البنيان القانوني للجريمة
-الركن الشرعي
قانون العقوبات هو الذي يحدد الجرائم أي الأفعال غير المشروعة ويضع لها عقابا، فلا وجود لجريمة بدون نص تشريعي المادة 1 من قانون العقوبات الجزائري ويقصد بالرّكن الشّرعي للجريمة الصّفة الغير مشروعة للفعل بشرط ألا يكون هناك سبب من أسباب الإباحة.
خضوع الفعل لنص التّجريم
ويقصد بنص التّجريم النّص القانوني الوارد في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له، ومن البديهي أنّ القانون يتضمن نص تجريم عام تخضع له كل الأفعال المحظورة، وإنّما يتضمن عددا من نصوص التّجريم بقدر عدد الأفعال التي يحظرها، كما يحدد المشرع الشروط التي يتطلبها الفعل حتى يخضع لهذا النّص ويصبح فعلا مشروعا.
واشتراط خضوع الفعل لنص التّجريم يعني حصر مصادر التّجريم والعقاب في النّصوص التّشريعية وبهذا الحصر ينشأ مبدأ أساسي والذي يطلق عليه " مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات" وهو المبدأ المرادف لتعبير "لا جريمة ولا عقوبة أو تدبير أمن بغير نص قانوني" المادة 1 من قانون العقوبات.
عدم خضوع الفعل لسبب من أسباب الإباحة
*ما يأمر أو يأذن به القانون
تنص المادة 39 من قانون العقوبات الجزائري على أنّه: "لا جريمة إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون، ولم يحدد النّص الأفعال التي تدخل في نطاق الإباحة لذلك فإنّ النّص له مدلول عام ومطلق على جميع الأفعال سواء كانت هذه الأفعال من قبيل القتل أو الضرب أو غيرها من الأفعال.
إذ أنّ المشرع الجزائري لم يحدد الأفعال التي يبيحها أمر القانون ولم يحصرها في أفعال معينة طبقا
ويبدو من ظاهر النّص أنّ الشرط الوحيد لاعتبار الفعل مباحا أن يأمر أو يأذن به القانون ولكن تحت هذا الشرط تندرج شروط وتطبيقات متعددة.
*أمر القانون:
تنفيذ أمر القانون يتخذ بشكل التّنفيذ المباشر لأمر القانون، كما يتخذ شكل استعمال سلطة شرعية لاختصاصها الذي حدده القانون، وتعتبر الأفعال التي أمر بها القانون سواء مباشرة أو تنفيذ لأوامر السّلطة أفعالا مباحة لا يعاقب عليها، فأمر القانون يكفي بمفرده عندما يوجه هذا الأمر إلى فرد معين سواء أكان هذا الفرد موظفا أو شخصا عاديا.
كما هو الحال في حالة قيام شخص بالقبض على الجاني في حالة تلبس بجناية أو جنحة أو اقتياده إلى أقرب مركز للشرطة وهو ما تنص عليه المادة 61 من قانون الإجراءات الجزائية.
كما يمكن أن يندرج تحت أمر القانون قيام الطّبيب تطبيقا لقوانين الصّحة العامة بالتّبليغ عن حالة مرض معدي يجب الإبلاغ عنه، ولا يعتبر في هذه الحالة مرتكبا لجريمة إفشاء السّر المهني المعاقب عليها بنص المادة 301 من قانون العقوبات، ففي هذه الحالة هناك أمر مبرر صدر عن قاعدة قانونية ويجب على الكافة احترام هذا الأمر وتنفيذه وتعتبر الأفعال التي تقع لهذا الأمر أفعالا مباحة.
*إذن القانون:
استعمل المشرع لفظ إذن القانون ويقصد من هذا التّعبير أنّ بإذن القانون لصاحب الحق
في استعمال حق، فلاشك إذا قرّر القانون حقا اقتضى ذلك بالضرورة إبادة الوسيلة إلى استعمال هذا الحق، أي إباحة الأفعال التي تستهدف الاستعمال المشروع للحق، سواء للحصول على ما يتضمنه من مزايا أو لمباشرة ما يخوله من سلطات وأساس اعتبار استعمال الحق مسببا للإباحة وجود تحقيق الإنسان بين قواعد القانون، إذ أنّه من غير المعقول أن يقدر القانون حقا ثم يعاقب على الأفعال التي تستهدف استعمال هذا الحق.
ومثال على ذلك العقاب التأديبي الذي يكون للأب والوصي والأم وهو كذلك للولي عند عدم وجود الأب والذي يقصد التّهذيب والتأديب، فإذا خرج من مضمونه استوجب الفعل المساءلة وأن يكون من حيث وسيلته محدودا أي ان يكون خفيفا بغير تعب.
*حق مباشرة الأعمال الطّيبة:
فالعمل الطّبي هو نشاط يتفق في كيفيته وظروف مباشرته مع القواعد المقررة في علم الطّبيب ويهدف إلى شفاء المريض وعلاجه وتخليصه من آلامه أو التّحقيق من حدّتها وحتى يأذن به القانون يجب أن يقوم بالعمل شخص رخص له القانون بمزاولة هذا العمل، وأن يكون أيضا رضاء المريض، فالقانون يرخص للطّبيب علاج المريض إذا دعاه إلى ذلك فرضاء المريض لسبب الإباحة، وإنّما سبب الإباحة إذن القانون للطّبيب بمباشرة مهنة الطّب.
* حق ممارسة الألعاب الرّياضية:
والتي تفترض ممارسة العنف والمساس بسلامة جسم اللاعب كما هو عليه الحال في الملاكمة
أو المصارعة ولا تعتبر الأفعال التي تمس بسلامة جسم اللاعب في ممارسة الرّياضة أفعال غير مشروعة ولا يسأل مرتكبها مسؤولية جنائية وإباحة هذه الألعاب يجب توافر شروط وهي:
- أن تكون اللّعبة من الألعاب التي يعترف بها العرف الرّياضي؛
- أن يكون العنف أو الأفعال التي أفضت بسلامة الجسم قد ارتكبت أثناء المباراة الرّياضية؛
- أن يكون هناك اتساق بين الفعل الذي مس بسلامة جسم اللاعب وبين قواعد اللّعبة المتعارف عليها فإذا خرج اللاعب عن هذه القواعد متعمد إيذاء اللاعب الآخر كان مسؤولا عن جريمة عمدية، وإن كان خروجه عليها نتيجة خطأ غير عمدي فهو مسؤول عما يترتب على فعله مسؤولية غير عمدية
* الدّفاع الشّرعي
الدّفاع الشّرعي هو استعمال القوة اللازمة لصد خطر اعتداء حال وغير مشروع، وهو يعتبر حقا عاما تقرره القوانين في مواجهة الكافة ويقابله التزام النّاس باحترامه وعدم مقاومة استعماله، لذلك يعدّ غير مشروع كل فعل يفوق استعمال الدّفاع الشّرعي، بل أنّ المعتدي لو قاوم أفعال الدّفاع تعتبر مقاومته غير مشروعة لأنّها مقاومة لاستعمال حق مشروع قرّره القانون.
ولقد اقتبس المشرع الجزائري نصوص المواد 327 و328 من قانون العقوبات الفرنسي القديم
في المادة المادة 39 -2 والمادة 40 من قانون العقوبات الجزائري، ولكي يتحقق الدّفاع الشّرعي لابد من توافر شروط والتي تتمثل في:
الشروط الواجب توفرها في الخطر:الخطر هو اعتداء محتمل أي أنّه اعتداء لم يقع بعد ويستهدف الدّفاع الحيلولة دون تحققه بتحويل الخطر ويستوي ألا يتحقق الاعتداء على الإطلاق أو أنّ يتحقق في جزء منه، فالخطر قائم في حالتين والدّفاع المتصور، أمّا إذا تحقق الاعتداء كله فلا محل للدّفاع كما أنّه إذا لم يكن ثمة خطر على الإطلاق، لأنّه لم يرتكب فعل أو ارتكب فعله ولكنه لا يهدد بخطر فلا محل للدّفاع، وقد اشترط القضاء الفقه في فرنسا شروطا معينة في الخطر وهي شروط يتضمنها أيضا نص قانون العقوبات الجزائري وهذه الشروط:
* أن يهدد الخطر النّفس أو المال
توسع المشرع الجزائري في تحديد الخطر الذي يقوم به الدّفاع الشّرعي فنص على أنّ الدّفاع قد يكون عن النّفس أو عن نفس الغير كما قد يكون عن المال، سواء مال المدافع أو مال الغير ولم يتطلب أية صلّة تربط بين صاحب الحق المعتدى عليه.
* أن يكون الخطر حالا
وهو ما يعبر عنه النّص بلفظ "الضرورة الحالة" للدّفاع المشروع، فإذا زال الخطر أو تحقق الاعتداء فلا محل للدّفاع ويسأل المعتدى عليه جنائيا عن العنف الذي استعمله ضد المعتدي بعد وقوع الاعتداء، لأنّ القانون يعتبر استعمال العنف في هذه الحالة من قبيل الانتقام الفردي والذي يعاقب عليه ومع ذلك فإنّ المعتدى عليه يستفيد في هذه الحالة من الظروف المخففة بسبب الاعتداء الذي وقع عليه.
كذلك إذا كان الخطر ليس إلا محتملا أو مستقبلا أو كان لدى المعتدى عليه فسحة من الوقت الكافي لإبلاغ السّلطات العامة ووضع نفسه تحت حمايتها فلا محل للدّفاع لأنّ الخطر ليس حالا.
الخطر الوهمي: على أنّ الخطر قد يكون وهميا أو تصوريا، فقد يعتقد شخص أنّه مهدد بخطر حال فيقوم بأعمال الدّفاع ثم تبين أنّ هذا الخطر لم يكن له وجود إلا في مخيلته
* أن يكون الخطر غير مشروع
يعتبر الخطر غير مشروع إذا كان يهدد باعتداء على حق يحميه القانون الجنائي، بمعنى يهدد بتحقق نتيجة إجرامية معينة، فمن يهدد شخص بسلاح في يده ينشأ بفعله هذا خطرا يهدد حق المعتدى عليه في الحياة، وهو حق يحميه القانون الجنائي يتحقق الوفاة وهي نتيجة إجرامية تقوم بها جريمة القتل التي يعاقب عليها القانون الجنائي، ولذلك يعدّ الخطر الذي بنشاط هذا الفعل خطرا غير مشروع.
ويترتب على اعتبار الصّفة غير المشروعة للخطر شرطا من شروط الدّفاع نتيجتان:
النّتيجة الأولى:
أنّ لا محل لقيام الدّفاع الشّرعي إذا كان الخطر الذي يهدد الشّخص هو خطر مشروع ويترتب على هذه النتيجة أنّه لا محل للدّفاع الشرعي إذا كان الفعل المنشأ خاضعا لسبب إباحة فالخطر يكون مشروعا في هذه الحالة.
الحالة الثانية: أنّ الدّفاع الشّرعي جائز ضد كل خطر غير مشروع ويترتب على إساءة استعمال السّلطة ضد الأفراد.
*الشروط المتطلبة في فعل الدّفاع:
يفترض الدّفاع الشرعي قيام المعتدى عليه بأفعال من شأنها صد عدوان المعتدي ودرء الخطر الذي يتهدده من هذا الاعتداء.
- أن يكون فعل الدّفاع لازما لدرء الخطر
يشترط في فعل الدّفاع أن يكون لازما لدرء الخطر فإذا كان المدافع يستطيع التّخلص من الخطر الذي يهدده عن طريق فعل لا يعد جريمة ولا يستطيع الاحتجاج بالدّفاع الشّرعي إلا إذا توفر شرطين:
الشرط الأول: أن يثبت المدافع أنّه لم يكن يستطيع التّخلص من الخطر بغير الفعل الذي ارتكبه.
الشرط الثاني: ثبوت عدم إمكان تخلص المدافع من الخطر بغير فعل الدّفاع ولكن هذا الشرط يثير مشكلين:
-هل استطاع المدافع الالتجاء إلى السّلطات العامة تحول دون احتجاجه بالدّفاع الشّرعي؟
- هل استطاع المدافع الهروب من المعتدي تحول دون إباحة فعل الدّفاع؟.
بالنّسبة للمشكلة الأولى فإنّ نص المادة 39-2 من قانون العقوبات يقضي بأن تكون هناك حالة ضرورة الدّفاع الشّرعي.
أمّا بالنّسبة للمشكلة الثانية فالقاعدة أنّ للمهدد بلا خطر الصمود ومواجهة الخطر بأفعال الدّفاع الملائمة، فالدفاع حق والهرب مشين ولا يجبر صاحب الحق على النزول عن حقه والالتجاء إلى مسلك يشينه.
الشرط الثاني: من شروط لزوم فعل الدّفاع فهو أن يثبت اتجاه فعل الدّفاع إلى مصدر الخطر
فلا محل لإباحة الدّفاع إذا وجه إلى غير مصدر الخطر، فإذا نزل المعتدى عليه مصدر خطر يهدده ووجه فعله إلى شخص آخر لا يصدر عنه خطر، فلا محل لاحتجاجه بالدّفاع الشرعي، فمن يهاجمه شخص لا يجوز له أن يوجه فعل دفاعه إلى غيره، ومن يهاجمه حيوان فلا يجوز له أن يترك الحيوان ويطلق النار على مالكه.
* أن يتناسب فعل الدّفاع مع جسامة الخطأ
لقد أباح القانون الدّفاع الشّرعي ولكن في القدر الضروري لدرء الخطر، أمّا إذا تجاوز فعل الدّفاع القدر الضروري أصبح الدّفاع غير ضروري ولا مبرر لإباحته.
وشرط تناسب فعل الدّفاع مع جسامة الخطر هو الشرط الوحيد الذي جاء بنص المادة 39-2 والتي تنص على ما يلي: "بشرط أن يكون الدّفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء".
والصّعوبة التي تثار هنا تتعلق بتحديد معيار هذا التناسب، إذ أنّ تحديده يحتاج إلى دقة بالغة نظرا لتنوع الاعتبارات والظروف التي قد تحيط بكل حالة.
فمثلا:
- قد لا تكون تحت تصرف المعتدى عليه أداة تماثل ما يستعمله المعتدي.
- قد يتفاوت المعتدي والمعتدى عليه في القوة البدنية تفاوتا كبيرا.
- قد يسبب الاعتداء فزعا للمعتدى عليه فلا يحسن التّصرف ويخطئ في تقدير جسامة الفعل الذي يقوم به لدرء الخطر.
ووضع معيار التناسب بين فعل الدّفاع والخطر يقتضي منا توضيح الاعتبارات التي قد تساعد على وصفه.
يعد فعل الدّفاع متناسبا مع جسامة الخطر إذا انطوى على استخدام قدر من العنف لا يجاوز القدر الذي كان يستخدمه شخص معتاد أحاطت به نفس الظروف التي أحاطت بالمدافع
الركن المعنوي
يشترط توافر إرادة جنائية صدر عنها الفعل غير المشروع ويقصد بالإرادة الجنائية، إرادة الإنسان المدرك المميز واختياره الحر للقيام بالفعل غير المشروع، لذلك يتعين أن تكون إرادة الجاني معتبرة قانونا حتى تعدّ عنصرا في الجريمة.
فإذا انتفت هذه الإرادة فلا تقوم المسؤولية الجنائية ويطلق على الأسباب التي تجرد الإرادة من قيمتها القانونية، بمواقع المسؤولية الجنائية، وهي الأسباب التي تجرد الإرادة من القيمة القانونية، فقد حصر المشرع موانع المسؤولية
في الجنون بنص المادة 47 من قانون العقوبات والتي تنص على أنّه: "لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة..."، والإكراه: تنص المادة 48 من قانون العقوبات على ما يلي: "لا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها".
وصغر السّن والذي تنص عليه المادة 49 (القانون رقم 14-01، المؤرخ في 04 فبراير سنة 2014) لا يكون محلا للمتابعة الجزائية القاصر الذي لم يكمل عشر (10) سنوات، بما يلي: "لا توقع على القاصر الذي يتراوح سنه من 10 إلى أقل من13 سنة إلا تدابير الحماية أوالتّهذيب.
ومع ذلك فإنّه في مواد المخالفة لا يكون محلا إلا للتّوبيخ.
ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 سنة إمّا لتدابير الحماية أو التّهذيب أو لعقوبات مخففة".
فإذا اثبت أن الإرادة كانت معتبرة قانونا فهي توصف بأنّها إرادة جنائية، أمّا صور الإرادة الجنائية فهي القصد الجنائي أو الخطأ الغير العمدي والقصد الجنائي يقصد به اتجاه الإرادة إلى الفعل ونتيجته.
أمّا الخطأ غير العمدي فيقصد به اتجاه الإرادة إلى الفعل دون النتيجة على الرّغم من أنّه في وسع الجاني ومن واجبه أن يتوقع النتيجة وأن يحول دون حدوثها، أو أنّ الجاني توقع النتيجة وأراد أن يحول دون حدوثها ولكن اعتمد على احتياط غير كاف فحدثت على الرّغم من ذلك.
الركن المادي
الرّكن المادي للجريمة هو الفعل أو الامتناع الذي بواسطته تنكشف الجريمة ويكتمل جسمها، ولا توجد جريمة بدون ركن مادي إذ يغير ماديتها لا تصاب حقوق الأفراد أو الجماعة بأي اعتداء، تنقسم عناصر الرّكن المادي إلى ثلاثة عناصر :
الفعـــل
يشمل الفعل السّلوك الإيجابي أو الحركة العضوية الصادرة من عضو في جسم الجاني، كمل يشمل الفعل أيضا الامتناع باعتباره صورة من السّلوك السّلبي والذي يطلق عليه الفعل السّلبي، والفعل عنصر من عناصر الرّكن المادي سواء كانت الجريمة عمدية أم كانت غير عمدية، والفعل له قيمة قانونية ذاتية فهو الذي يرسم حدود سلطات المشرع الجنائي وهو الذي يوصف بأنّه غير مشروع ويقرر له القانون عقوبة حالة ارتكابه، وتقتضي الدّراسة التّمييز بين الفعل الإيجابي والفعل السّلبي أو الامتناع.
*الفعل الإيجابي
يعرف الفعل الإيجابي بأنّه حركة عضوية إرادية.
فالفعل الإيجابي كيان مادي يتمثل فيما يصدر عن مرتكبه من حركات انتفاء تحقيق آثار مادية معينة، فالجاني يريد إحداث وفاة إنسان ويتصور الوسيلة إلى ذلك في إطلاق عيار ناري فيحرك يده للضغط على السّلاح.
ويترتب على اعتبار الحركة العضوية عنصرا في الفعل الإيجابي نتائج هامة، فالفعل الإيجابي لا يقوم بفكرة حيسية في نفس صاحبها، ولا يقوم حتى بالعزم أو التّصميم إذ تنقصه الحركة العضوية.
والحركة العضوية لا تعني دائما الحركة اليدوية، ففي جرائم القذف أو السّب بعد القول هو الفعل، وبذلك فإنّ الحركة العضوية هي حركة اللّسان بالنّطق بألفاظ القذف أو السّب...
ويشترط في الحركة العضوية أن تكون إرادية بمعنى أنّ تصدر عن إرادة، وأهمية الصّفة الإرادية في كيان الفعل الإيجابي واضحة، إذ تؤدي إلى استبعاد كل حركة غير إرادية، فمثلا من يصاب بإغماء مفاجئ أثناء سيرة فيقع على طفل ويصيبه بجراح لا يعد مرتكبا لفعل إصابة تماما.
إنّ المكرة لا يرتكب فعلا في اصطلاح القانون وإنّما يعد الفعل صادرا عن الشّخص الذي سيطر على حركات المكرة واتخذه أداة لا إرادة لها.
وفي هذا تكمن التّفرقة بين الإكراه المادي والإكراه المعنوي الذي سبق أن تعرضنا لها في دراسة حالة الضرورة، فالإكراه المادي يعدم الإرادة فيسلب الحركة العضوية صفتها الإرادية فينهار به الرّكن المادي للجريمة ولكن الإكراه المعنوي يفترض مخاطبه الإرادة والتأثير عليها وتوجيهها إلى الغاية التي يريدها من صور الإكراه المعنوي عنه، فالإرادة لا تنعدم ولكن حريتها في الاختيار تضعف، لذلك فإنّ الإكراه المعنوي لا يسلب الحركة صفتها الإرادية ولا تأثير للإكراه المعنوي على الرّكن المادي وإنّما يعدّ مانع من موانع المسؤولية ويقتصر تأثيره على الرّكن المعنوي.
*فعل الامتناع
الامتناع هو إحجام شخص عن إتيان فعل إيجابي معين كان المشرع ينتظره في ظروف معينة وذلك بشرط وجود واجب قانوني يلزمه بهذا الفعل ويشترط أن يكون في استطاعة الممتنع القيام به، ومن هذا التّعريف نستخلص العناصر الآتية:
1. الإحجام عن فعل إيجابي معين:
الامتناع ليس إحجاما مجردًا وإنّما هو موقف سلبي بالقياس إلى فعل إيجابي معين، ومن هذا الفعل الإيجابي يستمد الامتناع كيانه والقانون هو الذي يحدد هذا الفعل، فجريمة امتناع القاضي عن الحكم
في الدعوى تفترض إحجامه عن القيام بالإجراءات التي يحددها القانون للنظر في الدعوى والفصل فيها، وجريمة امتناع الأم عن إرضاع طفلها تفترض احجامها عن القيام بفعل الإرضاع ذاته.
-الواجب القانوني:
يستمد الامتناع أهميته القانونية من الأهمية التي يسبقها القانون على الفعل الإيجابي، فلا وجود للامتناع إلا إذا كان الفعل الإيجابي قد فرض فرضا قانونيا على من امتنع عنه.
- الصّفة الإرادية للامتناع:
يقتضي ذلك أن تكون الإرادة مصدر الامتناع، فإذا انعدمت الإرادة لا يمكن أن ينسب إليه فعل الامتناع، فمن أصيب بإغماء أو تعرض لإكراه مادي بينه وبين القيام بالفعل الإيجابي (أي الواجب القانوني) لا ينسب إليه خلال فترة الإغماء أو الإكراه أي امتناع
النّتيجة
النّتيجة هي التّغيير الذي يحدث كأثر للسّلوك الإجرامي، ففي جريمة القتل كان المجني عليه حيا قبل أن يرتكب الجاني فعله ثم أصبح ميتا على أثر هذا الفعل، فالوفاة هي النّتيجة في القتل وفي السّرقة كان المال في حيازة المجني عليه قبل أن يرتكب الجاني فعله، ثم أصبح في حيازة أخرى بعد ارتكاب الفعل، ومن ثم كان انتقال الحيازة هو النّتيجة في السّرقة وبالتالي فإنّ التغيير الذي يحدث كأثر للسّلوك الإجرامي يطلق عليه المدلول المادي للنّتيجة.
وهذا المدلول المادي لنتيجة له تكييف قانوني، فإنّ الآثار المادية التي أنتجها السّلوك الإجرامي تفسر قانونيا على أنّها تشكل في النّهاية اعتداء على حق يحميه القانون.
فالاعتداء على الحق الذي يضع له القانون حماية هو التّكييف القانوني للنتيجة المادية التي خلقها السّلوك الإجرامي، فجريمة القتل أو نتيجتها وهي وفاة المجني عليه ترتب عليها آثار متعددة منها تشويه الجثة أو دفنها أو حرمان عائلة المجني عليه من مورد رزقها.
كل هذه الآثار ليست موضوع اهتمام القانون بالنّسبة لجريمة القتل، وإنّما موضع اهتمام القانون هو الاعتداء على الحق الذي يحميه وهو الحق في الحياة وهذا الاعتداء والذي نجم عنه وفاة المجني عليه.
النتيجة عنصر في الرّكن المادي لكل جريمة:
إنّ النّتيجة بمدلولها القانوني أي تحقق الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون هي شرط ضروري لتوفر الرّكن المادي في كل جريمة، ولكن إذا نظرنا إلى النّتيجة في مدلولها المادي وهو التّغيير الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للسّلوك الإجرامي، فإنّنا نجد أنّ هناك بعض الجرائم لا يتوفر فيها التّغيير الذي يحدث كسلوك إجرامي، فمثلا جرائم الامتناع لا تحدث النّتيجة فيها أي تغيير فامتناع القاضي عن الحكم في الدعوى مطروحة عليه سلوك إجرامي ولكنه لم يحدث أي تغيير في العالم الخارجي وذلك بعكس جرائم القتل والجرح والضرب مثلا التي تحدث تغييرا في العالم الخارجي.
وللتّغلب على هذه الصّعوبة فقد فرّق الفقه بين نوعين من الجرائم وبالرّغم من وجوب توفر النتيجة في كلا النّوعين، إلا أنّ صور هذه النّتيجة قد تختلف من نوع إلى آخر وهذان النّوعان هما جرائم الخطر وجرائم الضرر.
ونخلص من ذلك إلى القول بأنّ تحقق النّتيجة شرط ضروري لتوافر الرّكن المادي، فإذا كانت الجريمة عمدية وتخلفت النّتيجة فالمسؤولية تقتصر على الشروع، أمّا إذا كانت الجريمة غير عمدية فلا قيام لها ما لم تتحقق نتيجتها إذ لا شروع في الجرائم غير العمدية.
علاقة السّببية
علاقة السّببية هي الصّلة التي تربط بين الفعل والنتيجة وتثبت أنّ ارتكاب الفعل هو الذي أدى
إلى حدوث النتيجة، وعلاقة السّببية ليست فكرة قاصرة على علم القانون، وإنّما يتسع نطاقها لكافة فروع العلم فكل علم يجتهد في تحديد الصّلات السّببية بين الظواهر التي يدرسها.
والأهمية القانونية لعلاقة السّببية في غنى عن البيان فهي التي تربط الرّكن المادي وكيانه فعلاقة السّببية تسند النّتيجة إلى الفعل فتقرر بذلك توافر شرط أساسي لمسؤولية مرتكب الفعل عن النتيجة وهي بذلك تساهم في تحديد نطاق المسؤولية الجنائية باستبعاد هذه المسؤولية إذا لم ترتبط النتيجة بالفعل ارتباطا سببيا، فمثلا من أعطى لأخر سما وتعاطه الآخر فمات بتأثير هذا السّم، فلا جدال في أنّ النتيجة وهي الوفاة ترتبط ارتباطا سببيا بالفعل أي أنّ الفعل هو إعطاء السّم هو السّبب المباشر للنتيجة وهي الوفاة.
أمّا إذا تعاطى الشّخص السّم ولكنه قبل أن يبدأ مفعوله انتابته نوبة قلبية قضت عليه فلا جدال في أنّ النتيجة لا علاقة لها بالفعل، ولم يكن للفعل أي تأثير على حدوث النتيجة.
لذلك انتفت علاقة السّببية فإنّ مسؤولية مرتكب الفعل تقتصر على الشروع إذا كانت جريمته عمدية، فإذا كانت غير عمدية فلا مسؤولية عنها، إذ لا شروع في الجرائم غير العمدية وعلى هذا النّحو كانت علاقة السّببية عنصرا من عناصر الرّكن المادي وشرطا لقيام المسؤولية الجنائية
قلنا أنّ علاقة السّببية هي صلة بين ظاهرتين ماديتين الفعل والنتيجة، ودورها هو بيان أثر الفعل في إحداث النتيجة، ويتحديد علاقة السّببية لا يثير صعوبة إذا لم تشترك عوامل أخرى مع فعل الجاني
في إحداث النتيجة.
فمثلا أطلق شخص على آخر عيارا ناريا أرداه قتيلا، فلا جدال في أنّ فعل الجاني هو السّبب الوحيد لحدوث النتيجة فعلاقة السّببية قائمة وواضحة، ولكن الصّعوبة تثور في حالة ما إذا فعل الجاني واحد من عوامل متعددة ساهمت في إحداث النتيجة أم هل يجب أن يكون للفعل أهمية خاصة.
وقد يصعب أحيانا تحديد علاقة الفعل بالنتيجة بعد تدخل عوامل متعددة أدت إلى حدوث النتيجة.
*نظرية التعادل بين الأسباب (Equivalence des conditions) : تقرر هذه النّظرية المساواة بين جميع العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة ويقتضي ذلك القول بأنّ علاقة السّببية تقوم بين فعل الجاني والنتيجة إذا ثبت أنّ أحد الأفعال ساهم في إحداث النتيجة بالرّغم من أنّ العوامل الأخرى التي ساهمت في إحداث النتيجة تفوقه أهمية.
تقود هذه النّظرية إلى القول بقيام علاقة السّببية بين الفعل والنتيجة إذا ساهمت مع فعل الجاني عوامل طبيعية أو ضعف صحي أو مرض سابقا كذلك تقوم علاقة السّببية إذا ساهم مع فعل الجاني عوامل غير طبيعية.
وحجة أنصار هذه النّظرية بأنّه إذا كانت النّتيجة قد حدثت على أثر تعاقب مجموعة من العوامل ساهمت في إحداثها وكان فعل الجاني واحدًا من هذه العوامل وبدون هذا الفعل، فإنّ العوامل الأخرى كانت عاجزة عن إحداث النتيجة فمعنى ذلك أنّ فعل الجاني هو الذي أعطى هذه العوامل الأخر الصلاحية لإحداث النتيجة وهو الذي أمدها بقوة السّببية.
لذلك فمعيار السّببية لدى أنصار هذه المدرسة "يعد الفعل سببا للنتيجة إذا كان يترتب على تخلفه انتفاء هذه النتيجة"، أسس "فون بوري" (Von Buri) هذه النّظرية وأخذ بها القضاء الجنائي في ألمانيا.
نقد النّظرية:تبدو عيوب هذه النّظرية إذا افترضنا أنّ فعل الجاني وإن كان لا يحول دون تحقق النتيجة، إنّما يؤدي إلى حدوثها في وقت آخر فالمجني عليه في هذه الأمثلة كان ميتا في جميع الأحوال أي أن تخلف فعل الجاني ما كان يؤثر في النتيجة التي كانت ولا محال ولكنّه عجل بهذه النتيجة، وتطبيقا لهذه النّظرية فإنّ علاقة السّببية لا تتوافر في هذه الأمثلة، وهو قول يؤدي إلى انتفاء مسؤولية الجناة وهو ما لا يمكن قبوله.
ولكن بالرّغم من هذا التعديل فإنّ نظرية تبادل الأسباب تعتمد على المنطق المجرد وتنظر إلى النتيجة الإجرامية باعتبارها مجرد ظاهرة مادية وإنّ حدوثها كان ثمرة مجموعة من العوامل التي لا تنتج أثرها ما لم تتضافر من أجل ذلك مجموعة عديدة من العوامل.
يعني أنّ هذه النّظرية تضع في اعتبارها جميع العوامل التي ساهمت مع فعل الجاني في إحداث النتيجة وبذلك يتسع نطاق المسؤولية الجنائية للجاني بتحقق علاقة السّببية بين فعله وبين النتيجة ولو كانت بعيدة. في حين أنّه من العدالة الاقتصار على العوامل ذات الأهمية القانونية التي ساهمت مع فعل الجاني في إحداث النتيجة واستبعاد العوامل الأخرى وبذلك يمكن حصر آثار فعل الجاني في نطاق محدود والبحث عن علاقة السّببية في المجال القانوني.
*نظرية السّببية الكافية:(السبب المباشر (Causalité adéquate)) : تذهب هذه النّظرية إلى التّفرقة بين العوامل المختلفة التي تعاقبت حتى حدوث النتيجة والاعتداد ببعضها دون البعض، فهناك عوامل تتضمن اتجاها إلى النّتيجة وميلا نحوها وتكمن في هذه العوامل الإمكانيات الموضوعية التي من شأنها إحداثها، إنّ علاقة السّببية تقوم –في نظر أصحاب هذه النّظرية- بين هذه العوامل والنتيجة وعلى ذلك يجب استبعاد بعض العوامل في التّسلسل السّببي الذي قاد إلى النّتيجة، فطبقا لهذه النّظرية يتم هذه الاستبعاد على مرحلتين[:
المرحلة الأولى: استبعاد العوامل الشاذة غير المألوفة فيجب الاقتصار على العوامل المألوفة.
المرحلة الثانية: استبعاد بعض الظروف من النتيجة واعتبار النتيجة سببا للعوامل المألوفة التي قادت إليها، ومثال ذلك: أصاب شخص آخر بجراح ونقل المصاب إلى المستشفى حيث نشب حريق فمات المصاب محترقا.
فطبقا لمذهب السّببية الكافية يجب استبعاد حريق المستشفى من التّسلسل السّببي الذي ابتداءً من فعل الجاني وقاد إلى وفاة المصاب.
كما أنّه يجب استبعاد فعل الجاني من النتيجة التي حدثت، فتعتبر النتيجة أنّها "وفاة إنسان عن طريق الحريق".
وعلى ذلك يمكن إيجاز خصائص نظرية السّببية الكافية على النّحو التالي:
- تنظر نظرية السّببية الكافية إلى النّتيجة باعتبارها نوعا معينا من النّتائج الإجرامية بعد تجريد التّسلسل السّببي من تفاصليه واستبعاد بعض العوامل التي ساهمت فعلا في إحداثها.
تحصر هذه النّظرية نطاق علاقة السّببية في أضيق نطاق لأنّها لا تضيف إلى الفعل غير محدود من العوامل فتنحصر آثاره في نطاق ضيق، بعكس نظرية التّعادل بين الأسباب إلى تضخم من آثار الفعل إلى مدى بعيد، كما في مثل احتراق المستشفى ووفاة المجني عليه المصاب.
- تتصف هذه النّظرية بالموضوعية، فهي لا تعتمد على توقع الجاني للنّتيجة ولا تبحث عن ظروف الجاني لمعرفة عما إذا كان في استطاعته توقيع النتيجة من عدمه، فهي تعتمد على ما يكمن
في الفعل من إمكانيات موضوعية تقود إلى النتيجة سواء كان الجاني في وسعه العلم بالعوامل أم لم يكن في وسعه ذلك ما دام الشّخص الذي يتمتع بأوسع الإمكانيات الذّهنية كان في وسعه العلم بها، كما في حالة وفاة المجني عليه المصاب بعد تلوث جراحه أو بسبب ضعفه الصّحي أو لإصابته بمرض سابق... إلى آخره.
- لا تعتمد هذه النّظرية في بحثها عن علاقة السّببية في التّحقق من التّسلسل السّببي الذي قاد من الفعل إلى النتيجة، ولكنّها تتناول الفعل في ذاته ويقدر الإمكانيات التي تنطوي عليها ويكون من شأنها إحداث النّتيجة التي وقعت مثلا في حالة من أشعل النّار في منزله وجاء أحد وأضاف كمية من الوقود فازدادت النيران اشتعالا وتسببت في هلاك صاحب المنزل.
فإنّ هذا المثل طبقا لنظرية التبادل بين الأسباب لا تقوم علاقة السّببية بين فعل كل من الشّخصين والنتيجة التي وقعت، ولكن طبقا لنظرية السّببية الكافية فإنّنا إذا تناولنا أي من الفعلين في ذاته سواء إشعال النّار أو إضافة كمية من الوقود لوجدنا أنّ الإمكانيات الموضوعية لأي من الفعلين كان من شأنها إحداث النتيجة وهي وفاة صاحب المنزل محترقا وبذلك تقوم علاقة السّببية بين النتيجة وأي الفعلين.
عيوب نظرية السّببية الكافية: يؤخذ على هذه النّظرية أنّها ركزت على الإمكانيات الموضوعية للفعل وجعلت منها جوهر النّظرية باعتبار هذه الإمكانيات من عناصر السّببية أي العناصر التي قادت من الفعل إلى النّتيجة فهذه الإمكانيات تربطها بين الفعل والنّتيجة على أنّ الإمكانيات الموضوعية للفعل هي من خصائص الفعل وصفاته، فربّما تتوفر الإمكانيات الموضوعية لقتل شخص في فعل إطلاق النّار ولكنّه قد لا يؤدي ذلك بالضرورة إلى إحداث الوفاة.
*نظرية السّبب الأقوى: قال بهذه النّظرية "بيركميير" "Birkmeyer" وتتلخص في أنّه إذا كانت العوامل التي ساهمت مع الفعل تتفاوت من حيث قوتها ومقدار مساهمتها في إحداث النتيجة، فإنّه لاشك أنّ هناك عملا أقوى من غيره من العوامل ويجب اعتبار هذا العامل سببا للنتيجة، أمّا إذا ساهمت في إحداث النتيجة مجموعة من الأفعال، فكل منها على حده سبب لها طالما أنّ مساهمته أقوى من مساهمة العوامل الأخرى، وقد انتهت هذه النّظرية بذلك إلى أنّ جميع العوامل الهامة تصبح أسبابا للنّتيجة فيما عدا أقلها شأنا وبذلك لم يعد هناك سبب أقوى من غيره.
وهذه النّظرية غير صالحة للتّطبيق على القانون إذ أنّها لم تضع مقياسا يحدد مقدار مساهمة كل عامل في إحداث النتيجة ويبين أقواها مساهمة، كما أنكرت هذه النّظرية على فعل الإنسان صفته الإرادية فجمعت بينه وبين العوامل الطبيعية التي تساهم في إحداث النتيجة وأغفلت أنّ الفعل الإنساني ليست له طبيعة محادية فحسب ولكن له أيضا طبيعته الإرادية الواعية التي تتيح له أن يسيطر على العوامل الأخرى، لقد أغفلت هذه النّظرية طبيعة الفعل الإنساني من بين العوامل التي تساهم في النتيجة وطبقت عليه معيارا لا يصلح لغير القوى الطّبيعية.