المحاضرة الثانية

ماهية قواعد الإسناد

يكون هناك تضارب بين قوانين الدول المختلفة في حالات العلاقات ذات الطابع الدولي، مما يتعين على القاضي أو المحكم أن يحدد أي قانون سيكون هو الأكثر ملاءمة وتنطبق عليه الظروف الخاصة بالقضية بأفضل شكل لتحقيق العدالة. وهذا يتطلب فهمًا دقيقًا للقواعد القانونية والمبادئ المتعلقة بتحديد القانون المعمول به في حالات التنازع القانوني الدولي، ويكون هذا من خلال قواعد الإسناد التي تلعب دور المرشد للقاضي إلى القانون الواجب التطبيق على العلاقة القانونية محل النزاع كونه القانون الملائم لحل النزاع والذي قد يكون وطنيا أو أجنبيا.

تعرف قواعد الإسناد

تعرّف قواعد الإسناد بأنّها تلك القواعد القانونية التي ترشد القاضي إلى القانون الواجب التطبيق على النزاع المشتمل على عنصر أجني، فهدفها هو اختيار القانون الأكثر ملاءمة وتحقيقاً للعدالة من وجهة نظر المشرع الوطني من بين القوانين المتزاحمة لحكم العلاقة القانونية، وبالتالي فقواعد الإسناد تقوم بالدور الأساسي لحل مشكلة تنازع القوانين، وعرفها الدكتور أحمد إبراهيم بأنها: القواعد التي تكون وظيفتها الأساسية هي الإشارة أو الإسناد إلى قانون يتولى حل النزاع في العلاقات ذات الطابع الدولي.

ويعرف الدكتور جابر جاد عبد الرحمن قواعد الإسناد بأنها: القواعد الوطنية التي يضعها المشرع الوطني وتشير إلى تطبيق القانون الواجب التطبيق في العلاقات ذات العنصر الأجنبي، هدفها تحقيق العدالة والمنفعة ولا تصطدم بمصالح الدولة العليا أو السياسية، يتضح من هذا التعريف بأن لكل دولة قواعد إسناد خاصة بها قد تكون متضمنة في القانون المدني أو غيرها من القوانين وقد تكون بشكل قانون مستقل كما قد يتم تنظيمها عن طريق اتفاقيات دولية.

إذًا تعرف قواعد الإسناد بشكل عام بأنها: القاعدة التي يتم الاعتماد عليها من طرف القاضي في تحديد القانون الواجب التطبيق، مثال، جزائري تزوج بتونسية حدث بينهم خلاف عرض على القاضي الجزائري هذا الأخير وقع في حيرة من أمره حول أي القانون سيطبق القانون الجزائري أم القانون التونسي، وبالتالي سيذهب إلى قواعد الإسناد التي تحدد له القانون الواجب التطبيق على النزاع المعروض عليه، على هذا الأساس تعتبر قاعدة الإسناد المؤشر أو بوصلة التي توجه القاضي، كما أنها الوسيلة التقليدية التي يستخدمها القانون الدولي الخاص للوصول إلى القانون الواجب التطبيق.

وقواعد الإسناد متنوعة بتنوع العلاقات القانونية، فبعضها خاص بالأهلية والحالة وبعضها بالزواج وطلاق، وهناك وما هو خاص بالميراث والوصية ومنها ما هو متعلق بالأموال المادية والمعنوية(5)[1]، فهي إذن تشبه مكتب الاستعلامات الموجود في سكة الحديد والذي التي تقتصر مهمته على التوجيه والإرشاد للمسافرين.

مثال

عندما يعرض على القاضي الوطني الفرنسي نزاع من قبل بلجيكيين يتعلق بتركة وريثهم الفرنسي، يتعين على القاضي الرجوع إلى قاعدة الإسناد الخاصة بالميراث في القانون الفرنسي المادة 60 والتي تنص على: خضوع الميراث لجنسية المورث وقت الوفاة (6)[2]، نلاحظ هنا أن قاعدة الإسناد في المادة 60 قد لعبت دور مكتب الاستعلامات أرشدت القاضي إلى الحل من خلال تطبيق القانون الوطني الفرنسي لأنه الأصلح لحكم هذه العلاقة.

أهمية قواعد الإسناد

تبرز أهمية قواعد الإسناد في القانون الدولي الخاص في ما يلي:

1. تحقيق العدالة والإنصاف في فض النزاعات، وتطبيق القوانين الواجبة على الأطراف المتنازعة، من خلال دورها في توجيه القاضي أو المحكم في اختيار القانون الذي ينطبق على النزاع بشكل صحيح وملائم، مما يساهم في تحقيق العدالة وحماية حقوق الأطراف.

2. الحفاظ على النظام القانوني الدولي، وتحقيق التناسب بين تدخل القوانين الدولية والوطنية في فض النزاعات.

3. تشجيع التعاون بين الدول وتقوية العلاقات الدولية، من خلال اعتماد قواعد الإسناد في فض النزاعات المشتركة بين الدول.

4ّ. توحيد القوانين: قواعد الإسناد تساعد في توحيد الممارسات القانونية عبر الحدود، حيث يتم تحديد القانون المعمول به بطريقة منطقية وموضوعية تخدم المصالح المشروعة للأطراف.

5. تعزيز الثقة في النظام القانوني: عندما يعرف الأفراد والشركات والمؤسسات أن هناك قواعد محددة لاختيار القانون المعمول به في النزاعات الدولية، يمكنهم الاعتماد على نظام قانوني موثوق وشفاف.

6. تعزيز التنبؤ: قواعد الإسناد تساعد في توقع النتائج القانونية للنزاعات الدولية، مما يساعد الأطراف على اتخاذ قراراتهم بشكل مدروس ومبني على أساس قانوني.

7. تقليل التكاليف والوقت: من خلال توجيه القاضي أو المحكم إلى القانون المعمول به بشكل سريع وفعال، يمكن تقليل التكاليف القانونية والوقت المستغرق في إجراءات التحكيم أو المحاكمة.

نتيجة : بشكل عام، يمكن القول إن قواعد الإسناد تسهم في تحقيق العدالة وتوحيد الممارسات القانونية في النزاعات الدولية، وتعزيز الثقة في النظام القانوني ككل.

  1. إسحاق إبراهيم منصور، نظريتا القانون والحق وتطبيقاتها في القوانين الجزائرية، ديوان المطبوعات الجامعية: الجزائر، 2001.

    مطبوعة جامعية

  2. -

    Code civil français، https://codes.droit.org/PDF/Code%20civil.pdf

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بواسطة سيناري (نافذة جديدة)