نشأة المجتمع الدولي المرحلة الحديثة

أوروبا في العصر الوسيط :

عرفت هذه الفترة عدة أحداث في أوروبا أهمها التجزئة والفوضى السياسية، حيث أدى سقوط الإمبراطورية الرومانية على يد القبائل الجرمانية، إلى تقسيم أوروبا إلى عدة مماليك وإمارات، اتسمت العلاقات فيما بينها بالحرب والاعتداءات المستمرة التي دامت إلى غاية القرن الثامن. وخلال هذه الفترة سادت تعاليم الكنيسة الكاثوليكية، وظهرت نظرية السيادتين،وأن الشعب يتكون من عنصرين (كالأفراد) العنصر الروحي يخضع للكنيسة ، والعنصر الزمني الذي تختص به الدولة، والدولة يحكمها طبقا لذلك قانونان، القانون الزمني والقانون الكنسي، وشهدت هذه الفترة صراعا مريرا بين هاتين السلطتين، إذ اندلع صراع حاد بين الكنسية والدولة خلال النصف الثاني من القرن 11 عندما خلع الإمبراطور هنري الرابع إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة البابا جريجوري السابع ولم يكتف بخلعه ولكن أصدر قرار الحرمان وأحل رعيته من يمين الولاء له.

القواعد القانونية التي جاء بها العصر الوسيط:

1- إرجاع فكرة تقسيم القانون الدولي إلى قانون حرب وقانون سلام إلى هذا العصر.

2- الحرب الشرعية العادلة، والحرب غير الشرعية. الأولى كانت تقوم ضد غير المسيحيين والثانية ضد المسيحيين في حالة قيامها دون أسباب شرعية، كما ظهرت فكرة الحرب عقوبة ضد ظلم قام به أحد الأمراء.

3- التحكيم كوسيلة لحل المنازعات والوقاية من الحروب.

4- ظهور العلاقات الدبلوماسية والعلاقات التجارية، فظهرت الوزارات الخارجية والسفارات الدائمة، كما نظمت على الصعيد الأوروبي وظيفة الدبلوماسي والإمتيازات والحصانات الدبلوماسية.

5- ظهور قانون بحار حقيقي: حماية التجارة البحرية، حق التفتيش، التهريب البحري.

6- ظهور القنصليات لحماية المواطنين في الدول غير المسيحية.

غير أن الملاحظ من الناحية العملية والتعامل الدولي آنذاك أن هذه القواعد لم تحقق صفة العمومية الكاملة للقانون الدولي في ذلك العصر لأن الرابطة التي خلقها القانون الدولي آنذاك هي رابطة دينية قاصرة على الدول المسيحية.

المجتمع الدولي الأوروبي: 1492 – 1914:

شهدت هذه المرحلة نشوء القانون الدولي في أوروبا، ليحكم العلاقات بين الدول الأوروبية المسيحية ويسمى بالقانون العام الأوروبي ليحكم أوروبا دون سواها، وتميزت هذه المرحلة بصفات مشتركة يمكن إجمالها في مايلي:

1- أن هذا المجتمع كان يضم دولا أوروبية فحسب، ماعدا الفترة التي شارك فيها البابا العالي في إدارة المجتمع الدولي وكان هذا استثناء يؤكد القاعدة وهي السيطرة الأوروبية الكاملة على المسرح الدولي.

2- أن الحضارة الغالبة في هذا المجتمع كانت الحضارة الغربية ذات الطابع المسيحي الروماني المطعم بأفكار النهضة.

3- أن النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد في هذا المجتمع كان النظام الرأسمالي بمراحله الثلاث الرأسمالية التجارية، الرأسمالية الصناعية والإمبريالية.

إن العلاقات الدولية في تلك الفترة كانت موجهة في مجملها لصالح الدول الغربية والنظام الرأسمالي، وأن عددا كبيرا من قواعد القانون الدولي العام قد سنت لضمان هذه المصالح وتثبيتها ، وخلال هذه الفترة مر المجتمع الدولي بعدة مراحل منها .

أ- نشوء المجتمع الدولي 1500 – 1648:

يرجع أسباب نشوء المجتمع الدولي المعاصر حسب أغلبية الفقهاء إلى عدة أسباب منها الاكتشافات الكبرى، وولادة الدولة المركزية الحديثة خلال القرن 16 و النهضة العلمية

الاكتشافات الكبرى (الموجات الاستعمارية الأولى):

ولادة الدولة الحديثة

النهضة العلمية :

2- مرحلة التوازن الدولي: 1648 – 1815:

تميزت هذه المرحلة بالسعي لتوطيد المجتمع الدولي الجديد نتيجة التغيرات التي طرأت على التقسيمات السياسية في القرن السادس عشر. وقد أكدت هذه التقسيمات السياسية بشكل خاص معاهدة وستفاليا لعام 1648 التي وضعت حدا للحرب التي كانت قائمة بين الدول الكاثوليكية والدول البروتستانتية أي بين الإمبراطور وحلفائه من جهة وفرنسا والأمراء البروتستانت من جهة أخرى التي امتدت من سنة 1618 – 1648 وسميت بحرب الثلاثين سنة مكرسة تقسيم أوروبا إلى دول وطنية وإنتهاء حكم الإمبراطورية الأوروبية المقدسة .

معاهدة وستفاليا 1648

مؤتمر وستفاليا أسفر عن توقيع معاهدة سلام للحد من الحرب الدينية التي دامت ثلاثين سنة بين الدول الأوروبية ثم وقع عليها كل من الإمبراطور الجرماني وإسبانيا وبريطانيا والسويد الخ، فأرست هذه المعاهدة المبادئ الأساسية للقانون العام الأوروبي، ولكنها تعتبر مبادئ دولية ومنها الأتي:

1- تكوين العائلة الدولية " المجتمع الدولي" من الدول المستقلة ذات السيادة واقتصر الأمر في البداية على الدول الأوروبية المسيحية ثم إتسع المجال لانضمام الدول المسيحية غير الأوروبية ( دول القارة الأمريكية) ثم اعترف بحق دخول دول غير مسيحية إلى المجتمع الدولي كالصين 1844 اليابان 1853، تركيا 1856 الخ وهكذا فتح الباب أمام كل الدول المستقلة.

2- حرية جميع الدولة ومساواتها في الحقوق والوجبات و زوال السلطة البابوية

3- نشوء نظام التمثيل الديبلوماسي بواسطة سفارات دائمة بدلا من البعثات المؤقتة.

4- بروز فكرة المجتمع الدولي الأوروبي الذي يضم كل الدول الأوروبية، وينعقد لهدف حل المشاكل المطروحة حفاظا على المصالح الأوروبية الإستراتيجية.

5- إقرار مبدأ سيادة الدولة والاعتراف بتساوي الدول في السيادة بغض النضر عن عقائدها الدينية وعن أشكال حكوماتها ( بروتستانتية، كاثوليكية، ملكية أو جمهورية) و عدم خضوعها لأية سلطة أعلى منها.

6- إقرار مبدأ التوازن الدولي للحفاظ على السلم ، ومعنى هذا المبدأ إذا حاولت أية دولة التوسع على حساب دولة أو دول أخرى ، يجب على مجموع الدول أن تجتمع وتتعاون لمنع هذا التوسع وتحافظ على التوازن الدولي الكفيل بإقامة السلام الدائم في العالم . وهكذا باسم هذا المبدأ منع لويس الرابع عشر ملك فرنسا من توحيد تاجي فرنسا وإسبانيا حتى لا يختل ميزان القوى مع الدول الأوروبية الأخرى.

المجتمع الدولي الحديث

شهدت هذه الفترة تغيرات جذرية طرأت على تركيب المجتمع الدولي تمثلت أساسا في ظهور الثورة الاشتراكية، قيام حربين عالميتين ذهب ضحيتها حوالي 58 مليون نسمة ( 9 ملايين في الحرب العالمية الأولى، 49 مليون في الحرب العالمية الثانية).

انفجار أول قنبلة، صعود الإنسان إلى الفضاء الخارجي، قيام الأمم المتحد، بروز مسألة حقوق الإنسان الخ مما نتج عنها تحول عميق في المجتمع الدولي وكذلك لما يسمى بالنظام الدولي القديم. وإقامة نظام جديد مارس ويمارس تأثيرا كبيرا على مجمل قواعد القانون الدولي العام خاصة بعد موجة تصفية الاستعمار ثم سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي حرب الخليج الأولى والثانية، وهجومات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة إلخ.

أهم خصائص المجتمع الدولي المعاصر:

إذا كان المجتمع الدولي قبل الحرب العالمية الأولى تميز بأنه يضم عدد محدود من الدول (دول أوروبية مسيحية) وبالتالي علاقات دولية محدودة المضمون (العلاقات الديبلوماسية) فكذلك كان مجتمع متجانس من حيث تركيبه الكيفي (الحضارة الغربية بتقاليدها المشتركة الرومانية المسيحية.)

فإن المجتمع الدولي المعاصر يمتاز بالخصائص والمميزات التالية.

1-مجتمع دولي عالمي:

فأصبح المجتمع الدولي إضافة إلى الدول الأوروبية المسيحية يضم دولا تنتمي إلى ثقافات وحضارات مختلفة مثل الدول العربية والدول الآسيوية والدول الإفريقية التي تخلصت من السيطرة الاستعمارية الأوروبية. وهكذا فإن منظمة الأمم المتحدة التي كانت تضم سنة 1945 – 48 دولة غالبيتها من الدول الغربية أصبحت تضم حاليا أكثر من 194 دولة. وبالتالي أصبح المجتمع الدولي مجتمعا عالميا تمتد فيه العلاقات الدولية والقانون الدولي العام إلى جميع الشعوب.

2- تعدد مجال العلاقات الدولية:

بسبب الازدياد الكبير في عدد الدول المكونة للمجتمع الدولي توسعت العلاقات الدولية وامتدت الصلات بين الدول ومست مختلف الحياة وخاصة المجالات التي لها علاقة بمستوى حياة الإنسان ونوعيتها أي القضايا الاجتماعية والاقتصادية وكان إحداث منظمة العمل الدولية سنة 1919 منطلقا لتطور مستمر كرس التدويل المتزايد للنشاطات المتعلقة بالعمل والصحة والغذاء والمواصلات والثقافة وغيرها من المجالات الحيوية في حياة البشر.

وفي المجال الاقتصادي شكل التقدم المتزايد للعلاقات الاقتصادية الدولية وخاصة في مجال التجارة الخارجية أحد الفروع الأساسية في العلاقات الدولية وفرعا من فروع القانون الدولي العام يدعى القانون الدولي الاقتصادي.

كما اتسعت العلاقات الدولية في مجال الفضاء والاستعمال السلمي للطاقة الذرية، وكيفية استعمال قاع البحار الخ.

3- المجتمع الدولي مجتمع منظم:

وهو يعتبر كذلك مجتمع منظم لأنه محكوم بنظام قانوني يتضمن مجموعة من القواعد التي تسري على أحكامه الهدف منها هو تنظيم العلاقات بين أشخاص القانون الدولي عن طريق الاتفاقات والمعاهدات الدولية والمؤتمرات التي تهدف إلى إرساء وتطوير التعاون فيما بين الدول , كما أن إنشاء المنظمات الدولية وتزايدها خفف من حجم الفوضى وأدى إلى تطوير مجالات التعاون فيما بين الدول في الأنشطة السياسية والاجتماعية والعلمية والصحية الخ.

كما أن التقدم العلمي خاصة في المواصلات وغزو الفضاء واستغلال الثروات الباطنية في اليابسة والبحار والمحيطات قد أدى إلى تطوير قواعد القانون الدولي وجعلها تتفق مع هذا التقدم.

4- تقسيم العالم إلى تكتلات سياسية واقتصادية:

أ- الانقسام الأفقي للعالم على أساس إيديولوجي: المعسكر الغربي الرأسمالي، والمعسكر الشرقي الشيوعي.

ب – الانقسام العمودي للعالم على أساس اقتصادي: الدول الشمالية الغنية المتطورة والتي تمثل 25% من سكان العالم، لكنها تستولي على 80% من الثروات، وهي حوالي 50 دولة، ودول الجنوب الفقيرة المتخلفة تضم حوالي 140 دولة. إضافة إلى هذه الميزات، هناك مظاهر أخرى يتسم بها المجتمع الدولي المعاصر تتلخص في :

1- التوازن النووي الاستراتيجي بين المعسكرين الغربي والشرقي( روسياو الولايات المتحدة الأمريكية)

2- انتشار واتساع نطاق الشركات المتعددة الجنسيات.

3- كثرة الأزمات الاقتصادية والسياسية داخل الدول المتخلفة ( ثورات انقلابات).

4- تفكك وزوال المعسكر الشيوعي خاصة الاتحاد السوفياتي إلى عدة دول وتخلى عن الاشتراكية، ثم تبعته أغلب الدول الشيوعية في تبني أنظمة حكم رأسمالية وبذلك بدأ عهد جديد خالي من الصراع الإيديولوجي الثنائي. ولكن ربما هي عودة إلى مرحلة سيطرة الدول الأوروبية الرأسمالية تحت إشراف و توجيه الولايات المتحدة الأمريكية.

5- ظهور مبادئ جديدة في القانون الدولي موجهة للمجتمع الدولي منها :

أ – مبدأ المساواة بين الدول.

ب – عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول إلا استثناء.

ج- منع الاعتداء، وحظر اللجوء إلى استعمال القوة والتهديد باستعمالها.

د- التعايش السلمي بين مختلف الدول رغم تعارض أنظمتها الاقتصادية والسياسية وقد قنن هذا المبدأ دوليا بواسطة مبادئ القانون الدولي حول العلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق منظمة الأمم المتحدة.(3)

للاطلاع على الفيديو اضغط على الرابط هنا

استقبالالتطور التاريخي للمجتمع الدولي > نشأة المجتمع الدولي المرحلة الحديثة<سابقموالي >