نشأة المجتمع الدولي في المرحلة القديمة

إن دراسة المراحل التاريخية للمجتمع الدولي أمرا ضروريا لارتباط نشأة هذا المجتمع بعدة حضارات، فقد عرفت الحضارات القديمة البعض من جوانب القانون الدولي. كما أفرزت العصور الوسطى الكثير من الأحكام التي تنظم العلاقات الدولية وخاصة في العالم الإسلامي الذي عرف أحكاما متكاملة ومتقدمة في القانون الدولي لحكم العلاقات الإسلامية مع الغير في السلم والحرب. وأخيرا بدأ هذا القانون يتطور تطورا هاما منذ بداية العصور الحديثة وحتى الآن.

المجتمع الدولي في العصور القديمة

تؤكد الأبحاث العلمية الحديثة في مجال العلاقات الدولية والقانون الدولي أن جذور العديد من قواعد القانون الدولي العام المعاصر تمتد إلى الحضارات القديمة جدا كالحضارات الآشورية والبابلية، ويضرب المثل عادة بالمعاهدة التي أبرمت سنة 3100 ما قبل الميلاد بين زعيمي قبيلتين في منطقة ما بين النهرين ( دجلة والفرات) لوضع حد لنزاع قائم بينهما على الحدود، تضمنت شرطا للتحكيم لحل الخلافات الناجمة عن تطبيق هذه المعاهدة، وهذا دليلا على وجود علاقات دولية وبالتالي نوع من المجتمعات الدولية منذ ذلك التاريخ البعيد.

كذلك نجد أن الفراعنة في مصر قد أبرموا عدة معاهدات مع ملوك وقادة الشعوب المجاورة وصنفت هذه المعاهدات إلى ثلاث فئات:

- معاهدة تبعية vassalite

- معاهدة تحالف alliance

- معاهدات حماية protectorat

ومن بين المعاهدات التي أبرمها الفراعنة آنذاك المعاهدة التي أبرمت بين فرعون مصر رمسيس الثاني مع أمير الحيثيين هوزيليت 1820 قبل الميلاد والتي حررت باللغة البابلية، لغة الدبلوماسية في ذلك الوقت ولم تكن هذه المعاهدة مجرد معاهدة صلح تفرض شروط المنتصر على الطرف المهزوم، بل كانت كذلك معاهدة تحالف تضمنت أحكاما خاصة بالتعاون بين الدولتين في المستقبل وأحكاما خاصة بتسليم اللاجئين السياسيين الخ .

, وفي الهند نجد قوانين مانو التي وضعت حوالي سنة 1000 قبل الميلاد والتي تطرقت إلى عدة مسائل مما يعرف اليوم قانون الحرب والقانون الإنساني والقانون الدبلوماسي أو جبت هذه الأوامر مثلا تحريم قطع الأشجار واوجب على المحارب ألا يقتل عدوا استسلم ولا أسيرا حرب ولا عدوا نائما أو أعزل و لا شخصا مسالما غير محارب ولا عدوا مشتكيا مع خصم آخر.

أما الحضارة اليونانية فقد ساهمت كذلك في تكوين القانون الدولي فكما هو معروف أن المجتمع اليوناني كان متكونا من مدن متعددة مستقلة كل منها عن الأخرى استقلالا كاملا، مما أنشأ مع مرور الزمن نوعا من قواعد القانون الدولي التي تنظم العلاقات بين هذه المدن وقت السلم ووقت الحرب، منها قاعدة إعلان الحرب قبل الدخول فيها, تبادل الأسرى، وجوب إحترام اللاجئين الفارين إلى المعابد.

هذه القواعد طبقت بين الدول أو المدن اليونانية فقط، لكن الشعوب الأخرى اعتبرها اليونانيون مجرد برابرة ولم يعترفوا لها بأي حق , وبالتالي لهم الحق في استبعادها وإخضاعها ، فيقول أرسطو في كتابه " السياسة " إن المدن اليونانية لها الحق في أن تتقدم معا لفتح أراضي الشعوب البربرية , وهذا الحق يصبح واجبا بمجرد أن يصبح مستندا إلى قوة عسكرية، تعطي الأمر بالنصر".

أما الرومان فقد كان القانون المدني الروماني لا يطبق إلا على الرومان دون غيرهم

كما يبين لنا هذا العرض السريع وجود نوع من المجتمعات الدولية سبقت نشوء المجتمع الدولي المعاصر. رغم أن العلاقات الدولية آنذاك كانت محدودة جغرافيا وموضوعيا ورغم هذا وجدت عناصر مشتركة بين هذه المجتمعات يمكن تلخيصها في ما يلي:

1- الاعتراف بوجود كيانات سياسية متمايزة تتمتع بشخصيات معنوية مستقلة.

2- الاعتراف بإمكانية تمثيل هذه الكيانات لدى بعضها البعض من قبل ممثلين معتمدين دائمين أو مؤقتين.

3-الإقرار بإمكانية قيام علاقات قانونية بين هذه الكيانات تتضمن حقوقا وواجبات متبادلة.

4-الاعتقاد السائد في كافة هذه المجتمعات بأن التعهدات المتخذة وفقا لشروط شكلية معينة تعتبر ملزمة للأطراف(1).

المجتمع الدولي في العصور الوسطى

يرى أغلب فقهاء القانون الدولي أن العصر الوسيط بدأ بسقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية سنة 476 وأنتهى بسقوط الإمبراطورية الرومانية الشرقية سنة 1453.

المجتمع الإسلامي في العصر الوسيط:

للحضارة الإسلامية دور هام في نشر وتعميق القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان ولا تزال في وقتنا الحاضر قادرة على التأثير في تطوير وإثراء مبادئ القانون الدولي وتنظيم العلاقات الدولية , فمن مبادئ الإسلام أن: الشريعة الإسلامية شريعة دينية ودنيوية عالمية حضارية رسالة للبشرية كافة، ويتجلى ذلك في قوله تعالى:" بعد بسم الله الرحمن الرحيم: " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا " (سبأ الآية 28)، " يأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا" (الأعراف الآية 52) . كما أن الإسلام رسالة سلام " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله" (الأنفال الآية 61) .

وكما هو معروف فإن تثبيت السلم يتوقف على مدى احترام العهود والالتزام بها، لذلك نجد أن الإسلام أكد على الوفاء بالعهود " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا" (الإسراء الآية 34) ، كما قدم احترام العهود على نصرة المستضعفين لها لقداسة العهود في الإسلام " وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق".

أما في مجال القانون الدولي الإنساني فإن الإسلام كقاعدة عامة لا يقر بشرعية الحرب إلا استثناءا في حالة الدفاع " قاتلو في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" أو تحقيق مبدأ حرية الأديان لتأمين حرية الدعوة الإسلامية، وحث الإسلام على إتباع السلوك الإنساني في حالة قيام الحرب بين المسلمين وغيرهم، إذ وصى الرسول صلى الله عليه وسلم جيوشه قائلا: " انطلقوا باسم الله وبالله وعلى بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تقتلوا شيخا فانيا ولا إمرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين".

تقسيم المجتمع الدولي في الفقه الإسلامي:

يرى أغلبية الفقهاء أن هناك ثلاثة أقسام هي : - دار السلام، ، دار العهد , دار الحرب .

وقامت علاقات سلم وحرب بين الدارين خلال ما يزيد عن ثمانية قرون، خاصة الحروب الصليبية التي عرفت ما بين سنتي 1095 و 1270 ثماني حملات، ثم جاء دور الخلافة الإسلامية مرة أخرى في العهد العثماني ( 1326م – 1923م) .

استقبالالتطور التاريخي للمجتمع الدولي > نشأة المجتمع الدولي في المرحلة القديمة<سابقموالي >