"، وفي حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة الإثراء غير المشروع تقدر بـالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في جريمة الإثراء غير المشروع من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج.
عقوبة جريمة تلقي الهدايا
هي صورة مستحدثة للرشوة لم تكن مجرمة من قبل وأدرجها المشرع الجزائري في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته رقم 06/01، ففي حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة تلقي الهدايا تقدر بـالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 50.000 دج إلى 200.000 دج.
أما عقوبة الشخص المعنوي في جريمة تلقي الهدايا من 250.000 دج إلى 1.000.000 دج.
عقوبة جريمة التمويل الخفي للأحزاب السياسية
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة التمويل الخفي للأحزاب السياسية تقدر بـالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في جريمة التمويل الخفي للأحزاب السياسية من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج.
عقوبة جريمة تبييض العائدات الإجرامية
في هذا الشأن يمكننا أن نميز مجموعة من الأحكام بحسب نصوص قانون الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، كالإخطار بالشبهة والامتناع وغيرهم من السلوكيات، وفي حال اكتمال جميع أركان عناصر كل جريمة بحسب ما وضحناه في شأن جريمة تبييض الأموال، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في هذا الشأن وبحسب أحكام الفصل الخامس والمعنون بأحكام جزائية، بعقوبات تقدر بـ
يعاقب كل من يقوم بدفع أو يقبل دفعا خرقا لأحكام المادة 6 أعلاه، بغرامة من 50.000 دج إلى 500.000 دج.
يعاقب كل خاضع يمتنع عمدا وبسابق معرفة، عن تحرير و / أو إرسال الإخطار بالشبهة المنصوص عليه في هذا القانون، بغرامة من 100.000 دج إلى 1.000.000 دج، دون الإخلال بعقوبات أشد وبأية عقوبة تأديبية أخرى.
يعاقب مسيرو وأعوان الهيئات المالية الخاضعون للإخطار بالشبهة الذين أبلغوا عمدا صاحب الأموال أو العمليات موضوع الإخطار بالشبهة بوجود هذا الإخطار أو أطلعوه على المعلومات حول النتائج التي تخصه، بغرامة من 200.000 دج إلى 2.000.000 دج، دون الإخلال بعقوبات أشد وبأية عقوبة تأديبية أخرى.
يعاقب مسيرو وأعوان البنوك والمؤسسات المالية والمؤسسات المالية المشابهة الأخرى الذين يخالفون عمدا وبصفة متكررة، تدابير الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب المنصوص عليها في المواد 7 و 8 و 9 و 10 و 14 من هذا القانون، بغرامة من 50.000 دج إلى 1.000.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي حدد المشرع الغرامة المالية التي تستوجب بالنسبة للشخص المعنوي، حيث قال "وتعاقب المؤسسات المالية المذكورة في هذه المادة بغرامة من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج، دون الإخلال بعقوبات أشد."
عقوبة جريمة البلاغ الكيدي
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة البلاغ الكيدي تقدر بـالحيس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 دج إلى 500.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في جريمة البلاغ الكيدي من 250.000 دج إلى 2.500.000 دج.
عقوبة جريمة عدم الإبلاغ عن الجرائم
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة عدم الإبلاغ عن الجرائم تقدر بـالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 دج إلى 500.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في جريمة عدم الإبلاغ عن الجرائم من 250.000 دج إلى 2.500.000 دج.
عقوبة جريمة إخفاء عائدات جرائم الفساد
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة إخفاء العائدات الإجرامية تقدر بـالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في جريمة إخفاء عائدات جرائم الفساد من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج.
العقوبات المقررة لجرائم الفساد في القطاع الخاص
مما لا شك فيه أن المشرع أضاف في سياسته التجريمية لمكافحة الفساد جرائم في القطاع الخاص، جرائم لا تقل خطورة عن جرائم القطاع العام لما لها من أضرار على القطاع الخاص.
عقوبة جريمة اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص تقدر بـالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 دج إلى 500.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في جريمة اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص من 250.000 دج إلى 2.500.000 دج.
عقوبة جريمة الرشوة في القطاع الخاص
في حال اكتمال جميع أركان الجريمة كما سبق ووضحنا أعلاه، أقر المشرع هنا عقوبة للجاني في جريمة الرشوة في القطاع الخاص تقدر بـالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 دج إلى 500.000 دج.
وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي في جريمة الرشوة في القطاع الخاص من 250.000 دج إلى 2.500.000 دج.
ما يلاحظ عن هذه العقوبات أنها بسيطة مقارنة بخطورة الجرائم المذكورة، وهو ما يمكن أن نبرر به بعض أراء الفقهاء الذين استنكروا أمر تجنيح جرائم الفساد، وهو الرأي الذي نراه أقرب للصواب.
العقوبات التكميلية والتبعية المقررة لجرائم الفساد
كما قلنا سابقا تنقسم العقوبة إلى عقوبة أصلية وأخرى تكميلية أو تبعية، أما عن العقوبة التكميلية فهي العقوبة التي تلحق المحكوم عليه بشرط أن يأمر بها القاضي وفيها الإلزامية والجوازية، أما العقوبة التبعية فهي العقوبة التي تلحق المحكوم عليه حتما وبحكم شرعي كنتيجة لازمة لارتكابه الجرم وهي تابعة للعقوبة الأصلية ولا يلزم الحكم بها [2]، وهي العقوبات التي نص عليها قانون العقوبات في المواد 6 و7 و8 قبل إلغاءها بموجب القانون رقم 06-23 لتصبح عقوبات تكميلية.
العقوبات التكميلية للشخص الطبيعي
حددت مجموعة من العقوبات التكميلية الجوازية أو الإلزامية والتي يحكم بها القاضي بالإضافة إلى العقوبات الأصلية التي سبق ذكرها.
عقوبات تكميلية إلزامية
هي عقوبات لا بد للقاضي (صفة الإلزامية) أن يحكم بها بعد الحكم بالعقوبات الأصلية المذكورة أعلاه على الجاني ونصت على هذه العقوبات التكميلية المادة 51 من القانون رقم 06/01.
من خلال المادة نستشف أن المشرع الجزائري في قانونه لمكافحة الفساد ألزم القاضي في حالة ثبوت الإدانة على الجاني أن يأمر بمصادرة العائدات المتأتية من الجرائم المصنفة جرائم الفساد بالإضافة إلى رد الأموال وما كان منها من نفع سواء كانت على حالتها أو تم تحويلها في حالة الاختلاس، حتى في حال انتقالها إلى حسابات أحد أفراد عائلة المدان من أصوله أو فروعه أو إخوته أو زوجه أو أصهاره.
عقوبة مصادرة العائدات المتأتية من جرائم الفساد
العقوبات التكميلية الاختيارية
من خلال قراءة تحليلية لنص المادة 50 من قانون رقم 06/01 والمتضمن قانون الوقاية من الفساد ومكافحته والتي تنص على " في حالة الإدانة بجريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، يمكن الجهة القضائية أن تعاقب الجاني بعقوبة أو أكثر من العقوبات التكميلية المنصوص عليها في قانون العقوبات" والتي تقصد العقوبات التكميلية التي نص عليها قانون العقوبات في المادة رقم 9 ، وجاءت هذه المادة في بدايتها مستعملة صيغة يمكن أي يدل على إضفاء صفة الجواز على الحكم بهذه العقوبات وذلك بإعادتها للسلطة التقديرية للقاضي، و تتمثل هذه العقوبات التكميلية حصرا و من خلال قراءة نص المادة رقم 9 من قانون العقوبات السابق الذكر في :
الحجر القانوني: ويتمثل في حرمان المحكوم عليه من ممارسة حقوقه المالية أثناء تنفيذ العقوبة الأصلية
الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية
تحديد الإقامة أو المنع من الإقامة
المنع المؤقت من ممارسة مهنة أو نشاط:
إغلاق المؤسسة
الإقصاء من الصفقات العمومية
الحظر من إصدار الشيكات أو استعمال بطاقات الدفع
تعليق أو سحب رخصة السياقة أو إلغاؤها مع المنع من استصدار رخصة جديدة
سحب جواز السفر
نشر أو تعليق حكم أو قرار الإدانة
- وكذلك هناك عقوبات احتياطية جوازية ذكرت في قانون مكافحة الفساد والتي شملت إبطال الصفقات والبراءات والامتيازات، بالإضافة إلى ما ذكرته نص المادة 51 من تجميد أو حجز للعائدات والأموال الغير مشروعة الناتجة عن ارتكاب جريمة أو أكثر من جرائم هذا القانون بقرار قضائي أو بأمر من سلطة مختصة ولكن يكمن الجواز هنا في حال لم تثبت الإدانة بعد على المتهم، حيث أنه إذا ما ثبتت الإدانة تصبح عقوبات تكميلية إلزامية كما ذكرنا أعلاه.
العقوبات التكميلية للشخص المعنوي
كما تطرقنا سابقا في العقوبات الأصلية المقررة للشخص نضيف إلى ما سبق ما أمرت به المادة 18 مكرر في فقرتها الثانية بجوازية الحكم بعقوبة أو أكثر من العقوبات التكميلية التي حددتها للشخص المعنوي ، وهي:
حل الشخص المعنوي
غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز خمس سنوات
الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز خمس سنوات
المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر، نهائيا أو لمدة لا تتجاوز خمس سنوات
نشر وتعليق حكم الإدانة
الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، وتنصب الحراسة على ممارسة النشاط الذي أدى إلى الجريمة أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته: والتي خص لها المشرع مرسوم تشريعي يحدد فيه شروط ممارسة أعمال حراسة الأموال والمواد الحساسة ونقلها .
- كما جاء في قانون العقوبات تجريم لأي خرق للالتزامات المترتبة على الحكم بعقوبة أو أكثر من العقوبات التكميلية المقررة للشخص المعنوي، سواء كان الخرق من طرف شخص طبيعي تابع للشخص المعنوي بعقوبة من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 100.000 دج إلى 500.000 دج، أو من طرف الشخص المعنوي ما يمكن من التصريح بقيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن الجريمة أعلاه، والتي تحدد لها عقوبة الغرامة من مرة إلى خمس مرات من العقوبة المقررة للشخص الطبيعي في نفس الجريمة أي ما نقدره من 500.000 دج إلى 2.500.000 دج.
الظروف المحيطة بجرائم الفساد
كل جريمة من الجرائم التي يأتي النص عليها سواء في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له بصفة عامة، وجرائم الفساد بصفة خاصة يقوم المشرع بتحديد عقوبات خاصة لكل واحدة منها، إلا أنه في بعض الحالات هناك ظروف مشددة تحيط بحيثيات القضية ووقائعها، قد تؤدي إلى تشديد العقوبة، أو أعذار قانونية قد تؤدي إلى تخفيفها، كما يمكن الإعفاء من الجريمة ككل إذا كانت أعذار معفية.
الظروف المشددة في جرائم الفساد
نص قانون الوقاية من الفساد ومكافحته في المادة 48 منه على ظروف التشديد للعقوبات المقررة لجرائم الفساد، حيث جاء في المادة "إذا كان مرتكب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون قاضيا، أو موظفا يمارس وظيفة عليا في الدولة، أو ضابطا عموميا، أو عضوا في الهيئة، أو ضابطا أو عون شرطة قضائية، أو ممن يمارس بعض صلاحيات الشرطة القضائية، أو موظف أمانة ضبط، يعاقب بالحبس من عشر سنوات إلى عشرين سنة وبنفس الغرامة المقررة للجريمة المرتكبة."
من خلال استقراء المادة نلاحظ أن ظرف التشديد هنا مرتبط بصفة الجاني، حيث أن المشرع حدد أشخاص بعينهم متى تم ارتكاب الجريمة من قبلهم زادت وشددت العقوبة، وهم الموظف الذي يمارس وظيفة عليا وبالتالي الموظفون السامون، موظفو أمانة الضبط، ضابط أو عون الشرطة القضائية، القاضي مهما كان ترتيبه أو القضاء الذي ينتمي إليه، أعضاء الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، أو الديوان المركزي لقمع الفساد، من يمارس صلاحيات الشرطة القضائية والتي حددتهم المادة 14 و15 و19 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، ومن جهة أخرى نرى أن المادة نصت صراحة أن التشديد يم العقوبة الأصلية بالتخصيص العقوبة الماسة للحرية، مع إبقاء مبلغ الغرامة كما هو دون تغيير، فتصبح العقوبة المشددة تمتد من عشر 10 سنوات إلى عشرون 20 سنة.
- أثر الظروف المشددة على العقوبة في قانون مكافحة الفساد
تشدد عقوبة جرائم الفساد لاقترانها بظرف من ظروف التشديد والتي نص عليها قانون الوقاية من الفساد ومكافحته سابق الذكر، لتمس العقوبات الأصلية بالخصوص الماسة بالحرية لتصل إلى أشجها فتصبح ممتدة من 10 سنوات إلى 20 سنة حبسا، دون المساس بالغرامة المالية.
هناك استثناء بالنسبة لجريمة الرشوة في الصفقات العمومية والتي تمتاز بكونها جنحة مغلظة، حيث قررت لها عقوبة تتراوح بين 10 سنوات إلى 20 سنة وغرامة من 1.000.000 دج إلى 2.000.000 دج لما لها من خطورة شديدة على اقتصاد الدولة، وبالتالي نلاحظ أن عقوبة هذه الجنحة تمثل الحد الأقصى للعقوبات التي يمكن تطبيقها في جرائم الفساد سواء بالنسبة للعقوبة السالبة للحرية أو بالنسبة للغرامة والتي رفعت للضعف، ما يجعلنا نميز أن الرشوة في الصفقات العمومية هي في حد ذاتها ظرفا مشددا للعقاب. [3]
الأعذار القانونية في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته
Texte légal :
الأعذار القانونية هي أسباب إعفاء وظروف تخفيف نص عليها قانون العقوبات حصرا في المادة 52 حيث جاء فيها " الأعذار هي حالات محددة في القانون على سبيل الحصر يترتب عليها مع قيام الجريمة والمسؤولية إما عدم العقاب إذا كانت أعذارا معفية وإما تخفيف العقوبة إذا كانت مخففة ومع ذلك يجوز للقاضي في حالة الإعفاء أن يطبق تدابير الأمن على المعفى عنه."
الإعفاء في جرائم الفساد
الأعذار المعفية من العقاب هي أسباب تعفي الجاني من العقوبة فقط لا المسؤولية الجنائية، وكذلك تسمى بموانع العقاب، حيث أنها تحول بين الشخص وتنفيذ العقوبة المقررة للجريمة عليه رغم ثبوت الجريمة، ولكن لا تحول بينه وبين الحكم بتدابير الأمن.
مما لا شك فيه أنه عند الحديث عن الإعفاء من العقوبة في جرائم الفساد أو غيرها من الجرائم، لا يقصد به الإعفاء من المسؤولية الجنائية للمبلغ، حيث أن هذه الأخيرة تبقى قائمة كون أركان الجريمة قائمة، وبالتالي ضرورة متابعة القضية لغاية صدور الحكم، حيث يتم الحكم بإدانة الجاني ولكن يكون الحكم الصادر هو الإعفاء مع إمكانية الحكم بالتعويض .
نص المشرع الجزائري على حالات الإعفاء من العقوبات في نص المادة 49/1 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، حيث جاء في نصها "يستفيد من الأعذار المعفية من العقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات، كل من ارتكب أو شارك في جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، وقام قبل مباشرة إجراءات المتابعة بإبلاغ السلطات الإدارية أو القضائية أو الجهات المعنية، عن الجريمة وساعد على معرفة مرتكبيها..."
من خلال استقراء الفقرة الأولى من نص المادة 49 أعلاه نستخلص أن الإعفاء مرتبط بعذر التبليغ، حيث يتعلق الأمر أساسا بكل من المرتكب الأصلي للجريمة أو من شارك فيها الذي يبلغ السلطات المختصة سواء كانت السلطات الإدارية أو القضائية أو الجهات المعنية لمباشرة إجراءات المتابعة، ويساعد في الكشف عن مرتكبي الجريمة، فهو في هذه الحالة يقدم خدمة للمجتمع ما يجعل المشرع يقابله بالإعفاء من العقوبة كمكافأة.
ظروف التخفيف في جرائم الفساد
وهي الحالات الخاصة التي يقررها المشرع صراحة للهبوط بالعقوبة المقررة للجريمة وجوبا، ما إن توافرت الشروط المحددة، وعلى هذا يلزم القاضي النطق بالعقوبة الجديدة المخففة. [4]
وهي الحالات المنصوص عليها بموجب نص الفقرة الثانية من المادة 49 من نفس القانون والتي جاء في نصها "...عدا الحالة المنصوص عليها في الفقرة أعلاه، تخفض العقوبة إلى النصف بالنسبة لكل شخص ارتكب أو شارك في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون والذي، بعد مباشرة إجراءات المتابعة، ساعد في القبض على شخص أو أكثر من الأشخاص الضالعين في ارتكابها."
من خلال استقراء الفقرة الثانية من المادة 49 أعلاه نجد أن المشرع حدد حالات التخفيف حصرا بحالة واحدة وهي التبليغ من طرف من كان فاعلا أصيلا أو مشاركا في الجريمة عن الجريمة وساهم في الكشف والقبض على أحد الأفراد الضالعين فيها أو جلهم، وذلك عن طريق تبليغ السلطات المعنية بالمتابعة بعد مباشرة إجراءات المتابعة الجزائية.
آثار الإعفاء من العقوبة في جرائم الفساد
تنتج آثار على الحكم بالإعفاء من العقوبة أو بالتخفيف فيها نحددها فيما يلي.
أثار الإعفاء من العقوبة في جرائم الفساد
يشمل الإعفاء العقوبات الأصلية السالبة للحرية منها والغرامات المالي، وكذلك العقوبات التكميلية المنصوص عليها في المادة 50 من قانون الوقاية من الفساد، باستثناء المصادرة والتي لابد من تنفيذها برغم الإعفاء من العقوبات الأخرى، خاصة مصادرة الأشياء الخطيرة والمضرة، بالإضافة إلى استثناء المصاريف القضائية والتي لا يمتد الإعفاء إليها، وكذلك لا يمنع الإعفاء من الفصل في الدعوى المدنية التبعية حيث الإعفاء لا يمس بحق المتضرر من التعويض عن ما أصابه من أضرار، فالإعفاء مراعى في اعتبارات تمس الحق العام لا الحق الخاص.
آثار التخفيف في العقوبة في جرائم الفساد
يستفيد في هذا الشأن الجاني من تخفيض العقوبة إلى النصف هو أو الشريك الذي ساعده وقام بالتبليغ بعد مباشرة إجراءات المتابعة القضائية، وتبقى هذا المرحلة مستمرة إلى غاية استنفاذ كل طرق الطعن، ولكن عذر التخفيف لا يمس الأمر بمصادرة عائدات أموال الفساد والأموال غير المشروعة، مع مراعاة حالات استرجاع الأرصدة أو حقوق الغير حسن النية.
مسألة التقادم في جرائم الفساد
يعد التقادم أحد الأسباب العامة لانقضاء الدعوى العمومية ويعنى به مضي مدة زمنية معينة من يوم وقوع الجريمة هذا بالنسبة لتقادم الجريمة، أما بالنسبة لتقادم العقوبة فالمقصود مدة معينة تمر على تاريخ النطق بالحكم النهائي للجريمة ، وهذا ما سيتم بيانه فيما يلي.
تنفيذ مبدأ عدم التقادم على جرائم الفساد ومبرراته
مبدأ عدم التقادم في جرائم الفساد
من خلال المواد 8 مكرر والمادة 612 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، ومن خلال طرح المادة 54 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته نجد أن المشرع الجزائري واتباعا لاتفاقية الأمم المتحدة (ودون الإخلال بما جاءت به المواد من 7 إلى 9 والمواد من 612 إلى 617 من قانون إ.ج.ج):
قد عمل بعدم تقادم الجرائم الموصوفة بجرائم الفساد بالنسبة للدعوى أو العقوبة، ما إن تم تحويل عائدات الجريمة إلى خارج الوطن.
تم العمل بمبدأ عدم التقادم كاستثناء للقاعدة العامة في التشريع الجزائري.
لا تتقادم الدعوى العمومية بأي شكل من الأشكال بالنسبة لجريمة الرشوة وجريمة الاختلاس.
لا تتقادم العقوبة بالنسبة لجريمة الرشوة.
تقدر مدة تقادم الدعوى العمومية لجريمة الرشوة في الصفقات العمومية بـ 20 سنة أي الحد الأقصى لعقوبة الجريمة المقررة لها.
مبررات استبعاد التقادم الجنائي في جرائم الفساد
كما أن هناك من الفقهاء من يناصر فكرة تقادم الدعوى العمومية والعقوبة في جرائم الفساد، حيث تبنى أراءهم على جملة من المبررات كنسيان الجريمة وضياع معالم الجريمة وتقاعس النيابة العامة ... ما قد يعتبرها أنصار الرأي المخالف بالمبررات الواهية، حيث يسوق الفقه المناصر لفكرة تطبيق مبدأ عدم تقادم الدعوى العمومية والعقوبة في جرائم الفساد بصفة نهائية، من خلال جملة من التبريرات هي :
دور التقادم الجنائي في تحجيم جهود مكافحة جرائم الفساد
نظرا لخطورة جرائم الفساد على الدولة والمجتمع والاقتصاد وشتى المجالات، تسعى التشريعات في سياستها الجنائية والعقابية إلى التوسع في المسؤولية والملاحقة الجنائية بشأن مكافحة جرائم الفساد، على الصعيدين الدولي والوطني، وبإعمال مبدأ التقادم في جرائم الفساد سيحول دون ملاحقة ومعاقبة المسؤولين عن تلك الجرائم، وبالتالي ضرب جهود مكافحته عرض الحائط، ما يستدعي حتمية إعمال مبدأ عدم التقادم في جرائم الفساد.
دور التقادم الجنائي في شرعنة جرائم الفساد
يعد إعمال مبدأ التقادم الجنائي في جرائم الفساد، شرعنة للفساد وتشجيع عليه، حيث يمكن للجاني ارتكاب جرائمه بكل بساطة وهروبه بالأموال وليس بالضرورة خارج البلاد، ومن ثم ينتظر مرور مدة التقادم ليعود إلى الساحة بعد سقوط الدعوى والعقوبة كأن شيء لم يكن.
انتفاء مبررات التقادم الجنائي في حد ذاته
ويقصد منها هنا انتفاء المبررات التي يضعها أصحاب الرأي القائل بضرورة تطبيق مبدأ التقادم من نسيان للجريمة ومحو أثارها وغيرها من المبررات فبمجرد انتفاء هذه المبررات يصبح من الضروري تطبيق مبدأ عدم تقادم جرائم الفساد.
