حالات التفسير (أسباب التفسير)
وهي الحالات التي تجعل القاضي أو الفقيه أو المشرع يتدخل للبحث عن مضمون القاعدة القانونية، لأنه أصلا لا اجتهاد في مورد النص، فاذا كانت الصياغة واضحة المعنى والالفاظ فان الأمر يقتصر على التطبيق دون التأويل، ويكون التفسير في الحالات التالية:
حالة وجود خطأ
يمكن أن يكون خطأ مادي كاراد لفظ غير مقصود أو سقوطه وكان من الاجدر ذكره ولا يستقيم المعنى الاّ بتصحيحه، مثال ذلك عندما ينص قانون العقوبات على "المعاقبة بالسجن من 10أيام الى شهرين"، فالعقوبة هنا لا تتناسب مع السجن الذي هو في الحقيقة يتراوح بين 05سنوات الى 20سنة، وبعد التصحيح يصبح النص "يعاقب بالحبس من 10أيام الى شهرين"فلفظ الحبس تجعل من النص مستقيم المعنى.
أما الخطأ القانوني هو استعمال الالفاظ أو المصطلحات القانونية التي لا تعبر عن المعنى الصحيح، وذلك بإضافة عبارة زائدة لا قيمة لها في النص كما هو وارد في نص المادة 92/1من القانون المدني الجزائري المعدل والمتمم والتي تنص على أنه "يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا ومحققا"، فكلمة "محققا"اعتبرها الفقه زيادة.
وفي مثال آخر كأن يكون محتوى النص "يقدر القاضي التعويض المناسب للخطأ"، والصواب هو "يقدر القاضي التعويض الذي يتناسب وحجم الضرر"لأن التعويض مقرر لجبر الضرر الناتج عن الخطأ.(2)[1]
حالة النقص
وهي حالة ما أغفل المشرع ذكر لفظ أو عدة ألفاظ أو عبارات وألفاظ شاملة المعنى لا يستقيم المعنى من دونها، أين يتعين على القاضي خاصة في تطبيق النص إضافة أو تكملة النص ليستوي المعنى، مثلا تمديد حكم الضرر المادي الى حكم الضرر المعنوي من طرف القاصي خاصة قبل وجود نص يمنح إمكانية التعويض عنه (الضرر المادي)، لأن المشرع لم ينظم كافة الحالات التي تستوجب التعويض، فالمفسر هنا يكمل النقص اعتمادا على قصد المشرع.
حالة التعارض
بمعنى حالة وجود تناقض في نص تشريعي واحد أو حتى في نصين مختلفين أو أكثر في موضوع واحد يستحيل الجمع بينهما لوجود تناقض، وبالتالي على المفسر إزالة التعارض مع مراعاة تدرج النصوص القانونية وحداثة النص من قدمه، بمعنى أن يكون التعارض للقوانين التي تكن في نفس الدرجة، كقانون عادي يعارض قانون عادي أو تشريع فرعي يعارض تشريع فرعي، أما إذا كانت القوانين مختلفة في الدرجة فلا يوجد هناك تعارض كأن يعارض التشريع الفرعي التشريع العادي هنا لا يوجد تعارض، أو عند تعارض القانون الجديد مع القانون القديم هنا نأخذ بالقانون الجديد ولا يوجد هناك تعارض.
حالة غموض النص
هو استعمال المشرع ألفاظ ومصطلحات مبهمة وعبارات غير واضحة المعنى، يمكن أن تحمل أكثر من مدلول مما يدفع بالقاضي أو الفقيه أو المفسر أثناء التفسير الأخذ بالمفهوم الأقرب للمعنى.
فالغموض في النص يحمل أكثر من تفسير بسبب العبارات المبهمة، فيعمل القاضي على استخلاص المعنى المقصود عبر التأمل في عبارات النص الى تطبيقه، وأفضل مثال على الغموض عبارة "الليل"التي تتضمنها المادة 353/2من قانون العقوبات المعدل والمتمم: "اذا ارتكبت السرقة ليلا..."، اعتبارها المشرع كظرف مشدد للعقوبة دون أن يحدد مفهوم الليل، لذلك يستعدي الأمر بتفسيرها اما الأخذ بالمفهوم العام الظلام، أو المفهوم اللغوي أو المعنى الفلكي الفترة بين غروب وشروق الشمس، ولكن المدلول المتعارف عليه هي الفترة التي يخيم فيها الظلام من اليوم، كما أنّ القاضي سيعتمد في تقديره للمصطلح على اختلاف الأوضاع والفصول والأماكن.