مخطط الموضوع

  • الموضوع 1

    النقد الجديد

    (نشأته الأنجلوأمريكية ، مفاهيمه ، أعلامه ، تحولاته في النقد العربي المعاصر)

    تدل عبارة "النقد الجديد" (New Criticism) حركة نقدية أنجلوأمريكية شهيرة سادت خلال النصف الأول من القرن العشرين ، وكانت سنة 1941 سنة حاسمة في مسارها ونقطة انعطاف في تاريخ النقد العالمي برمته ، لأنها السنة التي ظهر فيها "إنجيل" هذه الحركة (!)؛ كتاب جون كرو رانسوم John Crowe Ransom (1888-1974) : (The new criticism) الذي صار عنوانه اسما للمدرسة كلها ، مدرسة (النقد الجديد) التي ربما أخفق المرحوم محمد غنيمي هلال[1] ومعه جمع من النقاد المصريين في ترجمتها إلى مدرسة (النقد الحديث) تارة ، و(مدرسة النقد الحديثة) تارة أخرى!.

    على أن هذه التسمية قد تلتبس – أحيانا – بنظيرتها الفرنسية؛ حيث شاع مصطلح "النقد الجديد" بصبغته الفرنسية (Nouvellecritique) خلال الستينيات من القرن الماضي ، أثناء السجالات النقدية الحادة التي دارت بين أنصار النقد الأكاديمي التقليدي وأنصار النقد الحداثي؛ وربما كان كتاب رولان بارث "تاريخ أم أدب – حول راسين" (Histoire ou littérature – sur Racine) عام 1963 ، هو الشرارة الأولى لهذه المعركة الضروس ، أعقبها ريمون بيكار (R.Picard) بتعقيبه الساخر من بارت ونقده الجديد "نقد جديد أم خدعة جديدة ؟" (Nouvelle critique ou nouvelleimposture) عام 1965 ، ثم جاء سارج دوبر فسكي (S.Doubrovsky) لينتقم لبارت وينتصر للنقد الجديد في كتابه "لماذا النقد الجديد؟"(pourquoi la nouvelle critique?) ... ، وهكذا فقد تواتر مصطلح (النقد الجديد) ، بغير دلالته الأنجلوسكسونية ، ليكون عنوانا للمناهج النسقية الجديدة (بنوية ، سيميائية ، موضوعاتية ، ...) التي هيمنت على الساحة النقدية الفرنسية منذ سنوات الستينيات خصوصا. والطريف في الأمر ، أننا رأينا بعد الكتابات النقدية الفرنسية ، رغبة منها في إزالة اللبس بين الخطابين ، تجمع بين التسمية الإنجليزية وأداة التعريف الفرنسية (Le "New Criticism") للدلالة على النقد الجديد في صيغته الأنجلوأمريكية ، بينما تمحض للصيغة الفرنسية عبارة (La nouvelle critique).

    ومع هذا التداخل الاصطلاحي ، فقد لاحظ كثير من الدارسين تشابها مدهشا – على مستوى المفاهيم – بين ( النقد الجديد) و(الشكلانية الروسية) و(البنوية الفرنسية) .

    ظهر النقد الجديد ( الأنجلو أمريكي) في سياق مواجهة بعض الاتجاهات الوجدانية الذاتية (الانطباعية) والوثائقية (التاريخية) التي غطت على النص وغمرته بما ليس منه ، مستلهما أفكار المدرسة التصويرية (Imagism) الشكلية التي أسسها الشاعر الأمريكي الكبير إزرا باوند – Ezra Pound (1885-1972) في بدايات القرن الماضي ، إضافة إلى الأفكار النقدية الحداثية التي جاء بها الشاعر الناقد الأمريكي الأصل الإنجليزي الجنسية ت. س. إليوت Thomas Stearns Eliot (1888-1965) بشأن نظرية (المعادل الموضوعي Objectifcorrelatif)[2] خصوصا ، وأعمال إ.أ. ريتشاردز Ivor Armstrong Richards (1893-1979) صاحب "مبادئ النقد الأدبي" 1924 ، و"العلم والشعر" 1926 ، و"النقد العملي" 1929 ، هذا الكتاب الأخير الذي كان خلاصة تجارب أجراها مع زملائه وطلبته في جامعة كمبريدج؛ حيث كان يطلب منهم تحليلا نقديا لمجموعة من القصائد الغفل ، بعد أن ينزع عنها أسماء أصحابها ويعدل في لغتها ما يدل على عصرها ، منتهيا إلى الحكم القاسي على فشل القارئ العصري في مسايرة متطلبات العصر ، مع التأكيد على المعنى الكامل للقصيدة بعيدا عن أي شرح نثري معادل لها ، وضرورة التدريب القرائي الصارم ، لأن الشعر الجيد في نظره هو الذي يتسم بمفارقته لمرجعيته الخارجية ، وهو يقتضي "قراءة مفصلة" ... .

     


    • الموضوع 2

      المدرسة الشكلية الروسية


      المدرسة الشكلية الروسية: كانت أحد المذاهب المؤثرة في ميدان النقد الأدبي في روسيا في الفترة بين العام 1915 و1930, وهي تشتمل على أعمال العديد من المفكرين الروس ذوي التأثير الكبير على الساحة الأدبية مثل فيكتور شيكلوفسكي ويوري تينيانوف وبوريس أيشينباوم ورومان جاكوبسون وجريكوري فينكور، وهي أسماء أحدثت ثورة في ميدان النقد الأدبي بين العام 1914 حتى الثلاثينيات وذلك يرجع إلى جهودهم التي بذلوها للتأكيد على خصوصية لغة الشعر والأدب واستقلاليتها.[1][2] وقد كان للمدرسة الشكلية الروسية أثر كبير على العديد من المفكرين مثل مايكل باختين ويوري لوتمان، بالإضافة إلى تأثيرها على المدرسة البنيوية بأكملها. وقد كان لأعضاء هذه الحركة الأدبية وأعمالهم انعكاسات على صعيد النقد الأدبي الحديث أثناء تطور المدرسة البنيوية وما بعد البنيوية. وتعد الشكلية الروسية حركة متشعبة لا يجمع مناصريها فكرة موحدة ولا أهداف واضحة لجهودهم وأعمالهم، وهي تجمع في واقع الأمر بين مؤسستين أدبيتين في ذلك الحين وهما جمعية دراسة اللغة الشعرية في سانت بطرسبرغ والدائرة اللغوية في موسكو، ولذلك فإنه من الأصح أن نتكلم عن الشكليين الروسيين بدل استخدام مصطلح الشكلية الروسية. ويذكر أن أول من أطلق مصطلح الشكلية هم المناهضون لهذه الحركة، وهو مصطلح يشير إلى معان يرفضها الشكليون أنفسهم. ويتعجب بعض الباحثين مثل رادو سيردالسكو من الظروف التي أحاطت بنشأة الشكلية الروسية، لأنها تعد سابقة في تاريخ النقد الأدبي في اجتماع عدد من النقاد على هدف محدد وهو الوصول إلى تحديد منهج موضوعي (Objective Method) يمكن من خلاله دراسة الأدب وسماته التي تميزه عن غيره على نحو أقرب إلى الأسلوب العلمي وذلك في مقابل رفض الاتجاهات التي كانت سائدة من قبل. فكان الأدب قبل الشكلية الروسية يعامل على أنه صورة مرآتية عن سيرة المؤلف وخلفيته أو توثيقاً تاريخياً أو اجتماعياً، أما الشكليون فيعلنون أن الأدب منتج له استقلاليته وخصوصيته (Autonomous Product).

      أهم الأفكار:

      هنالك اهتمام كبير في الشكلية الروسية على وظيفة الأدوات الأدبية المستخدمة وتتبع نشأتها في التاريخ الأدبي. وقد وضع الشكليون الروس طريقة علمية لدراسة لغة الشعر واستبعدوا المناهج النفسية والثقافية التاريخية في دراسة الشعر والتي كانت سائدة حينها. وقد كان هنالك مبدءان اثنان في دراسة الأدب في المدرسة الشكلية الروسية وهما: الأدب نفسه، أو السمات الأدبية التي تميز الأدب عما سواه من الأنشطة البشرية، والتي يجب أن تشكل الأساس التي تتوجه لدارسته النظرية الأدبية، أما المبدأ الثاني فهو «الحقائق الأدبية» والتي يجب أن تعطى الأولوية فوق المسلمات الميتافيزيقية في النقد الأدبي سواء كانت فلسفية أو جمالية أو نفسية. وقد تم تطوير العديد من النماذج لتحقيق هذه الأهداف. وقد كان هنالك توافق بين الشكليين على الطبيعة المستقلة للغة الشعر وخصوصيتها كموضوع يخضع للدارسة في النقد الأدبي. وقد سعى الشكليون بشكل خاص إلى تحديد السمات الخاصة باللغة الشعرية، سواء كان ذلك في الشعر أو في النثر، والتي يمكن معرفتها من خلال تحديد البعد الفني فيها والعمل على تحليلها. فكان هنالك اتفاق على رفض الصورة النمطية التي تقول بأن الشعر فكرة مصورة مجازياً، وانتقل الشكليون إلى دراسة أدبية الأدب بدل دراسة الأدب، والتركيز على الأدب من ناحية ما هو أدب بدل اعتباره وسيطاً ينتقل من خلاله أمر آخر.

      الشكلية الميكانيكية

      انصب اهتمام جمعية دراسة اللغة الشعرية والتي يتزعمها فيكتور شيكلوفسكي على الطرق الشكلية والتركيز على التقنيات والأدوات، وقد ألف كتاباً أسماه (الفن كصنعة Art as Device) «تمثل الأعمال الأدبية وفقاً لهذا النموذج آلات ميكانيكية: فهي نتيجة جهد بشري مقصود يتم فيه استخدام المهارات الخاصة لتحويل المواد الخام إلى آلة معقدة مناسبة لغرض ما» (ستاينر، «الشكلية الروسية» ص 18). ويجرد هذا المنهج المنتج الأدبي من ارتباطه المشترك بالمؤلف والقارئ والخلفية التاريخية. وقد وضح شيكلوفسكي هذه المنهجية حيث أشار إلى أن الفن هو تفاعل الأدوات الأدبية والفنية التي يستخدمها الفنان لإنتاج أعماله. وقد كان هدف شيكلوفسكي في هذا أن يفند ما كان شائعاً في الأوساط الأدبية في روسيا في ذلك الحين حيث كان يعتبر الأدب منتجاً اجتماعياً أو سياسياً حيث كانت تخضع في تفسيرها وفهمها للخلفية التاريخية والاجتماعية، كما كان الأدب يعد تعبيراً شخصياً عن نظرة المؤلف للعالم يوضحها من خلال توظيف الصور والرموز. ولذلك كان يسعى شيكلوفسكي إلى تحديد وتوضيح خصوصيات الأدب أو اللغة الشعرية الأدبية، والتي اعتبرها الأدوات التي يمكن من خلالها الحصول على الجانب الفني في الأدب.

      ولكنه لا يوجد توافق بين الشكليين أنفسهم حول هذه الأدوات وما يمكن اعتباره أداة فنية، كما لا يوجد توافق بينهم على طريقة استخدامها أو توظيفها أو حتى طريقة تحليلها في نص من النصوص. إلا أنهم يشتركون في فكرة عامة واحدة وهي أن اللغة الشعرية (الأدبية) تمتلك خصائص محددة يمكن تحليلها.

      الشكلية العضوية

      رداً على القيود التي فرضتها الشكلية الميكانيكية قام بعض الشكليين الروسيين باعتماد النموذج العضوي. «حيث استغلوا أوجه الشبه بين الأجسام العضوية والمظاهر الأدبية بطريقتين مختلفتين: من ناحية انطباقها على الأعمال الفردية والأنواع الأدبية» (ستاينر «الشكلية الروسية» 19).

      وقد وفر قياس الظواهر البيولوجية مع النظرية الأدبية الإطار المرجعي لدراسات الأنواع الأدبية ونقد الأنواع الأدبية. ولكن هذه المدرسة قد فشلت كالشكلية الميكانيكية لتفسير التغيرات الأدبية والتي تؤثر على الأدوات ووظائفها والأنواع الأدبية.

      الشكلية النظامية:

      اشتملت المدرسة الشكلية النظامية على الجانب الزمني في النقد الأدبي. ومن أهم الشخصيات في هذا النموذج هو يوري تينيانوف.

      الشكلية اللغوية:

      لم يكن هنالك اعتبار كبير لدور شخصيتي الكاتب والقارئ عند جاكوبسون وليف جاكوبينسكي. وكان الناشطون في هذا الاتجاه مهتمين كثر ما يكون باللغة الشعرية كأساس لدراستهم وبحثهم. وكان من المعروف أن جاكوبسون يرفض العاطفة كأساس للأدب، فهي ثانوية في وجهة نظره وتعتمد بشكل أساسي على الحقائق اللغوية الصرفة. وفرق المفكرون في هذه المنهجية بين اللغة الشعرية واللغة العملية (Poetic Language and Practical Language), فالأخيرة تستعمل في التواصل اليومي بين الناس لإيصال المعلومات. أما اللغة الشعرية فيكون للارتباطات اللغوية في الخطاب قيمة ذاتية. فالعمل الأدبي يتجاوز نفسية الكاتب والقارئ ويصبح له وجوداً مستقلاً بمجرد وضعه وإنشاءه.

      جهود الشكليين لتعريف الأدب:

      يعرف جاكوبسون الأدب بأنه «عنف منظم يرتكب في حق الخطاب الاعتيادي». فالأدب يشكل بعداً عن الحديث اليومي بين الناس ويحاول أن يبعث السمات التي يهملها الخطاب الاعتيادي الطبيعي ويعززها ويركز عليها. فالأدب عند الشكليين مختلف عن غيره لأنه وبعبارة بسيطة «مختلف». ويؤكد الشكليون على أنه لا بد للأدب أن يحث القارئ ويبعثه على التمهل والتوقف ليلاحظ السمات الدقيقة التي لا بد أن سيتجاهلها إن لم يتنبه لها، فلا يمكن للقارئ أن يقرأ الأدب قراءة تصفحية سريعة لأن اللغة الشعرية لم تكتب ليتم تصفحها والمرور عليها مروراً عابراً. والأدب عند الشكليين يساعد على إحياء الوعي اللغوي لدى القارئ لأن الخطاب اليومي العملي يجعل تفاعلنا مع اللغة مع مرور الوقت خاملاً متبلداً، والأدب هو الذي يساعد على بعث هذا الوعي من جديد وتنشيط هذه الاستجابات العفوية وجعل الأمور أكثر وضوحاً.

      أثر المدرسة الشكلية الروسية على الصعيد الأدبي:

      كان للشكلية الروسية أثر كبير في لفت الأنظار إلى الإشكالات الأساسية في النقد الأدبي والدراسة الأدبية، من ناحية الموضوع بالدرجة الأولى، حيث غيرت الشكلية كثيراً من المفاهيم التي تدور حول العمل الأدبي وطبيعته، وأرجعت القضية إلى أجزائها الأساسية التي يمكن الانطلاق منها. كما ساعدت الاتجاهات المتعددة في الشكلية الروسية ما تقارب منها من بعضه وما تباعد على ظهور مدرسة براغ البنيوية في منتصف العشرينيات، وكانت أنموذجاً للجناح الأدبي في المدرسة البنيوية الفرنسية في الستينيات والسبعينيات في القرن العشرين

       


      • الموضوع 3

        المناهج النسقية

        أبرز المدارس النقدية الحديثة:
        تعدّدت الآراء النقدية الحديثة واختلفت نظرًا لاتّساع توجهها وعالمية الأدب وامتزاج الثقافات؛ إذ ظهر إِثْرَها الكثير من المناهج والمدارس النقدية الحديثة التي تعمل هدف واحد رغم اختلاف نظمها وأنساقها الفكرية، ومن هذه المناهج ما يأتي.

        المنهج البنيوي البنوية لفظة مشتقّة من كلمة "بُنْيَة"، وتشير إلى أنّ أيّ ظاهرة إنسانية كانت أم أدبية تشكّل بنية يمكن دراستها من خلال تحليلها إلى العناصر المكوّنة لها، دون الأخذ في الاعتبار العوامل الخارِجَة عنها، مثل حياة الكاتب ومشاعره، ومن أبرز روّادها من الغرب: رومان ياكبسون، ومن العرب عبد السلام المسدي

        -المنهج البنوي

        تمهيد :

              يعترف جان بياجي , في مطلع كتابه عن (البنوية) , بأنه "من الصعب تمييز البنوية , لأنها تتخذ أشكالا متعددة لتقدم قاسما مشتركا موحدا" فضلا على أنها تتجدد باستمرار وأن البنيويين في نظر الآخرين هم "جماعة يؤلف بينها البحث عن علاقات كلية كامنة تستمد روافدها من ألسنية دي سو سير , و أنثروبولوجية  كلود ليفي سترواس , ونفسانية جاك لاكان , وحفريات ميشال فوكو التاريخية والمعرفية و أدبيات رولان بارت .... وقد خصص جان بياجيه الفصل الخامس من كتابه (البنيوية ) للبنيوية الألسنية structuralisme linguistique وانتهى إلى أن * البنيوية  - على العموم- هي منهج وليست مذهبا. 

        -         تعريف المنهج البنوي : 

             هو دراسة النظام الخطابي الأدبي وعرفه آخرون بأنه : دراسة نظام العلاقات القائمة بين النظام  وعرفه آخرون بأنه نظم العلاقات القائمة بين    النظام الخطابي الأدبي ومن ثم تطبيقها على كل ما له علاقة به من ( إنسان , أو كون , أو حياة).

               وتعد البنوية منهجا وصفيا يرى العمل الأدبي نصا مغلقا على نفسه , له نظامه الذاخلي الذي يكسبه وحدته , هو نظام لا يكمن في ترتيب عناصر النص كما هو شائع و إنما يكمن في تلك الشبكة من العلاقات التي تنشأ بين كلماته وتنتظم بنيته .

        -         مؤسسها :

              تأسست المدارسة السويسرية التي قد تسمى أحيانا (حلقة جنيف) بزعامة العالم اللغوي السويسري فرديناند دي سوسير Ferdinand de Saussure مؤسس اللسانيات الحديثة (linguistique) عبر محاضراته الشهيرة التي كانت عصارة ثلاثة فصول دراسية بجامعة جنيف خلال الفترة الممتدة  بين 1906 و 1911 , ثم نشرت عام 1916 , بعد وفاته برعاية تلميذيه : شار بالي (ch . bally) و ألبير سيشهاي  ( A . sechehaye ) تحت عنوان محاضرات في اللسانيات العامة cours de linguistique générale  وقد شكلت هذه المحاضرات ثورة في الدراسات اللغوية.

        - روافدها : تمثلت في

        الشكلانية الروسية – حلقة موسكو- جماعة الأبوياز – حلقة براغ – جماعة tel quel

        -البنوية في النقد العربي :

              تشتق البنوية وجودها الفكري والمنهجي من مفهوم ( البنية ) أصلا , وعلى ضوء هذا المفهوم فإن الجزء لا قيمة له إلا في سياق الكل الذي ينتظمه , إن" المقولة الأساسية في المنظور البنوي ليست هي مقولة الكينونة , بل مقولة العلاقات و الأطروحة المركزية للبنوية هي توكيد أسبقية العلاقات على الكينونة و أولوية الكل على الأجزاء , فالعنصر لا معنى له ولا قوام إلا بعقد العلاقات المكونة له "([vi])

              وعلى العموم فإن البنوية منهج نقدي داخلي يقارب النصوص مقاربة آنية محايثة , تتمثل النص بنية لغوية متعالقة  و وجودا كليا قائما بذاته مستقلا عن غيره , ومن العرب المتأثرين بالمنهج  البنيوي في النقد حسن البنا عز الدين في تحليل بنية الشعر الجاهلي في كتابه *الكلمات و الأشياء* ومحمد بنيس في كتابه * ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب * وقد تعددت الدراسات حول البنيوية و اتسعت لتشمل دراسة كل ماله علاقة بالعقل البشري , ودراسة البنية الصغيرة التي بنية من العقل البشري مما أدى إلى دراسة العلوم والفيزياء , لارتباطها الوثيق بالعقل البشري .

              وقد تلت هذه المحاولة الرائدة جهود أخرى تشاطرها المنطلق المنهجي البنيوي على اختلاف آلياته واتجاهاته منها : كتاب أبو ديب كمال (في البنية الإيقاعية للشعر العربي) 1974 , ثم كتابه اللاحق (جدلية الخفاء والتجلي) 1979 , وكتاب محمد رشيد ثابت ( البنية القصصية ومدلولها الاجتماعي) في حديث عيسى بن هشام ,1975 وكتاب ابراهيم زكريا ( مشكلة البنية) 1976 , وكتاب صلح فضل (نظرية البنائية في النقد الأدبي) 1978 ([vii])

             وهكذا ازدانت الساحة النقدية العربية المعاصرة , على مدى الفترات المتعاقبة منذ السبعينات , بأسماء بنيوية لامعة تعددت إسهاماتها النقدية , وتنوعت اتجاهاتها المنهجية بين بنوية شكلية وبنوية تكوينية  , وبنوية موضوعاتية.

        -مآخذ على البنيوية :

        1-  تكثر من الرسوم البيانية , على حساب التحليل النمودجي , باحداث مكننة للبنية

        2-  تتجاهل التاريخ وعلاقة المبدع بالنص , وبيئته

        تقلل من الذات والوعي , بالانغلاق ذاخل بنية النص وعزله عن سياقاته الاجتماعية والنفسية والتاريخية التي أنتجته([viii])3

        - البنيوي في مقاربة موضوعه:

        لعل أول خطوة في التحليل هي تحديد البنية أو النظر إلى موضوع البحث كبنية أي موضوع مستقل حيث أن التحليل البنيوي يقف عند حدود اكتشاف هذه البنية في النص الأدبي فحيث يتم التعرف على بنية النص أو نظامه لا يهتم التحليل البنيوي بالعوامل المؤثرة في تشكيله لهذا يرى بارت وتودوروف وهما من أبرز رواد النقد البنيوي أن التعرف على بنية النص مقصود لذاته.   

        فالتحليل النصي يبدأ من البنية الكبرى وهي تتسم بدرجة قصوى من الانسجام والتماسك. والتماسك اللازم للنص ذو طبيعة دلالية وهذا التماسك يتميز بخاصية " خطية " أي أنه يتصل بالعلاقات بين الوحدات التعبيرية المتجاورة داخل المتتالية النصية.

        وتصبح المتتالية متماسكة دلاليا عندما تقبل كل جملة فيها التفسير والتأويل في خط داخلي يعتبر امتدادا بالنسبة لتفسير غيرها من العبارات الماثلة في المتتالية، ومن هنا فإن مفهوم النص تتحدد خصائصه بفكرة التفسير النصي، أي تفسير بعض أجزائه بالنسبة إلى مجموعها المنتظم كليا فالخطوة الهامة في تحليل العلاقة بين الوحدات في المتتالية النصية مرهونة بالكشف عن البنية الكبرى.

         

         

         


        • الموضوع 4

          البنيوية أو المنهج البنيوي.

               إن أهمّ ما تقوم عليه البنيوية من الأسس الكبرى لفلسفتها أنّها تتعامل مع اللّغة والخطاب وترفض الإنسان، فهي ترفض النظريات النقدية ذات النّزعة النفسية القائمة على التّحليل النفسي للنص الأدبي وصاحبه، حيث نجدجيرار جينات «GerardGenette» من أكثر النقاد الفرنسيين عناية بالسّرديات على الطريقة البنيوية يرفض تماما تحليل نصّ من النصوص بالمنهج النّفسي.

          1/ روافد البنيوية:(ظهور البنيوية في  النقد الغربي)

           لكي نفهم البنيوية لابّد من العودة إلى أصولها الأولى، قبل أن نرى كيف تصبّ في الدراسات النقدية والأدبية، فهي تسعى لمقاومة فكرة التّاريخ، ودراسة الخطاب في ذاته.

          أولا/ أبحاث دي سوسير:

          تمثل المبادئ اللغوية التّي أقرّها دي سوسير نقطة الانطلاق للنظرية البنيوية، فقد استمدّت من اللّسانيات خاصة دي سوسير (1857-1913) أب الألسنية البنيوية، وإن لم يستعمل سوسير كلمة "بنية" إلاّ أنّه مهّد لاستقلال النّص الأدبي بوصفه نظاما لغويا خاصا، وفرّق بين اللّغة والكلام، فاللغة عنده نتاج المجتمع للملكة الكلامية، أمّا الكلام فهو حدث فردي متّصل بالأداء الفردي.

               ففي القرن التّاسع عشر نادى الباحث الاجتماعي دوركايم بالنظرة المسمّاة "العقل الجمعي"، ودعا إلى دراسة الظواهر الاجتماعية باعتبارها "أشياء مستقلة"، وتبعا لذلك ظهر الباحث اللساني دي سوسير بنظريته في "ظاهرة اللغة"، حيث جرّد اللغة من دلالاتها الإشارية المألوفة وعدّها نظاما من الرموز يقوم على علاقات ثنائية، ومن هنا ظهرت فكرة البنية. فالمفهوم الأساسي عند سوسير هو مفهوم النّظام (Système) فاللغة نظام.

          ثانيا/ ميراث الشكلية الرّوسية:

          تعدّ هذه المدرسة الرّافد الثّاني من روافد البنيوية بعد أن وضع دي سوسير حجر أساسها.وقد فصلنا الحديث عن هذه المدرسة في المحاضرة الأولى.

          مفهوم البنيويــــــــــة:

          1- المفهوم اللّغوي للبنيوية:

          البنيوية من البنية، لغة: بنى، يبني، بناء، لقد استخدم مفهوم البناء في فنّ العمارة في القرن 19 قبل أن يكون في مفهومه النّقدي المعرفي، وتعني البنية، الطريقة التّي يقوم بها البناء، ويختلف في طريقة البناء، وليس البناء في شكله النّهائي فلكلّ واحد أسلوبه الخاص، والمفهوم الاصطلاحي للبنية متقاطع مع المفهوم اللّغوي، فالبنية تنشأ من خلال تركيب وتنظيم العناصر فيما بينها.

          البنية: مثلا: إذا رمينا حجرا في الماء يحدث تموّجات ثمّ سرعان ما يستقر الماء، كذلك البنية (اللّغة): إذا دخل عنصر غريب إلى اللّغة يحدث تصدعا في اللّغة ثمّ سرعان ما تعود كما كانت بنيتها مستقرّة.

          2- المفهوم الاصطلاحي:

              البنيوية منهجية ونشاط وقراءة وتصوّر فلسفي يقصي الخارج والتّاريخ والإنسان، وكل ما هو مرجعي وواقعي، ويركز على ما هو لغوي فقط، حيث يستقرئ الدّوال الدّاخلية للنّص دون الانفتاح على الظروف السياقية الخارجية التّي قد تكون أسهمت في إنتاج هذا النّص من قريب أو من بعيد وهذا يشير إلى أنّ البنيوية تتعارض مع المناهج الخارجية كالمنهج النّفسي والمنهج الاجتماعي والتّاريخي.

          * النبوية كنظرية هي التّي تبحث في نظام النّص، بمعنى أنّها تكتفي بالنّص فقط، من خلال التّركيز على هذا النّظام الذّي تشكله البنيات.

          تعريف معجم لاروس للبنيوية:

               البنيوية تيار فكري يعطي الأولوية للكلّ على الأجزاء، ويعطي الأولوية للعلاقة الموحّدة للأجزاء فيها على الأجزاء في ذاتها أو في تطوّراتها منفردة.

          يقدم جان بياجي تعريفا للبنية باعتبارها نسقا من التحولات لها قوانينها الخاصة، «علما أن من شأن هذا النسق أن يظل قائما ويزداد ثراء بفضل الدور الذي تقوم بههذه التحولات نفسها، دون أن يكون من شأن هذه التحولات أن تخرج عن حدود ذلك النسق، أو تستعين بعناصر خارجية، وبإيجاز فالبنية تتألف من ثلاثة خصائص هي الكلية والتحولات، والضبط الذاتي»، وهي كالآتي:

          أ- الكلية:

          هي مجموع العناصر الداخلية الخاضعة للقوانين المكونة للنسق ولا تقوم على (العنصر الواحد)، أو على (الكل) الذي يفرض نفسه على بقية العناصر المكونة للنص، وإنما تتمثل البنية من خلال العلاقات القائمة بين هذه الأجزاء.

          ب- التحولات:

          وهي جملة التغيرات التي تحدث داخل النسق، ذلك لأن البنية في تحول مستمر، وتغير يستجيب للقوانين الداخلية للنسق، ولا يلتفت إلى التأثيرات الخارجية.

          ج) التنظيم (الضبط) الذاتي:

          التحولات الحاصلة بين عناصر البنية الخاضعة للقوانين الداخلية للنسق، بمعنى أنها تنظم نفسها بنفسها حفاظا على وحدتها، مما يحقق لها صفة الانغلاق الذاتي.

          ونخلص من خلال هذه الخصائص التي حددها بياجي بأن البنية تنحصر في ثلاثة عناصر فخاصية الكليـــــة ومفادها أن البنية مكتفية بذاتها، ولا تحتاج إلى وسيط خارجي، بينما خاصيةالتحــــــولات فهي توضح التغيرات داخلها، والتي لا يمكن أن تبقى في حالة ثبات لأنها دائمة التحول، أما خاصية التنظيـــــم الذاتي فهي تمكنها من تنظيم ذاتها للمحافظة على وحدتها واستمراريتها.  

          3-  مبادئ البنوية:

          تقوم البنيوية كغيرها من النّزعات المذهبية على جملة من الأسس الفلسفية والفكرية والإيديولوجية، ومنها.

          3-1/ رفض التّاريخ:

              رفضت البنيوية أن يقرأ النّص الأدبي باعتبار عرق الكاتب ووسطه، لأن الأدب الجيّد هو ما يحمل قيمة في ذاته.

          3-2/ رفض المؤلف:

          ترفض البنيوية النظرة التّي تقول إنّ المؤلف هو منبع المعنى في النّص، لأنّ اللّغة هي التّي تتحدّث، «ولقد ذهب هذا المذهب، فيما بعد، جملة من المنظّرين الفرنسيين منهم رولان بارث وميشال فوكو، وكلود ليفي ستراوس...». إذ نجد بارث يعادي كلّ دعوة تنادي بدراسة شخصية صاحب النّص للوصول إلى دلالته.والحديث عن موت المؤلف، كما يؤكّدها بارثيدخل ضمن الحديث عن نظرية نقدية حداثية عرفت بنظرية التّلقي.

          3-3/ أدبية الأدب:

               يقول تودروف في كتابه «الشعريّة» في تحديد مفهوم الأدبيّة «ليس العمل الأدبي في حدّ ذاته هو موضوع الشعريّة، بل تلك الخصائص المجرّدة التّي تصنع فرادة الحدث الأدبي أيّ الأدبية، أو بمعنى آخر البنية التّي تشكّل وفقها النّص الأدبي.

          يقول كلود ليفي ستراوس: «غرض العلوم البنيوية هو كل ما يتّسم بطابع النّظام».

          4- رواد البنيوية في الغرب:

          - تمثل الأفكار التي طرحها دي سوسير في بداية القرن العشرين المحطة الأولى في تأسيس مفاهيم البنيوية، فقد أحدثت أفكاره قطيعة إبستيمولوجية مع التفكير النقدي السياقي فــ «موضوع الألسنية الحقيقي والوحيد إنما هو اللغة في ذاتها ولذاتها»، وهو المبدأ الذي تبناه المنهج النسقي في قراءته للنص الأدبي فهو يسعى للكشف عن بنيته الداخليــــةوعلاقـــــــة عناصره اللغويــــة،

             - كما تعتبر المدرسة الشكلانية من أهم المدارس التي أسهمت بقوة في التأسيس للاتجاه البنيوي فـكثيرا ما «ما ارتبط استخدام مصطلح البنية في المؤتمر الذي عقده الشكلانيون الروس لعلوم اللسان في مدينة لاهاي سنة 1928»، ويرون أن «رومان جاكبسون هو أول من استعمل هذا المصطلح بمعناه الحديث وذلك في البيان الذي أصدره في أعمال المؤتمر سنة 1929»، وناد أصحاب هذه المدرسة بضرورة اقتصار النظر على المضمون الجمالي للأدب؛ الشكل، وعدم الالتفات إلى أي مفاهيم أو أفكار أو أراء، وقد عبروا عن ذلك في مبدأين اثنين:

          المبدأ الأول:

          ولخصه رومان جاكبسون في قوله: «إن موضوع علم الأدب ليس هو الأدب، وإنما الأدبية (Litterarite) »، وبذلك حصروا اهتمامهم في نطاق النص.

          المبدأ الثاني:

           ويتعلق بمفهوم بالشكل، فقد رفضوا رفضا باتا ما كانت تذهب إليه النظرية النقدية التقليدية من أن لكل أثر أدبي ثنائية متقابلة الطرفين، هي الشكل والمضمون، وأكدوا أن الخطاب الأدبي يختلف عن غيره ببروز شكله.

          - أما الناقد الفرنسي رولان بارت (Roland Barthes) 1915- 1980 فــعلى الرغم من «تجاوزه البنيوية وما بعد البنيوية من مدارس نقدية»، غير أن اسمه بقي مرتبط بالمنهج البنيوي، هذا يعود إلى الأفكار التي جاء بها، فأصبحت معلما بارزا من معالم البنيوية هذه الآراء التي تتوزع على محاور العملية الإبداعية: (المبدع والنص، والمتلقي)، في الوقت الذي قام رومان جاكبسون بــ: «دراسات حول الفونولوجية وحول وظائف اللغة، وفتح باب البحث في الشعرية (Poeticite) في الاستقلالية النسبية للظاهرة الأدبية».

          اهتم هؤلاء النقاد بلغة الأدب، فهي في نظرهم جوهر تكوينه، وأهملوا في دراساتهم الأفكار التي يتكون منها، ولا بالأحاسيس والآراء التي يعبر عنها، بل أولوا بالغ العناية بالجسد اللغوي للنص الأدبي، واتخذوا من اللغة منطلقا لهم في مقارباتهم النقدية، وليس مما وراء اللغة لا ترتبط مباشرة بمادة الأعمال الأدبية.

          وهكذا تغدو مهمة الناقد البنيوي هي النظر إلى لغة النص الأدبي، لتبين مدى تماسكها وتنظيمها المنطقي، ومدى قوتها وضعفها بغض النظر عما يحمله المضمون من آراء وأحاسيس فهو يرى أن الظاهرة الأدبيـــة من الجانب اللغوي والفني والجمالي.

          5/ آليات الناقد البنيوي:

          أما عن آليات الناقد البنيوي، أو كما يسميها بسام قطوس مبادئ أو مفاهيم البنيوية التي يشكل حضورها على المستوى التطبيقي ركيزة بارزة ومن أهمها:

          أ/ اللغة والكلام (Langue- Parole):

          يرى البنيويون أن دراسة اللغة يجب أن تكون في بعد إنتاج النص، بحيث يمكن فيها تحليل العلاقات المتزامنة بين أجزائها المكونة من التركيز على الجوانب التاريخية التعاقبية التي تهتم بتغير اللغات حسب الأزمنة، «فهي تضغط على الكلام بأنظمتها، ويضغط الكلام على اللغة بالابتكار،

               تٌعتبر اللغة المادة الخام التي يستخدمها الأدباء وسواهم شعرا أو نثرا في حياتهم العملية وفي حياتهم التخييلية، فهي تستخدم في الدرجة الصفر على رأي رولان بارت في التواصل وتستخدم في درجات أخرى متفاوتة حسب قدرة المبدع بطرق مختلفة. واللغة عنده نظام اجتماعي مستقل عن الفرد ولا شعوري، إذ هـي تمثل مجموع القوانين والقواعد العامة التي تتحكم في إنتاج الكلام، وهـي تمثل السلطة التجريدية المتعالية التي يستمد منها الكلام اختياراته الفعلية، أما الكلام فـهو التطبيق الفعلي لهذه القوانين والقواعد العامة والمستوى الفردي لها، ولذلك فالكلام يتنوع بتنوع الأفراد»، وبهذه العلاقة أثرت البنيوية في الأدب ونقده.

               ولهذا أشار العديد من النقاد إلى العلاقة بين اللغة والكلام ورأوا بأن «الفصل بين اللغة والكلام ليس إلا فصلا لغايات الدراسة العلمية، ولكن العلاقة بينها تمثل علاقة الكل بالجزء فاللغة هي الكل، والكلام هو الجزء ... 

          ب/ نظام العلاقات (Relation System):

          ما يحكمهذه العناصر ومستوياتها، ويربط بعضها ببعض هو ما يطلق عليه النظام وأن أي خلل في العلاقة بين العناصر نفقد النظام توازنه، فاللغة في نظر البنيويين «نظام من العلاقات والتعارضات التي يجب أن تتحدد عناصرها على أساس شكلي وتخالفي، ولعل أهم الدروس في الثورة "الفونولوجية" بالنسبة لليفي شتراوس هي التعامل مع العناصر باعتبارها كيانات مستقلة، وتركيزه بدلا من ذلك على العلاقات بين هذه العناصر». فإذا كان النظام اللغوي هو: «سلسلة من الفروق الصوتية ترتبط بسلسلة من الفروق في الأفكار»  فإننا نجد أن كل عنصر من عناصر النظام يكتسب قيمته من علاقته مع غيره من العناصر الأخرى.

          ج/ التزامن والتعاقب:

          مفهوم التزامن (Synchronie) يعني «مجموع الظواهر وهي في حالة سكون أو ثبات، أما مفهوم التعاقب (Diachronie) فيعني مجموع الظواهر نفسها وهي في حالة صيرورة»، وإذا كانت «اللغة تسمح نسبيا بدراستها تزامنيا فإن دراسة الظواهر الاجتماعية تتطلب الربط بين التزامني والتعاقبي»، وبذلك فإن الظواهر الإنسانية بما فيها الإبداع الأدبي لا يمكن عزلها عن تاريخها فهي تعتبر عن زمن وتاريخ معينين، وإذا ما أردنا نقل هذين المصطلحين من حقل اللسانيات إلى حقل النقد، إن ثمة نوعين من أنواع العلاقات التوزيعية:

          د/ العلاقات التركيبية (التتابعية):

          تتعلق بإمكانية التأليف، وهي تعني دخول وحدتين في علاقة ذات سمة تبادلية، تنافرية أو غير تنافرية.

          ه/ العلاقات الاستبدالية:

          وهي العلاقات التي تحدد إمكانية الاستبدال، والتي تنطوي على أهمية خاصة في تحليل النظام، إن معنى أي وحدة يعتمد على الاختلافات بينها وبين وحدات أخرى كان من الممكن أن تحل محلها في إحدى المتتاليات.

          و/ الحضور الغياب:

          فيما يخص طبيعة العلاقات، علاقة الحضور والغياب، فلا تأتي إلا إذا رجعنا إلى الأداة (اللغة) «وعندما تصاغ هذه القاعدة اللغوية في إطار جمالي نقدي فإنه يترتب عنها التمييز بين نوعين من العلاقات التي يمكن ملاحظتها في العمل الأدبي، علاقات تقوم بها العناصر الحاضرة وأخرى تقوم بينها وبين العناصر الغائبة»، وقد نبه سوسير إلى هذه القضية في أكثر من مناسبة، «وقد ظهر التطور الأمثل لثنائية الدال والمدلول لدى سوسير فيما يسمى بعلائق الحضور والغياب».

          هذه الفكرة تمثلتها جهود البنيويين في بحثهم الدلالي عن ظاهرة النص وباطنه، مما أعطى لمفهوم الدال والمدلول دفعة جديدة فنجد، رولان بارت يرفض فكرة الصلة الثابتة بين الدال والمدلول حين ذهب «أن الإشارة (تعوم) سابحة لتغري المدلولات إليها لتنبثق معها وتصبح جميعا (دوال) أخرى ثانوية متضاعفة لتجلب إليها مدلولات مركبة، وهذا حرر الكلمة، وأطلق عنانها لتكون (إشارة حرة)، وهي تمثل حالة (حضور)، في حين يمثل المدلول (حالة غياب) لأنه يعتمد على ذهن المتلقي لإحضاره إلى دنيا الإشارة» (التأويل). هذا ما يتطلب وجود قارئ حذق قادر على إيجاد العلاقة الجدلية القائمة بين الدال والمدلول لإحضار الدلالة.

          البنيوية في العالم العربي:(هذا العنصر لا يدخل في الامتحان)

          لم يكن النقد الحديث بمنأى عن التطورات السريعة الحاصلة في ساحة الأدب والنقد العالميين، فقد تلقى النقاد العرب المحدثون البنيوية كما تلقوا غيرها من الاتجاهات والمناهج النقدية في فترة السبعينات، وهذا التلقي تجلى من خلال من خلال تعريب وترجمة العديد من الدراسات النقدية، ومن أبرز هؤلاء نذكر: كمال أبوديب، وسعيد علوش، ومحمد مفتاح، ومحمد بنيس، وعبد المالك مرتاض، وجابر عصفور، ويمنى العيد، وسعيد يقطين، وغيرهم.

          فكمال رائد من رواد البنيوية في النقد العربي الحديث الذين أصّلوا لها، فحمل على عاتقه الترويج لها والتنظير أيضا، وهذا ما تجسد في كتابه

          "جدلية الخفاء والتجلي"، وهو عبارة عن دراسة بنيوية في الشعر، بالإضافة إلى إصداره كتاب آخر عنوانه "البنية الإيقاعية للشعر العربي".

                  فـفي كتابه الأول يقدم تعريفا لبنيويته قائلا: «أنها ليست فلسفة لكنها طريقة في الرؤية ومنهج في معاينة الوجود، ولأنها كذلك فهي تثوير جذري للفكر وعلاقته بالعالم وموقفه منه وبإزائه في اللغة، لا تغير اللغة، وفي المجتمع لا تغير البنيوية المجتمع، وفي الشعر لا تغير البنيوية الشعر، لكن، ... المكونات الفعلية للشيء، والعلاقات التي تنشأ بين المكونات، تغير الفكر المعاين للغة والمجتمع والشعر، وتحوله إلى فكر متسائل قلق متوتّر، ومكنته من فرض، فكر جدلي شمولي في رفاهة الفكر الخالق وعلى مستوى من اكتمال التصور والإبداع».

          فـمن هذه الفكرة المقتضبة ندرك أن البنيوية ليست إلا تثوير جذري للفكر، وأنها ثورة على المجتمع واللغة والشعر، إذ تغيـر كل ذلك وتحوله كما قال إلى فكر متسائل وقلق.

          كما يصرح كذلك كمال أبو ديب أنها: «توظيف منظورا يسهم في تشكيله عدة تيارات منها: التحليل البنيوي للأسطورة كما هي عند ليفي شتراوس في الأنثروبولوجية البنيوية، والتحليل الشكلي للحكاية كما هي عند فلادمير بروب، ومناهج تحليل الأدب المتشكلة في إطار معلومات التحليل اللغوي، والدراسات اللسانية والسيميائية، والمنهج البنيوي التكويني النابع من معطيات الفكر الفلسفي عند لوسيان غولدمان»، كلها اتجاهات كبيرة متعددة المشارب، ومتنوعة الخلفيات الفكرية والفلسفية.

              كما نجد الناقد الحداثي عبد الله الغذامي الذي تبنى البنيوية التشريحة في كتابه "الخطيئة والتكفير"، «وخير وسيلة للنظر في حركة النص الأدبي، وسبل تحرره هي الانطلاق من مصدره اللغوي، حيث كان مقولة لغوية أسقطت في إطار نظام الاتصال اللفظي البشري».

              ومنه نرى أن الغذامي يمثل البداية التاريخية للمشروع النقدي الحداثي، والمتصفح لكتابه "الخطيئة والتكفير"، يلاحظ أنه يعتمد في كتاباته النقدية على نصوص (جاكوبسون وبارت، ودريدا، وتودوروف، وليتش، وغيرهم)، وهي المرجعيات المستعارة لديه التي لا تكاد تفارقه في مساره النقدي.

              أما الناقدة يمنى العيد فهي تعتبر من النقاد الأوائل الذين اعتنقوا المنهج الاجتماعي لكن سرعان ما ارتكزت على الطروحات البنيوية التي كانت منتشرة في الساحة النقدية الغربية، وتطعيم نظراتها وآرائها الذاتية بمفاهيم سوسيرية، تقول: «إن قراءتي لأعمال سوسير أو لمحاضراته حول اللسانية شكلت منطلقا معرفيا أساسيا في ما يمكن تسميته بالمرحلة الثانية من تجربتي النقدية».

              فهي تنطلق من مفهوم سوسير للعلامة وتمييزه بين اللغة والكلام، ثم تنتقل للحديث عن مفاهيم البنيوية التي حصرتها في أربعة عناصر: (النسق، والتزامن والتعاقب، ومفهوم الطابع، اللاوعي للظواهر أو الآلية)، وإذ هي تشير إلى هذه المفاهيم إنما تريد من خلالها معرفة النص الأدبي وعزله عما هو خارج عنه.

          ختامـــــا:

               يمكن القول إنّ البنيوية كاتّجاه نقدي، لم يكن إلاّ بعد توطئة معرفية علمية طويلة، طبّق في عصور ممتدة، حتى مضى عهده الزّاهر لتأتي فيما بعد مذاهب واتجاهات أخرى كالتّفكيكية والتّشريحية، أو قل تمشي إلى جنبها، وهذا بعد أن أبت البنيوية إلا أن تكتفي بداخل النّص الأدبي دونما النّظر إلى الخارج متجاهلة تماما المعطيات التّاريخية والسّياقية للمؤلف، هذا أدى إلى البحث عن سبيل آخر لنقد النّص.

          يبقى للبنيوية أهمّيتها إذ كانت وليدة الفكر اللّساني الذّي يعدّ نقله في اللّغويات العالمية[1].

              ما يميّز الطّرح البنيوي نظرته المغلقة إلى النّص، وهي نظرة تجريدية، صورية، خلقت بين النّص والتّاريخ مسافة شاسعة، حيث غيّبت البعد الإنساني في بناء النّصوص وتحليلها، وقد أثارت حولها نقاشات كانت بمثابة الانطلاقة النقدية لظهور حركات نقدية وفلسفية واجتماعية. جاءت لتعوّض الأسس النظرية للنظرية البنيوية النصية، نذكر منها: النظرية التّفكيكية، النقد الثقافي، نقد ما بعد الكولونيالي، نظرية القراءة والتلقي...ا



           


          • الموضوع 5

            المنهج الأسلوبي

            لقد تقدمت المناهج النقدية في عالمنا العربي تقدماً ملحوظاً وإن لم تكن قد وصلت إلى المستوى الذي وصلت إليه أوروبا بيد أن النقاد العرب قد شغفوا بها وأخذوا بلجامها في دراسة وتحليل وتقويم النص الأدبي ومن هذه المناهج التي خدمت النصوص الأدبية وبلورت جمالياتها هي الأسلوبي فماذا يقصد بالمنهج الأسلوبي أو "الأسلوبية..

            المنهج: طريقة موضوعية يسلكها الباحث في تتبع ظاهرة، أو استقصاء خبايا مشكلة ما لوصفها أو لمعرفة حقيقتها وأبعادها ليسهل التعرف على أسبابها وتفسير العلاقات التي تربط بين أجزائها ومراحلها وصلتها بغيرها من القضايا، والهدف من وراء ذلك هو الوصول إلى نتائج محددة يمكن تطبيقها وتعميمها في شكل أحكام أو ضوابط وقوانين للإفادة منها فكرياً وفنياً.).

            أما الأسلوب:

            ففي لسان العرب يقال للسطر من النخيل أسلوب، وكل طريق ممتد فهو أسلوب، والأسلوب الفن يقال أخذ فلان في أساليب من القول: أي أفانين منه.)

            وعرف "ريافتير" الأسلوب بأنه: "كل شيء مكتوب وفردي قصد به أن يكون أدباً".)

            ويعتبر شارل بالي الفرنسي النمساوي تلميذ دي سوسير "مؤسس المنهج البنيوي" من أوائل المؤسسين لهذا المنهج وتبعه جاكبسون الذي عرف الأسلوبية بأنها "البحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولاً، وعن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانياً".)

            وقد ألمح عبد القاهر الجرجاني إلى الأسلوب في نظرية النظم، فالنظم عند الجرجاني هو الأسلوب، ومن هذه النظرية بنى الأسلوبيون منهجهم الحديث "الأسلوبية" فأضحت بفضل الكثير من الملاحظات المتراكمة علماً خاصاً بدراسة جماليات الشعر والنثر.

            ولم يعد المنهج الأسلوبي يعتمد على الألفاظ وعلاقاتها بالجمل والتراكيب والقواعد النحوية فحسب بل " توسع مفهوم علم الأسلوب ليشمل كل ما يتعلق باللغة من أصوات و صيغ و كلمات وتراكيب فتداخل مع علم الأصوات و الصرف و الدلالة و التراكيب لتوضيح الغاية منه, و الكشف عن الخواطر و الانفعالات و الصور , وبلوغ أقصى درجة من التأثير الفني , بل توسع أكثر من ذلك أخيرا  و اشتمل على علم النفس و الاجتماع و الفلسفة وعلوم أخرى شهدت دقة مناهجها ومدى صلاحيتها في إغناء المنهج الأسلوبي. يقول غزوان " وقد أدى الاهتمام بدراسة الأسلوب وتحليله لغويا على وفق معايير لغته أو فنياً على وفق المعايير الفنية , إلى ظهور ما يسمى بالأسلوبية اللغوية التي ترى أن الأسلوب قد يكون انزياخا أو انحرافا, أو عدولا عن السياق اللغوي المألوف في هذه اللغة أو تلك , أو قد يكون تكرارا للمثال , أو النموذج النصي الذي يهتم به الذوق العام أو قد يكون كشفا خاصا لبعض أصول اللغة ومرجعياتها ولا سيما في الوجه الجمالي للتعبير أو ما يسمى بالوجه البلاغي أو البياني")

            ومن هنا نستخلص بأن الأسلوبية إنما تعتمد اعتمادا كبيرا على الدراسات اللغوية التي تمهد لدراسة النص الأدبي , لأن الناقد الأدبي -على حد تعبير غزوان- قبل كل شيء يجب أن يكون لغويا جيدا لأنه" لا وجود لأي نص أدبي خارج حدود لغته" وهذا يدفعنا إلى أن الأسلوبية لا تكتفي البتة ببنية النص كما هي البنيوية بل تنظر إلى ما يحيط بها نظرة شمولية تهدف من وراءها إلى خلق جماليات النص الأدبي و تنويره للقارئ.

            هذا بالإضافة إلى علاقتها بالبلاغة العربية و ما يعرف بالانزياح و التكرار و الإيحاءات التي يستشفها الناقد من السياقات المختلفة.

            ويتحدد المنهج الأسلوبي وفق خمسة اتجاهات :

            1- الأسلوبية الصوتية:

            وهي التي تهتم بالأصوات و الإيقاع و العلاقة بين الصوت و المعنى.

            2-الأسلوبية الوظيفية:

            وتهتم بدراسة العدول أو ما يسمى بالانحراف أو الانزياح.

            وتقوم على مبدأين:

            أ‌-دراسة نصوص كثيرة تمثل أنواعاً أدبية مختلفة وأجناسا متعددة وعصورا بغية الكشف عن الآليات التي تتحكم في تكوين الأسلوب الشعري.

            ب‌- الإفادة من نتائج علم النفس ..فدراسة العمل الأدبي أسلوبياً يتطلب التحرك بمرونة قصوى بين الأطراف و المركز الباطني للنص , والوصول إلى تلك النتائج يتطلب إعادة قراءة النص مرارا.

            3-الأسلوبية التعبيرية:

            وكان رائدها بالي الذي شق الطريق للتفريق بين أسلوبين أحدهما ينشد التأثير في القارئ و الآخر لا يعنيه إلا إيصال الأفكار بدقة . وطور تلاميذه هذا الاتجاه عن طريق التوسع في دراسة التعبير الأدبي , فالكاتب لا يفصح عن إحساسه الخاص إلا إذا أتيحت له أدوات ملائمة , وما على الأسلوبي إلا البحث عن هذه الأدوات.

            4-الأسلوبية الإحصائية:

            تقوم على دراسة ذات طرفين , أولهما: هو التعبير بالحدث , و الثاني هو التعبير بالوصف , ويعني بالأول الكلمات أو الجمل التي تعبر عن حدث و بالتالي الكلمات التي تعبر عن صفة , ويتم احتساب عدد التراكيب و القيمة العددية الحاصلة تزيد أو تنقص تبعاً لزيادة أو نقص عدد الكلمات الموجودة في هذه التراكيب , وتستخدم هذه القيمة في الدلالة على أدبية الأسلوب و التفريق بين أسلوب كاتب و كاتب .

            فمثلاً كتاب " الأيام" لطه حسين تبين مثلاً أن نسبة الجمل الفعلية إلى الوصفية 39% في حين أن نسبة تكرار هذه الجمل في كتاب " حياة قلم" للعقاد لا تتعدى 18% , ومعنى ذلك أن كتاب الأيام أقرب إلى الأسلوب الانفعالي و الحركي من كتاب العقاد الذي يميل فيه إلى الطابع الذهني العقلاني.

            5-الأسلوبية النحوية:

            تهتم بدراسة العلاقات و الترابط و الانسجام الداخلي في النص و تماسكه عن طريق الروابط التركيبية المختلفة , ومن هذه العلاقات : استخدام الضمائر و العطف و التعميم بعد التخصيص... وهذه العلاقات يلجأ إليها الكاتب لتنظيم جملة بعضها إلى جانب بعض مما يؤدي إلى تماسكها و ترابطها ..

             

            وعلى هذا فإن الأسلوبية تواصل تأملها لعالم النص عن طريق القراءة المتعددة الوجوه , وتتحدد هذه الاتجاهات بعضها مع بعض في كيان عضوي يجذب القارئ و يستثير تساؤلاته.


            • الموضوع 6

              المنهج السيميائي

              من أبرز المناهج النقدية الأدبي اللسانية المعاصرة المنهج السيميائي الّذي يدرس النّص الأدبيّ باعتباره علامات لغويّة وغير لغويّة تفكيكا وتركيبا.وقد تعرّف النّقاد العرب على هذا المنهج نتيجة الاحتكاك الثّقافي مع الغرب ونتيجة الإطلاع على مستجدّات الحقل اللّساني وتمثّل أساسا في ولوج عالم النّص..

              اتّخذت الكثير من الأقلام العلامة اللّغوية أساسا في ولوج عالم النّص ، وفي هذا السياق انكبّ عدد من النّقاد على التلقي النظري الإجرائيّ التطبيقي لمعطيات هذا المنهج الجديد .

              بدأت خلال الثمانينات مجموعة من الأقلام ساهمت في هذا الحقل ومنهم ، محمّد مفتاح ، عبد الفتاح كيلوطو ، سمير المرزوقي ، عبد المالك مرتاض ، عبد الحميد بورايو ، رشيد بن مالك وغيرهم.

                                                                                                             تعريف المصطلح: مصطلح السيميائية حسب صيغته الأجنبيّة اللّايتنيّة من الجذرين سيميو – تيك سيميو يراد

              منه إشارة أو علامة أو ما يسمّى بالفرنسيّة سيني في حين الجذر الثّاني يراد منه علم أمّا في المعاجم العربيّة نجد لسان العرب يرى بأنّ مفرده السمياء ، من الجذر( سوم ) وهي العلامة سوّم الفرس جعل عليه السيمة . وفي القرآن الكريم يقول عزّ جلاله "سيماهم في وجوههم من أثر السّجود " الفتح الآية 29

              وقوله :" حجارة من طين مسوّمة عند ربّك للمسرفين "تعرفهم بسماهم لا يسألون النّاس إلحافا وما تنفقوا من خير فإنّ اللّه به عليم . سورة البقرة الآية273

              يستنتج أنّ مصطلح السيمياء بتعريفه المعجمي عند الغرب وعند العرب يأخذ نفس الدّلالة

              ومنه فإنّ مصطلح السيميائيّة مصطلح لا تيني الأصل مركّب من مفردتين الأولى هي الإشارة او العلامة في حين نجد المفردة الثّانية تعني "علم "وعلى هذا الأساس يقال علم العلامة أو الإشارة.

              روّاد السيميائية الغربيّة:

              _ لعلّ من له الفضل في انتشار هذا العلم هو العالم السويسري فرديناند دي سوسيرفأشار إليه في كتابه " محاضرات في الألسنية العامّة" وقد اقترح تسميته ب سيميولوجيا أو علم الدّلائل. ويعرّف هذا العلم بقوله:" علم يدرس حياة الإشارات ضمن المجتمع ويبحث في القوانين المتحكّمة في الإشارات والّتي سيتم تطبيقها على على الألسنيّة.

              _ الأمريكي شارل سندرس بيرس :فقد ربط هذا العلم بالمنطق حيث يقول : ليس المنطق بمفهومه العام الا اسما آخر للسيميوطيقا نظريّة شكليّة للعلامات".

              لفظة سيميوطيقا إشارة الى علم السيميائيّة الّذي يدرس العلامة.

              _ غريماس: ويذهب الى تعريف السيميائية على أنّها علم جديد مستقل تماما عن الأسلاف وهي مرتبطة بسوسير وبيرس الذان نظّرا إليها مبكّرا ونشأ هذا العلم في فرنسا اعتمادا على جاكوبسون وهيلمسيلف.

              جوليا كريستفا :نرى أنّ هذا العلم يدرس الأنظمة الشفوية وغير الشفويّة ومن ضمنها اللّغات وتعرّفه بعلم السيميوطيقا من الكلمة اليونانية سيميون أي العلامة .

              في حين نجد في السّاحة العربيّة ان هذا المصطلح قد عرف تداولا كبيرا ، فقد أشار إليه الجاحظ في كتابه البيان والتبيين فقال " الدلالة باللّفظ أو بالإشارة فاليد والرّأس والعين والحاجب والمنكب والاشارة واللفظ إذا تباعدا الشخصان وبالثّوب وبالسيف فيكون ذلك جازرا رابعا ويكون وعيدا وتحذيرا والاشارة واللفظ شريكان ونعم العون هي له ونعم التّرجمان هي عنه ، وما أكثرما تنوب عن اللفظ وما تغني عن الخط ."

              فالجاحظ قد لمح في قوله هذا الى مصطلح السيميائية تلميحا غير مباشرا وانّما أشار اليه باستعمال بعض المفردات المرادفة له والّتي تنوب عنه كقوله الإشارة والدّلالة .

              آمّا النقاد العرب المحدثون هم أيضا تحدّثوا عن السيمياء ويشتركون كلّهم في معناها على انّها تحيل الى العلامة ، يعرفها صلاح فضل بقوله : هي العلم الّذي يدرس الأنظمة الرمزية في كلّ الإشارات الدّالة وكيفية هذه الدّلالة " فصلاح فضل يشترط ان تكون السيميائية مرتبطة بالدلالة وتسعى الى دراسة الإشارات والأنظمة الرّامزة الدالة والبحث عنها .

              أمّا سعيد علوش يعرّفها على أنّها : دراسة لكلّ مظاهر الثّقافة كما لو كانت أنظمة للعلامة اعتمادا على افتراض مظاهر الثقافة كانظمة عامة في الواقع ،

              فالناقد هنا يربط السيميائية بالثقافة ومظاهرها على اعتبار انها علامة تصف ماوقع.

              أمّا سعيد بنكران : فيرى أن الموضوع الرّئيسي للسيميائيات هو الصيرورة المؤدية إلى انتاج  الدّلالة وهو ما يطلق عليه "السيميوز" يربط بنكران بين السيمياء والدّلالة وأنّ تشكل الدلالة وانتاجها يكون عن طريق الدّلالة.

              فسواء تعلّق الامر بالنقاد الغربيين أو العرب نخلص الى انهم جميعا قد اتفقوا على ان مصطلح السيمياء يحيل الى معنى العلامة والإشارة .

              وقد اتخذت السيميائيّة في مجال النقد الادبيّ عدّة اتّجاهات نتيجة تطوّرها وتشعّب الأبحاث عنها.ومن أهم اتجاهاتها،سيميائيّة التواصل وسيميائية الدلالة ، سيميائية الثقافة ، سيميائية السردية .ولكلّ اتّجاه منطلقات يستند إليها وخصائص ومفاهيم يبنى عليها ، ويسعى الى اكتساب الريادة في مجال الدّراسة .

               

              سيميائية التواصل: اتجاه قويّ فرض نفسه على النّقد المعاصر خاصّة اقطاب المدرسة الفرنسيّة أمثال بويسنس وبريطو ، مونان ، وأوستن وهو اتجاه استمدّ الكثير من مفاهيمه من أفكار اللّسانيات حيث لا نكاد نجد اختلافا بينه وبين ما جاء به دو سوسير .

              ويذهب أنصار هذا الإتّجاه إلى أنّ العلامة تتكوّن من وحدة ثلاثية المبنى ، الدّال والمدلول والقصد وهم يركّزون في أبحاثهم  على الوظيفة التّواصليّة أو الإتّصاليّة ولم تختص هذه الوظيفة بالرّسالة اللّسانيّة وإنّما توجد أيضا في البنيات السيميائيّة الّتي تمثّلها الحقول غير اللّسانيّة غير أنّ هذا التّواصل مشروط بالقصديّة وبإرادة المرسل في التّأثير على الغير إذ لا يمكن للعلامة أن تكون أداة التّواصليّة القصديّة ما لم تشترط التواصلية الواعية.

              فهذه الوظيفة لا ترتكز فقط على ما هو لساني وإنّما تهتمّ أيضا بالأنظمة غير اللّسانيّة  كالدّعايات الإعلاميّة والإشهارات أو كلّ شيء غير اللّسان .كما تهتمّ السيميائيّة عند

              أصحاب هذا الإتّجاه تتمثّل في البحث عن طرق التّواصل أو البحث عن الوسائل المستخدمة للتّأثير على الغير والمعترف بها بتلك الصّفة من قبل الشّخص الّذي تتوخّى التّاثير فيه"

              أن الوظيفة الّتي قد تهتم بها السيميائية عند أصحاب هذا الإتّجاه هي محاولة الكشف عن آليات وطرق التّواصل الّتي يستطيع الفرد من خلالها التّأثير في الآخرين وهذا ما ذهب اليه "بويسنس" وسيميائيّة التواصل تركز على محورين رئيسين هما : التواصل، والعلامة وكلّ منهما تندرج تحت تفريعات هي :

              محور التواصل الّذي يمكن تقسيمه إلى فرعين :1 -  التواصل اللّساني و يتحقق بوجود جماعة او شخصين على الأقل.أي تتمّ عمليّة التواصل بوجود عمليّة كلامية يتمّ تبادلها بين طرفين أو أكثر لتتحقّق العمليّة التواصلية.

               2 – التواصل غير اللّساني صنّفه بويسنس الى معايير ثلاثة

              معيار الإشارة النسقية ، حيث تكون العلامات ثابتة ودائمة ، معيار الإشارة اللّانسقيّة حين تكون العلامات غير ثابتة كالملصقات الدعائيّة ثم معيار الإشارات الّتي لها معنى كالإشعارات الصىّغيرة.

              محور العلامة : يرى بريتو أن الدّال مع المد لول يشكّلان معا ما يسمّى بالعلامة ويصنّف اتجاه العلامة إلى أربعة أصناف وهي : 1 – الإشارة ، المؤشّر- الأيقونة ، الرّمز

              يجعل روّاد هذا الإتّجاه محور العلامة ينحصر في أربعة أصناف كما ذكرنا وأن كلّ صنف يؤدّي وظيفته فالإشارة تسعى الى لفت  وإثارة انتباه المتلقّي أمّا المؤشر فهو يعبّر عن معنى متعلّق به، في حين نجد الإيقونة هي علامة لها مرادف يماثلها أمّا الرّمز فمن خلاله يصير للعلامة مدلول آخر يقابلها .

              إن اعتبار السيميائية كمنهج نقدي يدرس العلامة والإشارة ، وتبحث عن المعنى الّذي يتشكّل منه أي نص ادبي فهي تقوم وتستند على مبادئ ومرتكزات أهمّها ، التحليل المحايث ، التحليل البنيوي ، تحليل الخطاب.

              1 - التحليل المحايث يهتمّ التحليل المحايث بالبحث عن الشروط الدّاخلية المتحكّمة في تكوين الدّلالة وإقصاء المحيل الخارجي وعليه فالمعنى يجب ان ينظر إليه على أنه أثر ناتج عن شبكة من العلاقات الرّابطة بين العناصر ،أي أن هذا المبدأ يهتمّ بدراسة  كلّ ما هو داخل النّص ، وعزله عن السياقات الخارجيّة كالظّروف المحيطة به ، فالمعنى ينتج من خلال ترابط العناصر فيم بينها.

              2 - التحليل البنيوي : يرتبط ارتباطا منهجيا مع التحليل السيميلئي فإدراك معنى الأقوال والنّصوص يفترض وجود نظاب مبني من العلاقات فعناصر النّص لا دلالة له إلا عبر شبكة من العلاقات القائمة بينها ولهذا فإن الاهتمام بالعناصر لا يكون الّا من منطلق دخولها في نظام الإختلاف تقييما وبناءا.

              ومنه فإن السيميائيّة تعتمد على هذا المبدأ الّذي يسعى إلى الدّراسة الدّلالية للنّص وهو بذلك يرى أنّه ينبغي الاهتمام بالعناصر الّتي تخلق اختلافات وتشكلات ويهتمّ بالدّراسة الدّاخليّة الوصفية للنّص ويعدّ من أكثر المبادئ الّتي يعتمد عليها النّقاد في تحليل نصوصهم .

              تحليل الخطاب :إنّ منحى التحليل السيميائي الأوّل هو مساءلة الخطاب في شتّى تجليّياته ، الأمر الّذي أفرز قطبين أحدهما إجرائي للنّظريّة السيميائيّة يجسد النص ويمثّل الثّاني السياق  كما جاءت الإجراءات التّحليليّة السيميائيّة للجمع بين القطبين ومن ثم يكون النص مرتبطا بالسياق لتحصيل التفاعلات المولودة للخطاب ضمن المحيط الاجتماعي والثقافي ومنه فإنّ السيميائيّة تهتمّ بالخطاب وكيفيّة تنظيمه والكشف عن دلالات والإشارات بما أنّ السيميائية تتجوز دراسة الجملة الى دراسة تحليل الخطاب.

              نستخلص أن السيميائية تعتبر منهجا دقيقا مصطلحاته مختلفة وهي تهتمّ بتشكيل المعاني وتوليد الدلالة من خلال فك الشفراةت والإشارات ممّا يسهّل على النّاقد التّفاعل مع النصوص الأدبيّة وذلك من خلال ارتكازها على مجموعة من القواعد والمبادئ لعل أهمها : التحليل المحايث الّذي يسعى إلى البحث عن المعنى الدّاخلي للنّص ، والتحليل البنيوي الذي يهتمّ بالدّراسة الوصفيّة الدّاخلية للنّص ، أما تحليل الخطاب فهو يسعى إلى انتاج الخطاب وتنظيمه ليكون نصّا متكاملا


              • الموضوع 7

                النقد الثقافي أو النقد الحضاري وهو نقد ثقافة ما على أسس جذرية [1]، وهو «نشاطٌ فكريٌّ، يتّخذ من الثّقافة، بشموليّتها، موضوعًا لبحثه، وتفكيره، ويعبّر عن مواقفَ إزاء تطوّراتها، وسماتها»[2]، وهو «الوقوفُ على (فعل) الخطاب، وعلى تحوّلاته النّسقيّة، بدلًا من الوقوف على مجرّد حقيقته الجوهريّة، التّاريخيّة، أو الجماليّة»[3] وهو يعالج فكرة الكشف عن الأنساق الثّقافيّة المضمرة، في المجتمع والثقافة، ولذلك؛ فهو تعاقبيٌّ وتزامنيٌّ في آنٍ معًا؛ فهو يضرب في عمق الثّقافة وأثرها في تحديد الوجهة الثّقافيّة التّراكميّة، ومن جهةٍ أخرى يراقب التّطوّرات الآنيّة للفعل الثّقافيّ.وغالباً ما يكون هذا النقد متداخل من ناحية اجتماعية مع نظرية الثقافة وهو يعالج فكرة الكشف عن الأنساق الثقافية المضمرة، في المجتمع والثقافة، ولذلك فهو تعاقبي وتزامني في آن معا، فهو يضرب في عمق الحضارة وأثره في تحديد الوجهة الثقافية التراكمية ومن جهة أخرى يراقب التطورات الآنية للفعل الثقافي

                النّشأة

                عند الغرب

                أوّل من استخدم مصطلح النّقد الثّقافيّ هو فينسنت ليتش (V .B. Leitch)، ولكن له امتداداتٌ تاريخيّةٌ سبقت ظهوره، أهمّها الدّراسات الثّقافيّة الّتي تطوّر مفهومها على يد مركز الدّراسات الثّقافيّة المعاصرة بجامعة برمنغهام Brimingham، تناولت الدّراسات الثّقافيّة في موضوعاتها وسائل الإعلام، والثّقافة الشّعبيّة، والثّقافات الدّنيا، والمسائل الأيديلوجيّة، والأدب، وعلم العلامات، والمسائل المرتبطة بالجنوسة، والحركات الاجتماعيّة، والحياة اليوميّة، وغير ذلك من الموضوعات ممّا يتعلّق بمخرجات الثّقافة،[4] وتعمل الدّراسات الثّقافيّة على «تحليل الثّقافة، واستخراج الأنظمة الثّقافيّة المتوفّرة من مصادرها، وفهمها، والبحث في الممارسات الثّقافيّة وعلاقتها بالسّلطة، ولها التزامٌ بالارتقاء بأخلاقيّات المجتمع الحديث، مع محاولةٍ لتنظيم المعرفة، وترويضها»[5]، أمّا النّقد الثّقافيّ فهو نشاطٌ فكريٌّ، وليس مجالًا خاصًّا.

                وسبقت الجماليّات الثّقافيّة، أو التّارخانيّة الجديدة، ظهور النّقد الثّقافيّ، وهي «تحليلٌ لطرائق إنتاج الخطاب، وآليّات تشكّله من قبل السّلطة الّتي تسيّر كلّ التّجارب الإنسانيّة، في الوقت الّذي تتوق فيه هذه السّلطة إلى فكرة الهيمنة»[6]، وأيضًا، تأثّر النّقد الثّقافيّ بخطاب ما بعد الكولونياليّة، الّذي يدرس خطاب المستعمرين، وأبرز من تحدّثوا في مجال خطاب ما بعد الكولونياليّة إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق، ويهتمّ النّقد الثّقافي بدراسة الأنساق الثّقافيّة السّياسيّة والاجتماعيّة وغيرها للآخر الأجنبيّ.

                عند العرب

                أوّل من نقل النّقد الثّقافيّ إلى العربي هو النّاقد السّعوديّ عبد الله الغذّامي، في كتابه الموسوم بــ«النّقد الثّقافيّ: قراءةٌ في الأنساق الثّقافيّة العربيّة»، وتبعه بعدها عددٌ من النّقّاد الّذين نقلوا عنه، وأصدروا أفكارهم الخاصّة بهم، من أهمّهم النّاقد البحرينيّ نادر كاظم في عددٍ من كتبه، من أهمّها كتابه الموسوم بـ«تمثيلات الآخر-صورة السّود في المتخيّل العربيّ الوسيط»، والنّاقد الفلسطيني عزّ الدّين مناصرة في كتابه الموسوم «النّقد الثّقافيّ المقارن منظورٌ جدليٌّ تفكيكيٌّ»، والنّاقد الأردنيّ يوسف عليمات الّذي كانت مؤلّفاته جميعًا في مجال النّقد الثّقافيّ، وأسهم في تطويره إسهامًا فعّالًا، وكوّن منظاره الخاصّ في كتابه الموسوم بـ«ثقافة النّسق تجلّيات الأرشيف في الشّعر العربيّ القديم»، والنّاقد الأردنيّ عبد القادر الرّباعي في عددٍ من كتبه، أهمّها كتابُه الموسوم بـ«جماليّات الخطاب في النّقد الثّقافيّ رؤيةٌ جدليّةٌ جديدةٌ»، وما زال النّقد الثّقافيّ طور النّموّ في الأوساط النّقديّة العربيّة، وما زال عددٌ من النّقّاد يشكّكون بوجوده، وبأهمّيّته.

                خصائصه:

                في ذات الفترة ،اهتم الناقد الأمريكي فنسنت ليتش LeiTch Vincent بالنقد الثقافي خاصة في مؤلفه النقد والطابو: النقد الأدبي والقيم عام 1987، وفي عام 1992 أصدر مؤلفه )النقد الثقافي: نظرية الأدب لما بعد الحداثة) مسميا مشروعه بالنقد الثقافي جاعلا منه "رديفا لمصطلحي ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية حيث نشأ الاهتمام بالخطاب بما أنه خطاب، وهذا ليس تغير في مادة البحث فحسب، لكنه أيضا تغير في منهج التحليل ،سيستخدم المعطيات النظرية والمنهجية في السوسيولوجيا والتاريخ والسياسة والمؤسساتية من دون أن يتخلى عن منهج التحليل الأدبي النقدي."

                يقوم النقد الثقافي عند ليتش LeiTch على ثلاث خصائص:

                "أ- لا يؤطر النقد الثقافي عمله تحت إطار التصنيف المؤسساتي للنص الجمالي، بل ينفتح على مجال عريض من الاهتمامات ما هو غير محسوب في حساب المؤسسة،  والى ما هو غير جمالي في عرف المؤسسة، سواء كان خطاب أو ظاهرة.

                ‌ب-               من سنن هذا النقد أن سيستفيد من مناهج التحليل المعرفي، من مثل تأويل النصوص، ودراسة الخلفية التاريخية، إضافة إلى إفادته من الموقف الثقافي النقدي، والتحليل المؤسساتي.

                ‌ج-                 إن الذي يميز النقد الما بعد البنيوي هو تركيزه الجوهري على أنظمة الخطاب وأنظمة الإفصاح النصوصي، كما هي لدى بارث ودريدا وفوكو، بخاصة في مقولة دريدا أن لا شيء خارج النص،  وهي مقولة يصفها ليتش بأنها بمثابة البروتوكول للنقد الثقافي الما بعد البنيوي، معها مفاتيح التشريح النصوصي كما هي عند بارث، وحفريات فوكو."

                " إن منهجية ليتش هي منهجية حفرية لتعرية الخطابات، بغية تحصيل الأنساق الثقافية استكشافا واستكناها، وتقويم أنظمتها التواصلية مضمونا وتأثيرا ومرجعية، مع التركيز على الأنظمة العقلية واللاعقلية للظواهر النصية لرصد الأبعاد الأيديولوجية." والأنظمة العقلية واللاعقلية شبكة متداخلة من الأنساق والممارسات والتمثيلات والمؤسسات الفاعلة في الثقافة.

                وقد بلور ليتش Leitch منهجيته باستثمار فلسفة ما بعد الحداثة ،وآراء ما بعد الماركسية مسميا إياها بما بعد الحداثة أو ما بعد الماركسية، تبنى منهجية ليتش المسماة بالنقد الثقافي على مستوى النقد الأدبي العربي الناقد السعودي عبد الله الغذامي الذي صاغ له تعريفا بقوله: " النقد الثقافي فرع من فروع النقد النصوصي العام، ومن ثم فهو أحد علوم اللغة وحقول الألسنية معنى بنقد الأنساق المضمرة التي ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه وصيغه، ما هو غير رسمي وغير مؤسساتي".ومن ثم يمكن اعتبار النقد الثقافي نظرية ألسنية تمتح من الحقل الألسني، ذات مضمون ثقافي كونها تعنى بالمضامين الثقافية ومتابعة عملية تلقي الثقافة وتأثيراتها، تهتم بالأنظمة العميقة للخطاب.

                وهو ممارسة نقدية تعتمد في دراسة النصوص والخطابات على الأدوات النقدية التقليدية، تربط النصوص والخطابات بجميع أشكالها(رسمية، شعبية) بسياقها الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي تتجاوز الاهتمام النقدي الأدبي المؤسساتي الذي بقي " رهين النص البلاغي/ الجمالي، لاهتمامه ـفقطـ بالألفاظ وطريقة التعبير بها تلك الطريقة المتوارثة والمحكومة بمجموعة من المعايير التي من خلالها تتم قراءة النص بمدى موافقته لها يتم الحكم عليه،" ومن ثم لا يتعامل النقد الثقافي مع النصوص والخطابات الجمالية والفنية على أنها رموز جمالية، ومجازات شكلية موحية، بل أنها أنساق ثقافية مضمرة تعكس مجموعة من السياقات الثقافية والتاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية والقيم الحضارية والإنسانية." وقد أطلق عليه الناقد آرثر أيزا برجر Arthur Asa Bergerمصطلح المظلة Umbrella term كونه يقوم في تشكله المنهجي النظري والتحليلي على تبني سياسة اللاحد واللاقيد، بل الانف