مفهوم التنازع القوانين وشروط قيامه
تنازع القوانين هو مفهوم أساسي في مجال القانون الدولي الخاص، حيث يتعلق بالتحديد والتطبيق الملائم للقوانين في حالات التعارض بين قوانين مختلفة تنطبق على نفس الواقع القانوني أو العلاقة القانونية. وقد اشتهر هذا المفهوم باسم "تنازع القوانين"، وتتعلق أهمية تنازع القوانين بالحاجة إلى تحديد القانون المناسب لتطبيقه في حالات التعارض بين القوانين المختلفة، وهذا يعكس أهمية البحث عن القانون الأكثر ملائمة للتطبيق في الوضع القانوني الذي تكون فيه العلاقات القانونية متعددة الجنسيات.
تعريف تنازع القوانين
يعرف التنازع في القانون الدولي الخاص(Conflict of Laws) على أنه نزاع بين طرفين كل طرف يسعى إلى تغليب الحق في حكم العلاقة المشتملة على عنصر أجنبي لنفسه، ويعرف كذلك بأنه تزاحم قانونين متعارضين أو أكثر لحكم علاقة قانونية ذات عنصر أجنبي، أو هو التفاضل بين قانونين أو أكثر بشأن حكم علاقة أو وضع قانوني له صلة بأكثر من دولة .
وبالتالي تنازع القوانين يشير إلى الموقف القانوني الذي ينشأ عندما تكون هناك تعارضات أو تضاربات بين القوانين المختلفة التي يمكن تطبيقها على نفس الحالة أو العلاقة القانونية. وتكون هذه التعارضات شائعة في الحالات التي تنطوي على علاقات متعددة الجنسيات أو المتعلقة بمواقع جغرافية متعدد[1]ة(1)[1].
ويكون هناك تنازع للقوانين لما يكون القاضي أمام علاقة قانونية متعلقة بعدة دول لاشتمالها على عنصر الأجنبي فتطرح بذلك مشكلة اختيار القانون الأنسب لحكم هذه العلاقة من بين مجموعة من القوانين، على سبيل المثال، جزائري اشترى من فرنسي عقار في إسبانيا فما هو القانون الذي يجب أن يطبق على هذه العلاقة، هل هو القانون الفرنسي بما أنه البائع أم القانون الجزائري بما أنه المشتري أم القانون الإسباني بما أن العقار موجود في إسبانيا؟.
نتيجة: المقصود بتنازع القوانين كواحد من موضوعات القانون الدولي الخاص هو التنازع الدولي وليس التنازع الداخلي، أي التنازع الذي يقوم بين قوانين دول متعددة ومختلفة.
شروط قيام التنازع بين القوانين
بعد التعرف على المقصود من تنازع القوانين والقائم على المفاضلة بين قانونين وأكثر لتحديد القانون الأنسب لحكم العلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي، لابد من الإشارة إلى أنه هناك مجموعة من الشروط الذي يجب أن تتوفر حتى نتمكن من الحديث عن حالة تنازع القوانين، وتتمثل هذه الشروط في ما يلي :
1. الصفة الأجنبية في العلاقة القانونية: يشترط حدوث تنازع القوانين توفر الصفة الأجنبية في العلاقة القانونية، إذن فالعامل الأول في اثارة التنازع بين القوانين هو اتصال العلاقة بعنصر أجنبي والذي يتخذ ثلاثة أشكال: عنصر الأشخاص" الأطراف"؛ عنصر الموضوع؛ عنصر السبب.
2. تزاحم قانونين أو أكثر: نكون بصدد حاله تنازع القوانين عندما يكون هناك تزاحم بين قانونين أو أكثر لحكم العلاقة نفسها، ولابد أن يكون الحكم مختلف لأنه لو كان الحكم نفسه ليس هناك ضرورة لقيام التنازع بين الدول، فعلى سبيل المثال لو تبنت كل الدول نفس الأحكام بخصوص الأحوال الشخصية فالزواج والطلاق اذاً سيخضعان لنفس الأحكام وهذا لن يؤدي إلى التنازع، لكن إذا كان هناك اختلاف وقع التنازع، القانون الجزائري مثلا يتقبل التعدد في الزواج لكن القانون التونسي يرفض التعدد وهذا اختلاف واضح في قانون الأحوال الشخصية بين البلدين.
3. أن يكون التنازع بين القوانين الخاصة: من بين الشروط الأساسية لقيام تنازع القوانين هو أن يكون التنازع بين القوانين الخاصة ولا يقصد هنا أن يكون التنازع بين القوانين الخاصة لدولة واحدة، بل التنازع يكون بين قانون وطني خاص وقانون أجنبي خاص، مثل تنازع بين قانون الأحوال الشخصية البلجيكي وقانون الأحوال الشخصية الجزائري، مثال أخر: تقبل الجزائر في الزواج التعدد بينما ترفض ذلك تونس هنا نلاحظ أن الاختلاف كان في الأحوال الشخصية في الجزائر والأحوال الشخصية في تونس.
مثال: تنازع القوانين في القانون العائلي الجزائري والفرنسي وينشأ هذا التنازع عندما تختلف القوانين المطبقة في قضايا الزواج، والطلاق، وحضانة الأطفال، والإرث، وغيرها من القضايا ذات الصلة بالأسرة.
4. سماح المشرع الوطني بتطبيق القانون الأجنبي: يشترط في مجال تنازع القوانين أن يسمح المشرع بامتداد القانون الأجنبي في إقليم دولته، فالسماح بتطبيق القانون الأجنبي وهو نقطة البداية في التنازع، ولا يمكن تنفيذ القانون الأجنبي إلا بإذن المشرع الوطني، لذلك اشترط أن يكون هناك تسامح داخل كل دولة يسمح قانونها للقاضي بتطبيق قانون غير قانونه، بمعنى عدم تطبيق مبدأ الإقليمية القانونية بشكل مطلق والسماح بمبدأ امتداد القوانين والذي يقصد به تطبيق القانون على الأشخاص والأموال أو الوقائع خارج إقليم الدولة، فتمسك المشرع بمبدأ الإقليمية بصفة مطلقة لن يفتح المجال لتطبيق القانون الأجنبي وبالتالي لا مجال لتنازع لأن كل مشرع يتمسك بقانونه ومبدأ سيادته.
5. أن تكون القوانين المتنازع عليها صادرة عن دولة: كذلك من بين شروط تنازع القوانين أن تكون هذه الأخيرة صادرة عن دولة صاحبة سيادة معترف بها، أي لا تنطبق قواعد تنازع على النزاع الحاصل بين قانون دولة وقانون جماعة، وهذا ما أثار تساؤل حول ما اذا كان الاعتراف بالدولة أمر أساسي لتطبيق قانونها أم لا؟، وقد انبثق عن هذا التساؤل موقفين:
_ يرى الموقف الأول بأن عدم الاعتراف بالدولة يؤدي وجوباً إلى إنكار قانونها ويعتبر لا وجود له بالنسبة للقاضي، بالتالي التنازع مع قانون هذه الدولة لا يعتبر تنازعا دولياً بين القوانين، مثال ذلك إسرائيل فالجزائر لا تعترف بها كدولة وبالتالي لا تعترف بقانونها.
- يرى الموقف الثاني بأن عدم الاعتراف بالدولة لا يؤثر على قرار قبول تطبيق قانونها، وبالتالي لا يمكن تجاهل قوانينها كونها سارية المفعول على اقليمها التي تمارس سلطته عليها، كما أن الاعتراف هو مسألة سياسية ليس لها علاقة بالأفراد(2)[2].
